مقالاتمقالات المنتدى

ضحايا الاستئصال من الشعب الجزائري إلى الشعب السوري

ضحايا الاستئصال من الشعب الجزائري إلى الشعب السوري

بقلم عنتر حداد

في جو هادئ لطيف، والحاكم يتمتع بشرب شاي على شرفة منزله، أو يتمتع بصوت رياح الشتاء وهي تحرك الأغصان، لأن الأوراق قد سقطت وتناثرت، بعد أن سَلبها الخريف جمالها وَرَونَقَهَا وَعِزَةَ ألوانها الزاهية الزكية، وإذا بها هَبَةٌ غَرِيبة، لم تكن رِيحًاعادية، بل رياحا من كل الاتجاهات، وفي لمح البصر زعزعت مقاليدَ حُكمٍ في بلاد كبيرة، من تونس إلى مصر فـ طرابلس الغرب، وتستمر هذه الرياح وتقف على أبواب الشآم المباركة، طال أمدها، وانتظر الجميع هدوءها، وبدأ صرير الأقلام، ونُبُوءَاتُ المفكريين تَتَحَدَ وتُبَارِزُ، أن مصير الحاكم الظالم هناك، مصير الظالمين في البلاد التي فُتِحت لا بِالخَنَاجِر والسكاكيين، بل بالحناجر وَوُرُود الياسمين.

راهن الكثيير على أن مصير الحاكم هناك (دمشق) مصير من سبقه، وأنه من المستحيل أن يفعل بدمشق الشآم، ما فعل سَابِقُه في حماه، وصاروا يبرهنون ويؤكدون، أن تكرار أحداث حماه أصبح من القرون الوسطى، وأن اليوم زمن حقوق الإنسان، والأمم المتحدة، وأن الأمر هناك مجرد صبر ساعة، وحناجر قوية، مثل التي هَزَت أرض القيروان والكنانة، ونسي هؤلاء أنها تحولت في طرابلس إلى مدافع تفتك ولاترحم أحدا.

في لمح البصر تحولت تلك الرياح التي وُصِفت بأنها ربيع على بعض البلاد، إلى إعصار مدمر في الشآم، وشتاء شديدٍ قَرُهُ، ورياحٍ جنوبية شمالية لا تبقي ولا تذر، لا لِأَخَضَرَ ولَا لِيَابِسٍ، وتستمر المعاناةُ، وأي معاناة!، معناةٍ يعجز العَدُو عن تصوُرِها أو وصفها، ويكفي فيها شماته أن بعضا من أهل الجنوب (القنيطرة والسويداء) أصبح يلوذ بعدو الأمس ومحتل الأرض، من حاكم تلك البلاد.

استعمل هذا المجرم كل أنواع السلاح في فتك شعبه الأعزل، بل لم يكتف بذلك، حيث استعان بدول كبيرة في هذه الإبادة المشؤومة، ومما زاد هذا الصبي المَجنُونَ جُنونا فوق الجنون، هو صبر هذا الشعب العظيم وتحديه، وأنه شعب مستعد للبقاء مهما كلفه الثمن، استُعملت كل الأسلحة التي أصابها الصدأ من سنة 1973م، لم تطلق ولا رصاصة في الأراضي الجنوبية المحتلة، وهي اليوم تدك الأرض دكا طولا وعرضا، لا على المحتل بل على أبنائها، الذين بَنَوهَا بِسَوَاعِدِهِم، لم تَكفِ الأسلحة التقليدية، فتأتي الأسلحة غير التقليدية، لتواصل الإبادة حتى يُشفِيَ هذا المعتوه كبرياءه، ويستمر الصبر والتحدي، وتستمر معه المعاناة، لم تَكفِ أسلحة الفرس التقليدية، وبترول دُوَلٍ غنية، ولا الَأسلحُة الكيماوية، فيستعين بالدب، الذي قتل الملايين من شعبه إبان الحربين العالميتين.

قاَتلٌ في مساعدة قاتلٍ، والقاتل الثالث يدعي الوساطة، والمجرم الرابع يقول إنه يحارب جماعات متطرفة شمال البلاد.

عُنفٌ مُزَلزلٌ يضرب الأرض طولا وعرضا، أصبحت الأرض كالقطبين الشمالي والجنوبي، إلا أن القطبيين غطاها ثوب أبيض، ولكن في الشأم تعددت الألوان، الأحمر(الدم) وهو المعتاد، وأصبح مثله مثل زهرة الآلام البرية، ألفه الناس كما ألفوا في بلاد أخرى ألوان تلك الزهرة، والأبيض وهو ثوب العرسان (الشهداء)، وهم يُزَفون إلى عرائسهم (بإذن الله)، بالمائات يوميا، وفي فترة قياسية تصل نسبة الشهداء إلى الخمسمائة ألف، رقم يعجز اللسان عن وصفه، ولكن في صمت رهيب تتوقف الأقلام عن صَرصَرَتِهَا، التي كانت قبل أيام في 2011م تُسمِعُنَا نبراتٍ أَحد من السيف الهندوانيِ، وَأَشَدَ بَأَسًا من بطش ابن الورد سيد الصعاليك، أين هم الآن ليروا الأثواب البيضاء، والعمائم الحمراء (الرؤوس وهي تقطع)، ونسمع تلك النبرات، التي صامت عن الزئير، أم في انتظار سماع المؤذن حتى تكسر صيامها.

هذا العدد الرهيب في هذه الفترة القياسية، أجد نفسي مضطرا لأضع يدي على جرح لم ولن يبرأ، إنه إجرام فرنسا في الجزائر، اندلعت الثورة سنة 1954م، وكانت رَدتُ فعل فرنسا المجرمة ضد الثورة، مثل مجنون سوريا تماما، واستعملت سياسة الأرض المحروقة، وفي فترة وجيزة، في أقل من سبع سنوات قضت على أكثر من 15% من الشعب الجزائري، وكان عدد الشهداء في هذه الفترة أكثر من المليون ونصف المليون شهيد، الآن فقط بدأت استوعب لماذا سُميت الثورة الجزائرية بأنها أعظم ثورة في القرن العشرين، وأن إجرام فرنسا لا يضاهيه مثيل، وأنه مهما كان إجرام الفرس والروس في حق إخواننا في سوريا، فمن المستحيل أن يصل إلى إجرام وحقد الفرنسيين على الجزائريين، مع أسفنا على كل قطرة دم، وعلى كل نفس بريئةٍ في شامنا العزيزة.

إذا كانت فرنسا أم الإجرام، فماذا تفعل حاملة طائراتها(شارل ديغول) في البحر المتوسط، قرابة السواحل السورية، وماذا تدك طائرات الرافال الفرنسية في سورية؟!

ونتذكر أنه لما قامت الثورة الشعبية في الجزائرسنة 1988م، كانت النتيجة عشر سنوات من الحرب الطاحنة، ومائتا وخمسين ألف شهيد، علما أن هذا كله تم بتزكية فرنسية، وهنا نتذكر أن سوريا كانت قبل سنة 1945م مستعمرة فرنسية.

فهل يحق لنا أو نسمح لأنفسنا بطرح هكذا السؤال:

لماذا كل المستعمرات الفرنسية سابقا، مجرد أن يحدث فيها حراك، ولو صغير يتحول إلى حرب طاحنة؟!

أمثلة ذلك: الجزائر ساحل العاج مالي النيجر وسوريا اليوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى