مقالاتمقالات مختارة

المسؤولية الشرعية والقانونية والأخلاقية للكفيل تجاه مكفوليه في الجوائح

المسؤولية الشرعية والقانونية والأخلاقية للكفيل تجاه مكفوليه في الجوائح

بقلم د. محمد علي المصري

عقد الكفالة الشخصية من العقود المعمول بها على نطاق واسع في دول الخليج تجاه الأجنبي العامل في دولة الكفيل، ويتضمن العقد القانوني أو النظامي عددا من البنود النظامية التي يتم فرضها بقوة القانون، ودون حاجة لكتابة هذا العقد، أو أن يكون لطرفي العقد الحق في قبول أو رفض بعض بنوده، فهي بنود إلزامية واجبة، تطبق على الجانبين.

غير أن الالتزامات التي تقع على عاتق المكفول هي ما ينص عليه النظام دائما، ويتم الحديث عنها سواء بالقبول أو الرفض، أو الرغبة في التعديل أو نحو ذلك، ولا شك أن الحقوق والالتزامات تتقابل، حتى وإن لم يتم النص إلا على جهة واحدة من الحقوق، وغض الطرف عن الالتزامات، فالقاعدة أن كل حق يقابله واجب.

وفي جائحة كورونا الحالية وجدنا العديد من الدعوات النظرية، والتصرفات من الكفلاء تجاه مكفوليهم بغرض التحلل من الالتزامات العقدية تجاههم المنصوص عليها بموجب عقود عمل، باعتبار أن ذلك جزء من وضع الجوائح، وأن الكفيل يتعرض لخسارات مالية كبيرة، غير أن هذه الدعوات وهذه التصرفات عليها ملاحظات كبيرة من قبلنا نوجزها فيما يلي:

القاعدة أن كل منع أو حبس يوجب على المانع أو الحابس حقوقًا والتزامات، فقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن امرأة دخلت النار في هرة، لا هي أطعمتها، ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض (رواه أحمد وغيره، وهو صحيح على شرط الشيخين)، ومن المعروف أن النظام والعقود تمنع المكفول من ممارسة أي أعمال خارج نطاق عمله لدى الكفيل، فلا يجوز له نظامًا التعاقد بعد مواعيد العمل على عمل آخر، وبالتالي فإنه من الناحية النظامية لا يجوز للمكفول أن يطلب الرزق لدى غير المكفول، فضلا عن أنه يكاد يكون من المحال البحث عن عمل في ظل ظروف الجائحة، فضلا عن أن المكفول في الغالب عليه التزامات مالية تجاه أسرته أو مَنْ تلزمه نفقتهم، وعلى هذا فمن هذه الناحية يلتزم الكفيل بسداد نفقات المكفول في حدود ما تم الاتفاق عليه من عقود والتزامات مالية بينهما، في ظل هذه الجائحة، ولا يجوز له الامتناع عن سداد هذه المستحقات، من جهة أن المكفول محبوس، وقد نص الفقهاء رحمهم على أن القاعدة أن «النفقة جزاء الاحتباس»(حاشية ابن عابدين 3/145).

ومن ناحية أخرى فإن تحقيق الأرباح لا يوجب على الكفيل إعطاء المكفول مما يحققه من تلك الأرباح، فكذلك؛ تحقيق الخسائر لا يضع على عاتق المكفول مشاركة المكفول لكفيله في تلك الخسائر، ولو اعتبرنا أن الجائحة تتسبب في خسائر للكفيل، وهي كذلك بلا شك؛ إلا أن المكفول لا علاقة له بتلك الخسائر، من جهة عدم حصوله على مَغنم عند الربح، فكذلك لا يغرم عند الخسارة، فهو ليس بشريك في الشركة أو المؤسسة، أو لدى الكفيل، فالقاعدة أن الفقهية أن «الغُرم مقابَلٌ بالغُنْم»، فإذا فات الغُنْم فلا يجوز الإلزام بغُرْم، فإنما النعمة بقدر النقمة، وعكسها(فتح القدير لابن الهمام 14/3)، وقد قال صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة رضي الله عنها «الخراج بالضمان»، فإباحة غلة الشيء مشروط بضمان رقبته، وهو نوع من المقابلة بين الغُنْم والغُرْم.

على أنه يجوز الاتفاق بين الطرفين بغير إيجاب على المكفول، وبغير ضغط من الكفيل على مكفولة في ذلك، والضغط في هذا مُهدر لموافقة المكفول شرعًا ونظامًا، كما أنه يعد مُحَرَّمًا، لأنه من أكل أموال الناس بالباطل، أما بغير الموافقة الإرادية الطوعية من المكفول فلا يحل.

فإذا كان العقد يمكن فسخه بحيث يتخلص الكفيل من تبعاته والتزاماته نحو مكفولة فهو جائز، لأن العلة التي من أجلها نيط الحكم انتفت، وهي الحبس، فإذا أحله من هذا الحبس بإنهاء العقد بينهما انحل معها التزامه، ويجب في هذه الحالة إعطاء المكفول كافة حقوقه العقدية والنظامية، وهذا الفسخ مشروط بإمكان رجوع المكفول إلى دولته، فإذا لم يكن ذلك متاحا لغلق الحدود ونحو ذلك لم يجز للكفيل التحلل من الالتزامات العقدية، حتى وإن فسخ العقد بينه وبين المكفول، لأن فسخ العقد لا يغير من وضع حبسه، فتبقى التزامات الكفيل لحين قدرة المكفول العودة إلى بلده، أو التحاقه بعمل آخر في نفس بلد الكفيل، والعبرة هنا في الإمكان أو القدرة على ذلك، وليس قيام المكفول بالسفر الفعلي أو الالتحاق الفعلي بعمل آخر، فإذا تم الإعلام عن فتح سفر المكفول إلى بلده انحل التزام الكفيل المذكور.

ومع ذلك فإن الالتزام الأخلاقي للكفيل قد يمنعه من فسخ العقد مع مكفولة في هذه الحالات، حتى وإن كان العقد أو النظام يسمحان بذلك.

إن عقد الكفالة الشخصية المعمول به في دول الخليج وبعض الدول الأخرى من العقود التي ترتب حقوقًا والتزامات على طرفيه، وبغض النظر عن مدى مشروعيته، وحتى عند من يقول بفساده فله آثاره في كل الأحوال التي تترتب عليه، والالتزامات المذكورة في مسؤولية الكفيل عن المكفول لا تتعلق بمدى صحته أو فساده، لحصول الانتفاع من أحد طرفيه، فتثبت حقوق الطرف الآخر، كمن تزوج امرأة بغير إشهاد، فتترتب على عقد الزواج آثاره، كثبوت المهر، والتحاق النسب وغير ذلك، ولا يؤثر في ثبوت هذه الحقوق فساد العقد المذكور.

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى