عرض نقدي للمنتجات الموجهة لدعم التواصل العالمي
] الصكوك ، سوق السلع ، إدارة السيولة ، إعادة الشراء ونحوها [
دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى اخوانه من الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الطيبين ، وصحبه الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد
فقد طلب مني الأخ الحبيب الأستاذ الدكتور محمد أكرم لال الدين ، المدير التنفيذي للأكاديمية العالمية للبحوث الشرعية في المالية الإسلامية – ماليزيا، أن أقدم ورقة بعنوان : عرض نقدي للمنتجات الموجهة لدعم التواصل العالمي ] الصكوك ، سوق السلع ، إدارة السيولة ، إعادة الشراء ونحوها [ ، للمؤتمر العالمي العاشر لعلماء الشريعة .
وهأنذا أقدمها استجابة لطلبه الكريم ، ومساهمة مني في تطوير منتجاتنا الإسلامية ، وسيكون حديثي حول نقد ما في هذه المنتجات ، وما في بعضها من التحايل ، ثم الحديث عن الحل الجذري الذي يجب أن يكون هدفنا الاستراتيجي في هذه المرحلة بعد مضيّ أربعة عقود من إنشاء أول بنك إسلامي.
وسأتحدث عن الحل الجذري الذي يتكون في نظري من:
(1) إصلاح النظام القانوني المصرفي بحيث يكون مسنجماً مع الاقتصاد الإسلامي القائم على الاقتصاد العيني ومع الصيرفة الإسلامية .
(2) ضرورة الاعتماد على البعد المقاصدي الذي يتكون من ستة مبادئ.
(3) ضرورة تطوير نظام الملكية في الفقه الإسلامي .
(4) ضرورة تطوير نظام الضمانات إذا ما اتجهنا إلى التعامل بالاقتصاد العيني ونظام المشاركات.
(5) ضرورة التفرقة بين ثلاثة أنواع من الأموال الموجودة في البنوك الإسلامية ، وهي أموال المساهمين ، والودائع العامة التي لا بد أن يحتاط لها من حيث الضمانات والمخاطر ، والأموال التي يكون لأصحابها الاستعداد لتحمل المخاطر في مقابل زيادة الأرباح ، فهذه الأموال يجب أن ترتب لها شركات خاصة ، ومحافظ ، أو صناديق استثمارية.
(6) ضرورة إيجاد بدائل حقيقية للمنتجات التي فيها بعض الشبهات .
هذا ما سأتحدث عنه بإذن الله تعالى ، داعياً الله تعالى أن يلهمنا الصواب ، ويعصمنا من الزلل والخلل في العقيدة والقول والعمل ، إنه حسبنا ومولانا ، فنعم المولى ونعم الموفق والنصير .
كتبه الفقير إلى ربه
علي محيى الدين القره داغي
نظرة إلى المنتجات السائدة ، وما في بعضها من تحايل:
الموضوع الأول : المرابحات عن طريق أسواق السلع والمعادن الدولية سواء كانت في لندن ، أو دبي أو غيرهما ، حيث إن التعامل فيها وفقاً للمرابحة الدولية لا تتجاوز الأوراق التي ينظمها الوسيط (البروكر) في الغالب الأكثر.
حيث تجري عمليات المرابحات في المعادن ، وبخاصة الألمنيوم ، والنحاس ونحوهما ، وتجري عن طريق السماسرة في بورصات السلع الدولية وبخاصة بورصة لندن للمعادن ، وبورصة شيكاغو ، والآن وجدت بورصتا دبي ، وماليزيا.
وأهم مميزاتها :
أ- أن هذه المرابحات تجري على معادن غائبة ، وبيع الغائب محل خلاف أجازه جماعة من الفقهاء .
ب- تقوم على عقد الوكالة .
ج- تمنح شهادات المخزون بأن السلعة متوافرة في المستودع الفلاني.
د- مؤجلة الثمن .
المشاكل الفقهية :
هذه الأمور كلها يمكن قبولها ، ولكن المشكلة الكبرى هي أن نظام البورصة العالمية في هذا المجال يقوم على أن من يتعامل معها فئتان :
الفئة الأولى : (وهي الأقل) تشتري السلع لاستهلاكها أو استعمالها كمن يشتري النحاس لاستعماله في صناعة الأسلاك الكهربائية مثلاً.
الفئة الثانية : وهم المضاربون (المجازفون) حسب عرف البورصة (وهم الأكثرية) يشترون المعادن ، ويبيعونها مباشرة ، فهؤلاء يشترط عليهم في العقود : أن لا قبض ، لأنه تترتب عليه مخاطرة في نظرهم ، وإنما للمشتري الحق في بيعها إلى طرف آخر[1].
(1) اشتراط عدم القبض :
وهذا الشرط يتعارض مع مقتضى عقد البيع ، لأن من شروط صحته القدرة على تسليم المعقود عليه ، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان[2]، وثبت بالاجماع على منع بيع الكالئ بالكالئ[3] ، وللسبب نفسه حرّم الله الميسر ، يقول ابن تيمية : (.. لأنه عقد وايجاب على النفوس بلا حصول مقصود لأحد الطرفين ، ولا لهما ، ولهذا حرّم الله الميسر الذي منه بيع الغرر، ومن الغرر ما يمكن قبضه وعدم قبضه ، والدواب الشاردة لأن مقصود العقد وهو القبض غير مقدور عليه) [4].
وقد صدر قرار رقم (63(1/7) من مجمع الفقه الاسلامي الدولي في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7-12 ذي القعدة 1412 الموافق 9 – 14 أيار (مايو) 1992م ، نص على اشتراط أن يكون محل العقد سلعة موجودة وأن يتضمن حق تسليم المبيع ، ونص كذلك على أنه : (لا يجوز بيع السلعة المشتراة قبل قبضها) بل نص على : (الطريقة الرابعة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرطاً يقتضي أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين، بل يمكن تصفيته بعقد معاكس. وهذا هو النوع الأكثر شيوعاً في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلاً)[5].
ثم أكد المجمع في دورته السادسة عشرة بدبي (دولة الإمارات العربية المتحدة) 30 صفر – 5 ربيع الأول 1426هـ، الموافق 9 – 14 نيسان ( إبريل ) 2005م ، كلَّ ما قرره في الدورة السابعة والدورة السادسة عشرة مع إضافات أخرى.
(2) ربط الثمن بمؤشر معين مثل لايبور، وله حالتان :
الحالة الأولى : ربطه بمؤشر معين مثل لايبور لمعرفة نسبة الرح فقط فهذا لا مانع منه .
الحالة الثانية : ربطه بأن يتم البيع أو الشراء بثمن محدد في أساسه ومتحرم في جملته ، وذلك بأن يربط بمؤشر معين ، حيث تحدث هذه الحالة عندما تكون المدة طويلة ، ويخاف أحد الطرفين من تغير أسعار الفائدة نزولاً أو هبوطاً ، وذلك بأن يبيع له البضاعة برأس مالها المدفوع فلنفترض مليون دولار ، مع ربح سنوي مرتبط بمعدل الفائدة (لايبور) فهذا يحدث جهالة كبيرة وغرراً فاحشاً منهياً عنه[6].
(3) عدم ذكر مكان التسليم ، وهذا ما يحدث في المرابحات الدولية لأن القبض غير موجود ، بل غير ممكن بسبب الشرط ، وهذه مخالفة أخرى .
(4) إهمال شرط الحق في الحصول على الشهادة الأصلية للمخزون ، وهذا يحدث كثيراً إذ لا يذكر في العقد شرط الحق في الحصول على شهادة المخزون الأصلية ، وهي الشهادة القانونية الوحيدة لوجود السلعة المحددة ، بل يكتفون بصورة منها ، وقد لاحظنا إرسال هذه الصور لأكثر من بنك في وقت واحد ، وهذا يؤدي إلى احتمالية بيع السلعة على الأوراق لأكثر من شخص في وقت واحد.
وأدهى من ذلك فإنه قد يشترط على البنك عدم الحق في المطالبة بشهادة المخزون الأصلية ، أو حتى صورتها ، وهنا تكمن الكارثة الكبرى الموغلة في الصورية والتحايل ، وذلك لأن هذا يؤكد عدم وجود السلعة ، أو أنها مبيعة لطرف آخر.
ربط المرابحات الدولية بقاعدة سدّ الذرائع:
رأينا في المرابحات الدولية بصورتها الراهنة هذه المخالفات ، والحيلة هنا تأتي من خلال العقود المرتبة في الظاهر أنها متوافرة الأركان والشروط ، وفي حقيقتها أن فيها مخالفات جوهرية .
وسدّ الذرائع يأتي هنا بمنع التعامل عن طريق المرابحات الدولية للمضاربات ، وفي الأسواق العالمية للمعادن.
الموضوع الثاني : التورق المنظم الذي صدر بحرمته قرار مجمع الفقه الإسلامي قرار رقم (179(5/19) ، نذكره بنصه :
أولاً: أنواع التورق وأحكامها:
1-التورق في اصطلاح الفقهاء: هو شراء شخص (المستورق) سلعة بثمن مؤجل من أجل أن يبيعها نقداً بثمن أقل غالباً إلى غير من اشتُريت منه بقصد الحصول على النقد. وهذا التورق جائز شرعاً، شرط أن يكون مستوفياً لشروط البيع المقررة شرعاً.
2-التورق المنظم في الاصطلاح المعاصر: هو شراء المستورق سلعة من الأسواق المحلية أو الدولية أو ما شابهها بثمن مؤجل يتولى البائع (المموّل) ترتيب بيعها، إما بنفسه أو بتوكيل غيره أو بتواطؤ المستورق مع البائع على ذلك، وذلك بثمن حال أقل غالباً.
3-التورق العكسي: هو صورة التورق المنظم نفسها مع كون المستورق هو المؤسسة والممول هو العميل.
ثانياً: لا يجوز التورقان (المنظم و العكسي) وذلك لأن فيهما تواطؤاً بين الممول والمستورق، صراحة أو ضمناً أو عرفاً، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة وهو ربا.
ويوصي بما يلي:
(أ) التأكيد على المصارف والمؤسسات المالية الإسلامية باستخدام صيغ الاستثمار والتمويل المشروعة في جميع أعمالها، وتجنب الصيغ المحرمة والمشبوهة التزاماً بالضوابط الشرعية بما يحقق مقاصد الشريعة الغراء، ويجلي فضيلة الاقتصاد الإسلامي للعالم الذي يعاني من التقلبات والكوارث الاقتصادية المرة تلو الأخرى.
(ب) تشجيع القرض الحسن لتجنيب المحتاجين للجوء للتورق. وإنشاء المؤسسات المالية الإسلامية صناديق للقرض الحسن. والله أعلم) [7].
وقد كتبت كتاباً حول التورق المصرفي بين التورق المنضبط والتورق المنظم ، فصلت فيه القول ورجحت فيه القول بجواز التورق العادي المنضبط ، وحرمة التورق المنظم غير المنضبط[8].
الموضوع الثالث : المرابحة العكسية التي صدر بحرمتها قرار مجمع الفقه الإسلامي (قرار رقم 179(5/19) وهو القرار الذي ذكرته في التورق المنظم ، حيث سماه المجمع : بالتورق العكسي فحرّمه أيضاً.
علاقة التورق المنظم والمرابحة العكسية بسدّ الذرائع والحيل والبُعد المقاصدي :
إن التورق المنظم ، والمرابحة العكسية يتمان في الغالب الأكثر عن طريق المرابحات الدولية في سوق السلع والمعادن التي ذكرناها في السابق ، ولدى التعمق في هذين المنتجين نرى أنه لا تتوافر فيهما شروط البيع الصحيح ، كما أنهما لا تتحقق بهما مقاصد الشريعة من التنمية ، ومقاصد البيع من التسليم والتسلم ، والتبادل الحقيقي ، وإنما هما عقدان صوريان للوصول إلى الربا ، فهما ينطبق عليهما قول ابن عباس رضي الله عنهما : (بيع درهم بدرهمين بينهما حريرة)[9] ، وقد نص المجمع في قراره السابق رقم (197(5/19) على أن فيهما – أي التورق المنظم ، التورق العكسي – 🙁 تواطؤاً بين الممول ، والمستورق صراحة ، أو ضمناً ، أو عرفاً ، تحايلاً لتحصيل النقد الحاضر بأكثر منه في الذمة ، وهو ربا).
ويزداد عقد المرابحة العكسية سوءاً وإشكالية من حيث يترتب عليه تحقيق الضمان حيث إن العميل يأتي إلى البنك ليضمن رأس المال والربح بَدَلَ الودائع الاستثمارية التي تقوم على المضاربة الشرعية ، وإذا استجاب البنك ، فإنه يقوم بعملية تورق منظم ، ومرابحة عكسية ، أي يكون البنك الآمر بالشراء ، والعميل يكون هو القائم بعملية المرابحة ، ويصبح الثمن الناقص حسب نسبة المرابحة ملكاً للبنك ، وأن العميل مقرض للبنك ، فمثلاً لو كان المبلغ مليون ريـال ، واتفق العميل والبنك على أن ربح العميل 10% مثلاً لمدة عام كامل ، حينئذ يقوم البنك نيابة عن العميل بشراء سلعة دولية بمبلغ مليون ريـال ، ثم يشتريها من العميل بمبلغ مليون ومائة ألف ريـال لمدة عام كامل ، وبالتالي أصبح هذا المبلغ ديناً في ذمة البنك ، وفي هذا مخاطر كبيرة ، لأن البنك الإسلامي يدخل في الاستثمارات المباشرة وغيرها وبالتالي يمكن أن يتعرض لمخاطر في حين أن الأموال التي أخذها مضمونة برأس مالها ، وفائدتها ، وهنا يحدث عدم التوازن بين حالتي الأخذ والصرف ، ومن هنا تفرض القوانين على البنوك التقليدية أن لا تدخل في أي استثمار بأموال المودعين لأنها أخذت الأموال مع فوائدها مضمونة ، فكيف يسمح لها بأن تصرفها فيما فيه شيء من المخاطر ، فما دامت قد أخذت الأموال مضمونة بفوائدها ، فلا بدّ أن تعطيها قرضاً مضموناً بفوائده.
وأن مآلات هذين العقدين (التورق المنظم ، والمرابحة العكسية ) ديون أو قروض بفوائد دون تبادل حقيقي بين السلع والخدمات ، ولا تحريك للأسواق ، وإنما تعامل في الأوراق ، وان المستفيد الأكبر هو الوسيط (البروكر) حيث يأخذ نسبة في كل عملية ، فقد أنتجت المرابحات الدولية للبنوك الإسلامية وغيرها عدداً من الوسطاء الأغنياء كان الأولى بهذه الأموال أن تذهب للمتعاملين عن طرق عقود مباشرة.
الموضوع الرابع : الإجارة المنتهية بالتمليك في بعض صورها :
إن المؤسسات المالية الإسلامية حريصة على تطبيق عقود الإجارة المنتهية بالتمليك حسب صورها المقبولة شرعاً .
وقد صدرت بشأنها عدة قرارات من أهمها : قرار رقم 110(4/12) حيث بيّن ضواط الصورة الجائزة ، والصور الممنوعة ، نذكره بنصه :
الإيجار المنتهي بالتمليك:
أولا: ضابط الصور الجائزة والممنوعة ما يلي:
أ- ضابط المنع: أن يرد عقدان مختلفان، في وقت واحد، على عين واحدة، في زمن واحد.
ب- ضابط الجواز:
1. وجود عقدين منفصلين يستقل كل منهما عن الآخر، زمانا بحيث يكون إبرام عقد البيع بعد عقد الإجارة، أو وجود وعد بالتمليك في نهاية مدة الإجارة. والخيار يوازي الوعد في الأحكام.
2. أن تكون الإجارة فعلية وليست ساترة للبيع.
ج- أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك لا على المستأجر وبذلك يتحمل المؤجر ما يلحق العين من غير تلف ناشئ من تعدي المستأجر أو تفريطه، ولا يلزم المستأجر بشيء إذا فاتت المنفعة.
إذا اشتمل العقد على تأمين العين المؤجرة فيجب أن يكون التأمين تعاونيا إسلاميا لا تجاريا ويتحمله المالك المؤجر وليس المستأجر.
د- يجب أن تطبق على عقد الإجارة المنتهية بالتمليك أحكام الإجارة طوال مدة الإجارة وأحكام البيع عند تملك العين.
ه-تكون نفقات الصيانة غير التشغيلية على المؤجر لا على المستأجر طوال مدة الإجارة.
ثانيا: من صور العقد الممنوعة:
أ- عقد إجارة ينتهي بتملك العين المؤجرة مقابل ما دفعه المستأجر من أجرة خلال المدة المحددة، دون إبرام عقد جديد، بحيث تنقلب الإجارة في نهاية المدة بيعا تلقائياً.
ب- إجارة عين لشخص بأجرة معلومة، ولمدة معلومة، مع عقد بيع له معلق على سداد جميع الأجرة المتفق عليها خلال المدة المعلومة، أو مضاف إلى وقت في المستقبل.
ج- عقد إجارة حقيقي واقترن به بيع بخيار الشرط لصالح المؤجر، ويكون مؤجلا إلى أجل طويل محدد (هو آخر مدة عقد الإيجار).
د- وهذا ما تضمنته الفتاوى والقرارات الصادرة من هيئات علمية، ومنها هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
ثالثا: من صور العقد الجائزة:
أ- عقد إجارة يُمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به عقد هبة العين للمستأجر، معلقا على سداد كامل الأجرة وذلك بعقد مستقل، أو وعد بالهبة بعد سداد كامل الأجرة، وذلك وفق ما جاء في قرار المجمع بالنسبة للهبة رقم 13(1/3).
ب-عقد إجارة مع إعطاء المالك الخيار للمستأجر بعد الانتهاء من وفاء جميع الأقساط الإيجارية المستحقة خلال المدة في شراء العين المأجورة بسعر السوق عند انتهاء مدة الإجارة، وذلك وفق قرار المجمع رقم 44(6/5).
ج- عقد إجارة يمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة في مدة معلومة، واقترن به وعد ببيع العين المؤجرة للمستأجر بعد سداد كامل الأجرة بثمن يتفق عليه الطرفان.
د- عقد إجارة يمكِّن المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، مقابل أجرة معلومة، في مدة معلومة، ويعطي المؤجر للمستأجر حق الخيار في تملك العين المؤجرة في أي وقت يشاء، على أن يتم البيع في وقته بعقد جديد بسعر السوق، وذلك وفق قرار المجمع السابق رقم 44(6/5)، أو حسب الاتفاق في وقته.
رابعا: هناك صور من عقود التأجير المنتهي بالتمليك محل خلاف وتحتاج إلى دراسة تعرض في دورة قادمة إن شاء الله تعالى.
صكوك التأجير: قرر المجمع تأجيل موضوع صكوك التأجير لمزيد من البحث والدراسة ليطرح في دورة لاحقة. والله الموفق؛؛)[10] .
ولكن هناك بعض التطبيقات الخاطئة ، منها :
(1) العقد الذي ينظم العلاقة بين البنك المؤجر ، والمستأجر على أساس أن البنك المؤجر لا يتحمل أي مسؤولية من مسؤوليات الملكية من ضمان التلف والنقص ، فيحملها على المستأجر ، فهذا العقد ليس إجارة ، بل هو عقد صوري للتمويل بفائدة ، لأن العقد باطل ، وتصبح الزيادة ربا محرماً.
(2) العقد الذي يشترط فيه أن تتم ملكية الأصل المؤجر للعميل بمجرد دفع الأقساط المحددة – على تفصيل في ذلك- أي أن يصاغ العقد على أن تملك المستأجر للأصل المؤجر يتم تلقائياً بعد دفع الأقساط. وهو باطل حسب قرار المجمع رقم 110(4/12).
(3) العقد الذي ينص على تقسيم ثمن الأصل مع أرباحه على زمن قصير فتكون الأقساط غير مناسبة بشكل واضح مع أجرة المثل ، فالحل هنا هو أن تكون الأجرة مناسبة ، ثم يتم بيع الأصل إلى العميل بالثمن الذي يتم الاتفاق عليه.
(4) العقد الذي يتضمن عقد إجارة ناجز ، وعقد بيع معلق على شرط سداد أقساط الإجارة في المدة المحددة .
ومن المعلوم أن البيع المعلق على زمن مستقبلي أبطله جماهير الفقهاء قديماً وحديثاً ، وان هذه الصورة المذكورة للإجارة المنتهية بالتمليك قال بمنعها وبطلانها مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره السابق قرار رقم 110(4/12) في فقرة ثانياً ، حيث ذكرها ضمن صورة العقد الممنوعة شرعاً ، وكذلك قال بالمنع هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية .
فهذه الصورة كلها من الصور الممنوعة شرعاً ، وبالتالي فيجب سدّ أي وسيلة أليها.
الموضوع الخامس : التحايل وسدّ الذرائع في الصكوك :
لا شك أن للصكوك الحقيقية دوراً عظيماً في تحريك الأسواق واستثمار الأموال ، وتحقيق السيولة والمساهمة في التنمية الشاملة ، ولكنها أصاب بعضها ما أصابها من التحايل ، فدفعها إلى الخروج عن مقاصدها الحقيقية ، فأصبحت بمثابة سندات مع عناء كبير في إخراجها في مظهر الصكوك.
ومن المعلوم أن هناك فروقاً جوهرية بين الصكوك والسندات من أهمها أن الصكوك لا بد ّان تمثل ملكية للأعيان ، او المنافع ، أو الحقوق ، وأن حملتها هم مالكون لها مباشرة ، أو عن طريق شركات مملوكة لهم ، أو وكيلة عنهم.
كما أن للصكوك مقاصد مهمة في المساهمة في التنمية الشاملة ، ودعم النشاط الاقتصادي ، وترسيخ الاقتصاد العيني والنفعي بحيث لا تكون مجرد ائتمان وعمل في دائرة الديون.
وقد وضع مجمع الفقه الإسلامي الدولي في قراره رقم 30(5/4) مجموعة من الضوابط لإجازة الصكوك ، نوجزها فيما يأتي :
1- أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله ، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته .
2- أن تتوافر الأركان والشروط المطلوبة في العقود التي قام الصك عليها ، وأن تنتفى الموانع لصحتها ، وأن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعاً في تلك العقود.
3- أن لا يتم تداول الصكوك إلاّ بعد أن تتحقق الغلبة للأعيان والمنافع .
وبالتالي فلا يجوز تداول صكوك المرابحة ، أو التي كان محلها الذهب ، أو الفضة مطلقاً إلاّ بشروط عقود الصرف وبيع الديون.
4- أن يد المضارب ، والشريك ، والوكيل يد أمانة ، ولا يضمن إلاّ بسبب من أسباب الضمان المشروعة.
5- لا يجوز أن تشمل الصكوك على نص بضمان المضارب لرأس المال (وكذلك الشريك والوكيل) ، ويجوز لطرف ثالث أن يقدم ضمانات لرأس المال على أن يكون التزاماً مستقلاً عن عقد المضاربة.
6- لا يجوز أن تتضمن على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقاً أو مضافاً للمستقبل ، ولكن يجوز أن تتضمن وعداً ملزماً بالبيع بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضى بها الطرفان.
7- ولا يجوز أن تتضمن نصاً يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح ، وإلاّ كان العقد باطلاً[11].
وقد فصّل هذه المعاني بصورة واضحة المعيار الشرعي الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ، المعيار رقم 17 الخاص بصكوك الاستثمار كما أكده قرار المجلس الشرعي لـ AAOIFI، نذكره لأهميته :
أولاً: يجب أن تمثل الصكوك القابلة للتداول ملكية حملة الصكوك بجميع حقوقها والتزاماتها، في موجودات حقيقية من شأنها أن تتملك وتباع شرعاً وقانوناً، سواء أكانت أعياناً أم منافع أم خدمات، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند (2) وبند 5\1\2. ويجب على مدير الصكوك إثبات نقل ملكية الموجودات في سجلاته وألا يبقيها في موجوداته.
ثانياً: لايجوز أن تمثل الصكوك القابلة للتداول الإيرادات أو الديون ، إلا إذا باعت جهة تجارية أو مالية جميع موجوداتها، أو محفظة لها ذمة مالية قائمة لديها ودخلت الديون تابعة للأعيان والمنافع غير مقصودة في الأصل وفق الضوابط المذكورة في المعيار الشرعي رقم (21) بشأن الأوراق المالية.
ثالثاً: لا يجوز لمدير الصكوك، سواء أكان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار أن يلتزم بأن يقدم إلى حملة الصكوك قرضاً عند نقص الربح الفعلي عن الربح المتوقع، ويجوز أن يكون احتياطي لتغطية حالة النقص بقدر الإمكان، بشرط أن يكون ذلك منصوصاً عليه في نشرة الاكتتاب. ولا مانع من توزيع الربح المتوقع تحت الحساب وفقاً للمعيار الشرعي رقم (13) بشأن المضاربة، بند8\8. أو الحصول على تمويل مشروع على حساب حملة الصكوك
رابعاً: لا يجوز للمضارب أو الشريك أو وكيل الاستثمار أن يتعهد بشراء الأصول من حملة الصكوك أو ممن يمثلهم بقيمتها الاسمية عند إطفاء الصكوك في نهاية مدتها ويجوز أن يكون التعهد بالشراء على أساس صافي قيمة الأصول أو القيمة السوقية أو القيمة العادلة أو بثمن يتفق عليه عند الشراء، وفقاً لما جاء في المعيار الشرعي رقم (12) بشأن الشركة (المشاركة) والشركات الحديثة، بند 3\1\6\2.، وفي المعيار الشرعي رقم (5) بشأن الضمانات، بند 2\2\1 و 2\2\2. علماً بأن مدير الصكوك ضامن لرأس المال بالقيمة الاسمية في حالات التعدي أو التقصير ومخالفة الشروط، سواء كان مضارباً أم شريكاً أم وكيلاً بالاستثمار.
أما إذا كانت موجودات صكوك المشاركة أو المضاربة أو الوكالة بالاستثمار تقتصر على أصول مؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، فيجوز لمدير الصكوك التعهد بشراء تلك الأصول _عند إطفاء الصكوك_ بباقي أقساط الأجرة لجميع الأصول، بإعتبارها تمثل صافي قيمتها.
خامساً: يجوز للمستأجر في التعهد في صكوك الإجارة شراء الأصول المؤجرة عند إطفاء الصكوك بقيمتها الاسمية على ألا يكون شريكاً أو مضارباً أو وكيلاً بالاستثمار.
سادساً: يتعين على الهيئات الشرعية أن لا تكتفي بإصدار فتوى لجواز هيكلة الصكوك، بل يجب أن تدقق العقود والوثائق ذات الصلة وتراقب طريقة تطبيقها، وتتأكد من أن العملية تلتزم في جميع مراحلها بالمتطلبات والضوابط الشرعية وفقاً للمعايير الشرعية، وأن يتم استثمار حصيلة الصكوك وماتتحول تلك الحصيلة إليه من موجودات بإحدى صيغ الاستثمار الشرعية وفقاً للمعيار الشرعي رقم (17) بشأن صكوك الاستثمار، بند 5\8\1\5.
هذا ويوصي المجلس الشرعي المؤسسات المالية الإسلامية أن تقلل في عملياتها من المداينات، وتكثر من المشاركة الحقيقية المبنية على قسمة الأرباح والخسائر ، وذلك لتحقيق مقاصد الشريعة .وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين) .
وبناءً على ذلك فإن أي صك لا يحقق شرط تمثيل الصك للملكية ، أو نحوها من الشروط الأساسية فإن ذلك الصك باطل ، وأن أي وسيلة تؤدي إلى الالتفاف حول هذه الشروط والأركان فهي وسيلة محرمة يجب سدّها.
ونذكر هنا مجموعة من صور الصكوك التي لا تحقق هذه الأركان والشروط التي ذكرناها سابقاً:
(أ) الصكوك التي في جوهرها وحقيقتها لا تمثل الأعيان ، أو المنافع ، أو الحقوق المالية على سبيل الحقيقية ، وإنما تمثل التزامات وديوناً ، وبالتالي فهي في جوهرها سندات محرمة ، لأنها تترتب عليها الزيادة التي هي الفائدة المحرمة ، كما أنها يتم تداولها مع أنها تمثل الديون.
(ب) الصكوك التي تقوم على المضاربة ، أو المشاركة أو الوكالة ، والتي يشترط فيها استرداد القيمة الاسمية ، وقد لا يعبر عن هذا الشرط ، ولكن تذكر مادة ترتب استرداد القيمة الاسمية بعملية حسابية ، أو أن يكون الاتفاق بسعر يحدده أحد الطرفين من خلال وعد ملزم ، فهذا الشرط سواء كان منصوصاً عليه ، أو مدلولاً عليه بأي لفظ هو شرط باطل يجعل العقد باطلاً او فاسداً ؛ لأن هذا الشرط يترتب عليه ضمان رأس المال في العقود المذكورة ، وهذا مخالف للنصوص الشرعية والاجماع المنعقد على ذلك ، كما أن ذلك يقطع المشاركة في باب الشركة والمضاربة ، وهو أيضاً ممنوع ، ولكن إذا كان الوعد بضمان القيمة الاسمية ، أو أي قيمة محددة من طرف ثالث ، فهذا جائز حسب القرار السابق لمجمع الفقه الإسلامي الدولي .
(ج) الصكوك القائمة على موجودات غير قابلة للبيع حسب قانون البلد ، حيث صدرت صكوك على أساس المطار في دولة لا يجيز قانونها بيع المطار.
(د) عدم إخراج موجودات الصكوك من ملكية المصدر في ظل القوانين التي لا تعترف بملكية المنفعة ، حيث إن القوانين الفرنسية ، والقوانين العربية المنبثقة منها لا تعترف بالملكية النفعية ، فإذا أصدرت الصكوك بناء على قانون لا يعترف بملكية المنفعة مثل القوانين الفرنسية والتي انبثقت منها فإن الذي سجل باسمه الأصل وهو المالك الحقيقي في القانون (على تفصيل ليس هذا محله)[12].
(ه) الصكوك التي يلتزم فيها مصدر الصكوك ، أو مديرها بالإقراض لحملتها عند نقصان رأس المال ، أو الربح الفعلي عن المتوقع ثم يسترده فيما بعد من الأرباح التالية ، أو عند شراء الصكوك عند اطفائها بقيمتها الاسمية ، وحينئذ يحسب القرض منها.
وهذا النوع يجمع بين عقد قرض وعقد معاوضة ، وهذا الجمع غير جائز لورود أحاديث صحيحة في النهي عن الجمع بين سلف وبيع[13] كما أن هذا الشرط يقرب الصك عن السند تماماً من حيث ضمان رأس المال والفائدة[14].
فهذه الأنواع الخمسة ونحوها ممنوعة شرعاً ، وبالتالي فأي وسيلة (من خلال العقود والوعود والشركات ذات الغرض الخاص) تؤدي إلى واحد منها فهي ممنوعة يجب سدّها ، بل إن تلك الوسيلة داخلة في الحيل غير المشروعة.
الموضوع السادس : التحايل في العقود المركبة :
المراد بالعقود المركبة : كل منتج مالي يتكون من أكثر من عقد بحيث تُعدّ الحقوق والآثار الناشئة منه بمثابة آثار العقد الواحد سواء كان الترتيب بين تلك العقود بصيغة الجمع ، أو التقابل [15] .
وقد عبر فقهاؤنا عن ذلك بالجمع بين عقدين وضربوا له أمثلة للجمع الجائز كالجمع بين الإجارة والبيع ، وللجمع غير الجائز كالجمع بين القرض والبيع[16] ، أو بيع الشيء نقداً بكذا ، ونسيئة بكذا في صفقة واحدة[17] ، وكذلك بيع العينة[18] .
ولتركيب العقود أسباب قد تكون مقبولة شرعاً ، مثل التقليل من المخاطر والتكاليف والتسويق ، وقد تكون غير مشروعة كالتاحيل على أحكام الشريعة أو الذريعة إلى الربا كالجمع بين القرض والبيع.
وليس بالضرورة أن يكون العقد المركب من عقدين جائزين شرعاً يكون مشروعاً بل قد يكون غير مشروع مثل الجمع بين عقد معاوضة ، وعقد سلف ، وقد تكون مشروعة ، كما أن هذه العقود التي تشكل عقداً واحداً قد تكون متجانسة مثل الجمع بين عقود المعاوضات المالية ، أو التبرعات المالية ، وحينئذ يكون الأصل فيها الجواز ، وقد تكون غير متجانسة بأن تكون متناقضة ، أو متعارضة مثل الجمع بين عقد البيع والقرض .
ضوابط صحة العقود المركبة :
يمكن ضبط العقود المركبة من حيث المشروعية والصحة ، بما يأتي :
1- أن لا يكون الجمع بين العقدين أو الأكثر منهياً عنه مثل النهي عن بيع وسلف.
2- أن لا يكون بين العقود المجتمعة تضاد وتعارض .
3- أن لا يُفضي التركيب إلى فعل محرم ، أو ترك واجب[19].
تطبيقات العقود المركبة ، والحيل :
إن للعقود المركبة تطبيقات كثيرة فهي موجودة في معظم المنتجات المالية الإسلامية مثل الإجارة المنتهية بالتمليك ، والمشاركة المتناقصة ، والبطاقات المصرفية بأنواعها الثلاثة ، والمرابحات المركبة وغيرها ، والذي يهمنا في هذا الموضوع هو التطبيقات التي تقوم على الحيل غير المشروعة ، منها :
1- اشتراط القرض في الصكوك – كما سبق – وبعض المنتجات المالية القائمة على المعاوضة المالية.
2- التورق المنظم – كما سبق –
3- المرابحة العكسية – كما سبق –
4- قلب الدين في الدين أو فسخه فيه[20] .
الموضوع السابع : التحايل عن طريق الوعود الملزمة المنفردة أو المتقابلة:
لم يكن للوعد الملزم في الفقه الإسلامي في العصور السابقة دور كبير ، فكان محصوراً في زاوية محددة عند بعض الفقهاء يخص الوعد بتبرع إذا ترتب عليه ضرر على الموعود له ، أو أن الموعود له قد أقدم على الفعل بسبب الوعد ، ولم يوجد القول بالوعد الملزم مطلقاً داخل المذاهب الأربعة … [21].
أما اليوم فقد تضخم دور الوعد الملزم حتى تجاوز دور العقد ، بل أصبح مفتاحاً لحلّ مشاكل لا يستطيع العقد حلّها ، فيتم الالتجاء إلى الوعد ويُركَّب الحلّ عليه ، فأصبح الحلّ في حلّ مشكلة الصرف ، وتبادل العملات ، والذهب ، والصكوك ومعظم المنتجات المالية الإسلامية .
وأنا لست ضد الوعد ودوره المناسب مع حجمه ، ولكن يجب أن يُضبط بضوابط ، من أهمها :
(1) أن لا يُتخذ الوعد الملزم وسيلة للتحايل للوصول إلى فعل محرّم أو ترك واجب وحق .
(2) أن لا يتخذ الوعد الملزم بديلاً عن العقد من حيث الحقوق والالتزامات بل أن تبقى دائرة الوعد محصورة في المكملات .
(3) أن لا يكون في مقابله وعد ملزم آخر ، وإلاّ أصبحت مواعد ملزمة ، وهي محظورة ، لأنها تشبه البيع نفسه ، حيث يشترط عندئذ أن يكون البائع مالكاً للمبيع حتى لا تكون هناك مخالفة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم (عن بيع الإنسان ما ليس عنده) ، وهذا ما نص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي قرار رقم 40-41(2/5 ، 3/5) [22] .
الخلاصة مع بيان الحل الجذري :
في رأيي المتواضع أن الحلول الجزئية الترقيعية لن تجدي لأنها تكون بمثابة علاج للعرض ولا تعدّ علاجاً للمرض نفسه .
لذلك أرى – والله أعلم- أن الحل الجذري يكمن في وضع خطة استراتيجية تستهدف تحقيق الأمور الآتية : وتنطلق منها ، وهي :
الأمر الأول : إصلاح النظام القانوني المتعلق بالاقتصاد والصيرفة :
إن من المعلوم للجميع أن معظم القوانين الاقتصادية المتعلقة بالاقتصاد بصورة عامة وبالصيرفة بصورة خاصة هي القوانين المرتبطة بالاقتصاد الرأسمالي ، والصادرة أولاً في الدول الغربية المتعلقة بالبنوك التقليدية (الربوية) والمؤسسات ذات العلاقة من حيث تنظيم السياسات المالية والاقتصادية ، والنقدية والضريبية ونحوها ، حيث إنها ينسجم بعضها مع بعض في إطار الفكر الرأسمالي الربوي.
فالمؤسسات المالية الإسلامية تعمل في ظل هذه القوانين والسياسات ، ولذلك يكون من الصعب أن تحقق كل الأهداف او معظمها في ظل اقتصاد آخر يختلف عن السابق من حيث العقيدة والفكر والقيم ومعظم التطبيقات فمثلها كمثل شخص يضع أجزاءً من مكينة في مكينة أخرى مختلفة عن الأولى تماماً.
لذلك فإن السعي لإصلاح النظام القانوني المصرفي هو أول الطريق ، وأنه المفتاح للانسجام والتطوير والتفاعل في ظل الاقتصاد الإسلامي ومبادئ الصيرفة الإسلامية .
وهذا يتطلب إصدار التشريعات الآتية :
1- إصدار قانون عام شامل لجميع الأنشطة الاقتصادية (التملك ، والإنتاج ، والاستهلاك ، والتبادل ، والتوزيع ، وإعادة التوزيع) ويتضمن كذلك الإصلاحات القانونية في السياسات المالية والاقتصادية ، والنقدية ويحدد أدوات السياسة النقدية وفقاً للمنهج الإسلامي ، وهناك دراسات جادة حول هذه المسائل ، ولي مساهمة متواضعة فيها من خلال كتابي (المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي)[23].
2- إصدار قانون خاص بالمؤسسات المالية الإسلامية ، وبخاصة الصيرفة الإسلامية يراعى فيها خصوصيتها ، وأحكامها ، وكيفية تنفيذها وكل ما يتعلق بها.
الأمر الثاني : ضرورة الاعتماد على البعد المقاصدي بمكوناته الستة :
إن الحلّ الحقيقي الناجع لتطوير منتجاتنا ، ولتحقيق الاقتصاد العيني ، والتنمية الشاملة ، ولمنع الحيل وسدّ الذرائع المفضية إلى الفساد هو الاعتماد على البُعد المقاصدي الشامل المتكون من ستة مبادئ أساسية للعقود ، والمنتجات ، هي :
المبدأ الأول : ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة العامة عند إنشاء العقود .
المبدأ الثاني : ضرورة مراعاة مقاصد الاقتصاد الإسلامي من الإنتاج والتبادل الحقيقي ، والتنمية الشاملة والتوزيع العادل ، وتعمير الأرض ، وتحقيق الاستخلاف والتنمية والحضارة .
المبدأ الثالث : ضرورة مراعاة مقاصد الشريعة للعقد أي مقتضى العقد نفسه.
المبدأ الرابع : مقاصد المكلفين بحيث لا تكون متعارضة مع مقاصد الشرع العامة ، والخاصة بكل عقد ، وبهذه تنتفى الحيل.
المبدأ الخامس: سدّ الذرائع والوسائل والآليات المفضية إلى الفساد .
المبدأ السادس : فقه المآلات ، أي النظر في نتائج العقد ، وما يترتب عليه من آثار وهذا ما يسمى بالتحليل الاقتصادي.
فالواجب على الفقهاء أن يلتزموا في فتاواهم الخاصة بالعقود ، والصكوك ، والمنتجات بهذه المبادئ الستة.
وعندما تكون هناك ضرورات، أو حاجات ملحة فحينئذ يجوز ان نخرج عن أحد هذه المبادئ استثناء ، واللجوء إلى مبدأ رفع الحرج ، وقاعدة : الضرورات تبيح المحظورات ، وأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة ، ولكن مع مراعاة أن الضرورات أو الحاجات تقدر بقدرها ، وأن تبقى في دائرة الاستثناء ثم إن رعاية المبادئ الخمسة السابقة لا تتنافى مع فقه التيسير ، ورفع الحرج ، ولا مع التطوير ، بل تدفع نحو الإتقان والإبداع ، وتحقيق الاقتصاد الحقيقي البعيد عن الصورية والشكلية ، والحيل.
الأمر الثالث : ضرورة تطوير نظام الملكية :
لا زال الفقه الإسلامي منذ بداية القرن الثالث الهجري على تقسيم الملكية إلى ملكية تامة ، وهي ملكية الرقبة والمنفعة ، ولها خصائها ، وملكية ناقصة ، وهي ملكية الرقبة فقط ، أو المنفعة فقط ، أو الاختصاص ، ولها خصائصها[24] .
ولم يحدث لها تطوير يذكر على ما ذكره فقهاؤنا الكرم ، ولذلك أرى تطوير نظام الملكية التامة ، والملكية الناقصة ، وإعادة النظر في بعض خصائصهما ، وليس هذا المقام هو مقام الخوض في تفاصيل هذا الموضوع ، ولكن أقترح ان يضم إلى فقهنا العظيم بعض التطبيقات المعاصرة المتوافرة في بعض القوانين الأجنبية ، ولكن مع وضع ضوابط وتعديلات ضرورية حتى تنسجم مع المبادئ العامة للملكية في الشريعة الإسلامية الغراء.
ومن هذ التطبيقات :
أ- ملكية المنفعة أو الملكية النفعية في القانون الانجليزي التي تساعد كثيراً في تطوير الصكوك[25].
ب- ملكية الانتفاع في القانون الفرنسي التي لها بعض تطبيقات مقبولة شرعاً كما بيناها في بحثنا[26].
ج- الملكية المشتركة في العقارات المقسمة إلى شقق وطبقات ، ومحلات ، حيث إنه من المعلوم في فقهنا العظيم ، أنها تقوم على الملكية الشائعة العامة ، ولم تنظم ، فاليوم نظمت تنظيماً جيداً وأدخلت فيه بعض التعديلات والإجراءات وصدر بشأنها بعض القوانين ، مثل القانون المغربي رقم (18-00) لتنظيم إدارة الملكية المشتركة حيث نص على أنه ينشأ اتحاد الملاك المشتركين بقوة القانون طبقاً للمادة13 ، ويتمتع بالشخصية المعنوية المستقلة ، ويمارس مجموعة من الصلاحيات والاختصاصات كما يتحمل المسؤوليات بقوة القانون نفسه ، ويكون الغرض الحفاظ على إدارة الأجزاء المشتركة فهو الحارس الأمين المدير.
ويترتب على ذلك مجموعة من الآثار ، منها أن كل شريك في العقار يصبح عضواً في الاتحاد وعليه الالتزام بدفع الاشتراكات المالية اللازمة للإدارة والصيانة ، والتعويضات ، كما أن الاعتراف بالشخصية المعنوية لاتحاد الملاك يترتب عليه أهلية التعاقد ، والتقاضي لمن يمثله إما بالانتخاب أو التزكية او التعيين ، ولكنه مقيد باحترام الحقوق الفردية للملاك المشتركين في الأجزاء المقررة[27].
ومن الجدير بالذكر هنا هو أن بعض قرارات الاتحاد المهمة تحتاج إلى الاجماع مثل القرار بتشييد مبنى جديد ، في حين أن بعضها يتحقق بالغالبية[28] .
د- تطوير الملكية المؤقتة ، والعهدة والأمانة ونحوها .
هـ- وهناك مقترحات أخرى للتطوير ، لا يسع المجال بحثها هنا.
الأمر الرابع : ضرورة التفرقة بين ثلاثة أنواع من الأموال المتوافرة في البنوك الإسلامية :
وذلك بالتفرقة بين (1) أموال المساهمين ، (2) وبين الوادئع العامة ، (3) وبين الأموال التي يكون لأصحابها الاستعداد لتحمل المخاطر المقبولة في مقابل زيادة الأرباح.
فالنوع الأول (أموال المساهمين) يمكن أن تستثمر في المشروعات الطويلة ، وفي البنية التحتية ، وكل ما يساهم في التنمية الشاملة وفقاً لدراسات الجدوى الاقتصادية الدقيقة ، وطبقاً للأوزان المقبولة اقتصادياً ، مع الأخذ بنظر الاعتبار الابتعاد عن المخاطر غير المقبولة .
وأما النوع الثاني (الودائع العامة) فيجب فيه الاحتياط الأكبر لأنه يمثل شريحة كبيرة من أصحاب الدخول المتنوعة وبخاصة صغار المدخرين ، فهذا النوع يستثمر في المرابحات الداخلية ، والتأجير المنتهي بالتمليك والاستصناع الداخلي ونحوه.
وأما النوع الثالث ففيه مجال كبير للاستثمارات المباشرة أو غير المباشرة عن طريق المحافظ ، والصناديق الاستثمارية المتنوعة ، ولكن حسب الدراسات الدقيقة للجدوى الاقتصادية لكل مشروع والابتعاد عن المخاطر الكبيرة ، أو غير المقبولة ، ولكن في هذه الحالة يجب أن يكون لدى البنك منتهى الافصاح والشفافية لنوعية الاستثمار ومخاطره ، وكل ما يدور حوله.
الأمر الخامس : ضرورة تطوير نظام الضمانات إذا اتجهت البنوك الإسلامية نحو الاستثمارات المباشرة ، وإلى تحقيق مقاصد الاقتصاد العيني والنفعي .
فيمكن أن توسع دائرة ضمان المضارب ، أو الشريك ، أو الوكيل للأموال التي يستثمرونها ولكن من خلال ضوابط لا تخرج المعاملة عما هو مجمع عليه ، ولا تصطدم مع أي نص صحيح صريح غير معارض ، وذلك لأن المشكلة في عدم الاقدام على هذه العقود هي عدم الضمان.
فمثلاً كنا قد قدمنا بحثاً [29] إلى المجمع الفهقي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي ، منذ أكثر من عشرين سنة أصلّت فيه جواز نقل بيّنة الاثبات لحالات عدم التعدي ، او التقصير ، أو مخالفة الشروط إلى المضارب ، أو الوكيل أو الشريك المستثمر لأموال الآخر ، ثم تراكمت جهود الباحثين ، فصدر قرار من مؤتمر الفقه الإسلامي الثالث للمؤسسات المالية الإسلامية ، الذي قامت بتنظيمه شركة شورى للاستشارات الشرعية في الفترة 3-4 نوفمبر 2009 حيث صدر القرار الآتي :
المحور الأول: عبء الإثبات في دعاوى التعدي والتقصير في المضاربة والوكالة بالاستثمار
أولا:
1- الأصل قبول قول المضارب وكذا الوكيل بالاستثمار، والأخذ به في نفي الضمان عن نفسه في حالة هلاك شيء من الأموال التي يستثمرها أو خسارته بمجرد ادعائه أن ذلك إنما وقع من غير تعدّ منه أو تقصير، دون مطالبته ببينة على صدق دعواه (باعتباره مدعى عليه، فلا يطالب بالبينة، إذ البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه). فإن أقام رب المال –وهو المدعي- البينة على تعدي المضارب أو الوكيل بالاستثمار، صار ضامنا.
2- غير أن استصحاب هذا الأصل إنما يسوغ الأخذ به والتعويل عليه في النظر الفقهي إذا غلب في الناس الصدق والأمانة والتورع عن أكل مال الغير بالباطل. فإذا تغيرت الحال، فإن دلالة الحال –وهي الأمارة الظاهرة التي تدل على صورة الحال- مقدمة على الأصل عند تعارضهما، لأنها قرائن قوية، وشواهد قائمة تنبئ بحدوث أمر يغير حالة الأصل، فتكون بمثابة دليل على عدم صدق من يتمسك بذلك الأصل. ولهذا يترجح في الحكم جانب من شهدت له من المتداعيين – وهو صاحب المال- على من شهد له استصحاب الأصل، ويكون القول قوله في ذلك، ما لم يقم أولئك الأمناء(المضارب/الوكيل بالاستثمار) البينة على صدق ادعائهم، إذ “العلم الحاصل اعتمادا على القرائن والأمارات الظاهرة أقوى من الظن الحاصل باستصحاب الأصل”.
3- كما أن العمل بهذا الأصل مقيد بأن لا يكون مخالفا للعرف، فإذا جرى عرف الناس بعدم قبول قوله (المضارب/الوكيل بالاستثمار) حتى يقيم البينة على صدق ادعائه عدم التعدي أو التقصير، فإن وصفه وحكمه الشرعي ينقلب من مدعى عليه إلى مدع أمرا خلاف الأصل، فلا يقبل قوله إلا إذا أقام البينة على صدقه، لأن “دلالة العرف أقوى وأظهر من استصحاب أصل براءة ذمة الأمين (المضارب/الوكيل بالاستثمار) عند تعارضهما”.
4- كما أن العمل بهذا الأصل مقيد بانتفاء التهمة عن الأمين – والمراد بالتهمة رجحان الظن بعدم صدق الأمين (المضارب/الوكيل بالاستثمار) في ادعائه عدم التعدي أو التقصير – إذ التهمة موجب شرعي لنقل عبء الإثبات من أرباب المال إلى الأمين الحائز إذا ادعى أن ذلك إنما وقع بغير فعله أو تسببه، وهي متحققة في هذه القضية، إذ إن من المفترض في المضارب والوكيل بالاستثمار والمتوقع منه بحسب المعهود والدلالات العرفية الظاهرة حفظ رؤوس الأموال المستثمرة من الخسارة، وتحقيق الأرباح والمكاسب لهم، و”قول المتهم ليس بحجة” كما هو مقرر في القواعد الفقهية.
5- وأيضا فإن المصلحة موجب شرعي لنقل عبء الإثبات إلى هؤلاء الأمناء، وذلك لحماية أموال المستثمرين من التوى والخسارة عند ادعاء المضارب أو الوكيل بالاستثمار هلاك أموال المستثمرين أو خسارتها إذا علموا أنهم مصدقون في نفي الضمان عن أنفسهم بمجرد ادعائهم ذلك ، من غير تكليفهم إقامة البينة على صدق ادعائهم.
ثانياً: إن نقل عبء الإثبات المنوه به يختلف تماما عن القول بتضمين المضارب أو الوكيل بالاستثمار ، الذي يقتضي تحميله تبعة الهلاك والخسارة مطلقا، أو تحميله ضمان فوات الربح المتوقع، فذلك محظور قطعا، لأنه يتنافى مع قاعدة الغنم بالغرم.
ثالثاً: يرجع في تحديد وقوع التعدي والتقصير إلى أهل الخبرة في تنمية الأموال واستثمارها ، فهم الذين يعهد إليهم بالنظر في الموضوع، وتقرير وقوع ذلك أو عدمه ، ثم تقرير ما يترتب من تبعات وضمانات على الأمناء المتعدين أو المفرطين بحسب العرف التجاري السائد.
رابعا: يوصي المؤتمر المؤسسات المالية الإسلامية أن تضمن عقودها شرط التحكيم فيما ينشأ من نزاع في هذا الأمر مع عامة عملائها، وتعيين المركز الإسلامي الدولي للمصالحة والتحكيم في عقودها الدولية، إذ يتوافر في هيئة التحكيم الأهلية الشرعية والخبرة والدراية و الموضوعية العملية في مجال النزاع في هذا الأمر)[30].
وأكثر من ذلك فهناك قول لبعض الفقهاء يدل على أن المضارب ، أو المستأجر ، أو الشريك إذا اشترطوا على أنفسهم الضمان أو قبلوا بهذا الشرط فإن هذا الشرط جائز ، وهذا مروي عن أحمد في رواية[31] ورجحه الشوكاني[32] وذكر مثل هذا القول في المستأجر العلامة ابن العربي[33].
وقصدي من ذلك أن التعامل في سلع حقيقية واستعمال عقود المشاركة والمضاربة ، حتى مع القول باشتراط الضمان أفضل بكثير من التعامل في أسواق السلع الدولية ، لأنها تحقق التنمية ، وتطبق التبادل وتحرك الأسواق على عكس المرابحات الدولية .
وليس هذا فتوى ومني ، وإنما أقترح عقد مؤتمر موسع لمناقشة هذه الضمانات في ظل التعامل بالمشاركة ، والمضاربة ، والاستثمار المباشر.
الموضوع الثامن : إدارة السيولة :
والمقصود بالادارة هنا لغة هي أنها :
الإدارة لغة : مصدر أدار التجارة : تعاطاها وتداولها من دون تأجيل ، وأدار الأمور والرأي : أحاط بها[34].
وفي الاصطلاح ، فقد عرفت الإدارة بعدة تعريفات ، فقد عرفتها موسوعة العلوم الاجتماعية بأنها : العملية التي يمكن بواسطتها تنفيذ غرض معين والإشراف عليه ، وعرفها هنري فايون بأنه : يتنبأ المدير بالمستقبل ، ويخطط بناء عليه وينطم ويصدر الأوامر ، وينسق ويراقب ، وعفرها جون مي بأنها : فن الحصول على أقصى نتائج بأقل جهد[35].
وفي نظري أن الإدارة هي : فنّ يعتمد على الموهبة والعلم والتجربة لتحقيق أحسن النتائج بأقل التكاليف من خلال استخدام أفضل للموارد البشرية ، والمالية والتقنيات المتاحة ، وهذا لا يتحقق إلاّ مع التخطيط ، والتنظيم ، وتحديد الأهداف ، والتوظيف ، والتوجيه والرقابة والمتابعة ، والتسويق والتنسيق ، والاعتماد الأمثل على قانون التحفيز ( الثواب الأحسن ، والعقاب العادل ) ثم العناية بالتغيير والتطوير للفرد والمؤسسة ، والتقييم والقياس .
الترجيح :
فالذي يظهر لنا رجحانه هو أن إدارة السيولة تعنى القدرة على تحقيق التوازن بين الحفاظ على كمية السيولة المطلوبة للوفاء بالالتزامات ، ولسير العمل ، و بين استغلال السيولة وإشغالها في التمويل والاستثمار.
فهذه السياسة المتوازنة ليست سهلة المنال وإنما تحتاج إلى استراتيجية مدروسة لإدارة السيولة تعتمد على جناحين مهمين:
الجناح الأول ـ وضع سياسة وقائية متزنة من الوقوع فى أزمة السيولة :
وهذه السياسة لا بدّ أن تعتمد على شيئين :
الشيء الأول : الابتعاد عن كل الاسباب المؤدية إلى أزمة السيولة التي ذكرناها في السابق .
الثاني : وضع سياسة ايجابية للوقاية من أزمات السيولة كالآتي :
أولاً ـ وضع سياسة متزنة للاتئمان وادارة المخاطر والضمانات المقبولة شرعا من الرهن والكفالة وضمان الطرف الثالث ونحو ذلك .
ثانيا : وضع سياسة متوازنة دقيقة مدروسة للتمويل قائمة على عقود حقيقية بعيدة عن الشكلية والصورية ، والحيل وعن جميع المحظورات الشرعية مع الاخذ يالضمانات الكافية .
ثالثا: وضع سياسة متوازنة دقيقية للاستثمارات من جميع الجوانب ، والتوازن بين الأموال التي أخذتها المؤسسة للاستثمار من حيث المدد ، والأرباح وبين استثمارات المؤسسة نفسها لهذه الأموال بحيث لا تكون التفرة التالية أطول من الفترة الأولى ، وبعبارة أخرى : : يجب أن لا تقدم المؤسسة على أخذ الأموال لاستثمار قصير الأجل ، ثم تستثمرها استثمار طويل الأجل ، وإلاّ حدث الخلل الكبير في مجال السيولة .
رابعاً : وضع سياسة و اجراءات عملية وتسويقية لتحصيل الديون ، والسبل القانونية ، والوسائل العملية للسداد.
خامساً : الاعتماد على دراسات الجدوى في تمويل أي مشروع ، و في الدخول في اي مشروع بحيث تكون المؤسسة معتمدة في كل امورها على دراسات جدوى دقيقة و مدروسة من اهل الاختصاص و الاخلاص .
سادساً : وضع سياسة و اجراءات نوعية و واقعية لعلاج الديون المتأخرة ، أو المتعثرة ان وجدت.
سابعاً ـ مشكلة المتأخرات مع عدم فرض الغرامات وعلاقتها بالسيولة ، فمما لا شك فيه أن التأخر في سداد الديون يشكل عبئاً كبيراً على المؤسسات المالية الاسلامية ، مهما كان سببه ، سواءاً كان سببه المماطلة ، أم التعثر في السداد بسبب المعسرة ، فالنتيجة واحدة ، وهي أن المؤسسات المالية الاسلامية تخسر جزءاً من الأرباح بسبب هذه المتأخرات ، وبالتالي تفقد السيولة المطلوبة ، فالعلاقة بين تأخير السداد ، وعدم السيولة واضح بيّن ، ولذلك تعتبر الديون المتأخرات مشكلة كبيرة يزيدها تعقيداً ما يأتي :
-
عدم جواز أخذ فوائد التأخير .
-
عدم جواز جدولة الديون بالزيادة .
-
عدم المتاجرة في الديون إلاّ ما يخص بيع الدين بالعين .
-
عدم تصكيك الديون .
وهذه المشكلة قد نوقشت كثيراً ، وكتبت فيها بحوث ، وعقدت لها ندوات ومؤتمرات ، وقد ساهمت فيها ببحث[36].
الجناح الثاني : وضع ساسة عملية متزنة لإدارة السيولة من خلال القيام بموازنة شاملة لحاجة المؤسسة الى مقدار السيولة الذي يجب أن تحتفظ به للوفاء بالالتزامات الحالة ولسير العمل والاستجابة لحاجات عملائها مع القيام بدراسة شاملة لحاجة المؤسسة لمقدار الفائض الذي ينبغي للمؤسسة استثماره ، وهذا يتطلب الاجراءات الآتية :
1-قيام المؤسسة بدراسة دقيقة لمدى حاجتها الى مقدار السيولة المطلوبة يوميا وأسبوعيا وشهريا وعلى مدى المتوسط والبعيد ، ولابد أن تعتمد هذه الدراسة على لغة الاحصاء وعلى الدراسات السابقة والاحتمالات المعقولة مع الأخذ بنظر الاعتبار الظروف العادية والطارئة وغيرالعادية مع الاحتياط .
2-تنويع الأنشطة وتوزيعها توزيعا دقيقا قائما على الاستثمارات المتنوعة من حيث ما يمكن تسييله بسهولة وبسرعة أو بصعوبة أو هو متوسط ، وكذلك الامر في غير الاستثمارات حيث لا بدّ أن تشمل الاستثمارات في الأسهم والصكوك المطروحة والبورصات المحلية أو العالمية بالاضافة الى العقارات والمصانع التي يحتاج تسييلها إلى وقت أطول .
وكذلك الأمر بالنسبة للتمويلات حيث ينبغي أن تشتمل على تمويل قصير الأجل جداً وعلى المتوسط والطويل مع التركيز على الضمانات الكافية جداً لتحصيل ديونها الناتجة منها .
3-ضبط الانفاق وتخفيض النفقات وترشيد السيولة .
4- التركيز الشديد على تحقيق مبدأ التوازن بين السيولة والسلع والخدمات لدى المؤسسة وبين النقود والأصول والاستثمارات والتمويلات والضمانات والخدمات والتحويلات ثم تحقيق سياسة التوازن داخل كل مكونات المؤسسة المالية بدقة .
الفرق بين السيولة في المؤسسات المالية الاسلامية والمؤسسات النقدية :
والذي يظهر لي رجحانه هو ان السيولة في المصارف الاسلامية أخص من السيولة في البنوك النقدية وذلك لان الودائع ما عدا الحساب الجاري في البنوك النقدية كلها قروض مع فوائد في حين أنها أموال مستثمرة عن طريق المضاربة الشرعية في البنوك الاسلامية وبالتالي فإن تسييلها يحتاج الى تنضيض حقيقي بالتصفية أو بالتنضيض الحكمي ومن هنا فان المصرف المودع عنده(المضارب) ليس ملزماً برد الاموال الا حسب العقد وبعد التنضيض ولكن العرف المصرفي قد جرى بان المصارف الاسلامية لن تتأخر عن الدفع عند الطلب غير أن ذلك الحق ثابت لها شرعاً وقانوناً حسب العقد ولذلك فان الودائع الاستثمارية في المصارف الاسلامية لاتدخل في السيولة على وجه الحقيقية والفعل ولكنها ملحقة بها عرفاً وقوةً وواقعاً.
ومن هنا فان السيولة الفعلية في الاقتصاد الاسلامي هي توافرالنقود الكافية لمواجهة الالتزامات الحالة والمتطلبات الخاصة بسير العمل من العملات الموجودة في الخزنة أو في الحساب الجاري على اساس انه أمانة لدى البنك او قرض حال يجب رده عند الطلب ، ، وكذلك القروض الحالة ، أو القروض مطلقاً عند جمهور الفقهاء[37]، وتلحق به الديون الناتجة عن العقود الآجلة ، وأما الودائع الاستثمارية في البنوك الاسلامية والديون المرجوة المؤجلة على الآخرين (الذمة المدينة) فهي في حكم السيولة لما ذكرناه بشأن الودائع في البنوك الاسلامية حيث إنها استثمارات وليست قروضاً ولا أمانات.
وتأتي بعدها في نظري الأوراق المالية المدرجة في البورصة من الاسهم والصكوك الاستثمارية (او السندات في الاقتصاد التقليدي) ومن هنا فان السيولة في الاقتصاد الاسلامي لها ثلاث درجات:
الدرجة الاولى: العملات الموجودة في الخزنة والحساب الجاري وهي السيولة على سبيل الحقيقة والفعل ، ويلحق بها القروض الحسنة لدى الآخرين عند جمهور الفقهاء ، والديون الحالّة المرجوة.
الدرجة الثانية: الودائع الاستثمارية (التوفير ، والودائع : قصير الأجل ، ومتوسط الأجل ، وطويل الأجل) التي حل أجلها ، فهذ في الحقيقة تدخل في السيولة حكماً أو أنها من السيولة القابلة للتسييل لما ذكرنا من أنها استثمارات عن طريق المضاربة الشرعية وليست قروضاً مضمونة بفوائد كما هو الحال للودائع بالبنوك الربوية فهذه الودائع لدي البنوك الإسلامية تختلف ايضاً عن الاستثمارات لدى الأفراد ، ولوكانت عن طريق المضاربة حيث لا تدخل الأخيرة فى السيولة لصعوبة التسييل لدي الأفراد واما لدي البنوك الاسلامية فان العرف جار على التزامها بالتسهيل ما دام الوقت قد حل ، اما اذا لم يحل أجلها فلا يمكن اعتبارها من السيولة.
الدرجة الثالثة: هى الأدوات المالية من الأسهم والصكوك (والسندات المشروعة ) بشرط أن تكون مدرجة فى البورصة، حيث إنهايسهل تسييلها و بالتالى فهي تدخل ضمن السيولة القابلة للتسييل حيث يمكن تحقيق ذلك بسهولة ويسر كما هو معروف .
الدرجة الرابعة : هي كل الأصول القابلية للتسييل بسهولة ، والقرض المؤجل عند المالكية ، والديون المرجوة المؤجلة .
ومن جانب آخر فان السيولة أمر نسبي فاذا اشترطنا أن تكون السيولة متحققة بالفعل، فلا تشمل إلا النقود المتوافرة لدى الشخص، أو فى الحساب الجارى،او فى الحساب الذى يمكن السحب منه مباشرة، أمّا إذا عمّمنا المراد بها فإنها تكون شاملة للسيولة حكماً وبالقوة وبالتالي تكون لها الدرجات الثلاث السابقة، بل تشمل كل الأصول القابلة للتسييل.
سيولة الجهاز المصرفي :
هذا ما يتعلق بالسيولة لدى الأفراد ، أما سيولة الجهاز المصرفي فيقصد بها الفرق بين الموارد المتاحة له والأموال المستخدمة في مختلف أنواع الموجودات ضمن التوازن الذي تفرضه الأموال المصرفية المتعارف عليها وبالتالي فإن وفرة السيولة تعني وجود فائض في الأموال المتاحة عن قدرة المصرف على الاقراض وحينئذ يستثمر هذا الفائض في الأصول السائلة مثل الأوراق المالية أو على شكل أرصدة لدى المصارف أو حتى أرصدة عاطلة لدى البنك المركزي وهذا يعني ان الجهاز المصرفي إنما تتحق له السيولة اذا كانت لديه القدرة على توفير الأموال لمواجهة الالتزامات التعاقدية ومتطليبات العملاء غير التعاقدية بأسعار مناسبة في جميع الأوقات وبذلك يمكن أن ينظرالى السيولة من خلال المفهومين الآتيين:
المفهوم الكمّي (Stock Concept) : ويقصد به كمية الأصول الممكن تحويلها الى نقد فى وقت مّا.
المفهوم التدفّقي (Flow Concept) : ويقصد به كمية الموجودات القابلة للتحويل السريع الى نقد بالإضافة الى ما يمكن الحصول عليه من تسديد العملاء لإلتزاماتهم، و من الودائع والأموال المشتراة.
أهمية السيولة:
مما لا يخفى أن للسيولة أهمية قصوى على جميع المستويات فبها تتحقق معظم متطلبات الحياة بعدما ضعفت فكرة المقايضة فى العصور الاخيرة ، و بها يتم الوفاء بالالتزامات ، و بها تتم التنمية والتطوير ، والبنية التحتية ، والمشروعات ، وغير ذلك.
ويدل على هذه الأهمية فهم الصحابة الكرام بحصر معنى (المفلس) في : (من لا لا درهم له ولا دينار) في جوابهم عن سؤال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : (من المفلس)[38]، ثم إن هذه الأهمية تشمل الفرد ، والدولة ، والمؤسسات المالية ، فالدولة تحتاج الى السيولة لتحقيق التنمية الشاملة وإقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والكبيرة، ولتحقيق التكافل اللاجتماعى ، والتطوير، إضافة الى تنفيذ التزاماتها الداخلية والجارجية والدولية.
وأما المؤسسات المالية ـ وبخاصة المصارف ـ فتظهر حاجاتها الى السيولة الدائمة بشكل أكبر نظراً لدورها، وحفاظاً على سمعتها التى إذا إهتزت قد تؤدى الى انهيارها وإفلاسها، لذلك فهي بحاجة الى السيولة لمواجهة احتياجات عملائها إلى الأموال من خلال سحب ودائعهم نقداً حيث تصبح الاستجابة لهم واجبة في الحالات الاتية:
-
فى حالة الودائع تحت الطلب (الحساب الجارى).
-
وحتى بالنسبة للسحب من حسابات التوفير.
-
حالة خطابات الضمان التى أصدرها المصرف والتى حان موعد تسييلها، حيث يجب على المصرف الاستجابة، وتوفير السيولة المطلوبة للجهة المضمون لها.
-
حالة الاعتمادات المستندية التي كلف فيها المصرف البنك المراسل بالدفع، حيث يجب عليه توفير السيولة حسب بنود الاتفاقية.
-
حالة قيام العميل بسحب المبالغ المتاحة عن طريق بطاقات الائتمان، واستعمالها لشراء السلع، أو الخدمات حيث إن المصرف المصدر لها ضامن لتوفير السيولة للجهة المضمونة.
-
بالاضافة الى التزامات أخرى للمصرف امام المصارف، أو الدول الأخرى أى التزام كان .
فالمصرف إذا استطاع توفير هذه السيولة امام كل التزام ـ مهما كان ـ في وقته المحدد فإنه تترتب على ذلك النتائج الآتية:
-
إنه يظهر بشكل جيد، وبمظهر لائق، وبمظهر المؤتمن القوي القادر على الدفع، وبالتالي يكتسب ثقة الجمهور، حيث تعتبر الثقة بالمصرف أهم عنصر لنجاحه والتفاف الجماهير حوله، وأهم دافع لزيادة الودائع المصرفية والمتعاملة معه.
-
إنه يعطى قوة للمصرف ويعد مؤشراً إيجابياً للسوق المالية، وهيئات التصنيف الدولى، ومؤسساته، ومؤسسات الجودة (آيزو) حيث يمنحونه درجات عالية للتصنيف والجودة.
-
إن توافر السيولة المطلوبة يجنب المصرف عن البيع الجبري لبعض الأصول الذى تترتب عليه بعض الخسائر، أو على الأقل عدم تحقق الربح المنشود من عملية البيع.
-
إنه يوفر للمصرف عدم اللجوء الى الاقتراض أو التمويل ، بكلفة أعلى ، عند حلول التزاماته.
-
وأخيراً فإن توافر السيولة المطلوبة يجنب المصرف اللجوء إلى اقتراض من البنك المركزى، وما يترتب على ذلك من سلبيات اقتصادية أو فقهية…..[39].
سلبيات السيولة :
إن للسيولة سلبيات أيضا إذا لم تكن هناك حاجة إليها، مثل عدم القدرة على استثمارها الاستثمار المطلوب، حيث يضطر المصرف إما لعدم استثمارها أصلاً او استثمارها استثماراً غير مربح الربح المنشود و بالتالى تظهر النتائج في الأخير على شكل غير مرض[40].
وفي هذة الحالة يظهر البنك على حالة غير مرضية أمام البنك المركزى ، و هيئات التصنيف، العملاء، وحينئذ يتأثر البنك تأثراً سلبياً ، لأن المودعين المستثمرين مع المصرف إذا لم يعط لهم الأرباح التنافسية فإنهم يتركونه، ويتجهون إلى المصارف الأخرى، ولاسيما في ظل وجود منافسة قوية للحصول على ودائع والاستثمارات ، إضافة إلى تأثر المصرف بذلك من حيث التصنيف و الجودة و غير ذلك.
ومن هنا فإن المسؤولين عن إدارة السيولة تقع عليهم مسؤولية كبرى لتحقيق التوازن المطلوب.
أدوات تحصيل السيولة :
إن أهم الأدوات المالية النقدية لإدارية السيولة تكمن فيما ذكرناه فيما سبق ، وهي : الحساب الجاري ، والودائع ، والأسهم والصكوك الإسلامية .
-
وأما العقود المالية غير النقدية لإدارة السيولة فهي : الاستصناع والاستصناع الموازي ، والسلم والسلم الموازي[41] حيث انهما يحلاّن مشاكل السيولة لدى أصحاب المصانع ، والمقاولات والموازع ونحوها ، حيث يتسلمون الأموال الكافية ويبيعون إنتجاهم المستقبلي في وقت مبكر ، وفي ذلك نوع كبير من الاطمئنان ، كما أنهما يساعدان أصحاب الأموال وبنوك التمويل وشركات الاستثمار على استثمار أموالهم بصورة جيدة وأرباح مجزية ، ويمكن استعمال عقد السلم لتحقيق السيولة ، حيث يمكن استعماله في جميع الحالات المناسبة التي يحتاج إليها العميل للسيولة ، وقد ذكرنا أن جمهور الفقهاء لا يشترطون وجود المسلم فيه وقت العقد ، ولا كون المسلم ممن يعمل في هذا الإطار ولا منتجاً للمسلم فيه ، فلذلك يمكن لأي عميل قادر على السداد محتاج إلى السيولة أن يلجأ إلى المصرف الإسلامي من خلال عقد السلم حيث يسلم إلى العميل المبلغ المطلوب في مقابل أن يسلم إلى المصرف البضاعة ، أو السلعة أو العقار الموصوفة في الذمة في أجلها المحدد ، ويمكن للمصرف أن يحمي نفسه من خلال السلم الموازي[42]، وفي هذه الحالة يأخذ المصرف جميع الضمانات المشروعة لحماية نفسه من الخسائر بقدر الإمكان .
كما يمكن الاستفادة من عقد السلم لتمويل العجز في ميزانية الدولة ، وذلك بأن تبيع الدولة المنتجة للبترول كميات موصوفة في الذمة إلى آجال عديدة بأثمان معجلة إلى البنوك الإسلامية مثلاً .
ثم تقوم البنوك الإسلامية بعقد السلم الموازي مع طرف ثالث تصبح هي : مسلماً إليها ، وذلك بأت تبيع سلماً كميات مماثلة للنفظ الذي أسلم فيه بنفس المواصفات السابقة بثمن معجل يزيد على الثمن السلم الأول ، ثم تتم التسوية بين الصفقتين دون الربط بينهما[43].
ويمكن أن تتم هذه العملية من خلال صكوك السلم الخاص بالبترول مثلاً ، حيث اقترح الأستاذ عبداللطيف الجناحي أن تتم هذه العملية من خلال إصدار سندات سلم نفطية بالشكل التالي :
أولاً – تتولى الدولة من خلال جهاز تختاره ( البنك المركزي مثلاً ) إصدار سندات ذات قيمة مالية محددة من النفط الموصوف في الذمة ، تبيّن في موعد محدد مبيّن في السند .
ثانياً ـ تقوم الجهة الموكول إليها إصدار السندات ببيعها إلى المؤسسات المالية والأفراد بثمن معجل .
ثالثاً ـ يتضمن السند توكيلاً من صاحبه لوزارة النفط ( مثلاً ) باستلام المُسلَم فيه ( النفط ) وبيعه بالسعرالجاري بحسب العرف التجاري على أن تُدفع القيمة لحساب صاحب السند خلال 48 ساعة عقب البيع .
رابعاً ـ تتنوع سندات السلم حسب مواعيد مختلفة ( قصيرة ـ متوسطة ـ طويل الأجل ) بحيث تلبي حاجة المتعاملين وظروفهم ورغباتهم[44] .
وهذه الصكوك بهذه الصورة صحيح وجائز عند جماعة من الفقهاء كما سبق ، منهم الإمام أحمد في رواية اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية ، والعلامة ابن القيم ، وكذلك عند المالكية في غير الطعام ـ كما سبق ـ .
وفي نظري إن كانت هناك صنعة فصكوك الاستصناع أكثر مرونة وسعة ، حيث لا يشترط فيها تسليم الثمن في المجلس أو حسب رأي مالك في السلم ، ولكن إذا لم تكن هناك صنعة فالحل هو صكوك السلم.
وكذلك الحال في المرابحة للآمر بالشراء ، والتورق المنضبط بضوابط الشرع ، والإجارة مع الوعد بالتمليك ، بالإضافة إلى جميع أنواع الصكوك الاستثمارية الشاملة لصكوك الإجارة ، والمضاربة ، والمشاركة ، والاستصناع ، ونحوها .
ولكن أهم الوسائل لإدارة السيولة تتحقق من خلال الأسواق الإسلامية (البورصات) الملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية من خلال الأسهم والصكوك والوحدات الاستثمارية ، فإن البورصة الإسلامية تعتمد على جميع العقود الشرعية (القديمة والجديدة) في تعاملها ، وتعتمد على الموجودات (الاقتصاد العيني) من السلع والخدمات والحقوق المالية الحقيقية ، وهي قادرة على توفير أدوات طويلة المدى ، أو قصيرة ، أو متوسطة لإدارة السيولة من خلال تداول الأسهم والصكوك والمحافظ الاستثمارية ، كما أنه يمكن استعمال عقود جيدة في مجال السيولة مثل السلم والاستصناع ، والتورق المنضبط[45].
خلاصة أدوات توفير السيولة ، هي :
(1) القرض الحسن إن توفر .
(2) السلم والسلم الموازي .
(3) الاستصناع والاستصناع الموازي .
(4) الإجارة المنتهية بالتمليك ، حيث يحتاج مالك العقار أو السلع ( شخصاً طبيعياً أو معنوياً ) إلى السيولة ، فيبيع عقاره أو مصنعه أو أي شيء يمكن تأجيره لشخص آخر (شخصاً طبيعياً أو معنوياً ) ثم يتعهد البائع بتأجيره لمدة زمنية ( سنة أو أكثر ) مع وجود وعد بشراء العقار منه ، أو بيعه أو هبته من المشتري المؤجر ، وبذلك تحققت السيولة للبائع المستأجر .
(5) التورق المنضبط ، وهو من أهم أدوات تحقيق السيولة إذا توافرت فيه الشروط والضوابط المطلوبة .
(6) شركة الأموال .
(7) المشاركة المتناقصة في شركة الملك ، حيث إن صاحب المصنع أو العقار ـ مثلاً ـ يحتاج إلى السيولة فيبيع نسبة من مصنعه ، أو عقاره ، أو مزرعته إلى شخص ( طبيعياً أو اعتبارياً ) مع الوعد بالمشاركة المتناقصة سنوياً ، أو حسب الأسهم والحصص ( أي حسب صورها المشروعة ) وبذلك تحققت السيولة لصاحب المصنع .
(8) المشاركة المتناقصة في شركة العقد ، بحيث يبيع المساهم نسبة من شركته عن طريق المشاركة المتناقصة المذكورة آنفاً .
(9) المضاربة مثل المقاول الذي يحتاج إلى سيولة ، فيدفع له البنك مبالغ عن طريق المضاربة.
(10) إصدار الصكوك بجميع أنواعها ، وبخاصة إصدارها على عقارات وممتلكات موجودة عن طريق الإجارة المنتهية بالتمليك ، أو المشاركة أو نحوهما .
أدوات توظيف السيولة :
إن أدوات توظيف السيولة تدور في الواقع حول أدوات الاستثمار أو التمويل المشروعة ، ولذلك فإن جميع عقود الاستثمار الشرعية عقود التمويل هي أدوات لتوظيف السيولة ، مثل عقود : بيع المرابحة ، والمساومة ، والبيع الآجل لجميع البضائع ، والعقارات والسيارات والسفن والطاشرات وغيرها ، والإجارة التشغيلية والإجارة التمويلية سواء كانت للأعيان أم للمنافع والخدمات ، وعقود السلم والاستصناع ، والمضاربة والمشاركة ، والمساقاة والمزارعة ، ونحوها .
وكذلك يمكن توظيف السيولة باستثمارها في الأسهم والصكوك الإسلامية المتنوعة والمحافظ الاستثمارية وغير ذلك .
ويتم تحقيق ذلك من خلال :
أ ـ قيام المؤسسة المالية بشراء السلع أو العقارات أو المصانع بالعاجل وبيعها بالآجل مساومة أو مرابحة .
ب ـ قيام المؤسسة بدفع مبالغ لشراء السلعة عن طريق السلم ، ثم ترتيب السلم الموازي أيضاً بعد تسلم السلعة ، أو عن طريق ترتيب وعد ملزم من طرف شخص آخر بشراء السلعة المسلم فيها عند تسلمها ، أو بتوكيل البائع ببيعها لعملائه .
ج ـ أن تقوم المؤسسة بشراء الأعيان ( العقارات والمصانع ونحوهما ) لتأجيرها تأجيراً تشغيلياً ، أو تأجيراً منتيهاً بالتمليك ، وكذلك الأمر في قيامها بشراء الخدمات ( إجارة الأشخاص ) ثم تأجيرها للعملاء .
د ـ قيام المؤسسة ببناء العقارات ، أو المقاولات أو التصنيع ( عقد الاستصناع ) بنفسه أو بغيره ، ثم بيع الشيء المستصنع للعملاء عن طريق الاستصناع والاستصناع الموازي .
هـ ـ قيام المؤسسة بدفع رأس المال العامل عن طريق المضاربة أو المشاركة في مشروعات ناجحة .
وـ قيامها بشراء الشركات كلها ، أو بعضها ، أو أسهمها ، أو الاكتتاب فيها ، أو شراء الصكوك ، والوحدات الاستثمارية ، أو المتاجرة في هذه الأوراق المالية .
وقد ذكرنا ما سبق كنماذج ، وإلاّ فجميع العقود الشرعية صالحة لتوظيف السيولة .
أهمية الأسواق المالية الإسلامية (البورصات) لتحقيق السيولة وضرورة تطويرها ، والاكثار من الصكوك المنضبطة :
إن الأسواق المالية (البورصات) لإدارة السيولة بمثابة الرئة للإنسان حيث بهما يتحقق الشهيق والزفير وهكذا المؤسسات المالية الإسلامية تحتاج إلى الأسواق المالية الإسلامية التي تتوافر فيها كميات كبيرة من الأسهم المشروعة ، والصكوك والوحدات الاستثمارية القابلة للتداول ، لذلك تقع على الدول الإسلامية والمؤسسات المالية الإسلامية مسؤولية تطويرها ، وتنويع منتجات إسلامية تتوافر فيها شروط التصنيف العالمي من حيث الجودة والاتقان والشفافية والربح الجيد[46].
أهم ضواط إدارة السيولة :
إن أهم الضوابط لمشروعية الأدوات السابقة أن لا تتضمن الفائدة المحرمة ، ولا أمراً غير مشروع ، وأن تتوافر فيها أركان العقد وشروطه .
الوسائل التقليدية لإدارة السيولة :
إن البنوك التقليدية تلجأ في إدارة السيولة في حالة الوفر ، أو العجز إلى الوسائل التي تعتمد على الربا ، من خلال السحب على المكشوف أو منح تسهيلات نقدية ، أو ودائع ، أو إيداعات لمدد مختلفة ـ كما سب قـ حتى ولو كانت لمدة قصيرة حيث تدع هذه البنوك التقليدية كل ما لديها من سيولة زائدة لدى النوك المركزية بفائدة ولو لمدة ليلة واحدة (أوفرنايت) أو لدى البنوك الأخرى بفائدة ، وكذلك إذا احتاجت إلى سيولة فتطلب الايداع لديها بفائدة ، أو تشتري سندات الدين . .. .
وأما البنوك الإسلامية فلا تستطيع التعامل على أساس القرض بفائدة مطلقاً ، بل أمامها في حالة العجز الاقتراض عن طريق القرض الحسن من خلال الحساب الجاري الذي لا يشفي الغليل ، والعقود الشرعية الأخرى التي تحتاج إلى توافر ضوابط خاصة بكل عقد ، وكذلك في حالة الوفرة ليس أمامها إلاّ الاستثمارات الإسلامية التي تحتاج إلى الوقت ، ولذلك قد تلجأ إلى التعامل في السلع الدولية لسهولة التنضيض ، كما أن السندات محرمة ، ولكن أمامها الصكوك الإسلامية التي سنتحدث عنها فيما بعد .
وهذه الصعوبة تقتضي تعاون البنوك الإسلامية لايجاد مؤسسات فعالة لإدارة السيولة في حالة الوفر أو العجز .
المسعف الأخير في حالة العجز ، والبديل الشرعي :
تسمى الجهات الرقابية أو البنوك المركزية بالمسعف الأخير للبنوك في حالة عجز السيولة وحاجتها إلى السيولة ، حيث تقوم هذه الجهات بتوفير السيولة المطلوبة ولكن بفائدة ربوية ، وهنا مفترق الطرق ، حيث لا تستفيد من هذا الاسعاف البنوك الإسلامية في حين أن البنوك التقليدية تستفيد من ذلك .
ومن هنا فالعدالة تقتضتي أن تسعى هذه الجهات الرقابية لتوفير السيولة للبنوك الإسلامية عن طريق أحد العقود الشرعية ، من مرابحة ، أو كالة باستثمار ، أو نحو ذلك من العقود الذرعية ، وكذلك الأمر في حالة وفرة السيولة لدى البنوك التقليدية فإنها تودعها لدى البنوك المركزية بفائدة ولو لليلة واحدة – كما سبق -.
وهنا أيضاً تحرم البنوك الإسلامية من استغلال سيولتها لمدد قصيرة عن طريق البنوك المركزية ، ومن هنا فالعدالة تقتضي أن تتعامل البنوك المركزية مع البنوك الإسلامية عن طريق أحد العقود الشرعية المحققة للغرض للطرفين ، مثل عقد المضاربة سواء أكانت مباشرة أو عن طريق جهة أخرى ، أو عن طريق الوكالة بالاستثمار ، ونحوها .. .
المقارنة بين المخاطر والعوائد في أدوات السيولة النقدية :
بالنسبة للأدوات الإسلامية فإن هناك علاقة متلازمة بين العوائد والمخاطر ، ولذلك تحسب الأرباح في السلم أكثر من البيوع العادية ، ولكن بشرط أن لا يصل ذلك إلى حدّ الاستغلال للحاجة ، أو الغبن الفاحش .
ومن جانب آخر فإن جميع الأدوات الإسلامية لإدارة السيولة تعتمد على العقود الحقيقية الواقعة على المعقود عليه الموجود حالاً ، أو مآلاً ، وبالتالي فتكون المخاطر أقل ، حيث الأصول من السلع والخدمات والحقوق الحقيقية تكون موجودة ، ولذلك فإذا وقعت الخسائر فتكون نسبة نزول قيمة السلعة ، أو الخدمة ، واما الأدوات التقليدية فتعتمد على الائتمان والديون وملاءة الشخص المدين ، ومن هنا فإذا حدثت أزمة تكون مؤثرة وخطيرة ومؤدية إلى الافلاس في الغالب كما تبين ذلك من خلال الأزمة المالية العالمية[47].
دور الدولة (البنك المركزي) في إدارة السيولة :
إن دور الدولة بصورة عامة ، والبنك المركزي فيها بصورة خاصة دور مركزي جداً ، في توفير السيولة وإدارة السيولة على مستوى الدولة والقطاع العام ، وكذلك على مستوى القطاع الخاص ، وذلك لأن البنك المركزي (مؤسسة النقد) هو الذي يدير السياسة النقدية في البلد من حيث الإصدار ، ومن حيث العرض والطلب الكلي ، ومن حيث الفوائد أو نسبة الأرباح .
فالسياسة النقدية الرشيدة هي السياسة الناجحة المدروسة للدولة ، والقائمة على التخطيط والموازنة ، وملاحظة السوق ، والتضخم والافلاس والانكماش ، والسعي الدائب لتحقيق التوازن لمستوى السيولة المتداولة ، أو الداخلة ، أو الخارجة بشكل شهري بل اسبوعي ، ويومي ، وهذا لا يتحقق إلاّ من خلال إدارة ناجحة لديها الكفاءة العالية ، والقدرة على الحصول على المعلومات أولاً بأول لحركات السيولة ، وذلك عن طريق التقارير الجديدة المبتكرة من حيث التحاليل المبينة حركة السيولة في البنوك ، وفي الأسواق (البورصات) والمحافظ الاستثمارية ، مع الاحتياجات المطلوبة .
ويجب أن تبتعد الدولة (البنك المركزي) عن التخمينات والقراءات العشوائية ، وأن تعتمد على لغة الأرقام بكل شفافية ، وتحويل كل المعطيات السابقة إلى لغة رقمية دقيقة لا تدع مجالاً للتأويلات والشائعات التي تضر بالدولة والمؤسسات المالية .
ومن جانب آخر فإذا استقرت مصداقية البنك المركزي من خلال تقاريره الدقيقة الشفافية الصادقة فإنه يترتب عليه سايكلوجية متوازنة للمتعاملين مع الأسواق ، والسيولة ، والمحتاجين إليها ، وهذا البيان والوضوح ، والشفافية مطلوب في الإسلام من خلال نصوص كثيرة أوجبيت البيان التام بكل ما يتعلق بالسوق ، ومحل العقود والمتعاملين فيها .
ومن الإجراءات العملية بالإضافة إلى ما سبق أن يقوم البنك بوضع سياسة إجرائية تؤدي إلى استغلال تعطل حركة السيولة أو تباطؤها إلى تحقيق الاستقرار النقدي والمالي ، ومواجهة التضخم ، واستغلال فوائض السيولة لتوجيهها إلى المشاريع التنموية وذلك باستعمال مؤشرات الربح في المرابجة والتمويل (أي البديل لمؤشر اللايبور في النظام الربوي) لتحقيق بعض هذه الأهداف ، حيث إن رفع تكلفة الائتمان يؤثر على المشاريع الكبرى ، وفي مشاريع البنية التحتية ، بل وفي المشاريع التنموية ، بالاضافة إلى التقليل من التمويل الاستهلاكي ، والتوازن أيضاً في طرح الأدوات النقدية المباشر لإدارة السيولة[48] .
وهنا يأتي دور الدولة في تحقيق هذا التوازن في إدارة السيولة من خلال استعمال مؤشر الربح والمرابحة زيادة ونقصاناً ، كما أن قانون العرض والطلب له دور في تحقيق التوازن إذا تدخلت الدولة بتوازن ودقة دون إفراط ولا تفريط ، فقد ذكرت كتب التأريخ أن الخليفة هارون الرشيد كان يأمر بشراء الحبوب (الطعام) في الصيف وتخزينها في سنابلها ، وفي الشتاء كان يراقب السوق ، فإذا وجد أن السوق قد ارتفعت فيها الأسعار تدخل بطرح كميات مناسبة لإعادة التوازن إليها ، وهكذا .
مدى حاجة البنوك الإسلامية إلى بنك مركزي إسلامي يدير لها السيولة :
نرى بعد هذه الدراسة أن إدارة السيولة تحتاج إلى سياسة مالية نقدية متزنة ، وبالتالي فإن للدولة من خلال بنكها المركزي دوراً كبيراً ـ كما سبق ـ .
وبما أن البنوك المركزية في عالمنا الاسلامي لا زالت تعتمد على الآليات والأدوات الرأسمالية ، وبخاصة نظام الفائدة ، وحرية السوق ، وبما أن البنوك الإسلامية بلغت المئات وتستثمر أكثر من تريليون دولار فإنها بحاجة إلى بنك مركزي لكل هذه المؤسسات المالية الإسلامية يكون من أهم أدواره ما يلي :
-
وضع سياسة نقدية ومالية لإدارة السيولة في المصارف الإسلامية ، بل في جميع المؤسسات المالية الإسلامية ، حيث كان في فترة من الفترات لديها فائض سيولة ، كما أن لدى بعضها فائض سيولة ، ولدى بعضها الآخر عجز او نقص فيها ، فكل ذلك يقتضي وجود بنك مركزي يدير هذه الأمور في من الفائض ، والعجز ، وسياسة راشدة ، وخطة واضحة ، واستراتيجية بعيدة المدى .
-
تنشيط السوق الأولية من خلال البحث عن فرص الاستثمار وتطوير الأفكار ، ودراسة جدواها ، ومن ثم تطوير مشاريع ثم طرحها ، وهذا ما يسعى إليه المجلس العام للمؤسسات المالية والبنوك الإسلامية من خلال إنشاء بنك ضخم يلعب دوره ( من خلال رأسماله الذي يبلغ مائة مليار دولار كأسهم استثمار عام ضمن رأسمال كلي متغير ، يستطيع البنك أن يلعب دوراً مهماً في طرح أدوات قصيرة الأجل متوافقة مع الشريعة ليتم تداولها في سوق ما بين البنوك ، كما أنه سيلعب دور صانع السوق من خلال تخصيص 35% من أموال البنك لعملية التعهد بالشراء ، وهو ما سيضبط حركة التداول ، وبالتالي سيتولى مسألة سد الثغرات في إدارة السيولة )[49] .
-
تنشيط السوق الثانوية الإسلامية (البورصة) من خلال طرح أدوات مالية مشروعة مثل الأسهم ، والصكوك والوحدات الاستثمراية ، ويبدو عدم وجود مثل هذه الأسواق بصورة كافية ، فإن نسبة السيولة في البنوك الإسلامية أكثر من مثيلاتها في البنوك التقليدية بنحو 9.45% [50] وذلك أن المؤسسات الإسلامية لا تستطيع الاقتراض بفائدة ، ولا الاستثمار بفائدة عن طريق البنوك المركزية التي تتيح الاستثمار الليلي بفائدة ولو لليلة واحدة .
-
السعي الحثيث لايجاد أدوات نقدية ومالية مختلفة الأزمان من قصيرة ، وطويلة ، ومتوسطة الأجل .
-
وضع خطة استراتيجية لتحقيق مقاصد الشريعة في إنشاء هذه البنوك والمؤسسات المالية من التعمير والتنمية الشاملة من خلال العقود والأدوات النقدية والمالية المتنوعة التي تحقق مختلف الأغراض ، وعلى العقود التي تحقق المشاركة بجميع أنواعها .
-
السعي الحثيث للخروج من العقود الصورية والشكلية ، والمعاملات التي لا تحقق التنمية الشاملة لأمتنا الإسلامية بشكل متدرج مدروس .
-
السعي لايجاد مؤشر يعتمد على الربح والمرابحة وليس على الفائدة كما هو الحال اليوم ، حيث يعتمد الجميع على معيار ” لايبور ” .
-
وضع سياسة إعلامية وتوعوية لتشجيع الادخار والاستثمار بطرق إسلامية ، وتثبيت ثقافة التجارة الإسلامية في النفوس .
-
ضرورة اتباع استراتيجية فاعلة ، وشاملة لإدارة السيولة لتشمل إدارة سيولة الأصول ، وإدارة سيولة الالتزامات ، والإدارة المتوازنة للسيولة ، وبسبب افتقار الصناعة المالية الإسلامية إلى البنية التحتية الملائمة للسيولة لسبب غياب الأسواق الثانوية الإسلامية فإن معظم المصارف الإسلامية تتبع إدارة سيولة الأصول[51] ، مع أن المفروض أن يستفيد منها جميعاً بشرط ضبطها بالضوابط الشرعية ، كما من الأفضل اتخاذ استراتيجية خاصة بها تجمع خيرات الاستراتيجيات الثلاث ، وتدرأ مفسادها وأخطارها وأخطاءها .
الموضوع التاسع : بعض المقترحات العملية :
(1) تعاون المؤسسات المالية الإسلامية بجميع أنواعها على إيجاد سوق تجارية تقوم على الضوابط الشرعية لتبادل السلع بين البلاد الاسلامية بديلاً عن سوق السلع الدولية ، تنفيذاً للتوصية الخامسة في قرار رقم (76(7/8) لمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
وقد بذل البعض بعض الجهود لإيجاد سوق إسلامية بديلة في بعض الدول العربية والإسلامية ، وسماها بها ، ولكنها – مع الأسف الشديد- في حقيقتها تعتمد كذلك على البورصات العالمية مثل بورصة لندن ، وإنما زادوا اسماً وعنواناً ، وواجهة وزيادة في الرسوم ، فلا يتحقق فيها القبض ولا تؤدي إلى أي تنمية ، ولا تبادل حقيقي بين السلع والخدمات ، وإنما في جوهرها (درهم بدرهم بينهما حريرة) وحتى الحريرة لا يمكن قبضها أو لا يراد أبداً قبضها.
وقد تحققنا من إحدى الأسواق التي سميت بالسوق الإسلامية فوجدناها كما ذكرت آنفاً ، والله المستعان.
(2) توجيه فائض السيولة لخدمة أهداف التنمية في العالم الإسلامي بالتعاون بين البنوك الإسلامية من خلال توزيع الأدوار وتحريك الأموال بين الدول الإسلامية لدعم صناديق الاستثمار المشتركة لتحقيق التنمية الشاملة، وإنشاء المشاريع المشتركة. تنفيذاً للتوصية السادسة في قرار رقم (76(7/8) لمجمع الفقه الإسلامي الدولي.
(3) دعوة الحكومات الإسلامية للتعاون البنّاء في تحقيق التوصيتين السابقتين وتسخير إمكانياتها لتنفيذهما على أرض الواقع حيث فيهما خير كثير لأمتنا الإسلامية .
(4)إنشاء محفظة استثمارية كبيرة متنوعة، قائمة على التقييم اليومي لوحداتها من خلال الخبراء حتى يمكن شراؤها ، ثم بيعها بصورة سلسلة على أن توجه ههذ المحفظة لتحقيق التنمية الشاملة.
هذ والله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
———————————————
([1]) يراجع : د. محمد علي القري : مرابحات السلع الدولية ، بحث منشور في مجلة كلية الشريعة والقانون بجامعة الامارات ص 1545-1546
([2]) حديث النهي عن (بيع ما ليس عندك) ، رواه أصحاب السنن بروايات كثيرة وبأسانيد صحيحة ، فرواها أبو داود الحديث 3503 والترمذي وقال الشارح عارضة الأحوذي (3/193) : ( حديث صحيح )، وكذلك صححه النووق في المجموع (9/259) وابن دقيق العبد في الاقتراح الحديث 99 وغيرهما
([3])ورد فيه حديث ضعيف ، وهو نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالي وهو بيع الدين المؤجل بالمؤجل ، يراجع : السنن الكبرى للبيهقي (5/290) وشرح السنة للبغوي (4/284)
([8]) التورق المصرفي بين التورق المنضبط والتورق المنضم ، دراسة فقهية مقارنة ، أ.د. علي محيى الدين القره داغي ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت 2011
([9]) يراجع شرح ابن القيم على سنن أبي داود ( 9/345) ونيل الأوطار (6/363) ، وإعلام الموقعين ( 3/112 )
([12]) يراجع لمزيد من التفصيل : كتابنا : إجارة الأعيان وتطبيقاتها المعاصرة ط. دار البشائر الإسلامية بيروت 2015م
([13]) يراجع للمزيد حول هذه المسألة ، بحثنا : أحاديث النهي عن صفقتين في صفقة واحدة ، سندها ، ومتنها ، وفقهها ، منشور ضمن الحقيبة الاقتصادية ج6ص241-288
([15]) يراجع في تفصيل ذلك : د. عبدالله العمراني : العقود المركبة ط. كنوز اشبيليا 1427هـ ص46 وما بعدها
([16]) يراجع : السنن الكبرى للبيهقي (5/343) ونيل الأوطار (6/287-288) وتحفة الأحوذي (4/428) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (29/61) وفتح القدير (6/446-447) والمقدمات لابن رشد (2/65) وروضة الطالبين (3/397)
([17]) يراجع كتابنا: التورق المصرفي بين التورق المنضبط والتورق المنظم ط. دار البشائر الإسلامية ، ود. عبدالله العمراني المرجع السابق
([22]) الحديث رواه أبو داود بسنده ، الحديث 3503 والترمذي بسنده ، قال ابن العربي في عارضة الأحوذي (3/193) : ( حديث صحيح) وصححه النووي في المجموع (20/529) وابن الملقن في البدر المنير (6/489) وغيرهما
([23]) مطبوع مستقلاً – دار البشائر الإسلامية / بيروت ، وكذلك مطبوع ضمن الحقيقة الاقتصادية ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت
([24]) يراجع في الملكية : الدكتور عبدالسلام العبادي : الملكية في الشريعة الإسلامية ط. الأقصى / عمان 1394هـ ، ويراجع كتابنا : المقدمة في المال والملكية ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت 2009م
([25]) يراجع د. محمد علي القري ، الملكية النفعية ، بحث مقدم إلى المؤتمر التاسع لعلماء الشريعة إسرا ، نوفمبر 2014 ، وبحثنا المقدم إليه أيضاً في نفس الموضوع
([27]) يراجع في الملكية المشتركة : محمد أحمد بونبات : نظام الملكية المشتركة للعقارات المبنية ط. المعزب 2004 ص60 وما بعدها ، وعبدالحق صافي : الملكية الكشتركة ، ط. الولى 2005م ، ص55
([29]) وهو بحث منشور في موقعي الرسمي www.qaradaghi.com، وفي الحقيبة الاقتصادية (5/201) بحث بعنوان : مدى مسؤولية المضارب ، والشريك (البنك ومجلس الإدارة) عن الخسارة
([33]) المقدمات الممهدات (2/245) ويراجع :بحثنا حول ضمان المستأجر في كتاب : الإجارة ط. دار البشائر الإسلامية / بيروت
([36]) بحثي الموسوم : مشكلة الديون المتأخرات وكيفية ضمانها في البنوك الإسلامية ـ دراسة فقهية لغرامات التأخير والبدائل ـ المنشور في مجلة مجمع الفقه الاسلامي ع 14 ج4 ص453-520
([37]) أي ما عدما المالكية ، حيث أن القرض عند جمهور الفقهاء لا يتقيد بتحديد الزمن ، لأن إحسان وتبرع ، ولا جبر في التبرع والإحسان ، وقد قال تعالى : ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (سورة التوبة: من الآية 91) ، ولذلك للمقرض حق في مطالبة المقترض في أي وقت شاء ، في حين ذهب المالكية إلى أن المقرض يلزم بالمدة التي حددها إلاّ إذا سمح له المقترض ، حيث استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (المسلمون عند شروطهم ) رواه الترمذي (3/626) وقال : حديث حسن صحيح .
يراجع للمزيد من التفصيل : بدائع الصنائع (7/396) وحاشية ابن عابدين (4/170) ومبادرة على التحفة (2/388) وروضة الطالبين (4/34) والمغني لابن قدامة (6/431) ، ويراجع كذلك : الموسوعة الفقهية الكويتية (33/ 128 – 129 ) .
ومن المعلوم أن الفقهاء فرقوا بين الدين الذي ينتج عن العقود الآجلة ، حيث إن الاجل فيها لازم ، والقرض الحسن الناتج عن عقد القرض .
وفي ضوء ما سبق فإن القرض مطلقاً إنما يكون ملحقاً بالنقود في السيولة عند الجمهور ، واما على رأي المالكية الملزمين فإن القرض المؤجل فإنه يأتي في درجة ثانية من حيث السيولة ، والله أعلم
([41]) يراجع تفصيلهما في بحثنا عن الاستصناع بين اللزوم والجواز … بحث مقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي الدولي في دورته السادسة 1412هـ ، وبحث السلم المقدم إلى ندوة البنك الأهلي 1430هـ وبحثنا عن التورق المقدم إلى المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي
([42]) يراجع لمزيد من التفصيل : د. التيجاني عبدالقادر أحمد : البديل الإسلامي للتمويل النقدي ط. مركز التنوير المعرفي ـ الخرطوم 2007
([43]) يراجع : د. نزيه حماد : بحثه عن السلم ، المنشور في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي ، ع9 ج1 ص606
([44]) اقتراح الأستاذ عبداللطيف الجناحي المقدم لحلقة النقاش الأولى للجنة الاقتصادية التابعة لديوان الأميري بالكويت في الفترة 6-8 فبراير1993 بعنوان : تهيئة الأجواء لاستكمال تطبيق الشريعة الاسلامية في المجال الاقتصادي .
([45]) يراجع : بحثنا حول البورصة من منظور إسلامي ، وبحثنا حول : التطبيقات العملية لإقامة سوق بورصة إسلامية ، المنشوران في مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي
([46]) يراجع لمزيد من التفصيل : بحثنا حول : البورصة من منظور الفقه الإسلامي ، والتطبيقات العملية لإقامة بورصة إسلامية ، المقدمين لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
([47]) يراجع : كتابنا حول : الأَزْمةُ المَاليّةُ العَالميّة دراسة أسبابها وآثارها ، ومستقبل الرأسمالية بعدها علاجها من منظور الاقتصاد الاسلامي وكيفية الاستفادة منها في عالمنا الاسلامي ط. دار البشائر الإسلامية ببيروت 2009م
([48]) يراجع : د. خالد الخاطر : الأزمة المالية ، ورقته المقدمة إلى ندوة : حوار الأديان بالدولة 2001م
([49]) هذا ما ذكره الأمين العام للمجلس العام للبنوك والمؤسسات الإسلامية ، الدكتور عزالدين خوجة ، انظر :
http://www.ifwatch.com/articlesdtails.asp?key=36