مقالاتمقالات مختارة

كيف تكون قراءة السير والتراجم؟

كيف تكون قراءة السير والتراجم؟

بقلم هدى عبد الرحمن النمر

مصنّفات السير والتراجم هي خير المرايا العاكسة لعصورها، وهي العمدة في تشكيل تصورات أصيلة ومتكاملة. لأنها نماذج تطبيقية كلّية لما نطالعه نظريًّا وجزئيًّا في كتب الفقه والحديث والتزكية والاعتقاد. والقرون الأُولى من أهل الإسلام أَوْلَى النماذج بالاقتداء لأنهم أقرب الأجيال قاطبة للسان العربيّ الخالص والسَّمْت العربي الأصيل، وأدناهم تمثّلًا حَسَنًا وصحيحًا لروح الديانة حين تَقَر في الأفئدة وتَسُود في التطبيق، بعد أن تستوعبها الأفهام وتُشربهَا العقول. وبهذا فهم نماذج للاقتداء بامتياز.

ويخطئ البعض فهم الاقتداء على أنه دعوة ساذجة وغير واقعية لاستنساخ تجارب قاطني الخيام وساكني الصحراء في القرن الحادي والعشرين ! وليس ذلك بصحيح. لأنّ التجارب من حيث هي تجارب لا يمكن استنساخها تمامًا، إذ هي رهينة بظروف وعوامل تهيّأت لها في حينها. وكثير من ظروف السَّلَف وعوامل أزمانهم لا يمكن بحال استجلابها في زماننا، ومنها أنه لن يتنزّل وحي من جديد لنعاصره، ولا نبيَّ بعد النبيِّ الخاتَم ليعيش بين ظَهْرَانينا.

وإنما مقصود الاقتداء ومنهجه غَمر النفس والفكر والروح في تلك الأدبيات، واستقراء سماتها العامة وسمات أهلها وقضاياهم وهمومهم. فمن ذلك الغَمْر والاستقراء يتشرّب المُطالع تلقائيًا فُسحة نفسيّة، وتتشكل في وعيه تصوّرات ذهنية عما ينبغي أن يكون شخصه في خير تمثّلاته للديانة حين كانت، فيقاربها ويحاكيها من بَعدُ على ما يستطيع.

مقصود الاقتداء ومنهجه غَمر النفس والفكر والروح في تلك الأدبيات، واستقراء سماتها العامة وسمات أهلها وقضاياهم وهمومهم

فالاقتداء لا يعني أنك ستكون نسخة كربونية عمن تقتدي به، لكن أنك تقاربه وتحاذي خَطوَه، راجيًا من خير ما وصل له ما يَقسِمه الله لك في زمانك وعصرك وبيئتك ومحيطك. وستجد في ذلك الإرث العظيم البشرية التي يرتضيها الله من خلقه، وكلّفهم على أساسها لا بالرغم منها، في مختلف هضابها وسهولها، واستوائها ووعورتها، وهمّتها وفتورها، وصوابها وأخطائها، واستقامتها ومنحياتها، ومحاسنها ومثالبها. ستشهد علمًا حيًا، وأحياء عالمين.

وكذلك فإنّ استحياء مثل تلك التصورات السويّة والتمثلًات المَهْدية في وَعْيِنا، يخفف من حدة الانبهار بما لدى النماذج البشرية غير المؤمنة بالله ولا المنضطبة بشَرعِه، ويجعلنا نُقبل عليها حين نقبل إقبال المُتثقِّف العام من عَلٍّ لا المُتلقِّف المُستَهام من سَفَل. فتلك النماذج الأجنبية مهما حازت ما حازت فهي مبتورة عن نور الله، ومهما أنجزت ما أنجزت فهي لا ترجوه عند الله .

استحياء القدوات السويّة والتمثلًات المَهْدية يخفف من حدة الانبهار بما لدى النماذج البشرية غير المؤمنة بالله ولا المنضطبة بشَرعِه، ويجعلنا نُقبل عليها حين نقبل إقبال المُتثقِّف العام من عَلٍّ لا المُتلقِّف المُستَهام من سَفَل

لذلك لا بدّ من غرسِ أصلٍ أصيل في نفسك تُقوِّم على أساسه الأصول الزائفة، وتغربل ما تشهد من تصورات وممارسات تزداد بُعدًا لا قربًا من روح الديانة والعربية بتقدم العصور (من المسلمين قبل غيرهم). أما الاكتفاء بالتسقّط العام للدروس المستفادة من قصص الناجحين بالجملة، على شاكلة التنمية البشرية، فلا يثمر غير محطّات معرفية وشذرات معلوماتية لا رابط بينها.

وأنفع المراجع لمثل ذلك الاستقاء هي متون السير والتراجم التي تَعرِض تاريخًا متكاملًا للشخصيات ببيئتها ومراحل نضجها وتقدمها، ويليها في درجة النفع الأفلام الوثائقية بحسب جدّية جهة إنتاجها ومنهج عرضها وتوثيق مادّتها. أما القصص المجتزأة المبثوثة في كتب الرقائق أو حكايات الناشئة، وهي لا تغني كثيرًا في تكوين تصور متكامل لقدوة حيّة.

ويُنصَح بالتوالي عند مطالعة سير المسلمين ثم غير المسلمين، لا الجمع بالتوازي بينهما، خاصة عند من لم ينضبط لديه التصوّر الشرعي المتكامل بما يعينه على غربلة مطالعاته. لأنّ صفاء الأجواء التخيّلية والتربوية التي يُشرَبُها المتعلّم من الشوائب الدخيلة يتطلّب صفاء المورد والمنهل. ثم حين تختمر في وعيه، سيمكنه أن يقارنها أو يعارضها بغيرها. أما الجمع بين الشرق والغرب في مبدأ التعلّم، فيؤدي للتلبّك الفكري والتداخل الثقافي ، لعدم رسوخ الكيان الإدراكي وأصالة الملكات العلمية لدى المسلم المعاصر غالبًا.

ومن المراجع المختارة:

– الشِّفا في التعريف بحقوق المصطفى – القاضي عِياض.
– السيرة النبوية لابن هشام.
– نور اليقين في سيرة سيد المرسلين – الخضري
– اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون – موسى بن راشد العازمي
– فقه السيرة النبوية – البوطي
– الشمائل المحمدية – الترمذي
– أم النبي – عائشة بنت الشاطئ
– خديجة بنت خويلد سيدة نساء العالمين – إبراهيم الجمل
– تراجم سيدات بيت النبوة – عائشة بنت الشاطئ
– صور من حياة الصحابيات – عبد الرحمن رأفت الباشا
– سيدات مُبَشّرات بالجنّة – محمد طعمة حلبي
– نساء الخلفاء – ابن السّاعي
– جامع أخبار النساء من سير أعلام النبلاء – أبو عبد الرحمن خالد بن حسين
– صور من حياة الصحابة – عبد الرحمن رأفت الباشا
– صور من حياة التابعين – عبد الرحمن رأفت الباشا
– رجال حول الرسول – خالد محمد خالد
– خلفاء الرسول – خالد محمد خالد
– سيرة عمر بن عبد العزيز – ابن الجوزي
– الأئمة الأربعة (أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد) – محمد أبو زهرة
– صحيح القصص النبوي – عمر سليمان الأشقر

ومن سير المعاصرين:

– على الجِسر – عائشة بنت الشاطئ
– حياتي بقلمي – نبوية موسى
– عائشة التيمورية – مي زيادة
– اثني عشر عامًا في صحبة أمير الشعراء – أحمد أبو العز
– مصطفى صادق الرافعي – سعيد العريان
– زكي مبارك: سيرة ذاتية – كريمة زكي مبارك
– مذكرات مصطفى محمود – السيد الحرّاني
– هكذا علمتني الحياة – مصطفى السباعي
– هذا والدي – البوطي
– ابن القرية والكُتّاب: ملامح سيرة ومسيرة – القرضاوي
– سيرة عقل يبحث عن الإسلام – محمد أسد
– رحلتي الفكرية – عبد الوهاب المسيري

ومن السلاسل:

– سلسلة شخصيات وسير ذاتية – الجزيرة الوثائقية
– في ظلال التربية النبوية – محمد حشمت
– سلسلة أعلام المسلمين – دار القلم بدمشق
– سلسلة أعلام العرب – وزارة الثقافة المصرية

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى