هل تحاول السعودية تشويه سمعة “آل الشيخ” لنزع الوجاهة الدينية عنها؟
إعداد الخليج أونلاين
سعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى إفراغ لقب “آل الشيخ” من ظلاله التي استقرت في نفوس الناس بالعلم والفقه، وأصبح مؤخراً أشهر من يعرفه الناس ممَّن ينتسبون إلى هذا الأسرة هو “تركي آل الشيخ”، الذي أصبح اسمه يتردد مع كل مثير للجدل في المملكة.
وكان من القليل النادر أن تجد في تصرفات ملوك السعودية ما يخالف الصورة العامة التي يعلنونها من الحرص على سلامة التوحيد، ونشر السنة، والاهتمام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن مؤخراً ومنذ أن ظهر اسم محمد بن سلمان أصبح الأمر مختلفاً، مع ترنح أسرة آل الشيخ أمام تغييرات ولي العهد الجديد.
وبدا ظاهراً أن بن سلمان يريد الإطاحة وتشويه سمعة أسرة آل الشيخ التي اختصت بالجانب الديني خلال السنوات الطويلة الماضية.
علاقة آل الشيخ وآل سعود
يعود تاريخ بداية العلاقة بين آل سعود وآل الشيخ إلى القرن الثامن عشر عندما عزز محمد بن سعود حكمه، في عام 1745، بالتحالف مع آل الشيخ عبر الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي كان يدعو إلى العودة إلى إسلام خالٍ من أي إضافات أو “بدع”.
وجاء في كتاب “تاريخ نجد”، لمؤلفه جون فيلبي، رجل المخابرات البريطاني: “وصل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى الدرعية سنة 1160هـ وكان أميرها آنذاك محمد بن سعود جد السعوديين، وتمّ الاتفاق بين الشيخ والأمير على غرار ما كان قد تمّ بينه وبين عثمان بن حمد بن معمر أمير العينية (قرية تقع على وادي حنيفة في منطقة العارض بوسط نجد)”.
ويشير فيلبي إلى أن “بن عبد الوهاب لم يجد مناصراً أفضل من ابن سعود بعد أن تأكد هذا الأخير أنّ انتصار دعوة ابن عبد الوهاب هو انتصار له بالذات”.
وأضاف: “طلب محمد بن سعود من الشيخ تأكيداً بالنسبة لنقطتين. فقال: أخشى إن ساعدتك وكسبنا الدنيا أن تتخلّى عني لتبحث عن حظّك في مكان آخر. ثانياً أن تترك لي بموجب قوانين البلاد حقّ جباية الضرائب من رعاياي والفوائد الزراعية والتجارية، وأن لا تطلب إليّ التنازل عن هذا الحق”.
اتفاقية المقاسمة بين العائلتين
ويؤكد رجل المخابرات البريطانية أن بن عبد الوهاب رد على بن سعود قائلاً: “أمّا من ناحية المسألة الأولى فهات يدك أعاهدك على ذلك، وأمّا بالنسبة للمسألة الثانية فربّما أنالك الله فتوحات كثيرة تعوّضك عنها بالكثير من الغنائم والأسلاب الحربية التي تفوق ما تتقاضاه من الضرائب”.
ووفقاً لما يؤكده مؤرخون في كتبهم حول نشأة السعودية وتاريخ آل سعود، فإن هذا التحالف الذي جرى بين الإمام محمد بن عبد الوهاب، والأمير محمد بن سعود، دعم انتشار حركة تجديدية يطلق عليها “الوهابية”.
وفي كتابه “الوهابيون تاريخ ما أهمله التاريخ”، يقول المستشرق الفرنسي لويس دو كورانسي، إن محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن سعود وجدا نفسيهما على رأس هذا الشعب، فاقتسما بينهما السلطة العليا، فكانت للأوّل السلطة الدينية و للثاني السلطة الدنيوية، بعد أن تعاهدا على المحافظة على هذا التمييز لدى ذرية العائلتين.
عائلة آل الشيخ
وآل الشيخ هي أسرة نجدية، نسبة إلى منطقة نجد بالمنطقة الوسطى من المملكة العربية السعودية، وتضم الرياض العاصمة ومنطقة القصيم وحائل و تميمية نسبة إلى قبيلة بنى تميم التي كانت تسكن في منطقة نجد، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى جدها محمد بن عبد الوهاب.
وعلى مدى السنوات الماضية، منذ نشوء دولة السعودية، معززة بتحالف متين بين آل الشيخ وآل سعود، كانت أسماء ذرية محمد بن عبد الوهاب وأحفاده تتصدر الواجهات الدينية والمراكز العلمية الشرعية، محافظين بشكل واضح على سيرة الإمام محمد بن عبد الوهاب، ونهجه الديني.
وعُرفت هذه الذرية بلقب “آل الشيخ”، وباستمرار كانت أسماء من يحملون هذا اللقب بارزة في الوسط الديني والإفتائي، فضلاً عن أن من يقود المؤسسة الدينية في البلاد لا بد أن يكون من هذه الذرية؛ بحسب الاتفاق السابق بين بن سعود وبن عبد الوهاب.
أبرز شخصيات آل الشيخ
ولعل أبرز من عرف من آل الشيخ هو محمد بن عبدالوهاب، لكن في السنوات الأخيرة عرف أيضاً وجود شخصيات شهيرة في المملكة، في مقدمتهم المفتي العام بالسعودية عبد العزيز آل الشيخ، ووزير الشؤن الإسلامية والأوقاف والدعوة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ.
كما عرف من أسرة آل الشيخ، مستشار الديوان الملكي عبد العزيز بن محمد آل الشيخ، ووزير العدل عبد الله بن إبراهيم آل الشيخ، ورئيس المراسم الملكية سابقاً الفريق محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ التميمي، ومدير الأمن العام سابقاً الفريق عبد الله بن عبد الرحمن آل الشيخ التميمي.
وكان أبرز شخصية من آل الشيخ مثيرة للجدل إلى جانب تركي آل الشيخ، هو مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ الذي أصدر عدداً من الفتاوى والتصريحات التي اعتبرت مؤيدة لخطوات ولي العهد السعودي، إضافة إلى تغاضيه عن قضايا إسلامية وسعودية، كان أبرزها قضية “صفقة القرن”، وافتتاح الملاهي ودور السينما وجلب الفنانين إلى المملكة.
هيئة الأمر بالمعروف بين الماضي والحاضر
عُرفت السعودية بتزمتها في الجانب الديني مبكراً، منذ تأسيس هيئة الأمر بالمعروف عام 1940، بإمكانات عالية، وموازنة تبلغ 308 ملايين دولار سنوياً، ووصل أعضاؤها إلى ثمانية آلاف، مزوّدين بأجهزة تواصل عالية الجودة، وسيارات فخمة، ومزايا ورواتب عالية.
وكان الهدف من تأسيسها “تطبيق نظام الحسبة المستوحى من الشريعة الإسلامية”.
وظلت الهيئة مثيرة للجدل في السعودية، خاصة في السنوات العشر الماضية، حيث دخلت في قضايا شائكة، بعضها وصل إلى الصحافة العالمية، كان أكثرها خطورة اتهام اثنين من الأعضاء بالتسبب في مقتل شاب في اليوم الوطني السعودي قبل عدة سنوات.
وسحبت السعودية في توجهها الجديد، كل صلاحيات أفراد الهيئة، وأبرزها التوقيف والاعتقال والمطاردة، والإحالة إلى المحاكمات في 2016، وقصرت تلك الإجراءات على أفراد الشرطة، ليقتصر دور عناصر الهيئة على إبلاغ الشرطة عن المخالفات، ثم فرضت بعد القرار مزيداً من القيود على أفراد الهيئة، فقامت بسحب السيارات الرسمية المخصصة لهم، ومنعتهم من الوجود في أي تجمع.
وبعد تجميد الهيئة مؤخراً، تأسست هيئة الترفيه الحكومية، التي أقامت حفلات غنائية مختلطة لأول مرة في تاريخ المملكة، كما قامت بتدشين بطولة للعب الورق “البلوت”، وهي اللعبة التي كانت الهيئة تطارد لاعبيها سابقاً.
تدمير آل الشيخ!
ومنذ أن تولى محمد بن سلمان ولاية العهد السعودي في 2017، بدأت أسرة آل الشيخ بالأفول؛ إذ وجه بن سلمان دعماً كاملاً للتغيير الذي لم تألفه البلاد ولا المجتمع من قبل، سالباً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلطتها، التي كانت تفرض من خلالها على المجتمع الالتزام الشرعي والأخلاقي المتشدد.
وعلى الرغم من هذا التوجه، بقي لقب “آل الشيخ” بارزاً، وصاحب سلطة وسطوة ونفوذ، لكن هذه المرة ليس من خلال المؤسسة الدينية، بل من خلال الترفيه والغناء والحفلات الراقصة.
واعتمد ولي العهد على تركي آل الشيخ، وهو من أحفاد الإمام محمد بن عبد الوهاب، لكنه يختلف بشكل كلي عن توجه عائلته الديني.
وكان فشل تركي آل الشيخ في عالم الرياضة مقدمة لانتقاله إلى مجال الفن والطرب، الذي يدعي أن مواهبه فيه أكبر بكثير من عالم الرياضة، فنقل إلى رئاسة هيئة الترفيه، وهي الهيئة المسؤولة عن الحفلات الغنائية وخطة نشر دور السينما في ربوع المملكة السعودية، بالإضافة إلى باقي أنواع الترفيه الأخرى.
وتعنى “هيئة الترفيه” بالترفيه بمختلف أشكاله شاملاً إقامة الحفلات الراقصة وسهرات الغناء والمهرجانات الفنية وغيرها، وبذلك تحول اسم آل الشيخ ليمثل صناعة الترفيه الدنيوي، بدلاً من كونه يمثل المراقب على الالتزام بالمنهج الديني.
الغناء في مركز الوهابية!
وأصبح اسم “آل الشيخ” يتردد مع كل حفل، أو فاصل بين الأغاني، ولم يتوقف الحد عند تلويث اسم “الشيخ” ورمزيته، بل عُمِد إلى منطقة “الدرعية” مركز دعوته التي كانت ترادف كلمة الوهابية، وتحمل مدلولاتها فأقاموا فيها حفلات الغناء، حتى أصبح اسم المنطقة مقترناًبسباق الفورمولا، وما تبعه من فعاليات غنائية ورقص، بعدما كانت مقترنة بالإمام محمد بن عبد الوهاب ودعوته.
ويظهر حقيقة أن علماء آل الشيخ البارزين يتغاضون بشكل كبير عن التوجهات الجديدة، بهدف اكتساب السلطة وحفظها، خشية من فقدان المؤسسة الدينية لمقومات الحياة التي تعيش على بقاء الأسرة الحاكمة.
(المصدر: الخليج أونلاين)