الحركات السلفية المصرية وثورة يناير 2011
إعداد معتز زاهر
كان المنعطف الأخطر الذي واجه جماعات ورموز التيار السلفي في مصر، هو منعطف ٢٥ يناير ٢٠١١ وما تلاها من وقائع، خاصة الانقلاب العسكري في ٣ يوليو ٢٠١٣، فقد فتحت تلك الأحداث الباب على مصراعيه أمام اختيارات وممارسات جديدة، وتحالفات غير مسبوقة، لم تكن تلك الجماعات والرموز قد أعدتْ لها أو مارستْها أو درستها من قبل؛ مما أدى إلى تخبط نتجتْ عنه تغييرات عدة في الخريطة السلفية المصرية.
بعد ثورة 25 يناير، ظهرت الأحزاب السياسية السلفية المختلفة بدون إعداد كافٍ أو نظر متأنٍّ أو خبرة سياسية، مما أوجد اضطراباً في الممارسة أنتج تنافساً سياسياً مشحوناً، وأفرزت مواقف وبيانات وتصريحات بعض الأحزاب السلفية بإزاء التحالف مع الجيش أو بعض الأحزاب العلمانية أو ردة أفعالهم تجاه الأحداث الجارية المتتابعة، ردوداً بالإنكار من البعض الآخر، حتى تطور الأمر إلى التبديع والوصف بالنفاق واتّباع الخوارج، وغيرها من الاتهامات بين الجماعات السلفية.
وتبدلت مواقف شخصيات وجماعات سلفية إلى النقيض دون تبرير واضح لأتباعهم، الذين عد بعضهم ذلك رجوعاً عن الحق و”انتكاسة”.
وقد ظهرت آثار قلة الخبرة السياسية في تعامل التيارات السلفية مع المجلس العسكري أثناء الفترة الانتقالية التي أعقبت تنحّي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك واستمرت حتى تولي الرئيس السابق محمد مرسي، فقد نجح المجلس العسكري في احتواء فريق من السلفيين، وفي تحييد فريق آخر، وفي إضاعة وقت فريق ثالث، وكانت قلة من السلفيين مَن تعدّه خصماً للثورة.
هذا باختصار شديد ما ساد المشهد السياسي السلفي من ملامح بعد الثورة، والذي انتهى بانحسار الجماعات والرموز السلفية بصورة كبيرة عن المشهد.
تصلح الفترة التي أعقبت ثورة 25 يناير في مصر كإطار لدراسة عدة ظواهر، لما تميزت به من مناخ حرية، ولما فتحته من أبواب العمل السياسي والمشاركة المجتمعية للجميع بلا استثناء، ومن تلك الظواهر التي من المهم دراستها ظاهرة التيارات السلفية وتعاطيها السياسي مع الثورة المصرية[1].
عند الحديث عن التيارات السلفية وثورة 25 يناير، من المهم استدعاء واستصحاب واقع العلاقة بين التيارات الإسلامية المصرية، فهي الأساس لفهم وتفسير ما حدث بين التيارات السلفية والرئيس محمد مرسي، أو بينها وبين حزب الحرية والعدالة الإخواني، أو ما حدث بينها وبين حزب البناء والتنمية، أو داخل الإطار السلفي نفسه، وغير ذلك، فإن هذه كلها تُعد من أشكال العلاقات داخل التيارات الإسلامية وإن اتخذت أشكالاً جديدة وتحركت في مساحات أوسع، فهذه العلاقات لم تنشأ بعد الثورة المصرية عام 2011، بل لها جذور قديمة تمتد إلى الستينيات من القرن الماضي، ومرت بمنعطفات كثيرة وتراكمت خلالها مواقف عدة أثرت بعد ذلك على الأداء السياسي السلفي.
من الممكن أن نضرب مثلاً على ذلك بالقيادي بجماعة الدعوة السلفية الطبيب (ياسر بُرهامي)، الذي ربط أثناء فترة حُكم مرسي، بين الواقع وأداء جماعة الإخوان السياسي وبين موقف قديم حدث له وهو طالب، وذلك أن طلاب الإخوان المسلمين في السبعينات ألقوه خارج المسجد -على حد قوله- وعقّب قائلاً “لا أنسى”. واستنتجَ برهامي من هذا الموقف القديم خلاصة تقول: “الوسيلة الصحيحة لحسن العلاقة مع الإخوان هي الوجود القوي”[2].
لذلك لعل شكل العلاقة السلفية، ومحددات العلاقة بين التيارات السلفية وغيرها من التيارات الإسلامية، هو أمر من المهم رصده لمزيد من الفهم والتحليل لمواقف التيار السلفي السياسية بعد الثورة.
إضافة إلى ذلك، فإن ظروف النشأة، ومناهج التفكير، ومساحات الاتفاق والاختلاف، هي من وجهة نظر الكاتب مؤثرة نوعاً ما في فهم وتحليل المواقف التي حدثت بعد الثورة، والتي لم تكن فقط محصورة في تحليل أحادي البُعد كبعض التحليلات التي تعزو مواقف التيار السلفي إلى العمل لصالح دول خارجية كالسعودية أو الإمارات، أو جهاز الأمن والمخابرات، أو غير ذلك من التحليلات الأحادية، بل وُجدت عوامل مؤثرة ومتداخلة من المهم رصدها وتحليلها من أجل فهم أعمق ومركب لهذه الظاهرة.
في ضوء هذه العوامل تتناول هذه الدراسة الظاهرة السلفية وكيف تعاملت مع أحداث الثورة المصرية، مستخدمةً منهجاً تاريخياً تحليلياً، عن طريق سبر مواقفها من بعض الأحداث المفصلية في الفترة ما بين انطلاق الثورة نفسها في الخامس والعشرين من يناير عام 2011م، وإلى حدوث الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو عام 2013، وما آلت إليه أوضاع التيارات السلفية بصورة عامة بعد انقلاب يوليو وإلى وقت قريب، مع تحليل ذلك في محاولة لاستشراف وضع التيارات السلفية وشكلها في المستقبل القريب.
وقد اشتملت الدراسة على ستة مباحث، وهي كما يلي:
المبحث الأول: السلفية في مصر.. النشأة والمفهوم والفكر
وفيه ثلاثة مطالب:
-المطلب الأول: بيئة النشأة.. الظروف الاجتماعية والسياسية
-المطلب الثاني: مفهوم السلفية وتطوره في الواقع المصري
-المطلب الثالث: الفكر السلفي.. المتفق والمختلف عليه
المبحث الثاني: الخريطة السلفية عشية الثورة المصرية
وفيه مطلبان:
-المطلب الأول: خريطة التيارات السلفية قبيل الثورة
-المطلب الثاني: شبكة العلاقات السلفية عشية الثورة
المبحث الثالث: الحركات السلفية من الثورة حتى تولي مرسي
وفيه مطلبان:
-المطلب الأول: التيارات السلفية.. توابع زلزال الثورة
-المطلب الثاني: التيارات السلفية واختيارات ما بعد الثورة
المبحث الرابع: الحركات السلفية منذ تولي مرسي الرئاسة وحتى الانقلاب
المبحث الخامس: الحركات السلفية بعد انقلاب 3 يوليو
المبحث السادس: حازم أبو إسماعيل وتشكُّل التيار الإسلامي الثوري
استنتاج واستشراف: مستقبل التيار السلفي في مصر
المبحث الأول: السلفية في مصر.. النشأة والمفهوم والفكر
المطلب الأول: بيئة النشأة.. الظروف الاجتماعية والسياسية
كان سقوط الدولة العثمانية وتفككها، وتفشي مظاهر التغريب في المجتمع فكرياً وأخلاقياً، عاملَين مهمين ببعدهما السياسي والاجتماعي في ظهور جماعات إسلامية جديدة منظمة في المجتمع المصري، تدعو وتعمل من أجل إعادة الخلافة الإسلامية والعودة إلى التزام تعاليم الإسلام في المجتمع، وذلك في بدايات القرن العشرين، وأشهرها ثلاث جماعات باقية حتى الآن، الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وأنصار السنة المحمدية، والإخوان المسلمين، وظهرت جمعيات إسلامية أخرى في ذلك الحين، ولكنها لم تكن بحجم تأثير هذه الجماعات، وكانت جماعات متنوعة البرامج والوسائل… وتشير بعض المصادر إلى أن عدد الجمعيات الدينية بلغ في تلك الأثناء 135 جمعية[3].
ابتعدت أغلب الجماعات الإسلامية عن الاصطدام المباشر مع السلطة، وآثرت أن تشتغل بالدعوة بمعناها الخاص والضيق وتترك الحياة السياسية والمشاركة فيها، إلا جماعات قليلة أبرزها الإخوان المسلمون، فقد كان احتكاك الإخوان المسلمين بالسلطة يزداد حدة يومًا بعد يوم، الأمر الذي وصل إلى ذروته الأولى باغتيال مؤسسها حسن البنا عام 1949م، ثم حدث انقلاب يوليو 1952 وآل الحكم إلى الضباط الأحرار، وزادت الخلافات بينهم وبين الإخوان شيئًا فشيئًا، حتى صدر قرار بحلّ الجماعة في 14 يناير 1954م واعتقل حوالي 450 من أعضائها، ثم صدر بعد ذلك في 25 مارس من نفس العام قرار آخر بعودة الجماعة وأفرج عن أعضائها، وفي 26 أكتوبر من نفس العام حدثت محاولة اغتيال فاشلة لعبد الناصر قيل إنها بواسطة الإخوان، وحُكم بالإعدام على ستة من الإخوان في 8 ديسمبر 1954، وعلى ألف آخرين بالسجن، واعتقل الآلاف من أعضاء الجماعة، مع ممارسة التعذيب ضدهم داخل السجون. ثم ظهر تنظيم جديد بقيادة فكرية لسيد قطب، واعتُقل قطب في 9 أغسطس 1965، ووجه عبد الناصر إلى التنظيم تهمة التآمر والتخطيط لاغتياله وقلب نظام الحكم، وصدر الحكم بإعدام ثلاثة بينهم سيد قطب، واعتُقل أكثر من عشرين ألفًا وعُذبوا بقسوة[4].
وفي عهد عبد الناصر، لم يكن هناك أثر أو إشارة إلى أي مظاهر لنشاط إسلامي سياسي، فقط كانت هناك بعض الأنشطة التقليدية، مثل دروس الفقه والتفسير أو التعريف بالتراث، وكانت تخضع لرقابة صارمة، وكانت هذه النشاطات لجمعيات وأفراد ممن يهتمون بتعليم الناس العبادات ويحثونهم على التزام الأخلاق وتزكية النفس، وكان من أهمها الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة، وجماعة أنصار السنة، وعدد قليل من الجمعيات الدينية التي لم تطلها حملة النظام الناصري على الإسلاميين[5].
ثم جاءت هزيمة 1967م، وهُزم الجيش المصري على يد الكيان الصهيوني، واحتُلت سيناء، وكانت هذه النكبةُ صدمةً عنيفة للناس، ولّدت حالة من الرجوع إلى الله، وجعلت الناس تتجه إلى ارتياد المساجد واللجوء إلى التمسك بالدين، والعودة العميقة إلى الله [6]، وانهار المشروع القومي الناصري الذي كان يطرح العروبة والوطنية الجامعة -حسب مفهومه الخاص- قاعدةً للتعايش بين مختلف طوائف الشعب المصري، ومع فقدان الثقة في هذا الطرح وهذا المشروع توجهت طائفة من الشباب المتحمس إلى مراجعة أدبياتها الإسلامية وإعادة التعرف عليها بعيداً عن أي توجيه من الحركات الإسلامية الأقدم والأكبر مثل الإخوان المسلمين الذين كانوا غائبين عن الساحة تماماً داخل السجون[7].
وكان من آثار الهزيمة أن بدأ النظام الناصري في تخفيف القبضة الأمنية الشديدة عن الناس؛ فبدأت الدروس الدينية في الانتشار، وبزغ عدد من العلماء الذين نشطوا في هذه الفترة من أواخر الستينيات، واستقطبت دروسهم الجماهير… وانتعشت المساجد بعد أن ارتفعت عنها القبضة الأمنية أكثر حين مات الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر عام 1970[8].
وحين تمكن السادات من التخلص من الناصريين واليساريين الذين حاولوا تحجيم دوره أو إبعاده في مايو 1971، كان يدرك وجود قطاع مؤيد لهم، فرأى ضرورة السعي لتكوين جبهة مضادة تناصره وتحافظ على الموازنة السياسية، وبخاصة أنه لم تكن له هوية سياسية قبل توليه الحكم أو شعبية تناصره، فبدأ السادات في الإفراج عن قيادات جماعة الإخوان المسلمين المعتقلين شيئًا فشيئًا، ومزج خطبه بآيات من القرآن، وأعلن عن عزمه تكوين دولة العلم والإيمان، وقرب منه بعض المتدينين، وخرج دستور 71 ونُص فيه على أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع، وجاءت انتصارات حرب أكتوبر سنة 1973 وما سبقها من إعداد وما تضمنته من تأثير ديني[9].
وشهدت هذه الفترة تناميًا متزايدًا في الدعوة الإسلامية بالجامعات، بعد أن كان النشاط الطلابي في قبضة الطلبة اليساريين وحدهم [10]، ثم بدأ هؤلاء الشباب ينظمون العمل الإسلامي بينهم عام 1971م، فتأسست لجنة التوعية الدينية وكانت تابعة للجنة الثقافية في الاتحاد، ولم يكن لهؤلاء الطلاب وقتها تصور معين أو رؤية دينية محددة، بل كان يجمعهم لواء الدعوة الإسلامية وفضاؤها الواسع [11].
وافق ظهور النشاط الديني في جامعة القاهرة ظهور بوادر نشاط ديني في جامعة الإسكندرية، فظهرت جماعة الدراسات الإسلامية، ثم الجماعة الدينية، من خلال الشباب الجامعي في بعض الكليات، والتي خاضت انتخابات الطلاب فحققت نجاحًا كبيرًا سيطرت به على اتحاد الطلاب، ومن خلال العمل داخل اتحاد الطلاب على مستوى الجمهورية تقاربت قيادات “الجماعة الإسلامية”[12]في القاهرة والجماعة الدينية في الإسكندرية، ومع تبادل الزيارات والتنسيق فيما بينهم اتفقوا على تجميع أمراء الجماعة الإسلامية في جامعات مصر كلها، تحت اسم (الجماعة الإسلامية) واختيار أمير لها[13].
بعد خروج قيادات الإخوان المسلمين من المعتقلات في بدايات السبعينيات، ورؤيتهم لهذه “الصحوة الإسلامية”، شرعوا في التواصل مع رموز “الجماعة الإسلامية” بالجامعات للتعاون والانضمام للإخوان المسلمين الذين كانوا يحاولون القيام بالتأسيس الثاني للجماعة، ووافق على ذلك أغلب القيادات الطلابية بـ”الجماعة الإسلامية”، ولكن رفضت بعض قيادات الصف الثاني من قيادات الجماعة الإسلامية الانضمام للإخوان المسلمين؛ فقد طلبت الكوادر الإدارية في الجماعة الإسلامية بالجامعة من المجموعة التي كوّنت جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية بعد ذلك «مبايعة المرشد، فرفض الشيخ محمد إسماعيل المقدم، وكذا مشايخ الدعوة السلفية، ثم بدأ تأسيس المدرسة السلفية»[14]، وهو الاسم القديم لجماعة “الدعوة السلفية”، ورفض الاندماج كذلك مَن كوّنوا بعد ذلك تنظيم الجماعة الإسلامية (الموجودة الآن وأبرز قياداتها طارق الزمر وعاصم عبد الماجد)، وكان مقرهم الأساسي في صعيد مصر، ثم انتشروا في القاهرة وعدة محافظات أخرى لاحقاً.
وقد تكونت النواة الأولى لجماعة الدعوة السلفية، تحت اسم “المدرسة السلفية” عام 1977م؛ حيث شرع محمد إسماعيل المقدم في تأسيس النواة الأولى من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم خميس [15]، وتلاحقت الأحداث، فدخل عدد من قيادات الجماعة السجن ضمن أحداث سبتمبر1980 التي سُجن فيها رموز من مختلف الحركات الإسلامية، ولم يبقَ في الخارج إلا سعيد عبد العظيم وأبو إدريس وياسر برهامي، فتعاونوا سويًّا «إلى أن خرج الإخوة المحبوسون» [16].
وفي عام 1982م تغير اسم الجماعة من (المدرسة السلفية) إلى (الدعوة السلفية)، وأخذت الجماعة في الانتشار والتوسع ثم أنشأت (المجلس التنفيذي) ليدير شؤون الدعوة في المناطق المختلفة، كل ذلك من 1986 إلى 1992، ثم كانت القضية التي اعتُقل فيها (قيّم الجماعة) أبو إدريس محمد عبد الفتاح وسعيد عبد العظيم عام 1994، وأوقفت مجلة صوت الدعوة، وأغلق معهد إعداد الدعاة، كما جرى حل المجلس التنفيذي، واللجنة الاجتماعية، ولجنة المحافظات، ولم يبق للجماعة سوى أنشطة الجامعة والطلائع، وهو ما لم يُعترض عليه من قِبل الأجهزة الأمنية في هذه الفترة -كما يقول القيادي الأهم بالجماعة ياسر برهامي- وظل مستمرًّا حتى عام 2002، العام الذي مُنعت فيه الجماعة عن العمل في الجامعة والطلائع أيضًا إضافة للعمل خارج الإسكندرية، مع اعتقال بعض القيادات من الصف الأول والثاني[17].
واستمرت الجماعة قبيل الثورة في العمل داخل الإسكندرية، في صورة دروس وخطب بمساجدها، وتجمُّع للاعتكاف خلال شهر رمضان، وما شابه ذلك من أنشطة.
خارج الجامعات وفي هذه الحقبة الزمنية بدأ بعض الشباب المتدين السفر لتلقي “العلوم الشرعية” عن المشايخ أصحاب التوجه الفكري السلفي في المملكة العربية السعودية، كعبد العزيز بن باز، ومحمد صالح العثيمين، وكذلك في اليمن في دار الحديث التي كان على رأسها مؤسسها مقبل بن هادي الوادعي في مدينة “دماج”، وأيضاً الأردن على يد محمد ناصر الدين الألباني.
وقد عاد هؤلاء ليؤسسوا مدارس سلفية فردية في محيط مسجدهم، وتنقّلوا لإلقاء المحاضرات في مساجد رئيسية تابعة لأقرانهم من طلاب العلم السلفيين في المحافظات المختلفة، وبدأ الشباب يُقبلون عليهم لتلقي العلم الشرعي وحضور الخُطب.
نشأت بعض القيادات السلفية في محاضن جماعة أنصار السنة المحمدية، ثم تركوها بعد ذلك وأكملوا طريقهم الدعوي منفردين، وبعضهم أكمل دعوته في نطاق الجماعة، وبعض القيادات وصل إلى الفكر السلفي بصورة منفردة عن طريق قراءة كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، ثم بدأ يمارس دعوته ويكوّن حوله مجموعة من الطلاب والمريدين، وبعضهم نشأ بصورة مختلفة، ونشير هنا إلى أن ظروف تكوُّن الجماعات والتنظيمات والمدارس الصغيرة السلفية هي ظروف مختلفة للغاية ويصعب رد نشأة التيار السلفي إلى ظروف واحدة.
وفي المجمل حدثت خلال الانفتاح الساداتي انتعاشة سلفية استمرت حتى عصر حسني مبارك، وإلى قبيل ثورة 25 يناير، وتخلل هذه الفترة انشطار التيارات السلفية وتنوعها بصورة كبيرة وتشكُّل معالم كل “مدرسة” فيها سواء كانت جماعة أو شخص، وهو ما سنتعرض له بشيء من التفصيل فيما يأتي.
المطلب الثاني: مفهوم السلفية وتطوره في الواقع المصري
“السلفية” تُطلق ويراد بها طريقة السلف في التدين، فمن يدعو إلى السلفية يقصد أن يقتدي الناس بطريقة السلف في فهم الدين والتمسك به والعمل به [18].
وكلمة السلف لغةً تعني: “الذين مضوا”[19] وجاءت في القرآن الكريم قريبة من هذا المعنى أي بمعنى ما سبق وما مضى: {عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ} [20]، وفي السنة النبوية: “أسلمتَ على ما سلف من خير”[21].
و يذكر علماء الشريعة أن “المراد بمذهب السلف ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهد له بالإمامة، وعُرف عظم شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلفاً عن سلف، دون من رُمي ببدعة، أو شُهر بلقب غير مرضي، مثل الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والجهمية والمعتزلة والكرّامية[22]“.
يقول المستشرق الفرنسي هنري لاووست: “ولقد بدأت الحاجة إلى الانتساب للسلف حين تفرقت الأمة الإسلامية، وتعددت الاتجاهات الفكرية فيها حول أصول الدين، مما دعا علماء الأمة الأثبات وأساطينها الأعلام لتجريد أنفسهم لتلخيص وترتيب الأصول العظمى والقواعد الكبرى للاتجاه السلفي، والمعتقد القرآني النبوي، ومن ثم نسبته إلى السلف الصالح؛ لقطع الباب على كل من ابتدع بدعة اعتقادية وأراد نسبتها إليهم، حتى كانت النسبة إلى السلف رمزاً للافتخار، وعلامة على العدالة في الاعتقاد [23]“.
وقد كان القطر المصري أحد الأقطار التي ظهرت فيها تلك المحاولات الإحيائية، فقد قام السيد جمال الدين الأفغاني بتحريك الماء الراكد في الساحة المصرية في أول زيارة له إليها عام ١٨٧٠م، ثم في الزيارات التالية، وتتلمذ على يد الأفغاني عدد كبير من المصريين، منهم الشيخ محمد عبده، وكان لتلميذ محمد عبده، الشيخ محمد رشيد رضا، الدور الأبرز في هذه المرحلة على صعيد نشر الثقافة السلفية، فقد أعاد إحياء تراث ابن تيمية وابن القيم، وأسس مدرسة الدعوة والإرشاد التي تبث المفاهيم والدراسات الإسلامية بخلفية سلفية، وغير ذلك من جهود أدت إلى ازدهار مبادئ الدعوة السلفية بصورة علمية ومحددة أكثر في أوائل القرن العشرين في المجتمع المصري، إضافة إلى أنه نشَر أدبيات الدعوة الوهابية ودافع عنها في مجلة المنار وجريدة الأهرام[24].
تميز مفهوم السلفية عند رشيد رضا بكونه مشروعاً إحيائياً للأمة الإسلامية، مستندًا إلى مبادئ الدين الخالية من الخرافات المنتشرة بكثرة حينها، ومسلطاً للضوء على مركزية الخلافة الإسلامية في الخطاب الدعوي، واتصف منهج رضا بالاجتهاد العقلي وإعمال الرأي متأثرًا بشيخه محمد عبده[25].
وكان لمحب الدين الخطيب دوره البارز الذي لا يمكن إغفاله بهذا الصدد، وخاصة من خلال المكتبة السلفية، وكذلك الشيخ محمد حامد الفقي وأحمد شاكر وغيرهم، وقد نشأ في خضم هذه “اليقظة السلفية” الشيخ حسن البنا، والذي تتلمذ على يد الشيخ محمد رشيد رضا، وفتح له محب الدين الخطيب أبواب مجلة الفتح، وحوّل البنا هذه اليقظة العلمية إلى محاولة إيقاظ عملية إسلامية، فأسس جماعة الإخوان المسلمين، التي كانت “دعوة سلفية لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله، وطريقة سُنية لأنهم يحملون أنفسهم على العمل بالسنة المطهرة في كل شيء، وبخاصة في العقائد والعبادات ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً”، كما يقول البنا[26].
وقد كان التيار السلفي في نشأته تلك منفتحاً على جميع الكُتاب والمفكرين والجمعيات، ومتقبلاً لجميع الجهود والمشاركات الأخرى، ومستوعباً لأي خلاف في الفكر تحت مظلة الحضارة الإسلامية الواسعة، لكن تطور معنى السلفية شيئاً فشيئاً، فتحولت من إطار فكري إسلامي حضاري جامع إلى مجموعة اختيارات ومظاهر شكلية، وأُخرجتْ كثير من الشخصيات والجماعات الإسلامية من مظلة السلفية الحديثة على يد شخصيات وجماعات سلفية [27].
فانشطرت السلفية في مصر بالنظر إلى منهج التغيير، إلى سلفية دعوية تنشغل بالجانب الدعوي ولا تتدخل في السياسة، وترى أن الدعوة هي طريقة التغيير الهادئة والأنسب، وسلفية جهادية ترى أن المجتمع لن يتغير إلا بالحركة المسلحة ومقاومة الحكام للتمكن من إزالة أنظمتهم والحكم بالشريعة الإسلامية، والسلفية الحركية التي ارتأت أهمية الانشغال بالسياسة الشرعية وتبني النهي عن مخالفات الحكام علانية وتدعو إلى تحكيم الشريعة ومنابذة من ينحيها، ومَن هم خارج هذه التقسيمات أُطلق عليهم السلفيون المستقلون أو السلفية المستقلة، الذين اختاروا عدم الانضمام إلى أي تجمع والانخراط في العمل الدعوي بصورة فردية، عن طريق الدروس الدينية وخطبة الجمعة والقنوات الفضائيات الإسلامية.
وظهر تقسيم آخر ذو بعد جغرافي، فأصبحت هناك سلفية الإسكندرية، وسلفية القاهرة، والأول يشير بالخصوص إلى جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية والتي انبثق عنها بعد ذلك حزب النور، وسلفية القاهرة والتي انبثق عنها بعد ذلك حزب الأصالة ثم الفضيلة، وكان هذا التقسيم مشهوراً في الحقل السلفي.
ومع وضوح هذه التقسيمات إلا أن بينها جميعاً نوع تداخل ومساحات رمادية، حتى الأسماء التي تنوعت بين سلفية علمية أو دعوية أو حركية أو جهادية شهدت الحدود بينها سيولة كبيرة، وفي كثير من الأحيان لا يوافق المُتَسَمَّون بوصف منها على نسبة أنفسهم لهذه التسمية، وعلاوة على ذلك فهذه التقسيمات لا تحصِي تكوينات جميع السلفيين أيضاً؛ فالتيار السلفي تيار ضخم ومتشعب، ويضم بخلاف المذكورين مجموعات صغيرة أخرى في بعض المحافظات والمدن لها اختياراتها الخاصة وإن كانت تشترك في المعالم الرئيسية للجماعات السلفية، ولكنا نذكر هنا أبرز الفاعلين مستخدمين أشهر الأسماء التي أُطلقت عليها. فأسماء المجموعات السلفية ليست محل إجماع باستثناء الجماعات التي تطلق على نفسها هذه الأسماء كجماعة الدعوة السلفية وأنصار السنة، في حين أن السلفية الحركية لا تسمي نفسها كذلك، والسلفية السرورية لا ترضى بهذا الاسم على سبيل المثال، وإنما أطلقَ عليها ذلك الاسم لتمييزها عن غيرها لا غير.
المطلب الثالث: الفكر السلفي.. المتفق والمختلف عليه
تشترك التيارات السلفية المصرية في كثير من مساحات الفكر، وتختلف في مساحة أقل، وهذه المساحة على رغم عدم اتساعها إلا أنها أثرت بصورة كبيرة في واقع التيارات السلفية، سواء في علاقة هذه التيارات البينية، أو في علاقتها بالسلطة والمجتمع.
فقد اتفقت التيارات السلفية على “قواعد الاستدلال”، من تقديم النقل على العقل[28]، ورفض التأويل الكلامي[29]. والاستدلال بالآيات والأحاديث[30]، والتمسك بفهم الصحابة للكتاب والسنة[31].
وكذلك اتفقوا على “الأصول العلمية”، كالعقيدة أو التوحيد[32]، الذي قسموه إلى الإيمان بالأسماء والصفات[33]، وتوحيد الربوبية[34]، وتوحيد الألوهية[35]. والأصل الثاني: الاتِّباع[36]، والأصل الثالث، التزكية[37].
واختلفوا حول بعض مسائل “الحاكمية” أو “الحكم بما أنزل الله”، فقد اتفقوا على الإيمان بأن الحكم لله، لكنهم اختلفوا حول النظرة إلى الحُكام الذين يحكمون بالقوانين الوضعية وكيفية التعامل معهم؛ فمن قائل أقصى اليمين بأنهم ولاة أمر تجب طاعتهم، كالسلفية المدخلية، ومن قائل أقصى اليسار بكفرهم ووجوب قتالهم، كالسلفية الجهادية، ومن رأي وسط يقول بأنهم مستحقون للخروج عليهم لكن عند القدرة على ذلك كما كان رأي جماعة الدعوة السلفية السكندرية.
واتفقوا على أصل الولاء والبراء لكن اختلفوا في بعض مسائله كحكم موالاة بعض الحكام لأمريكا والكيان الصهيوني وما يترتب على ذلك، فمِن قائل إن ذلك معصية لا تُغير من وجوب طاعة الحُكام على الرعية، ومن قائل بأن هذه موالاة مُكفّرة للحاكم تُسقط شرعيته، واختلفوا كذلك في بعض مسائل الإيمان والكفر، كحكم تارك الصلاة، وهي المسألة التي اختلفت فيها سلفية الإسكندرية خاصة ياسر برهامي، مع سلفية القاهرة برموزها محمد عبد المقصود وفوزي السعيد وغيرهما، وكذلك كانت مسألة خلافية بين برهامي من ناحية وفوزي السعيد وطلبة علم حركيين من ناحية أخرى حول حُكم ترك أعمال الجوارح كاملة، أو المسألة التي اشتُهرت بمسألة “جنس العمل”، وقد أخذت حيزاً من الأخذ والرد خاصة على شبكة الإنترنت عام 2006 على بعض المنتديات الإسلامية كملتقى أهل الحديث وأنا المسلم، وألّف فيها برهامي كتاباً بعنوان: قراءة نقدية لبعض ما ورد في كتاب ظاهرة الإرجاء[38].
واختلفوا كذلك حول مسألة “العمل الجماعي” وأبرز من نظّر لها قبل الثورة جماعة الدعوة السلفية التي انبثق عنها حزب النور لاحقاً، وملخصها من وجهة نظرهم أن هذا الزمان لا توجد به حكومة مسلمة تطبق الإسلام، وأن الواجب على المسلمين تنصيب خليفة أو إمام لهم، وبما أنه لا يوجد خليفة أو إمام، وأن الغرض من الإمامة هو “إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين”، فلابد أن يقوم المسلمون ولاسيما العلماء منهم بإقامة هذه الواجبات الشرعية على قدر استطاعتهم؛ وهي في أكثرها لا يمكن لفرد ولا لأفراد متفرقين القيام بها، وذلك مثل: إقامة الجُمَع والجماعات والأعياد، وتعليم المسلمين حتى يوجد العلماء المجتهدون في كل مكان، والحسبة، والجهاد بنوعيه الدفع والطلب، والحكم بين الناس بمقتضى الشريعة الإسلامية، وتنفيذ هذه الأحكام من حدود وحقوق وتعزيرات وغيرها، ونظام المال الإسلامي القائم على سد حاجات المسلمين، ووجود أنواع المهن والصناعات التي يحتاج إليها المسلمون، وهذه الواجبات لا تُقام إلا بالتعاون، ولا يتم التعاون والاجتماع إلا بقيادة وطاعة وجُندية، فالصورة المثلى -كما تقرر الجماعة- لعودة الخلافة من غيبتها، أن يكون أهل الحل والعقد من أهل السنة والجماعة مجتمعين على مُطاع، وهو أمثل أهل العلم منهم، للقيام بالمقدور عليه من فروض الكفاية؛ فإن تعذر ذلك استقل كل أهل بلد بعالمهم إلى أن يتيسر جمعهم[39].
وقد اختلفت بقية التيارات السلفية مع مفهوم العمل الجماعي عند سلفية إسكندرية، واتهموا ياسر برهامي بأنه يأخذ البيعة من طلابه وتابعيه على أساس أنه “أمثل أهل العلم”، وقد أنكر برهامي ذلك الأمر وقال: “ليس عندنا بيعة، وإنما نرى تحقيق التعاون على البر والتقوى”[40].
كذلك اختلفت التيارات السلفية حول مسألة “العذر بالجهل“[41]، وكيفية تنزيل مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر[42]، وكذلك مسائل تتعلق بـ”فقه الجهاد”[43].
وقد كان لهذه الاختلافات صدى كبير في الواقع بعد الثورة المصرية من جهتين، الجهة الأولى أن هذه المسائل أثارت منذ طرحها قديما خلافاتٍ وردوداً بين الجماعات والرموز السلفية، ورمى بعضهم الآخر بالبدعة أو الجهل أو الضلالة، فأثَّر هذا على نفسية كل فريق تجاه الآخر، وتكونت على مرِّ السنين “رواسب من الكراهية” بينهم إن صح التعبير، ومن جهة ثانية فإن الوقائع التي استجدت بعد الثورة اندرجت ضمن تصور كل فريق لمسائل الإيمان والحُكّام والجهاد والحسبة، فاختلفت اختياراتهم بطبيعة الحال، وهو اختلاف متأثر بثقافة معينة في الرد على المخالفين تنحى منحى الشدة والقطيعة وإعلان البراءة من المخالف أو قوله.
المبحث الثاني: الخريطة السلفية عشية الثورة المصرية
قبيل اندلاع ثورة 25 يناير، كان واقع التيارات السلفية المصرية أكثر استقراراً وهدوءاً مقارنة بواقعها بعدها، ولعل السبب الرئيس في ذلك هو حالة الركود السياسي التي كانت سائدة آنذاك، وانشغال كثير من التيارات بمشاكلها سواء الداخلية أو التي كانت بينها وبين الدولة المصرية، إضافة إلى الانشغال الدعوي والعمل الخيري، والإحجام شبه التام عن السياسة، وذلك بعد تقليم أظافر التيار أمنياً بعزل جميع الناشطين السياسيين داخله، بإيقافهم عن مزاولة نشاطهم أو باعتقالهم.
كانت ملامح واقع التيارات الإسلامية قبيل الثورة مباشرة تتلخص بإيجاز شديد في دخول جماعة الإخوان المسلمين في صراع سياسي مع نظام حسني مبارك بلغ أوجه في معركة انتخابات مجلس الشعب قبل الثورة مباشرة عام 2010، وواجهت الجماعة على صعيد آخر بعض الأصوات الداخلية المطالبة بالإصلاح والتي اعترضت على بعض توجهات “المحافظين” بالجماعة، وتجلى ذلك في خروج القيادي البارز عبد المنعم أبو الفتوح من مكتب الإرشاد، وفي ظهور عدة مدونات إلكترونية شبابية تنتقد القيادات التاريخية والتيار المحافظ بالجماعة، وانشقاقات بعض أعضائها.
أما تنظيم الجهاد وكذلك الجماعة الإسلامية فقد نجح نظام مبارك في توجيه ضربات متتالية شديدة القسوة لهما، وكان عليهما بالكاد أن يلملما جراحهما وأن يعيش أفرادهما المفرج عنهم بأمان خارج المعتقلات بعد مراحل تقديم المراجعات، أو محاولة توفير ظروف أفضل لعناصرها داخل السجون.
أما على صعيد التيارات السلفية -موضوع الدراسة- فكانت بين موقوف عن ممارسة الدعوة، ومعتقل، وهذا بالنسبة إلى مَن يُطلق عليهم “السلفية الحركية” مثل “سلفية القاهرة”، كفوزي السعيد ومحمد عبد المقصود ونشأت أحمد، وسائر السلفيين المهتمين بالوضع السياسي والشأن العام، وما بين دعاة قد أعرضوا عن السياسة ومتاعبها وانشغلوا فقط بالدعوة إلى “الفضائل” وأفلتوا بذلك من القبضة الأمنية على الرغم من أنه ليس إفلاتاً كاملاً، وهم من عُرفوا بـ”السلفية الدعوية” أو “السلفية العلمية”، كسلفية الإسكندرية، والمشايخ المستقلين كأبي إسحاق الحويني ومحمد حسين يعقوب ومحمد حسان، وما بين سلفية مدخلية جعلت جُل همِّها الهجوم على الحركات الإسلامية والمنشغلين منها بالعمل السياسي والدفاع عن “ولي الأمر” حينها -محمد حسني مبارك- والحث على طاعته وعدم الخروج عليه، كمحمد سعيد رسلان وطلعت زهران ومحمود لطفي عامر ومحمد إبراهيم، وما بين مجموعات صغيرة وأفراد مستقلين يقومون بعمليات مسلحة تستهدف النظام ومصالحه وهم من عُرفوا بالسلفية الجهادية.
واستمرت الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة (عند من يعدها سلفية) في عملها الخيري النشط والهادئ وفي الدعوة من خلال خطبائها ومعاهدها الشرعية، شأنها شأن “أنصار السنة المحمدية” التي انشغلت بالدعوة إلى “المنهج السلفي” من وجهة نظرها، مع حث أتباع لها من حين لآخر على طاعة أولي الأمر، خاصة من تأثر منهم بالتيار المدخلي، كالقيادي بالجماعة عادل السيد الذي ألّف قبل الثورة بعامين كتاباً استعرض فيه كيف حثَّ شيوخ الجماعة على مرّ السنين على طاعة ولي الأمر “رئيس البلاد”[44].
وقد عملت الأجهزة الأمنية خلال عهد حسني مبارك على تقليم أظافر التيارات السلفية وضبط ممارساتها، دون تركها بحرية تامة، وبلا منعها كلياً أو القضاء عليها؛ بل يبدو أن نظام مبارك قد رأى في وجودها فائدة له في مواجهته للتيار الجهادي (جماعة إسلامية- تنظيم الجهاد- جهاديي سيناء) من جانب، والإخوان المسلمين من جانب آخر؛ سواء بتنسيق الأجهزة الأمنية بصورة مباشرة مع بعض التيارات السلفية كما هو الحال مع السلفية المدخلية التي لا تجد أي نقيصة في معاونة الأجهزة الأمنية بصفتها تمثل “ولاة الأمور”، أو بتركها تعمل بحُرية لما تقوم به عن قناعة شخصية بمواجهة الجماعات الجهادية والسياسية والتحذير منها لمخالفتها المنهج السلفي بحربها مع الأجهزة الأمنية واستهدافها لمؤسسات الدولة وبمشاركتها في العمل السياسي وما يتضمنه ذلك من الاعتراف بالديمقراطية والدولة المدنية، ولكن تيارات سلفية أخرى كمن عُرفوا بـ”سلفية القاهرة” كانوا لا يتعرضون للجهاديين ولا الإخوان المسلمين بالنقد اللاذع كما كانت تفعل “سلفية الإسكندرية” التي انبثق عنها حزب النور لاحقاً، ولعل ذلك يفسر منع الأجهزة الأمنية للأولى وتوقيفها، وترك الحبل على الغارب للثانية مع بعض “قرصات الأذن” الخفيفة من حين لآخر.
ومنذ مطلع الألفية الثانية، تزايد إقبال الجماهير على الاستماع إلى الرموز السلفية، حتى أصبحت مساجد المشايخ السلفيين تعج بآلاف الحضور خلال دروسهم وخطبهم؛ كالشيخ محمد حسان ومحمد حسين يعقوب ومحمود المصري وغيرهم، خاصة بعد أن شرعوا في الظهور من خلال القنوات الفضائية “الإسلامية” ذات الهوى السلفي، مثل قناة الناس والرحمة والحكمة، وانتشرت مظاهر اللحية وغطاء الرأس والثوب الأبيض والنقاب والإسدال والعباءة السوداء، وتميزت بعض الأحياء بالشكل السلفي، من مكتبات تبيع الكتب الدينية، ودكاكين تبيع ملابس الرجال والنساء “الإسلامية”، وعطور المسك والسواك وخلافه، كمنطقة مسجد “العزيز بالله” بحي الزيتون بالقاهرة.
وقبيل ثورة يناير، أغلقت الأجهزة الأمنية القنوات الفضائية “الإسلامية” التي كان يظهر عليها مشايخ السلفيين، واندلعت ثورة 25 يناير وحال هذه القنوات كذلك.
المطلب الأول: خريطة التيارات السلفية قبيل الثورة
جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية
حين اندلعت الثورة كانت كثير من أنشطة الجماعة قد توقفت تدريجيا منذ مطلع التسعينات، ولم يبق لها عمل تنظيمي تمارسه إلا ما كان من خلال ياسر برهامي وتلاميذه المقربين، الذين كانوا أشبه بجماعة صغيرة منظمة داخل جماعة الدعوة السلفية، واعتمدت على الكوادر الذين كانوا قد انتشروا في المحافظات في نشر مبادئ الدعوة، إضافة إلى دروس أسبوعية دون عمل تنظيمي هرمي للقيادات الأخرى كمحمد إسماعيل المقدم، وسعيد عبد العظيم، وأحمد فريد، وأحمد حُطيبة، التي استمرت كما هي في المساجد بالإسكندرية، وكذلك بعض الأنشطة كالاعتكاف السنوي وتحفيظ القرآن، إضافة إلى الأنشطة الخيرية التي لم تكن منظمة جيدًا لكنها موجودة بصورة أو بأخرى[45].
وهي جماعة سلفية تضع “العلم الشرعي” في قلب اهتماماتها وتجعله مع إصلاح النفس والمجتمع والعمل الجماعي كفيلاً بحدوث التمكين المنشود، وكانت ترى حتى قيام الثورة وبعدها بأسابيع عدم الانشغال بالعمل السياسي لأنه مضيعة للوقت وعديم الجدوى والفائدة.
وقد سُئل ياسر برهامي قبل الثورة بأربعة أيام: ما حكم المشاركة في ثورة 25 يناير؟ فكان جوابه: «نرى عدم المشاركة في تظاهرات الخامس والعشرين من يناير، وكلام المشايخ واضح جدًّا في ذلك، والأوضاع مختلفة بين مصر وتونس»[46].
تيار السلفية الحركية المصرية
هذا ما يطلقه البعض على قيادات سلفية عُرفوا أيضاً بسلفية القاهرة، كمحمد عبد المقصود، وفوزي السعيد، ونشأت أحمد، وسيد العربي، وحسن أبي الأشبال، وخالد عبد الصادق؛ لتميز منهجهم عن السلفية التقليدية الدعوية، بأنهم يهتمون بالأحداث السياسية ويتفاعلون معها، ويبدون رأيهم فيها ويعارضون الرئيس مبارك ويصرحون بذلك، وقد عُرف تكفير محمد عبد المقصود لحسني مبارك[47]، بالإضافة إلى دعمهم للبلاد الإسلامية المحتلة وحركات المقاومة بها، وقد تعرضوا للاعتقال والتعذيب بسبب ذلك في مقرات جهاز أمن الدولة.
وقد حوصر رموز وأفراد من هذا التيار كنشأت أحمد وفوزي السعيد في قضية تنظيم الوعد واعتُقل أيضاً حسن أبو الأشبال، وقبيل ثورة ٢٥ يناير مُنعوا من إلقاء الدروس والمحاضرات أو الظهور في الفضائيات، لكن ظل جمهورهم موجودًا بسبب جهدهم الدعوي السابق والتسجيلات الصوتية التي سجلوا فيها دروسهم وخطبهم السابقة على منعهم، والموجودة بكثرة على شبكة الإنترنت حينها.
وقد نأى هذا الصنف بنفسه عن نقد الشخصيات والجماعات الإسلامية الأخرى بصورة كبيرة، باستثناء بعض الحالات التي رأى فيها أن المخالف يجب التحذير منه، وأبرز مثال على ذلك سجالات محمد عبد المقصود قبل إيقافه، مع أحد أفراد التيار المدخلي حينها، أسامة القوصي -والذي تقارب حالياً مع النخبة العلمانية-والتي حظيت باهتمام الوسط السلفي ومتابعته، وقد أيّدت رموز هذا التيار المشاركة في ثورة الخامس والعشرين من يناير عند بدء ظهور الدعوات لذلك.
الرموز السلفية المستقلة
والمقصود بهم مجموعة المشايخ السلفيين الذين اهتموا بالدعوة الجماهيرية نائين بأنفسهم عن قضايا الشأن السياسي، وليس لهم عمل تنظيمي معين ولا ينخرطون في أي جماعة، هم فقط يتمحورون حول مسجد ما ويلقون الدروس الدينية وخُطب الجمعة في مساجدهم الأساسية والمساجد الكبيرة الأخرى ذات التوجه السلفي المنتشرة في أنحاء البلاد، إضافة إلى ظهورهم في الفضائيات المقربة منهم كقناة الحكمة والناس والرحمة، وكانت تُسجل دروسهم وخُطبهم لتُباع أمام المساجد وفي المكتبات ذات الهوى السلفي، ومن أشهرهم جماهيرياً: محمد حسان، ومحمد حسين يعقوب، ومحمود المصري، ومسعد أنور، وقد وُجد أيضًا بعض الدعاة السلفيين أصحاب المدارس الفردية لكن غير منفتحين على الجماهير مثل سابقيهم، كأسامة عبد العظيم ومحمد الدبيسي.
وقد كثرت التكوينات الفردية المستقلة داخل التيار السلفي، وتعددت ظاهرة شيخ المسجد الذي يأتي إليه طلبة العلم وأفراد السلفيين من الأماكن الأخرى القريبة والبعيدة، ولعل هذا كان لانسداد الأفق التنظيمي وعدم استطاعتهم التجمع في كيان واحد، وفي نفس الوقت لوجود رغبة أمنية لبقاء التيار السلفي لكن بصورة مشتتة. أو ربما لاستعصاء العقل السلفي المعاصر على التوحد والتنسيق نتيجة الاختلافات وما رافقها من طريقة للتعاطي مع الخلاف.
التيار المدخلي/ الجامي
التيار المدخلي/ الجامي أو المدخلية/ الجامية أو المداخلة، كلها ألقاب تطلق نسبة إلى الشيخ السعودي ربيع المدخلي، ونسبة إلى الشيخ الإثيوبي الأصل والسعودي لاحقاً محمد أمان الجامي، وقد تأثر بتيارهم في مصر فريق من السلفيين، أبرز دعاتهم محمد سعيد رسلان بمحافظة المنوفية، ومحمود لطفي عامر رئيس فرع جماعة أنصار السنة سابقاً بمدينة دمنهور، ومحمد إبراهيم بحمامات القبة بالقاهرة، وطلعت زهران بالإسكندرية، وهشام البيلي بالقليوبية، وغيرهم.
واشتهروا قبل الثورة بالاهتمام بالدعوة إلى طاعة الرئيس الأسبق مبارك وعدم الخروج عليه، وتبديع من يرى خلاف ذلك ومَن ينشغلون بالعمل السياسي، ومن يخالفون المنهج السلفي من وجهة نظرهم، مثل جماعة الإخوان المسلمين وأغلب السلفيين الآخرين وجماعة التبليغ والدعوة.
وقد ظلوا قبيل الثورة في أخذ وردّ مع جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية حول حُكم الحاكم الذي لا يحكم بالشريعة الإسلامية ويحكم بدلاً منها بالقوانين الوضعية، فكانوا يرون أنه صاحب معصية فقط وليس كافراً كما تقول الجماعة، كذلك دخلوا معهم في خلاف حول مسألة العمل الجماعي ومفهومها، وقد أطلق محمد سعيد رسلان عدة خطب ومحاضرات حول هذا الأمر رداً على جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية وخاصة ياسر برهامي[48].
وكذلك شغل الموقف من المفكر الإسلامي سيد قطب حيزاً كبيراً من اهتمام المدخليين؛ حيث كانوا يرونه مبتدعاً خطيراً قاد كثيراً من الشباب إلى التطرف بكتاباته، ولقد عُرفوا بمساعدة الأجهزة الأمنية ضد خصومهم من الإسلاميين، ولم يعدّوا ذلك أمراً مشيناً باعتبار أن الأجهزة الأمنية تبع لولاة الأمر ويجب طاعتهم في حين أن خصومهم من أهل البدع، وقد بدأت بوادر ذلك فيما يبدو منذ سنوات سبقت الثورة؛ حيث رصد ناشطون بالقاهرة توزيع بعض أعضاء الحزب الوطني (حزب حسني مبارك) لأشرطة محمد سعيد رسلان عن نقد الإخوان المسلمين، أثناء الانتخابات البرلمانية عام ٢٠٠٥م، وقد رفضت رموز التيار المدخلي اتساقاً مع منهجهم المشاركة في ثورة 25 يناير، ورأوا في ذلك خروجاً على ولي الأمر لا يأتي بخير.
ويمكن إلحاق جمعية أنصار السنة بالتيار المدخلي حيث إن مواقفها السياسية وموقفها من الحكام تتشابه معه إلى حد كبير، ولكن يوجد بين صفوف دعاتها لا سيما الصغار منهم مَن ينخرط في صفوفها وهو لا يتبنى المنهج المدخلي الكامل، ولكن فقط لممارسة الدعوة بحرية أكبر.
تيار السلفية الجهادية
السلفية الجهادية تُطلق على الجهاديين الذين يتبنون المنهج السلفي، ولكن المصطلح غامض باعتبار مَن يُطلق عليهم تحديداً، فهو تارة يُطلق على أفراد جماعة الجهاد المصرية، أو المنبثقين عنها، أو على أفراد الجماعة الإسلامية أو المنبثقين عنها، أو على من يتبعون تنظيم القاعدة، أو على كل جهادي عموماً بغض النظر عن انتمائه التنظيمي.
ويرى الباحث أن من يُعدون سلفيين من الجهاديين، ويصدق عليهم وصف “سلفية جهادية” هم فقط مَن يتبنون الطرح السلفي الوهابي، الذي تسرب إلى التيار الجهادي بفضل السلفيين من جزيرة العرب، والذين انخرطوا في الجهاد الأفغاني خلال الثمانينيات، ثم بفضل منظرين وهابيين عدة كأبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني على مستوى التنظير وأبي مصعب الزرقاوي على مستوى التطبيق العملي، أما جماعة الجهاد المصرية والجماعة الإسلامية قبل وبعد المراجعات فلا يصدق عليهم أنهم “سلفية جهادية”، وحتى تنظيم القاعدة بعد نشأته قد كان فيه رافدان؛ رافد جهادي ورافد سلفي جهادي، ولعل هذين الرافدين قد تجليا بوضوح في انقسام جبهة النصرة إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، ذلك التنظيم الذي يصدق عليه أنه سلفي جهادي بعكس جبهة النصرة غير المعتمدين بصورة أولية على أدبيات الوهابية.
ولكن لا يزال هناك تداخل فيمن يصدق عليهم هذا المصطلح، خاصة وأن استهداف أجهزة الأمن للجهاديين عموما جعلت العديد من الجهاديين يكونون أفكارهم ويمارسون الدعوة إلى الأفكار الجهادية باجتهاد شخصي دون الانخراط في تنظيم والالتقاء بقيادات، فيأخذون كل أدبيات من يؤيد الجهاد دون وعي تام بالمدارس والأفكار.
بعد فترة قصيرة من الهدوء الذي أعقب قضاء أجهزة الأمن على الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، برز تنظيم سلفي جهادي في شمال سيناء وبالتحديد بمدينة العريش، على يد طبيب الأسنان خالد مساعد، والذي أطلق عليه” التوحيد والجهاد”، وهو أول تنظيم سلفي جهادي ينشأ في مصر، متأثراً بالمنهج السلفي الجهادي الذي تبناه الجهادي السلفي الأردني أبو مصعب الزرقاوي، الذي تعزى إليه البذرة الأولى لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ونفذ التنظيم تفجيرات متعددة في شبه جزيرة سيناء بين عامي 2004 و2006، قبل أن تحاصره أجهزة الأمن وتقضي عليه، وقد أعلن بعض أعضائه تراجعهم فكرياً داخل السجن[49].
وقبيل انطلاق ثورة ٢٥ يناير، كان ناشطو السلفية الجهادية والمؤيدون فكرياً للأفكار الجهادية عموماً في السجون، وقامت قوات الأمن باعتقالات جماعية لعشرات السيناويين المشتبه بهم في حمل أفكار سلفية جهادية والقيام بعمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى اعتقال جميع من يعتنق الفكر الجهادي في القاهرة والإسكندرية وغيرها من المحافظات والتعذيب الممنهج ضدهم، وكان من أواخرهم اعتقالاً الشاب السلفي السكندري “سيد بلال” الذي كانت له ميول فكرية جهادية دون انخراطه في أي نشاط مسلح، والذي قُتل تحت وطأة التعذيب بجهاز أمن الدولة بالإسكندرية لمجرد فكره.
على جانب آخر، خرج العديد من الجهاديين من مصر إلى جبهات القتال المفتوحة، مثل أفغانستان والعراق، وكان الوجود الجهادي في هذا الوقت “قبيل الثورة” في مصر خارج السجون قليلاً للغاية وسرياً، ونشط بعض أفراده على شبكة الإنترنت وخاصة المنتديات الجهادية، وانشغلوا بقضايا العراق وأفغانستان والشيشان والصومال وغيرها من البقاع التي يحدث فيها اعتداءات على المسلمين، وكذلك أخذ الجدال حيزاً كبيراً من اهتماماتهم حول بعض القضايا الفكرية، والخلاف في تكفير بعض الشخصيات والجماعات، وتكفير الإخوان المسلمين في مصر والعراق، وتكفير حركة حماس في فلسطين لأنها لا تحكم بالشريعة في غزة، ولِقتلها الشيخ “أبو النور” وجماعته في مسجد ابن تيمية في الواقعة المشهورة حينها، وقد امتدت تلك الخلافات إلى داخل السجون والمعتقلات.
وقد أيَّد نشطاء الجهاديين دعوات الخروج لثورة 25 يناير على المنتديات الجهادية والإسلامية، وذلك في إطار دعمهم لأي جهود تؤدي إلى إسقاط حسني مبارك.
وقبيل الثورة بأيام معدودة تكونت جماعة أنصار بيت المقدس في سيناء لاستهداف الكيان الصهيوني.
المطلب الثاني: شبكة العلاقات السلفية عشية الثورة
من المهم رصد شكل العلاقة السلفية، وشكل العلاقة بين التيارات السلفية وغيرها من التيارات الإسلامية، لمزيد من الفهم والتحليل لمواقف التيار السلفي بعد الثورة، بالطبع لن نتناول جميع العلاقات والمواقف المؤثرة في شكل العلاقة، ولكن سنركز على صورة عامة للعلاقة مع أهم الفاعلين في التيارات الإسلامية المصرية.
- التيار السلفي والجماعة الإسلامية
اختلفت وجهات النظر حول الجماعة الإسلامية قبل ثورة 25 يناير عند مكونات التيار السلفي؛ نظرا لتنوعه -بل واختلافه- الهائل وعدم الترابط بين أجزائه؛ فمن كان يرى من السلفيين أن التغيير باستخدام السلاح وسيلة ناجعة، كان حسن الرأي وعلى علاقة جيدة في الجماعة الإسلامية قبل أن تجري المراجعات، وساء ذلك الرأي وتكدرت هذه العلاقة بعد أن تبنى طيف واسع من الجماعة الإسلامية مبادرة وقف العنف، ولم يسلموا من اتهامات بالانتكاس والخنوع لأجهزة الدولة، على العكس من بقية مكونات التيار السلفي التي كانت تستنكر بشدة ما تفعله الجماعة الإسلامية من عمليات مسلحة ضد الحكومة والأقباط.
أما من جانب الجماعة الإسلامية فكانت ترى أغلب السلفيين أصحاب تيار مهادن للدولة وساكت عن الحق وأن نظرته لطريقة التغيير تتسم بالسطحية ولن يجني من ورائها أي شيء، حيث إن تغيير الأوضاع القائمة في البلاد لن يحدث من وجهة نظرهم عن طريق مجرد الدعوة والتعليم، وهذه بالطبع كانت نظرة الجماعة قبل إجراء المراجعات ونظرة من رفض المراجعات منها، أما من أجروا المراجعات فقد غيروا وجهة نظرهم عن السلفيين، وقام بعض أعضاء الجماعة بتحسين العلاقات مع بعض مكونات التيار السلفي، كما حدث من ناجح إبراهيم الذي فتح أبواب العلاقات مع القيادي بجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية ياسر برهامي[50].
- التيار السلفي والتيار الجهادي
ساد التوتر علاقة التيار السلفي (ما عدا السلفية الجهادية) بالتيار الجهادي، فمن جانب السلفيين يرون أفراد جماعة الجهاد أصحاب غلو في التكفير وسفك الدماء المعصومة، ومن جانب الجهاديين يرون السلفيين “مرجئة” يداهنون الحكام ويسكتون عن منكرهم.
لكن من جانب آخر كانت رموز سلفية تؤيد الجهاديين في جوانب قتال “أعداء الأمة” وإن اختلفت معها في أشياء أخرى كقتال الحكومات المحلية وجدوى ذلك، فتيار السلفية الحركية وكثير من الرموز السلفية المستقلة كانوا على هذا التفصيل؛ وجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية على سبيل المثال كانت تؤيد التيارات الجهادية من ناحية وتعارضها من ناحية أخرى، فمن حيث الأصل كانت تؤيد قتالها ضد “الأعداء المحتلين في بلاد المسلمين” كما يقول عبد المنعم الشحات القيادي بالدعوة السلفية، الذي قال: “وتنظيم القاعدة شأنه شأن كل الحركات التي تعلن راية الجهاد نؤيدها في جهادها ضد الأعداء المحتلين في بلاد المسلمين”، ولكنه رفض “استعداء هؤلاء الأعداء بنقل المعركة إلى داخل بلادهم بعمليات ولو بلغت في قوتها أحداث 11 سبتمبر”[51].
وكان اعتراض الجماعة على عمليات الجهاديين عمومًا أنها لن تحقق المصالح المطلوبة ومن الممكن أن يقتل فيها مسلمون وأنها لن تجبر أمريكا على التراجع، لأنها تستهدف المواطنين الأمريكان ومصالحهم [52]، فكانت الجماعة تعد الجهاديين على خير لكنها تختلف معهم في بعض المسائل وطريقة التأتّي، فجماعة الدعوة السلفية تنظر إلى الجهاديين كما لخص ذلك ياسر برهامي عندما سُئل عن أسامة بن لادن فقال: “رجل مسلم، الذي له أكثر مما عليه”[53].
وقد قابلت نظرة التقدير هذه نظرة تقدير مماثلة من أيمن الظواهري، أبرز شخصية في جماعة الجهاد المصرية والرجل الثاني في تنظيم قاعدة الجهاد حينها، والذي سُئل عام 2008 عن موقفه “مما يسمى بالدعوة السلفية في مصر والمشايخ ياسر برهامي ومحمد إسماعيل وسعيد عبد العظيم؟ وهل الخلاف معهم من الخلاف السائغ؟”، فقال الظواهري: “موقفنا من الدعوة السلفية ومن أعلامها الصادقين الحب والتقدير والاحترام، ونحن قد اشتقنا لهم، واشتاقت لهم ميادين الجهاد، يعلّمون إخوانهم، ويقودون سراياهم ويدكّون حصون أعدائهم، ويرفعون لواء الجهاد، الذي صار عينياً في داخل بلادهم وخارجها، أما السؤال عن الخلاف معهم؛ فما أدري أي خلافٍ تقصد”[54].
وقد باركت “الدعوة السلفية” المراجعات التي قام بها فريق من التيار الجهادي على رأسه سيد إمام المعروف بدكتور فضل، وكذلك باركت مراجعات الجماعة الإسلامية[55].
ولكن مكوّنًا سلفيًّا آخر رأى في الجهاديين عموماً سواء من الجماعة الإسلامية أو جماعة الجهاد أو غيرهما، مجموعةً من “الفرق النارية” و”المبتدعة” و”التكفيريين” و”الخوارج”، وهذا المكوّن هو السلفية المدخلية.
- التيار السلفي وجماعة التبليغ والدعوة
حرصت جماعة التبليغ والدعوة على التركيز الشديد على العمل الدعوي بمعناه الخاص، وعدم خوض أي صراع سواء على مستوى الفكر مع الجماعات الأخرى، أو على مستوى السياسة مع نظام الدولة، وقد أطّرت هذا كمنهج مستمر لها، وبذلك لم يكن لديها رد فعل معلن بإزاء نقد السلفيين لها، على اختلاف مستويات ذلك النقد بين الشخصيات والجمعيات السلفية المختلفة، الذي يبدأ من مجرد عدم التواصل معها أو مشاركتها أنشطتها، ويمر بالنقد العابر، أو أحياناً الشديد لها كما قال الشيخ أبو إسحاق الحويني عنها “الجماعة متدثرة ببدع لا آخر لها”[56]، وينتهي بتبديعها وأنها من ضمن “الفرق المنحرفة المبتدعة تروج للخرافة والقبورية ومسخ الإسلام وتنطوي على كثير من الشركيات وتحارب أهل التوحيد”، كما صرح بذلك محمد سعيد رسلان، أبرز رموز التيار المدخلي في مصر[57].
- التيار السلفي والجمعية الشرعية
تباينت نظرة التيار السلفي إلى الجمعية الشرعية نظراً للتنوع الفكري بين أطيافه، فقد تعامل معها بعض السلفيين كجسر دعوي يعبر منه إلى مساجد الجمعية الشرعية الموجودة بكثرة في ربوع البلاد فيخطب فيها خطبة الجمعة ويلقي الدروس في معاهدها، وبعضها حكم عليها بأنها ليست سلفية لأنها تضم أهل السنة والجماعة وتضم أيضاً غيرهم، أو نظراً للأصول الأشعرية للجمعية وغلبة أبناء الأزهر الذين يدرسون العقيدة الأشعرية على رئاستها وإدارتها، ولطبيعة نشأة الشيخ المؤسس السبكي المتصالحة مع التصوف.
من جهتها، استوعبت الجمعية الشرعية المنتمين إلى التيار السلفي؛ ففتحت لمن يريد التعاون معها منهم مساجدها ومعاهدها العلمية، ونأت بنفسها عن الدخول في أي مواجهات فكرية مع التيار.
- علاقات التيارات السلفية الداخلية
رغم وجود الخلافات الداخلية في كل جماعة إلا أنها تظل هادئة مقارنة بحجم الخلافات في التيار السلفي (بتطبيقاته المعاصرة) والذي يعد من أكثر التيارات خلافاً وتشظياً على المستوى الداخلي، فتتعدد الجماعات والرموز والكُتَل، وكانت الخلافات الفكرية حاضرة قبل ثورة 25 يناير، والتي زادت بدورها من حدة هذه الخلافات.
وأبرز هذه الخلافات كانت بين التيار السلفي المدخلي في بداية تكونه على يد الشيخ أسامة القوصي[58] بمسجده بحي عين شمس بالقاهرة، وبين تيار السلفية الحركية وعلى رأسه الشيخ محمد عبد المقصود، ثم حدث الخلاف بين التيار المدخلي والدعوة السلفية بالإسكندرية وتجلى ذلك في ردود محمد سعيد رسلان على ياسر برهامي، وكان الخلاف حول قضايا فكرية وحركية.
كذلك ظهر خلاف بين رئيس سابق لأحد فروع أنصار جمعية أنصار السنة المحمدية وهو محمود لطفي عامر، وغيره من السلفيين الذين يعارضون الدعوة إلى طاعة ولي الأمر، ولقولهم بعدم وجود حاكم شرعي للبلاد[59]. وكذلك وقع خلاف التيار السلفي الجهادي مع بقية التيارات السلفية حول تكفير الحكام ومنهج التغيير السلمي وحكم الديمقراطية، وبرز قبيل الثورة خلاف جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية مع قناة الرحمة السلفية والتي يقوم عليها الشيخ محمد حسان حول بعض المسائل التي رأوها تنازلات[60]، إضافة إلى الخلافات التي أشرنا إليها سابقاً.
- التيار السلفي والإخوان
كانت الخلافات قائمة بين التيارات السلفية وجماعة الإخوان المسلمين قبل الثورة، أبرز هذه الخلافات كانت تتمركز حول منهج الإخوان الذي رآه السلفيون “مميعاً” و”متساهلا”، وذلك يتجلى في آراء الإخوان البعيدة عن الدين الصحيح -من وجهة نظر السلفيين-خاصة حول الديمقراطية والأقباط والمرأة والدولة المدنية وإقامة الحدود وغير ذلك.
ولكن مواقف السلفيين قد تباينت في شدتها تجاه الإخوان المسلمين، فمن قائل إنهم من الفرق المبتدعة، مثل التيار المدخلي[61]، أو إنهم “مداهنون للطواغيت” وإذا حكموا لا يحكمون بالشريعة وأنهم كوّنوا الصحوات في العراق لقتال المجاهدين وموالاة المحتل الأمريكي، كما كانت ترى السلفية الجهادية[62]، ومن قائل إنهم إخوة في الإسلام ونختلف معهم في وجهات النظر وبعض المسائل، كجماعة الدعوة السلفية والسلفية الحركية والعديد من الرموز السلفية المستقلة.
المبحث الثالث: الحركات السلفية من الثورة حتى تولي مرسي
المطلب الأول: التيارات السلفية.. توابع زلزال الثورة
أعقبت الثورة مباشرة علاقة جيدة بين الإخوان والسلفيين باستثناء السلفية المدخلية التي ظلت ترى جماعة الإخوان جماعة من “الفرق المبتدعة النارية”، أما السلفية الجهادية فقد ظل فريق منها على رأيهم في جماعة الإخوان بأنها جماعة مفرطة في الدين ومتخاذلة، وفريق آخر رأى غض الطرف عنهم في هذه المرحلة لكونهم أفضل من على الساحة.
ثم بدأ التوتر في الظهور شيئاً فشيئاً بين جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية والإخوان، وظهرت اتهامات من الدعوة السلفية للإخوان بعدم الموافقة على التنسيق معهم قبيل الانتخابات البرلمانية وأنهم أي الإخوان فضلوا التنسيق والتحالف مع أحزاب علمانية، وروى برهامي أن حزب النور قد ذهب للتنسيق مع الإخوان قبل الانتخابات البرلمانية في 2011 إلا أن الإخوان قالوا لهم قد تأخرتم جداً([63]).
وفي انتخابات الرئاسة الأولى بعد الثورة 2012م، أيّد حزب النور عبدالمنعم أبو الفتوح في محاولة منه للحد من نفوذ الإخوان المسلمين[64]، وبعد انحسار المنافسة بين محمد مرسي وأحمد شفيق في مرحلة الإعادة، لم يجد الحزب بديلاً عن انتخاب مرسي كاختيار اضطراري[65].
أحدث قرار جماعات وشخصيات سلفية بالمشاركة الحزبية ردود فعل من عدة قيادات بالتيار السلفي الرافض في مجمله سابقاً المشاركة الديمقراطية لما تحتويه من مخالفات للشريعة الإسلامية ولأنه ليس طريق التغيير في المنظور السلفي، فهاجم أحمد النقيب -وهو من مشايخ التيار السلفي الكبار بمحافظة الدقهلية- جماعة الدعوة السلفية وحزب النور، بعد أن كان يُعدُّ واحداً منهم، وذلك بسبب مواقف متعددة منها على سبيل المثال أصل مشاركتهم الحزبية وانشغالهم بالسياسة وفق اللعبة الديمقراطية، ثم بعد ذلك لرفضهم دعم حازم صلاح أبو إسماعيل للتقدم للانتخابات الرئاسية، ولتواصل القيادي بالجماعة ياسر برهامي بأحمد شفيق سرا للتنسيق معه حال فوزه بانتخابات الرئاسة([66]).
ووقعت الخلافات داخل حزب النور “السلفي” نفسه[67]، إذ إن جمهور الحزب وأعضاءه كانوا من عموم السلفيين وليسوا فقط أعضاء جماعة الدعوة السلفية، إلا أن الجماعة كانت صاحبة الفكرة وكانت النواة المُنَظِّمة التي تدير وتُوجِّه، وقد حدثت خلافات بين الجانبين بعد التأسيس بسبب سعي الجماعة وبالأخص رجلها الأقوى ياسر برهامي إلى السيطرة على الحزب وجعل قرارها تابعا له ولرجاله المقربين الذين شكلوا مركز قوة يشبه الجماعة داخل الجماعة الأم، وقد انتهت هذه الخلافات بانشقاق كثير من السلفيين عن الحزب، على رأسهم رئيس الحزب عماد عبد الغفور، ولم يبق فيه إلا مؤيدو جماعة الدعوة السلفية فقط، ولم يعد يسع عموم السلفيين، الذين شكل بعضهم حزب الوطن، وانضم البعض الآخر إلى حركة حازم صلاح أبو إسماعيل، وتنوعت اختياراتهم السياسية. وقد سبق وانشق بعد اندلاع ثورة 25 يناير عدد من أعضاء جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، لموقفها السلبي من المشاركة في الثورة[68].
وبعد علاقة “مثالية” قصيرة تلت الثورة مباشرة([69])، توترت العلاقة بين تيار السلفية الحركية وجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، لموقف الثانية من الثورة وعدم المشاركة فيها، وبسبب المؤتمرات والندوات الجماهيرية التي عقدتها جماعة الإسكندرية بعد تنحي مبارك والتي كانت تحذر فيها من المساس بالمادة الثانية من الدستور، وقد رأى مشايخ السلفية الحركية في ذلك سعياً من الجماعة لإثارة معارك غير حقيقية حول الشريعة لحشد أتباعها وبروباجندا فارغة المضمون لتعود إلى الأضواء بشرف بعد موقفها السلبي من الثورة[70].
وتوترت العلاقة أكثر بعد أن اختارت جماعة الدعوة السلفية عبد المنعم أبو الفتوح لدعمه في السباق الرئاسي 2012، في حين دعمت بقية التيارات الإسلامية محمد مرسي، بما فيها تيار السلفية الحركية، حيث رأوا ذلك تفتيتاً لأصوات الإسلاميين لصالح مرشح الثورة المضادة حينها “الفريق أحمد شفيق”([71]).
اجتمعت بعض الرموز السلفية المستقلة على تشكيل “مجلس شورى العلماء”، من أبرز أعضائه محمد حسين يعقوب، محمد حسان، مصطفى العدوي، وانضم إليهم سعيد عبد العظيم من جماعة الدعوة السلفية، وجمال المراكبي وعبد الله شاكر من جماعة أنصار السنة. وانضم إليهم أبو إسحاق الحويني لاحقاً، وقد نجحت هذه المجموعة في الحفاظ على التوازن في علاقاتها مع التيارات الإسلامية الأخرى، وقد يكون سبب هذا النجاح تقريرهم في بيانهم الأول بأنه لا مانع من المشاركات السياسية في مجلس الشعب والشورى والمحليات، ولكن بشرط ألا يترشح العلماء والدعاة بأنفسهم “حتى لا ينشغلوا عن الدعوة إلى الله وإنما يقدمون من يتبني قضايا الإسلام ومصلحة الأمة”([72])، ولم يؤسس (مجلس شورى العلماء) حزباً سياسياً ولم يدعم حزباً قائماً، بل وقف في مسافة وسط بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
أما تيار السلفية الجهادية فقد انتقد السلفيين الذين شاركوا في العملية الديمقراطية، وخاصة حزب النور، ووزعوا الكتيبات التي تنتقد الحزب في ميدان التحرير وغيره؛ ككتيب (نصرهم الله فانتكسوا) الذي يقول فيه صاحبه عن حزب النور: “لقد نصرهم الله وأزاح عنهم الطاغوت، فأبوا إلا الخضوع لحكم الطاغوت، فأسلموه زمامهم وأذعنوا له وانقادوا، فكأن قدر هؤلاء الشيوخ أن يكونوا خاضعين إما للطاغوت.. وإما لحكم الطاغوت”([73]).
وقد حدث خلاف بين ما يعرف بتيار السلفية الحركية بالقاهرة أدى إلى انشطار حزب الفضيلة إلى حزبين، بعد خروج اللواء عادل عبد المقصود، وسحب الشيخ محمد عبدالمقصود دعمه لحزب الفضيلة، مؤسسين بعد ذلك حزب الأصالة[74].
تقاربت الجماعة الإسلامية مع السلفيين عموماً بعد ثورة 25 يناير، وشهدت العلاقات استقراراً كبيراً، وتحالفت الجماعة الإسلامية قبيل انتخابات البرلمان الأولى بعد الثورة عبر ذراعها السياسي حزب البناء والتنمية مع حزب النور التابع لجماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، وضم التحالف أيضاً حزب الأصالة[75].
ومع مرور الوقت بدأت العلاقة تتوتر بين الجماعة الإسلامية وحزب النور ودعوته السلفية، فاتهم عاصم عبد الماجد القيادي بالجماعة حزب النور بـ”النفاق”، ولكن يبدو أن هذه النظرة لم تكن مستقرة بعد عند جميع قياديي الجماعة، إذ ظهر القيادي طارق الزمر ودافع عن حزب النور وقال بخطأ ما صرح به عبد الماجد([76]).
المطلب الثاني: التيارات السلفية واختيارات ما بعد الثورة
1) الرموز السلفية المستقلة
لم تشارك الرموز السلفية المستقلة في ثورة ٢٥ يناير، بل رأوها فتنة وتدميراً للبلاد، وقام بعضهم كالشيخ محمد حسان بالنزول إلى ميدان التحرير لدعوة المتظاهرين ضمنياً إلى التراجع[77]، وكذلك فعل محمود المصري على شاشة التليفزيون الرسمي المصري على قناة النيل[78]، وحرم بعضهم الوجود في ميدان التحرير كأسامة عبد العظيم[79].
وكان موقفاً سلبياً إلى حد كبير ظهر فيه عدم إدراك هذه الرموز للتغيير الذي يحدث حولهم، وكان ذلك انعكاساً لعزوفهم عن الاهتمام السياسي والشعبي في خطابهم السابق على الثورة.
بعد تنحي حسني مبارك بأيام احتفلت أغلب هذه الرموز بالثورة وبزوال حسني مبارك، واجتمعت بعض الرموز السلفية المستقلة على تشكيل “مجلس شورى العلماء”، من أبرز أعضائه محمد حسين يعقوب، محمد حسان، مصطفى العدوي، وانضم إليهم سعيد عبد العظيم من جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، وجمال المراكبي وعبد الله شاكر من جماعة أنصار السنة، وانضم إليهم أبو إسحاق الحويني لاحقاً[80].
لم يتعد دور المجلس نطاق إصدار البيانات والتوفيق بين الفصائل الإسلامية الأخرى في بعض الأوقات التي تشتعل فيها الأزمات بينهم، وفي بيانه الأول دعا إلى التصويت بنعم على استفتاء مارس ٢٠١١، وقرر أن الطريق الصحيح لتطبيق الشريعة الإسلامية هو تربية المسلمين علي عقائد الإسلام وأحكامه وآدابه من خلال الوسائل الشرعية المتاحة، وأفتى بأنه لا مانع من المشاركات السياسية في مجلس الشعب والشورى والمحليات، معللاً ذلك بأنها من وسائل التمكين للدعوة ونشرها بين فئات المجتمع، ولكنه رأى أن لا يترشح العلماء والدعاة بأنفسهم “حتى لا ينشغلوا عن الدعوة إلى الله وإنما يقدمون من يتبني قضايا الإسلام ومصلحة الأمة”[81].
وقد أيّد مجلس شورى العلماء الرئيس محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية في الجولة الأولى والثانية، وشارك محمد حسان في “الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح” التي تأسست بعد تنحي مبارك، وهي هيئة تنسيقية جمعت أبرز رموز التيار الإسلامي والأزهر؛ وكان حسان النائب الثالث لرئيسها[82].
لم يؤسس مجلس شورى العلماء حزباً سياسياً ولم يدعم حزباً قائماً، بل وقف على مسافة وسط بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. ونشطت رموز هذا التيار دعوياً بعد الثورة بصورة كبيرة، وأخذ الواقع السياسي حيزاً لا بأس به من خطابهم، مقارنة بعهدهم السابق على الثورة[83].
2) جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية
أما جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، فقد رفضت كما سبق المشاركة في الثورة ورأت أنها مؤامرة، وبعد تنحي حسني مبارك نظمت الجماعة مؤتمرات عديدة في ربوع مصر، احتفت فيها بـتنحي مبارك وأثنت على شباب الثورة وحذرت من المساس بالمادة الثانية من الدستور، والتي تنص على أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع[84].
وقد افتعلت بهذا معركة غير حقيقية حول المادة الثانية التي كانت محل إجماع وطني – باستثناء أقوال شاذة ليس لها وزن مجتمعي – ولكن الجماعة رأت في افتعالها لهذه المعركة حشداً لشبابها حولها بعد أن اختلت صورتها في نظر قطاع من جمهورها نتيجة موقفها السلبي من الثورة، فأوجدت هذه المعركة وبالغت في اختلاق ما يحاك بمصر من مؤامرات أغلبها غير حقيقي، وكل ما ذكروه تقريباً يتعلق بإلغاء المادة وبالتالي نشر الإلحاد والشذوذ والعري بصورة كبيرة.
ثم شاركت الجماعة بقوة في حشد الجماهير للتصويت بنعم على التعديلات الدستورية في ١٩ مارس ٢٠١١ ورأت في ذلك انتصاراً للهوية الإسلامية في مصر[85]، ثم بعد مرحلة مترددة قررت إنشاء حزب النور، لكن بطريقة غير مباشرة عن طريق شخصيات مقربين منها وليس من بينهم رموزها المشهورة، مما أدى إلى نشأة الحزب في البداية بمشاركة الطيف الواسع من السلفيين وليس فقط المنتظمون في الجماعة، وهذا الذي أكسب الحزب زخماً وقوة[86].
وعلى صعيد علاقاتهم بالمجلس العسكري، تعددت اللقاءات بين عدد من رموزه وقيادات الجيش، وأيدوا المجلس العسكري، ورأوا في سقوطه سقوطاً للبلاد، ورأى برهامي قُبيل انتخابات الرئاسة الأولى أن يقوم التيار الإسلامي بترشيح رئيس من الجيش يكون غير معارض للشريعة الإسلامية[87].
في انتخابات الرئاسة الأولى بعد الثورة، أيّد حزب النور عبد المنعم أبو الفتوح في محاولة منه للحد من نفوذ الإخوان المسلمين، وبعد انحسار المنافسة بين محمد مرسي وأحمد شفيق، لم يجد الحزب بديلاً عن انتخاب مرسي كاختيار اضطراري.
وقد نجح المجلس العسكري في احتواء حزب النور وجره بعيداً عن معسكر الثورة، وقد رأى فيه الحزب بدوره الاختيار الآمن له بغض النظر عن أهداف الثورة، في برجماتية لم تكن متوقعة من حزب “سلفي”.
3) التيار المدخلي
استمر تيار المدخلية/ الجامية في نقد الثورة والثوار والجماعات الإسلامية المشاركة بها وبالعمل السياسي، ومما قوّى رأي مراقبين أن هذا التيار يعمل بتنسيق مع الأجهزة الأمنية خروج رسلان بخطبة جمعة عصماء خلال انتخابات الرئاسة، بعنوان: “ماذا لو حكم الإخوان مصر”، وفيها هجوم حادّ على جماعة الإخوان المسلمين في وقت غريب وبحدّة متزايدة، ثم طُبعت الخطبة ووزعت بشكل واسع، وأبرزت وسائل إعلام تابعة للنظام شخصية رسلان في سياق مدح له ولعلمه[88]. وكذلك تحرك عبد الرزاق الرضواني من نفس التيار في إطار حملة ممنهجة لنفس الغرض[89].
وقد شارك رئيس جمعية أنصار السنة -وقد ألحقناها في هذه الدراسة بالتيار المدخلي-عبد الله شاكر ورئيسها السابق جمال المراكبي في “مجلس شورى العلماء”، فكان شاكر رئيساً للمجلس، والمراكبي عضواً به، هذا المجلس الذي اهتم بالتعليق على المستجدات السياسية وأصدر أكثر من ثلاثين بياناً، وقد عد بعض مشايخ أنصار السنة ذوي الهوى المدخلي كـ “عادل السيد” ذلك مخالفاً لمنهج الجماعة، مما جعله يرد على ذلك من خلال خطبه ودروسه، إلى أن وصل الأمر إلى أن قدم استقالته فيما بعد [90].
4) تيار السلفية الحركية
أيّدت رموز هذا التيار ثورة ٢٥ يناير، وشاركوا فيها بخطاباتهم وبأنفسهم، وهاجموا الحزب الوطني الحاكم وحسني مبارك، وأفتوا بالنزول للانضمام إلى المتظاهرين[91]، وبعد تنحّي مبارك خرج من رحم تيار السلفية الحركية حزب الفضيلة، ثم انشق عنه محمد عبدالمقصود ليدعم تأسيس حزب الأصالة بقيادة أخيه مساعد وزير الداخلية السابق عادل عبد المقصود، إضافة لحزب كان تحت التأسيس اسمه حزب الهدف تابع للشيخ مصطفى سلامة.
وأُتيحت على التوازي الفرصة لمشايخ التيار لإلقاء الدروس وخطب الجمعة والندوات والمشاركة بالقنوات الفضائية، وأخذت الأحداث على الساحة السياسية المساحة الأكبر من خطابهم على حساب الحلقات العلمية والدعوية، ومع الوقت اقترب رموزهم من جماعة الإخوان؛ لأنهم رأوا فيها الأقدر على القيادة السياسية في هذه المرحلة وأنها الجماعة التي خرجت منها بقية الجماعات[92]، وأعلن الشيخ محمد عبد المقصود أنه “مع الإخوان قلباً وقالباً”[93] وقد انتُقد ذلك عليهم لأنهم بدوا مع الوقت وكأن قرارهم مرهون بقرار الإخوان دون تميز لطرحهم الخاص.
وعلى صعيد علاقاتهم بالمجلس العسكري، أُتيح لهم اللقاء بين بعض رموزهم وقيادات العسكر، ولم تكن هناك معارضة قوية منهم للمجلس العسكري في هذه المرحلة، لأنهم ظنوا أن المصلحة في استمالته إلى التيار الإسلامي وعدم خسارته بمعارضته، وحرصوا على عدم معاداته ليكون ظهيراً للتيار الإسلامي بدلاً من أن ينحاز إلى التيار العلماني، ولكي يضمن –العسكر- سير الانتخابات البرلمانية والرئاسية ووضع الدستور، بل وحث بعضهم الجيش على التصدي لبعض دعوات التظاهر التي تنادي بإسقاطه[94].
وقد نجح المجلس العسكري في حصر هذا التيار متمثلاً في مشايخه الكبار في هذه الدائرة المغلقة، وأفلح في الظهور أمامهم بمظهر من تُمكن استمالته من طرفهم، مع ثنائه عليهم وعلى شعبيتهم[95]، مما جعلهم خلال هذه الفترة يعاملونه كفتى مدلل يعامله أبواه برفق لكسبه.
من جانب آخر رأى بعض السلفيين الحركيين أهمية الانضمام للحراك الثوري ضد المجلس العسكري، مثل حزب الإصلاح السلفي الذي شارك في التظاهر ضد المجلس العسكري في مظاهرات 9 سبتمبر 2011م التي عمّت عدة محافظات[96].
5) السلفية الجهادية
أثناء ثورة ٢٥ يناير، هرب العديد من الجهاديين من المعتقلات، وبدأت أولى العمليات بهجوم على مقر جهاز أمن الدولة برفح بشمال سيناء، في 29 يناير 2011م. وبعدها بأسابيع أُفرج عن فريق آخر من المعتقلين الجهاديين من السجون، من سيناء وخارج سيناء، بعضهم كان على علاقة بجماعة “التوحيد والجهاد” التي كانت فاعلة في سيناء، وبعضهم كان من معتنقي الفكر الجهادي وسبق لهم الجهاد في أفغانستان والعراق، وبدأت تظهر بعض المجموعات الجهادية بسيناء لاستهداف الكيان الصهيوني ومستوطناته القريبة بالصواريخ، وتفجير خطوط الغاز الواصلة إليها، مما عرف إعلامياً بعمليات “المُلثّم”، والتي لاقت إعجاباً شعبياً في إطار معاداة الكيان الصهيوني، وأبرز هذه الجماعات جماعة أنصار بيت المقدس التي ظهرت للعلن أول مرة في سبتمبر 2011 عندما تبنت مسؤولية تنفيذ عملية ضد الكيان الصهيوني في 18 أغسطس2011[97].
وقد قام الجيش المصري باستهدافهم بعد توسع عملياتهم، وردت الجماعة بعمليات استهدفت عناصر الجيش.
أما باقي العناصر الجهادية خارج سيناء من غير السلفية الجهادية، فقد رأوا أن مرحلة ما بعد الثورة هي مرحلة “إبراز الدعوة الإسلامية الصحيحة بكل أبعادها وأهدافها المأمولة لا سيما بعد انحراف كثير من الدعاة والدعوات عن النهج المستقيم؛ حيث مال كثير منهم إلى الليبرالية والديمقراطية ونظام الغرب ومنهجه في الحكم [98]، وأبرز رموز الجهاديين خارج سيناء: محمد الظواهري، أحمد عشوش، داود خيرت، عادل شحتو، مرجان سالم، جلال الدين أبو الفتوح، توفيق العفني، سيد أبو خضرة.
وقد كانوا والمتأثرون بهم موجودين في ميدان التحرير إبان الفعاليات المختلفة، ودخلوا في حوارات موسعة مع الأطياف الأخرى، ووزعوا كتبهم ورسائلهم، وظهرت قياداتهم في الإعلام المرئي الإسلامي وغير الإسلامي على حد سواء، وأسس أحمد عشوش مجموعة “طليعة السلفية المجاهدة”، وأسس سيد أبو خضرة مجموعة “أنصار الشريعة” بالإسكندرية.
المبحث الرابع: التيار السلفي منذ تولي مرسي الرئاسة وحتى الانقلاب العسكري
جماعة الدعوة السلفية وذراعها السياسي حزب النور
بعد تولي الرئيس محمد مرسي مقاليد الحكم بشهر تقريبًا وتحديدًا في 3 أغسطس 2012م، أصدر حزب النور بيانًا عتابيًّا قال فيه إنه فوجئ «بعد خطاب تنصيب السيد الرئيس بالانقطاع الكامل عن عملية التفاهم والتواصل»، واعترض الحزب على عدم اختيار وزراء ومحافظين من بين صفوفه[99]، وبعد هذا البيان، اختار مرسي عماد عبد الغفور رئيس حزب النور وبسام الزرقا وخالد علم الدين ضمن الفريق الاستشاري له [100].
ثم انشغلت جماعة الدعوة السلفية وحزب النور بأزماتهما الداخلية التي نشبت بين تيار عماد عبد الغفور رئيس الحزب حينها، وتيار برهامي داخل الحزب الذي كان يسعى لإقصاء عبد الغفور وتياره وإحكام السيطرة على الحزب، وقد كان تيار عبد الغفور صعب المراس بالنسبة للقيادي ياسر برهامي وكان يرى ضرورة انفصال القرار الدعوي متمثلاً في قيادات جماعة الدعوة السلفية وبالأخص برهامي، عن القرار السياسي متمثلاً في قيادات حزب النور، هذه الأزمات التي انتهت باستقالات جماعية لأتباع عبدالغفور، وسيطرة تيار برهامي على حزب النور، بعد توجيه برهامي أمراً مباشراً لتلاميذه المقربين بضرورة السيطرة على الحزب لأنه “يُسرق منا”[101]. وأسس المنشقون بقيادة عبد الغفور حزباً جديداً تحت اسم حزب الوطن [102]، وتقارب هذا الحزب مع التيار الثوري الإسلامي الذي كان يشكّل حازم أبو إسماعيل أيقونته الرئيسية.
في 30 يناير 2013 حدث توافق بين حزب النور و(جبهة الإنقاذ)، التي جمعت تحت لوائها الأحزاب المدنية والعلمانية في مواجهة الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان وحزبها الحرية والعدالة، حدث هذا التوافق بعد قبول جبهة الإنقاذ بنود مبادرة حزب النور المطالِبة بعزل حكومة د. هشام قنديل -التي كلفه مرسي بتشكيلها- وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبعزل النائب العام، وتعديل الدستور، وعدم سيطرة الإخوان على مقاليد الحكم وحدهم، وغير ذلك[103].
وكانت جبهةُ الإنقاذ في ذلك التوقيت الغطاءَ السياسي للمظاهرات المضادة للرئيس محمد مرسي، تلك المظاهرات التي كانت تتصف بالعنف وسقط فيها قتلى ومصابون وحُرقت فيها مقار لحزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان، مما جعل نظرة الجماعات الإسلامية العاملة بالحقل السياسي حينها لهذا التوافق بين النور والإنقاذ، على أنه نوع «خيانة» من طرف حزب النور، وأن المطلوب من حزب النور حينها مهاجمة جبهة الإنقاذ وكشف دورها في التخريب والعنف بدلاً من التوافق معها والسكوت عن انتهاكاتها.
وقبل منتصف فبراير 2013 حدثت أزمة بين حزب النور وحزب الحرية والعدالة والرئاسة، حول بعض اتفاقيات القروض التي تعتزم الحكومة أخذها ويرفضها حزب النور وجماعته[104].
وفي 18 فبراير 2013، عقد حزب النور مؤتمرًا صحفيًّا للاعتراض على عزل مؤسسة الرئاسة يوم 17 فبراير لممثله في الفريق الاستشاري الرئاسي خالد علَم الدين، والذي كان يشغل منصب مستشار الرئيس لشئون البيئة، وفي المؤتمر أعلن عضو حزب النور بسام الزرقا استقالته كمستشار للرئيس احتجاجًا على ذلك[105].
وفي 26 فبراير 2013 رئيس حزب النور يونس مخيون في لقاء على الهواء مباشرة يهدد الرئيس مرسي وقادة الأحزاب بالانسحاب، وطالب مخيون مرسي بوقف تعيين أعضاء الإخوان المسلمين في كثير من الوظائف دون غيرهم، وغير هذا من المطالب[106].
وفي 22 مارس، كتب القيادي الأبرز في الجماعة والحزب ياسر برهامي مقالًا تحت عنوان (أين الإسلام يا أصحاب المشروع الإسلامي؟)، منتقداً بقوة للإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي[107].
ومنذ بداية أبريل، نظمت جماعة “الدعوة السلفية” مؤتمرات متعددة في مختلف أنحاء مصر، لتبيين “خطر الشيعة” واستنكار انفتاح محمد مرسي على دولة إيران[108].
وفي يوم الثامن عشر من نفس الشهر، رفضت الدعوة السلفية وحزب النور إصدار مشروع قانون السلطة القضائية، الذي كان يدفع الإخوان في اتجاه إصداره للحد من فساد القضاء وتسييسه[109].
ثم بدأت الجماعة والحزب تسليط أزمة منع «الضباط الملتحين» عن العمل والهجوم على مرسي وعده مسئولًا عن منع الضباط الملتحين من العمل[110].
وفي يونيو 2013: أعلنت الدعوة السلفية وحزب النور أنهما مع شرعيّة رئاسة مرسي، وأنهما ضد الدعوة إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وأنهم مع استكمال مرسي مدة رئاسته، وبعد اندلاع تظاهرات 30 يونيو، حثّ رئيس حزب النور مرسي على تقديم تنازلات لتجنب إراقة الدماء، وقال إن ما يخشاه هو “اضطرار” الجيش للتدخل في الحياة السياسية إذا انزلقت البلاد في حرب أهلية أو فوضى، ثم قال: «لو وصلنا إلى مرحلة هل حرب أهلية أم الجيش؟ فشيء طبيعي سنقول الجيش»[111].
ثم شاركت الجماعة والحزب في مؤتمر إعلان الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013 بواسطة ممثلها جلال مُرّة، جنباً إلى جنب وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، ومحمد البرادعي عن جبهة الإنقاذ، والأنبا تواضروس بابا الأقباط، وغيرها من الشخصيات[112].
تيار السلفية الحركية
من استقراء مواقفه، عمل تيار السلفية الحركية خلال عهد مرسي على محورين، المحور الأول: صدّ الهجمات التي انطلقت لإسقاط مرسي والهجوم على مناوئيه، والمحور الثاني: ترسيخ شرعية مرسي بطرق مختلفة.
أما ما يتعلق بالمحور الأول، فقد وقف تيار السلفية الحركية بتكويناته المختلفة بجانب الرئيس محمد مرسي، وكانت مواقفه موافقة تماماً في الجملة للإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة ومؤسسة الرئاسة، وهاجم التيار معارضي الرئيس مرسي جميعهم، ووقف موقفاً مضاداً من جميع المظاهرات والاحتجاجات التي طالبت بإسقاط مرسي أو دعت إلى انتخابات رئاسية مبكرة، وقال أحد أشهر أفراده وهو الشيخ محمد عبد المقصود عن المعارضة العلمانية “إنها مستعدة للتحالف مع الشيطان من أجل التصدي للمشروع الإسلامي وإسقاطه”، وكذلك هاجم الإعلام منذ تولي الرئيس محمد مرسي منصبه وقال إنه يمارس أسلوب (السفالة والانحطاط) ويلعب بمشاعر الشعب المصري[113].
وكذلك هاجم أفراد هذا التيار جماعة الدعوة السلفية وحزب النور لما رأوه سعياً لإسقاط أول رئيس منتخب، وقال بعضهم إن حزب النور أصبح “في حضن جبهة الإنقاذ”، ولم يعد له وزن في الشارع وأن قيادات حزب النور والدعوة السلفية ليسوا شيوخًا أو علماء بل مجرد زعماء سياسيين[114].
وبعد ما قالت إن “قرارات الرئيس الدكتور محمد مرسي حفظه الله التي أعادت الثورة إلى مسارها، وأجرت الدماء من جديد في عروقها”، دعت (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح) بما تحويه من أفراد تيار السلفية الحركية، جموع الشعب المصري إلى الاحتشاد أمام جامعة القاهرة تأييداً لقراراته، وتأكيداً على شرعيته يوم الثلاثاء 27/11/2012م “لتكون أبلغ رد على من يقومون بعرقلة مسيرة الإصلاح والاستقرار؛ بالشغب والتزييف الإعلامي تارة، وبالتضليل السياسي أخرى”[115].
وإثر أحداث يومي 25 و26 يناير 2013م أعلنت (الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح) رفضها كل دعاوى إسقاط الرئيس والانقضاض على الحكم والشرعية، وعدّتها محاولات مشبوهة تمثل انتهازية سياسية مرفوضة من كل المصريين، وأثنت الهيئة على موقف الداخلية والجيش المصري الباسل في حماية المنشآت والمرافق[116].
أما المحور الثاني المتعلق بترسيخ شرعية مرسي؛ فقد بدأ بعض دعاة تيار السلفية الحركية العمل على تأصيل كون محمد مرسي ولي أمر شرعياً لا يجوز الخروج عليه أو منابذته، وبالقول بأن الخروج على الحاكم المنتخب بإرادة أغلبية الشعب “معصية وفتنة كبرى” سيحاسب عليها في الدنيا والآخرة من يريدون خلع الرئيس محمد مرسي بأي طريقة[117].
الرموز السلفيون المستقلون
بعد فوز محمد مرسي بالسباق الرئاسي، توجه مَن أطلق عليهم الرموز السلفيون المستقلون بتهنئته على الفوز، ورجا شورى العلماء الله “أن يدبر للرئيس البطانة الصالحة التي تكون عونًا له على أمر دينه ودنياه، وأن يوفقه الله سبحانه إلى اختيار رجل صالح يكون نائبـًا له، ويكون عضدًا وشدًا لأزره” ونصح الرئيس مرسي “بتقديم الأكفاء الأمناء في كل مواقع المسؤولية”[118].
واستمر تأييد شورى العلماء (الممثل المنظم للسلفيين المستقلين) لمرسي وسياساته، مع توجيه النقد الخفيف وغير المباشر له بسبب بعض القضايا، كنقدهم لما عدوه تقارباً مع الشيعة، وكقضية الضباط الملتحين الموقوفين عن العمل، ولكن هذا النقد كان يُصحب بالدعاء له بالتوفيق وتأكيد الدعم له، على خلاف ما ذكرناه من نقد لاذع بواسطة سلفية الإسكندرية وحزبها حزب النور على سبيل المثال[119].
وأخذت قضية الشيعة على وجه الخصوص حيزاً من نقد السلفيين المستقلين، فقد حذر الشيخ أبو إسحاق الحوينى، من السياحة الإيرانية في القاهرة، وقال إنها خطر على مصر، وإن مصر تعد الجائزة الكبرى “للروافض”، ولو وضعوا أقدامهم فيها فهذا غاية المُنى لهم[120].
وقال محمد حسان موجهاً حديثه لمحمد مرسي: لن ينصرك الله إذا فتحت باباً للشيعة[121].
وقد كانوا يتحركون بصفتهم وسطاء أو حُكماء يريدون الإصلاح وأنهم غير منحازين إلى فريق ما وليس لهم أغراض سياسية، ومن تجليات ذلك أنهم لم يتعاملوا مع “جبهة الإنقاذ” ذات الاتجاه العلماني المعارض لمحمد مرسي على أنها تسعى لإسقاط مرسي، بل تعاملوا معها بصفتها تضم فصائل وطنية همها الإصلاح والإجماع الوطني ولها وجهة نظر معتبرة تجاه الأحداث الجارية، وقد ظهر ذلك خلال مبادرة “لم الشمل” التي قادها شورى العلماء والتي عُقدت بمنزل الشيخ محمد حسين يعقوب وشارك فيها الشيخ حسان وغيره من أجل “جمع الشمل وإجراء مصالحة وطنية بين الجبهة ومؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين، بهدف التعرف على أسباب رفض الجبهة المستمر للمشاركة في الحوار الوطني، والتعرف على مطالبها التي دفعتها لتنظيم المظاهرات”، والتي أعقبها حسان ببيان أن اللقاء بجبهة الإنقاذ “أسفر على نتائج إيجابية، مشددًا على أن الجميع اتفق على أن مصلحة مصر فوق الجميع، وعلى ضرورة المصالحة الوطنية، حتى لا تغرق سفينة مصر”[122].
وبعد سلسلة من اللقاءات على قناة الرحمة والبيانات المشتركة التي بدأت بعد الثورة والتي تنخرط في الواقع السياسي والشؤون الدعوية[123]، استقال حسان من مجلس شورى العلماء وأيضاً من الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في مارس 2013، وذلك لأسباب غير معلومة بدقة، وقد سُئل عن السبب فقال “لم أجد قلبي إلا في الدعوة إلى الله”، وقال: “ليس من عادتي التجريح في أحد”[124].
ولكن استقالة حسان لم تمنعه من التحرك مع غيره من السلفيين المستقلين، كمحمد حسين يعقوب وجمال المراكبي وعبد الله شاكر (مع محافظة الأخيرين على عضويتهما في أنصار السنة) ومحمد عبد السلام وغيرهم في الأزمات السياسية الحادثة حينها، وحاولوا الحفاظ قدر الإمكان على استقلالهم وألّا يُحسبوا على جماعة أو حزب.
وقد بدأ حسان يردد في لقاءاته المختلفة بأن مصر ليست حكراً على جماعة واحدة أو حزب واحدة أو فصيل واحد، وقد فُهم هذا على أنه يقصد جماعة الإخوان واحتكارهم للحكم، الأمر الذي أدى إلى هجوم على حسان بواسطة مؤيدي مرسي، كبعض مشايخ تيار السلفية الحركية وبالأخص الشيخ محمد عبدالمقصود الذي هاجم حسان قائلاً إنه “يمسك العصا من المنتصف” وإنه “يجامل العلمانيين والليبراليين”[125].
وفي اللقاء الجماهيري الذي حضره محمد مرسي، وشارك فيه كثير من مشايخ التيارات السلفية، وقبل أسبوعين من تظاهرات 30 يونيو التي أعقبها الانقلاب العسكري، خطب محمد حسان خطبة حيّى فيها الرئيس مرسي، ونقل فيها اتفاق العلماء على أن “الجهاد واجب في سوريا”، وناشد الرئيس مرسي بتفعيل هذا الأمر والتحرك قبل فوات الأوان وتقديم السلاح للسوريين ونصرتهم، وناشد حسان الرئيس مرسي “بعدم فتح أبواب مصر الطاهرة للرافضة”[126].
التيار المدخلي
هدأت نبرة التيار المدخلي قليلاً في نقد الإخوان المسلمين بعد تولّي مرسي سدة الحكم، وصرح أحد أهم رموز التيار في مصر وهو محمد سعيد رسلان، بأن خصومته مع الإخوان “خصومة دينية شرعية وليست سياسية ولا حزبية”، وأن اهتداءهم إلى الحق أحب إليه[127].
ولكن سرعان ما زادت حدة النقد مع تنامي المعارضة لحكم مرسي، فقد وصف رسلان جماعة الإخوان والسلفيين المنشغلين بالسياسة بـ«الخونة»، وقال إنهم “دمروا الأمة الإسلامية خلال هذه المرحلة المفصلية من تاريخها”، وإن “مصيرهم إلى مزبلة التاريخ”، وحكم رسلان عليهم بأنهم «خوارج وأهل بدع، وأفسدوا دين المسلمين وعقيدة العوام، وفقد الناس انتماءهم لدينهم ولوطنهم بسببهم، فهم حرب على الإسلام يدمرون به كل شيء؛ لأن بيدهم كل شيء، فماذا صنعوا وماذا سيصنعون؟ هم أهل تخريب وإفساد باسم الدين، ونشروا الإلحاد والكفر والفساد والخراب باسم الدين، وينطقون بلساننا ويقولون قال الله، وهم خونة»، وأضاف «رسلان»: «لا شوكة لهم ولا دولة فهم ذاهبون لا محالة، هم أهل البدع وأفسدوا عقيدة العوام [128].
ولكن رسلان كان يفرق بين الرئيس مرسي وبين جماعة الإخوان، لأن الأول -من وجهة نظره- هو وحده “ولي الأمر الشرعي” الذي تجب طاعته، بعكس جماعته وحزبه “المبتدعين”، واستدل على ذلك بفعل الإمام أحمد بن حنبل في الرد على أهل البدع وإظهار بدعهم، دون الرد على ولي الأمر الشرعي أو الخروج عليه رغم تبنيه هذه البدع[129].
وعند إطلاق حركة تمرد -المدعومة استخباراتياً- لحملات التوقيع لإسقاط مرسي، أفتى رسلان والشيخ هشام البيَلي وغيرهما من التيار المدخلي بأن حركة تمرد “خوارج”، وأنه لا يجوز الخروج على ولي الأمر محمد مرسي حتى وإن كان من أهل البدع[130].
ولم يكن للتيار المدخلي أي مواقف سياسية عملية لانعزاله التام عن العملية السياسة، وانشغاله بالدروس الدينية والوعظية والتوعية بما يفهمه من الأصول والدعوة القائمة على “منهج السلف” من وجهة نظره.
السلفية الجهادية
تُعد جماعة “أنصار بيت المقدس” التي نشأت في سيناء، هي التمثل الأقرب للسلفية الجهادية في الواقع المصري، فهي امتداد لجماعة “التوحيد والجهاد” التي كانت تتبنى المنهج السلفي الجهادي كما سبق وبينّا، إضافة إلى أنها –أي بيت المقدس- ضمت العديد من الجهاديين السلفيين وغير السلفيين من المضطهدين السيناويين على يد أجهزة الأمن المتعاقبة، والذين أصبحوا يرون أفراد الأمن المصري في ثوب المحتلين.
شهدت شمال سيناء عمليات في عهد مرسي مثل حوادث استهداف كمائن الجيش والشرطة في العريش والشيخ زويد ورفح بشكل متكرر، ومجزرة رفح الأولى التي سقط فيها 16 قتيلاً من عناصر الجيش المصري في 5 أغسطس 2012، وحادث اختطاف 7 جنود في 16 مايو 2013 على يد مجموعة مسلحة طالبت بإطلاق سراح المسجونين السياسيين من أهل سيناء، وتلا ذلك الإفراج عن المختطفين بعد أسبوع عقب وساطات من قيادات جهادية وإسلامية، واغتيال نقيب بوحدة مكافحة الإرهاب الدولي بقطاع الأمن الوطني يُدعى محمد أبو شقرة في العريش بتاريخ 9 يونيو 2013 ، ومقتل مفتش الأمن العام بسيناء العميد محمد هاني في 29 يونيو 2013، وفي ظل تلك الأجواء الملتهبة بشمال سيناء كانت جماعة أنصار بيت المقدس من أبرز المجموعات ظهوراً، ونجحت أنصار بيت المقدس خلال الفترة الممتدة من عام 2011 إلى عام 2013 في تأسيس عدة مجموعات بنطاق 11 محافظة، فضلاً عن تأسيس 8 مجموعات نوعية، ومع ازدياد وتيرة أنشطة الثورة المضادة مطلع عام 2013، واستشراف الجماعة لاحتمال الإطاحة بحكم د. محمد مرسي، ودخول البلاد لأتون صراع دموي، انتقل أحد مؤسسيها “توفيق فريج” خارج سيناء “ليشرف بشكل مباشر على إدارة خلايا الجماعة في العمق المصري”[131].
المبحث الخامس: ملامح التيارات السلفية بعد انقلاب 3 يوليو
جماعة الدعوة السلفية
شاركت الجماعة عن طريق الأمين العام لحزبها جلال مُرّة في مؤتمر إعلان الانقلاب العسكري في 3 يوليو 2013، بقيادة وزير الدفاع حينها والرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، وممثلين لأحزاب علمانية وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة.
وقد نظر المعارضون للانقلاب العسكري إلى مشاركة جماعة الدعوة السلفية وحزب النور في إعلان الانقلاب على أنه “خيانة”، وتسببت مشاركتهم تلك في هجوم حاد وواسع عليهم من فصائل الثورة المختلفة ومناهضي الانقلاب العسكري.
وفي اليوم التالي للانقلاب أصدرت الجماعة تأييداً آخر للانقلاب العسكري عن طريق بيان قالت فيه: «إن جيش مصر الوطني عهدنا معه ألا يفرط أبدًا في الشريعة وموادها في الدستور والهوية الإسلامية، ولقد وفّى دائمًا بما تعهّد به منذ الثورة بعدم إطلاق رصاصة واحدة ضد الشعب، والحفاظ على حرمة الوطن والمواطنين بجميع طوائفهم، الذين لا نقبل ولا يقبل جيشنا الوطني وشرطتنا أي تجاوز في حقوقهم وحرياتهم وحرماتهم حتى المخالفين لقرارات القوات المسلحة، فلن تعود أبدًا صورة العهد البائد من الظلم والعدوان على الشعب»[132].
وبعد حدوث عدة انتهاكات وأعمال قتل واسعة النطاق بواسطة قوات الانقلاب العسكري وفي إعلان أثار الاستغراب يوم 8 يوليو 2013، قال رئيس حزب النور: «إن الحزب قرر وقف الاتصال السياسي بما يسمى خارطة الطريق التي أعلنها الفريق عبدالفتاح السيسي، وكذلك أوقفنا التعامل مع المستشار عدلي منصور كرئيس مؤقت للبلاد، وقد كنا اتخذنا هذا القرار حتى قبل مذبحة الحرس الجمهوري، ولكن المذبحة أكدت صحة هذا القرار… وجدنا خلال الأيام السابقة أن الدماء لا تزال تهراق، ووجدنا ممارسات خاطئة من السلطة، وانتهاكًا للحريات، وغلقًا للقنوات الإسلامية، مع فتح الباب للقنوات الأخرى للهجوم على التيار الإسلامي بنوع من الشماتة، ووصل الأمر إلى الاستهزاء بثوابت الدين، كذلك وجدنا القبض على الرموز الإسلامية وتصويرهم وإظهار تصويرهم في التليفزيون، ووجدنا اعتداء الشرطة على المتظاهرين السلميين، وجدنا تجاوزات خطيرة تمت».
ولكنه على الرغم من كل ذلك فقد جاء في نفس البيان: «لن ننسحب من الساحة، وسنحاول تقديم مبادرات بالتعاون مع كافة القوى السياسية لإنقاذ البلاد مما هي مقبلة عليه»[133].
وقد أدّى هذا التناقض إلى أن استنتج مراقبون أنه تهدئة من الجماعة والحزب لا غير لأتباعهما الذين انتظروا منهما استنكاراً للانتهاكات الحقوقية التي حدثت بواسطة الانقلاب.
ولم تعلن الجماعة أو الحزب بكون ما حدث انقلابًا عسكريًّا، بل رأوا أنه «تصحيح مسار» [134]، وقرر متحدثها الرسمي نادر بكار أن هناك قطاعًا من المصريين يرونها ثورة وقطاعًا من المصريين يراها انقلابًا، ورأوا عدم الاشتغال بتوصيف ما حدث والاستمرار بدلًا من ذلك في المسار الديمقراطي»[135].
ثم حدثت “مذبحة رابعة” في 14 أغسطس 2013، عندما أقدم الجيش والشرطة على فض اعتصام رابعة العدوية المناهض للانقلاب العسكري، والذي قُتل فيها ألف ومائة وخمسون معتصمًا وفق إحصائية منظمة (هيومان رايتس ووتش) [136]، غير آلاف المصابين والمعتقلين، واستنكرت الجماعة فض الاعتصام بهذه الطريقة، لكنها استمرت في دعم الانقلاب العسكري، مما بدا أنه مجرد إثبات موقف صوري عن طريق بيان صحفي لا غير، دون فعل حقيقي بالتنديد بالانقلاب والانسحاب من التحالف معه والعمل على تصحيح الأوضاع.
وعملت الجماعة خارجيًّا على نفي حقيقة أن ما حدث انقلاب عسكري، فنصح الحزب خلال لقائه بوفد الاتحاد الأفريقي الذي علّق عضوية مصر به بعد الانقلاب، بأنه ينبغي التعامل مع مصر عقب 30 يونيو تمامًا كما حدث بعد ثورة 25 يناير، وأن ما حدث في 30 يونيو كان غضبًا تجاه مواقف سياسية خاطئة اتخذتها جماعة الإخوان، وأن المؤسسة العسكرية هي آخر المؤسسات المتماسكة في الدولة المصرية، وأن الجيش يحمي البلد من الأخطار، وأن القيادات العسكرية تتفهم ضرورة ابتعادها عن العملية السياسية [137].
وبسبب مواقف الجماعة وحزبها النور، دخلت في خلاف كبير مع التيارات الإسلامية المناهضة للانقلاب العسكري وبالأخص جماعة الإخوان التي اتهمتها جماعة الدعوة السلفية بأنها تُصعد الأمور «وتُقسم الشعب إلى مسلم وكافر، وتستعدي الجميع لتجعل التيار الإسلامي ضد الشعب كله ومؤسسات الدولة»، ونصحت جماعة الدعوة السلفية الإخوان بالجلوس على «طاولة الحوار مع عدم التفكير في عودة ما قبل 30 يونيو»[138].
ثم شاركت الجماعة عن طريق حزبها في لجنة إعداد دستور الانقلاب العسكري، وحشدت أعضاءها والمواطنين للتصويت بالموافقة عليه في 2014، رغم أنها قد أقامت الدنيا حول المادة 219 التي كانت تعزز – من وجهة نظر الجماعة والحزب – من مكانة الشريعة الإسلامية بالدستور، والتي كانت قد وُضعت في دستور الثورة عام 2012، ولكن الجماعة لم تُظهر المعركة أنها ضد الحكم العسكري، ولكنها أظهرتها في ثوب المواجهة العلمانية الإسلامية، دون انتقاد لدور الحكم العسكري في ذلك، وانتهت تلك المعركة بحذف المادة 219 وغيرها من المواد التي وضعتها الأغلبية الإسلامية في دستور 2012، دون انتقاد من الجماعة والحزب للحكم العسكري ودوره في ذلك[139].
وكذلك دعت إلى انتخاب قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي رئيساً للجمهورية، وكانت الجماعة والحزب أكبر وأنشط فصيل في دعم السيسي، وبعد إعلان السيسي رئيسًا قدمت الجماعة والحزب التهاني له[140].
ثم جاءت الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الانقلاب عام 2015 وشاركت فيها الجماعة عن طريق ذراعها السياسي حزب النور، وحصلت على 12 مقعداً من إجمالي 596 مقعداً، وهي نسبة قليلة للغاية مما حصل عليه في انتخابات برلمان الثورة عام 2012، إذ حصل على 123 مقعداً، مما يشير إلى تراجع شعبية الحزب بصورة كبيرة.
وفي انتخابات الرئاسة في ربيع عام 2018 انتخبت جماعة الدعوة السلفية وحزب النور السيسي لفترة رئاسة ثانية، وأيّدت عن طريق نوابها بمجلس النواب تعديل الدستور مما يكفل للسيسي بالترشح لمرة ثالثة ورابعة كل منهما ست سنوات، بعد أن كان الدستور السائد ينص على أن رئيس الجمهورية لا يحق له الترشح لأكثر من مرتين متتاليتين كل منهما أربع سنوات[141].
وبذلك تتحدد ملامح جماعة الدعوة السلفية وحزبها النور بعد الانقلاب في السعي إلى المحافظة على نظام الانقلاب العسكري، ونقد الجماعات الإسلامية المناهضة للانقلاب، إضافة إلى انعدام التأثير الحقيقي في المشهد السياسي.
الرموز السلفية المستقلة
تعاملت الرموز السلفية المستقلة مع الانقلاب العسكري وما سبقه وما تلاه من أحداث على أنها مجرد أزمة سياسية ودورها هو الوساطة لحلها وأنها خصومة “بين متخاصمين”[142]، فلم يؤيدوا حركة الانقلاب علناً ولم يؤيدوا معارضيها أيضاً بصورة قوية ومستمرة، فقد طالبوا بعد حدوث الانقلاب وانتهاكاته الحقوقية بعودة مرسي رئيساً للبلاد، وإيقاف الاعتقالات، وعقد مصالحة وطنية، ولكنهم عدّوا ما قام به المجلس العسكري من انقلاب “لون اجتهاد” لا يطعن في حبه للبلاد[143].
وظهرت تصريحات المستقلين لتأييد معارضي الانقلاب، فبعد اعتصام معارضي الانقلاب في ميدان رابعة والنهضة، وجّه لهم الشيخ محمد حسين يعقوب نداء بالثبات والصمود [144]، وعندما طلب السيسي التفويض الشعبي باستخدام القوة لفض الاعتصامات، قال الشيخ أبو إسحاق الحويني في بيان له “إن هذا أمر منكر لا يجوز شرعاً ولا عُرفاً… قد يؤدي إلى حرب أهلية، وفيه ما فيه من سفك الدماء المحرمة”، وقال إن ما دعاه لنشر هذا البيان “ما لمسه من الفريق السيسي عندما قابله من محبة للدين” وأنه “رجل متدين” [145].
وبعد فض اعتصام رابعة نزل الشيخان حسان ويعقوب إلى المحتشدين في ميدان مصطفى محمود، وقال حسان للغاضبين: “دَمي ليس أغلى من دمائكم”، وقال يعقوب: “اثبتوا نصركم الله… بالروح بالدم نفديك يا ديننا… ودمنا دون دمكم” [146]، وبعد دقائق غادر الشيخان بعد ما قيل إن “إغماءة” أصابت محمد حسان، وقد ترجى بعض المتظاهرين الشيخ يعقوب ألّا يغادر [147].
بعد تمكّن الانقلاب العسكري أكثر، توقف “مجلس شورى العلماء” عن الانعقاد وإصدار البيانات، وتنوعت أحوال أعضائه، فسافر الحويني واستقر في دولة قطر ممارسًا الدعوة وإلقاء الدروس الدينية هناك دون تعليق على الأحداث السياسية، فيما استمر مصطفى العدوي في إلقاء دروسه العلمية والدعوية في بعض المساجد بمصر، إضافة إلى لقاءات للفتوى في قناة الندى الإسلامية، وتوقف يعقوب عن اللقاءات الجماهيرية والفضائية مكتفياً بمسجده الصغير حيث يلتقي فيه بخاصة طلبته، أما حسان فأعيدت بعد فترة توقف قناته الفضائية قناة الرحمة ولكنه قلل من الظهور عما قبل، وكان آخر ظهور مهم له في ذكرى فض اعتصام رابعة يوليو ٢٠١٦م.
وهو من مرات الظهور القليلة التي ظهر فيها حسان، والتي قُرئت بأنها تصب في مصلحة النظام الجديد، كظهوره بعد فض الاعتصامات خلال موسم الحج لينهى عن الحديث في السياسة خلال الحج رداً كما بدا على حملة انطلقت حينها لتعريف الحجاج بما حدث في مصر من سفك للدماء خلال فض الاعتصامات[148]، وظهر على جبل عرفات يدعو للجيش المصري بعد مرحلة قامت فيها قيادات الجيش بالانقلاب على الشرعية وإسقاط الدستور والتورط في انتهاكات بالقتل والاعتقال للمعارضين السياسيين[149]، ووصولاً إلى ظهوره في ذكرى فض اعتصام رابعة والنهضة وغيرهما في شهر أغسطس 2016، مع الشيخين عبدالله شاكر وجمال المراكبي، والذي كانت خلاصته أن مؤيدي الشرعية ومرسي هم السبب في سفك الدماء والسيسي لا ذنب له وقد فعل ما عليه[150].
وبعد نشاط سياسي له بعد الثورة من خلال مجلس شورى العلماء، انزوى رئيس أنصار السنة عبد الله شاكر تماماً منذ البيان الأخير لشورى العلماء في يوليو ٢٠١٣، حتى ظهر بعدها بثلاث سنوات في ذكرى فض رابعة، مع محمد حسان وجمال المراكبي رئيس أنصار السنة السابق، على شاشة قناة الرحمة التابعة لحسان.
وخلال هذا اللقاء أصدروا بياناً يكشف تفاصيل وساطة شاكر ومن معه بين جماعة الإخوان وقيادات المجلس العسكري قبل فض الاعتصامات، وأنهم التقوا السيسي وطالبوه بحقن الدماء وعدم فض الاعتصامات بالقوة، وأن السيسي وافق بشرط عدم الاعتصام في الطرق الحيوية التي تؤدي إلى المطار وغيره، وطالبوه بالإفراج عن المعتقلين فقال السيسي إنه سيوافق على هذا في حالة فتح الطرق، ووافق أيضاً على الجلوس للتفاوض مع الإخوان كأكبر حزب سياسي في مصر.
وبعد هذا اللقاء الذي وصفه البيان بالمبشر بالخير مع المجلس العسكري، قال الثلاثة إنهم فوجئوا برفض تحالف دعم الشرعية والإخوان، واستمر هذا الوضع حتى حدوث فض الاعتصامات، وقد رأى مراقبون أن هذا البيان في هذا التوقيت (ذكرى فض الاعتصامات) يصب في مصلحة السيسي بتبرئة ساحته[151].
تيار السلفية الحركية
عارض تيار السلفية الحركية الانقلاب العسكري وتمسك بشرعيّة الرئيس المنتخب محمد مرسي، وشارك كثير من قياداته في اعتصام رابعة العدوية داعين فئات الشعب المختلفة إلى الاعتصام حتى رجوع الرئيس المنتخب[152].
ونتيجة للملاحقات الأمنية التي طالت معارضي الانقلاب عموماً وتيار السلفية الحركية منها، اعتُقل عدد من رموز السلفية الحركية كالشيخ فوزي السعيد والشيخ مصطفى سلامة، واعتقل أيضاً الشيخ سيد العربي ثم خرج بعدها بأيام لظروف صحية، وتوقف عن أي نشاط دعوي أو سياسي، شأنه شأن الشيخ حسن أبو الأشبال. وخرج آخرون من مصر كالشيخ نشأت أحمد والشيخ محمد عبد المقصود فرارًا من استهداف أمني متوقع، ولم يكن مصير بقية نشطاء تيار السلفية الحركية بعيداً عن أحد هذه المصائر.
ويعقد عبد المقصود ونشأت دروسهما وخطبها خارج مصر، والتي تُسجل وتُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي ليتسنى لمتابعيهم الاستماع إليها ومشاهدتها، مع تركيز الأول بشكل أكبر على التعليق المستمر على الأحداث السياسية المستجدة، الأمر الذي قلّ بصورة تدريجية حتى أصبح قليلاً للغاية بحلول عام 2019[153].
وتفكك الحزبان اللذان انبثقا عن هذا التيار، حزب الفضيلة والأصالة، وخرج رئيس حزب الفضيلة محمود فتحي من مصر ليستقر بدولة تركيا ويستمر في معارضة الانقلاب العسكري، وكذلك خرجت عدة قيادات حزبية من مصر سواء من حزب الفضيلة أو حزب الأصالة، باستثناء عدد قليل أبرزهم شقيق الشيخ محمد عبد المقصود ورئيس حزب الأصالة عادل عبد المقصود، والذي كان مساعداً لوزير الداخلية قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير، والذي ربما شفعت له علاقاته ووضعه الأمني السابق للبقاء في مصر خارج المعتقل.
كذلك تمركز بعض نشطاء التيار الآخرين في قطر وتركيا كمعارضين سياسيين فيها، مثل كوادر حزب الإصلاح، كالدكتور عطية عدلان رئيس الحزب، ود. هشام برغش نائبه، وخالد منصور المتحدث الرسمي له، وقد تفكك حزب الإصلاح ولم تعد له أنشطة.
التيار المدخلي
لم يتغير نهج التيار السلفي المدخلي، فقد مر بمرحلة من فقدان التوازن إبّان الانقلاب العسكري، ولكن سرعان ما انتُخب السيسي رئيساً لمصر، ومن ثم أعلن رموز التيار دعمهم له وطاعته بصفته ولي الأمر الجديد، وركزوا بصورة كبيرة على نقد الإخوان والجماعات الإسلامية الأخرى المعارضة، ووصفوهم بالتكفيريين والخوارج والإرهابيين.
إضافة إلى استمرارهم في إلقاء الدروس العلمية التي تشرح العقيدة السلفية ومنهج السلف وغيرها من المواد الشرعية، مع الانعزال التام عن المشاركة السياسية.
وقد أفتى محمد سعيد رسلان بحرمة الترشح في الانتخابات الرئاسية عام 2018م أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إذ قال: “الشرع يقول إن ولي الأمر لا يُنازع في مقامه ولا في منصبه…”[154].
أما أنصار السنة بتوجّهها المدخلي الحديث، فقد أيّد عناصر منها السيسي في مناسبات مختلفة بتصريحات قوية، أبرزها تصريح نائب رئيس الجماعة عبد العظيم بدوي الذي قال عن السيسي: “قائد حكيم ومخلص”، وقال إنه في حَفره قناة السويس الجديدة “يشبه ذا القرنين” عند بنائه السد [155].
السلفية الجهادية
شملت تحركات الانقلاب العسكري حملة اعتقالات لنشطاء التيار الجهادي عموماً، أما السلفية الجهادية متمثلة في جماعة أنصار بيت المقدس فقد أعلنت الحرب على الجيش المصري والشرطة بعد الانتهاكات التي تلت الانقلاب.
وزادت حدة المواجهات بين القوات الأمنية والسلفية الجهادية، وتركزت العمليات في سيناء بشراسة ولكنها امتدت أيضًا إلى العاصمة وغيرها من المدن، فاستهدفت وزير الداخلية محمد إبراهيم بسيارة مفخخة في مدينة نصر بالقاهرة ونجا بأعجوبة، وكان قائد المفخخة ضابطاً سابقاً بالجيش المصري اسمه الرائد وليد بدر، واستهدفت مديرية أمن القاهرة بمفخخة أيضاً مما أودى بحياة عدد من المجندين والضباط وإصابة العشرات، وكذلك حدث لمديرية أمن الدقهلية، وغير ذلك من العمليات التي تبنتها أنصار بيت المقدس.
وبعد إعلان تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ما سماه “قيام الخلافة”، اختلفت قيادات أنصار بيت المقدس فيما بينها، فأعلن قسم منهم البيعة لأبي بكر البغدادي زعيم التنظيم وأصبح اسمهم “ولاية سيناء”، ورفض القسم الآخر وانشق، وأبرز المنشقين كان نقيباً سابقاً بالجيش المصري يدعى هشام عشماوي الذي كوّن جماعة المرابطين وألقي القبض عليه في أكتوبر 2018، وضابط سابق بالجيش أيضاً اسمه عماد الدين عبد الحميد، وهو قائد المجموعة التي نفذت هجوم الواحات الكبير ضد الشرطة المصرية في العشرين من أكتوبر ٢٠١٧، ثم صُفيت بعد أحد عشر يوماً في صحراء الواحات بواسطة طائرات الجيش، ولم ينجُ منها إلا فرد ليبي.
وبعد سلسلة من العمليات المسلحة التي قام بها تنظيم “أنصار بيت المقدس” ضد قوات الجيش والشرطة وضد الأقباط خارج سيناء، نجحت الأجهزة الأمنية في اكتشاف معظم خلاياه خارج سيناء خلال مدة وجيزة لم تتجاوز تسعة شهور. إذ بدأ التنظيم عملياته المسلحة في 24 يوليو 2013 بتفجير عبوة ناسفة صغيرة الحجم بجوار مديرية أمن الدقهلية، وتوقفت عملياته الكبرى بالعمق المصري عقب حادثة عرب شركس في مارس 2014. أما داخل سيناء فلا يزال التنظيم في كر وفر مع الجيش المصري[156].
المبحث السادس: حازم أبو إسماعيل وتشكل التيار الإسلامي الثوري
أفردنا هذا المبحث للحديث عن التيار الإسلامي الثوري الذي نشأ بعد ثورة 25 يناير، وسبب إدراج هذا التيار للحديث عنه في هذه الدراسة المتعلقة بالسلفيين، هو التحاق كثير من الشباب السلفي به على حساب الجماعات القديمة والمشايخ التقليديين، ولأن العديد من الباحثين والكُتاب يحسب أبو إسماعيل على السلفيين.
لقد كان الشباب السلفي متعطشاً بعد الثورة لرمز/شيخ/ قيادي، سياسي إسلامي متمسك بالشريعة الإسلامية ويتحدث عنها بلا مواربة أو تنازلات تنفر منها القواعد السلفية، وفي نفس الوقت يكون ثورياً متماشياً مع الواقع الثوري الحاصل، ويكون بعيداً عن الانهزامية والسلبية وعدم إدراك الواقع وغير ذلك من الملامح التي رآها جانب من الشباب السلفي في العديد من شيوخهم القدامى.
وقد كان هذا الرمز (محمد حازم صلاح أبو إسماعيل) الذي اشتُهر بـ(أبو إسماعيل)، المحامي والداعية ونجل البرلماني المخضرم الشيخ صلاح أبو إسماعيل.
استطاع أبو إسماعيل أن يتفاعل بشكل قوي مع ثورة 25 يناير، وأظهر حنكة سياسية مبكرة عندما حذّر المصريين مبكراً وقبل مرور شهر على تنحّي حسني مبارك، بخطورة المجلس العسكري الذي كان جزءاً من نظام مبارك وقال إنه “يلعب اللعبة الكبرى”، وحذّر من سرقة الثورة والالتفاف عليها من قِبل “هؤلاء الثعالب الماكرة والذئاب العتيدة”، ووجه كلامه قائلاً: “لا تسمحوا بتسليم البلاد للحكم العسكري الذي يذبح الناس”[157].
لقد تمكن أبو إسماعيل أن يستوعب الكثير من شباب التيار السلفي في حركته الثورية، وهي ليست تنظيماً بالمعنى الدقيق للكلمة ولا تتخذ شكلاً هرمياً صارماً، بل تيار عام اشترك المنضوون تحته في تبنيهم للشريعة الإسلامية كمرجعية لا نقاش حولها، وللثورة كطريق للتغيير، وقد ضم هذا التيار إلى جانب حازم أبو إسماعيل: الشيخ رفاعي سرور وتلامذته، والشيخ عبد المجيد الشاذلي ودعوة أهل السنة والجماعة، ومجموعات التيار الإسلامي الحر، وحركة أحرار الشبابية، والجبهة السلفية التي تأسست بالمنصورة، ورابطة النهضة والإصلاح التي جمعت عدة كوادر شبابية، وبعض المنشقين عن جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية، والسلفيين المنشقين عن التيارات السلفية الأخرى والذين انحازوا للثورة والحركات الشبابية بعد الثورة.
شباب سلفيون رأوا أن تعاطي جماعاتهم أو مشايخهم مع الثورة قد تجاوزته المرحلة، ورأوا ضرورة تقديم رؤى جديدة مختلفة بخلفية سلفية، ومن أبرزهم حسام أبو البخاري، الذي شارك في الحراك الثوري بشكل قوي لإسقاط حُكم المجلس العسكري[158].
وإلى جانب ذلك، ضمت حركة أبو إسماعيل شباباً من جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات الإسلامية، وشباباً من خارج التيار الإسلامي.
انتقد أبو إسماعيل وبقية التيار الإسلامي الثوري الإسلاميين الذين لم يتعاملوا مع المجلس العسكري نفس معاملة نظام مبارك؛ فاعترضوا على اللقاءات بين عدد من رموزهم وقيادات الجيش، وأخذوا عليهم عدم معارضتهم للمجلس العسكري وعدم مطالبتهم بإسقاطه، وقد ركز هذا التيار في مساره على وضع المجلس العسكري في بؤرة اهتمامه واهتمام متابعيه كهدف أساسي للمعارضة.
نجح حازم أبو إسماعيل في تشكيل قاعدة شعبية عريضة لافتة للنظر وواضحة من خلال المؤتمرات الشعبية واللقاءات الجامعية والندوات واللقاءات الإعلامية، وذلك بعد ما أعلن عن نيته الترشح لرئاسة الجمهورية، الأمر الذي مُنع منه لاحقاً واستبعدته لجنة الانتخابات.
هذه الشعبية وهذا النهج الثوري أدى إلى التنكيل بهذا التيار الإسلامي الثوري بعد وقوع الانقلاب العسكري، فاعتُقل أبو إسماعيل ضمن أول من اعتُقلوا، أما الجبهة السلفية فقد استُهدف أعضاؤها أيضاً بالاعتقال كهشام مشالي وأحمد مولانا وسعد فياض، وخرج بعضهم خارج مصر تفادياً للاعتقال كخالد سعيد وأحمد مولانا بعد خروجه من السجن، ثم أفرج لاحقاً عن بعض أعضاء الجبهة المعتقلين مع الاستمرار في ملاحقتهم أمنياً من فترة إلى أخرى، واعتُقل أيضاً حسام أبو البخاري وخالد حربي وغيرهما من نشطاء التيار الإسلامي الثوري.
ولا يزال هذا التيار باقياً وفاعلاً من خلال بث الوعي عن أخطاء ثورة 25 يناير، ومجاله الأبرز هو مواقع التواصل الاجتماعي، التي ينشط فيها مجموعة من نشطاء التيار الإسلامي الثوري، كمحمد إلهامي وغيره.
استنتاج واستشراف.. مستقبل التيار السلفي في مصر
من خلال ما عرضناه فيما سبق، يتضح التنوع الكبير لمكونات التيار السلفي في مصر، وأنه ليس نسيجاً واحداً له قائد أو عدة قادة يديرونه بأكمله، وأنه حتى لا يقتصر على الجماعات أو التيارات المذكورة في الدراسة؛ بل هو حالة فكرية أعم وأوسع من ذلك مهما حاولنا رصد أهم تجمعاته وأشهرها.
لم تكن مواقف السلفيين واحدة بإزاء الأحداث والمستجدات والنوازل السياسية، بل تباينت المواقف تبايناً كبيراً، فلم يعزف كل السلفيين عن الثورة، ولم يؤيد جميع السلفيين الانقلاب العسكري، ولم ينتخب جميعهم السيسي، وهذا يؤكد فرضية أنه تيار ضخم ومتشعب فكرياً وجغرافياً وحركياً، وأنه من العسير تنزيل الأحكام على جميع أفراده دون تفرقة.
إن التيار السلفي يشمل أيضاً الأشخاص المتدينين بأصول الفكرة السلفية وفي نفس الوقت لا ينضمون إلى جماعة ولا يرتبطون بشيخ واحد؛ هؤلاء الأفراد يمارسون دورهم في التأثير في المجتمع المصري من خلال تحركهم الطبيعي بين المحتكين بهم، وبصورة طبيعية ونتيجة لوجود هذا التيار في المجتمع، سيمتد تأثيره إلى عدد من أفراد هذا المجتمع، خاصة وأن “الدعوة” من أهم ركائز هذا التيار، مما سيوسع من دائرة التيار السلفي بصورة عامة كنتيجة طبيعية لهذه الديناميكية المجتمعية.
لكن ربما ثمة عوامل ستجعل هذه الدائرة السلفية لا تتوسع بشكل كبير:
أولها ذاتي طبيعي:
يتعلق بعدم استمرار جميع الأفراد داخل التيار السلفي، لأسباب طبيعية تتعلق بكل فرد، نتيجة تراكم الخبرات، أو الانخراط في المسؤوليات الحياتية، أو هدأة الحماسة التي توجد فترة الشباب خاصة سن العشرينيات، فقطاع من السلفيين يبدأ سلفياً ثم يترك الفكر السلفي بعد فترة، وهذا أمر عادي يُوجد أيضاً في الجماعات والتنظيمية المختلفة، وليس حكراً على التيارات السلفية.
أما ثانيها:
فيرجع إلى حالة الفشل السياسي التي وقعت فيها المجموعات السلفية التي شاركت في العمل السياسي في الحقبة ما بين الثورة والانقلاب وما تلاه من أحداث، وما خلفته تلك الممارسة من آثار سيئة تتعلق بالوثوق في مؤهلاتهم ليقودوا المشهد مرة أخرى أو أن يكونوا في الصدارة، ولما آل إليه آخر أمرهم من التشتت أو انصهار فريق منهم في النظام المستبد، أو الارتباك وعدم القدرة على التعاطي مع الواقع الجديد، وعدم امتلاك القدرة على إصلاح الواقع الجديد.
وثالثها: خارج عن الذات السلفية:
تعمل أجهزة الدولة المصرية على تعميم نموذجها الخاص للتدين، وهو النموذج الذي يُطاع فيه الحاكم وتُعّدل كثير من المعالم الإسلامية؛ سعياً لإيجاد إسلام طيّع مستأنس لا يُؤدي إلى بروز أي معارضة مبنية على وازع ديني من أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو جهاد أو ما شابه ذلك، مما سيشكل تحدياً كبيراً أمام انتشار السلفية، وذلك لامتلاك الدولة الإعلام الرسمي مضافاً إلى إعلام رجال الأعمال المرتبطين بالسلطة؛ فيُواجه النموذج السلفي في التدين من خلال الأفلام والمسلسلات والإذاعة والجرائد، ويُستخدم رجال الدين لنقد الظاهرة السلفية ككل، إلى جانب الأساليب الأخرى للإقناع الفكري المغاير، مما سيبتعد بقطاع من الشعب عن الفكرة السلفية واعتناقها.
رابعها:
التضييق الأمني على الدعاة بشكل عام، سواء بالاعتقال، أو بث حالة أمنية مخيفة للمتدينين جعلت بعضهم يغادرون البلاد أو يحجمون عن ممارسة العمل الدعوي، أو بالمنع من ممارسة الدعوة العلنية، ولا يُستثنى من ذلك الدعاة السلفيون.
كل هذا سيحد من الانتشار السلفي الواسع دعوياً وسياسياً، على عكس الوضع السابق على ثورة ٢٥ يناير على سبيل المثال، فقد كان هناك تضييق أمني لكنه محدود إذا قورن بالوضع الحالي.
لكن هذا الحد لن يمنع من اتساع الدائرة السلفية بإطلاق من الناحية الدعوية، بسبب ما ذكرنا من وجود تحرك مجتمعي طبيعي لتيار واسع من السلفيين، يضاف إلى ذلك وجود منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح للسلفيين وسائل أخرى لبث دعوتهم وفكرهم ونشر أدبياتهم وتراث مشايخهم، ولكن بالتأكيد بات تصدرهم المشهد السياسي غير منتظَر على المدى القريب، هذا فيما يتعلق بالتيار عموماً.
أما ما يتعلق بالجماعات والقيادات السلفية المعنية بتغيير المجتمع وأسلمته بصورة منظمة أو شبه منظمة، فسوف تستمر في مواجهة إشكالية ذاتية، تتمثل في عدم وضوح المنهج السلفي نفسه من زاوية البناء المجتمعي والتغيير الحضاري، وبالتالي اختفاء الرؤية المحددة والعملية للتغيير أو للتعاطي مع وتيرته، وهذا يلاحَظ في الاختلاف الكبير بين مجموعات التيار السلفي في طريقة النظر إلى المجتمع وقضية التغيير وسؤال السلطة والشريعة وغير هذا، فانحصر المنهج السلفي لديها في زاوية فكرية وتعبدية وعلمية بحتة، دون أن ينتج عنه مشروع إسلامي حضاري أو مقاربة ما مؤصلة للتعامل مع المتغيرات السياسية والمجتمعية المعاصرة.
ولعل جذور هذه الإشكالية تكمن في أن القيادات الروحية التاريخية التي أعادت إحياء هذا التيار في العصر الحديث في مصر كمحمد رشيد رضا، لم تُعتمد أطروحاتهم عند المعاصرين، وإنما اعتُمدت مرجعيات لم تضع فيما وضعت ما يصلح أن يفيد في تلك الأبواب، وكذلك يقال في العديد ممن أخذوا على عاتقهم سابقاً تجديد الدماء في هذا التيار، من الشيوخ والدعاة.
فمن أكبر الأمثلة على المرجعيات، الشيخ محمد عبد الوهاب، الذي تُجمع التيارات السلفية بتنوعاتها على أنه نفخ الروح في الأفكار السلفية من جديد بعد أن اندثرت ودرست، وقد كانت رسالته غير معقدة بالمرة، وكانت حركته السياسية تعتمد على تلك المبادئ الإسلامية السهلة الواضحة ومحاربة من يرفضها، أو بمعنى أصح يرفض فهم الشيخ محمد بن عبد الوهاب لها، فنشأت السلفية المعاصرة في مصر بدورها أيضاً هذه النشأة غير المعقدة، مجموعة من الاعتقادات والمناسك، مَن قَبلها فهو معنا ومن لم يقبلها فليس منا. فلم توجد رؤية لإدارة العلاقات المعقدة، أو التنوعات المجتمعية الكبيرة التي على السلفيين أن يتعاملوا معها، خاصة إذا كانوا أقلية فكرية في المجتمع، بلا قوة مادية، وبلا إمكانيات اقتصادية.
خرجت الحركة السلفية من هذا الرحم، واستمرت على هذا النحو، حتى فوجئت بأنها في واقع متغير، غير الموجود بالكتب، فصارت كل مجموعة “تجتهد” لتتعامل مع الواقع دون أي أصول سابقة أو دليل مساعد، وبعد أن واجهت هذه المجموعات إعصار الانقلاب العسكري في مصر وانهار حلم التغيير والأسلمة، لم يُدرك قطاع كبير بعدُ مدى عمق هذه الإشكالية وما ينتج عنها من ممارسات خطيرة، باستثناء قطاع معظمه من الشباب السلفي الذي حملته الأحداث على التوقف والمراجعات؛ لذلك لا يتوقع حدوث تغير كبير في الإطار العام للممارسة السلفية عما سبق ما دامت الرؤية مفقودة والمشروع التغييري غير مكتوب أو واضح في العقلية السلفية، ولعل لو تكررت الأحداث مرة أخرى في المستقبل القريب سيتكرر معها نفس أسلوب التعاطي تقريباً، فقط مع تغير الأسماء والتواريخ.
أما إذا وُجدت الرؤية وكُتب مشروع تغييري واستُفيد من الممارسات والمرحلة السابقة وحدث شيء من الوحدة والتعاون بدلاً من التناحر السلفي الداخلي، حينها سيكون هناك تغيير إيجابي؛ لما يتميز به التيار من دماء متجددة دوماً، ولما لديه من طاقات شبابية كثيرة ونوعية ربما لا توجد لدى تيارات أخرى.
عقبة كؤود ستواجه مريدي التغيير من التيار السلفي، ألا وهي أن العديد من المجموعات السلفية نفسها ستواجه هذا التغيير، فمثلاً التيار المدخلي لن يقبل بأي مشروع يحوي بين جنباته أي صورة من صور التضاد للحكم القائم، والجماعات السلفية الجهادية غير مؤمنة بأي حل غير جذري، وتأييد جماعة الدعوة السلفية وحزب النور لنظام السيسي سيجعلها دائماً نائية عن أي مشروع قد يفسد عليها تلك العلاقة.
لذلك من الممكن أن نلخص ما سبق بتوقع اتساع بطيء لنطاق الدائرة السلفية من الناحية الفكرية ونمط التدين، مع تفخخ هذه الدائرة بإشكالية انعدام تصور كيفية وملامح وخطط التغيير السياسي/ الاقتصادي/المجتمعي، والتضاد السلفي بإزاء مشاريع التغيير في حالة تدشينها، مما سيؤدي إلى تراجع مستمر في العمل السياسي بشكل عام وانكفاء على الذات والرجوع مرة أخرى والبقاء داخل مربع الدعوة الإسلامية بمفهومها الخاص والضيق، والعزوف التام عن العمل السياسي.
ولكن تجربة حازم صلاح أبو إسماعيل القصيرة ونجاحه في جمع الشباب السلفي حول مبادئ الثورة وفي نقلهم إلى مساحات أوسع من العمل والنظر، يشير إلى أن هناك قطاعاً من التيار السلفي يتميز بالمرونة الفكرية والحركية، ربما من أجل ما يتمتع به هذا التيار من السيولة والتنوع الكبير وعدم التنظيم الجامد، الأمر الذي يشير أيضاً إلى أن الأزمة تكمن في القيادات القديمة بما تحمله من إرث الخلافات والنزاعات بينها وبين بعضها من جانب، وبينها وبين الجماعات والتنظيمات الأخرى من جانب ثانٍ، وإلى أن قواعد التيار السلفي بحاجة إلى قيادات جديدة تجدد الدماء في عروقها [159].
الهامش
[1] نعتمد في هذه الدراسة مصطلح “الثورة المصرية” كمصطلح يدخل تحته جميع الأحداث السياسية التي أعقبت الثورة، بما فيها فترة الانقلاب العسكري في 2013 وما احتف بها من أحداث.
[2] موقع يوتيوب: مقطع بعنوان: “برهامي: الإخوان رموني خارج المسجد ولن أنساها لهم“.
[3] زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية 1928-1948، ط3 (القاهرة، مكتبة وهبة، 1991م)، ص67.
[4] للمزيد حول هذه الحقبة ينظر: زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات من المنشية إلى المنصة 1952-1981 (ط1، القاهرة، مكتبة وهبة، 1987م) ص24 وما بعدها. وحسين محمد أحمد حمودة، أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون (ط1، القاهرة، الزهراء للإعلام العربي) 1985، ص73 وما بعدها.
[5] عبدالمنعم أبو الفتوح، شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر 1970-1984، تحرير حسام تمام، ط2، (القاهرة، دار الشروق، 2012م)، ص23.
[6] المصدر السابق، ص22.
[7] محمد يسري سلامة، السلفيون والأقباط في مصر رؤية في الجذور والإشكاليات والتحديات، ضمن كتاب الأقباط في مصر بعد الثورة، ط1 (دبي، مركز المسبار، 2012م) ص205- 206.
[8] السابق، (ص23).
[9] ينظر: الإخوان المسلمون بين عبد الناصر والسادات من المنشية إلى المنصة 1952-1981، ط1 (القاهرة، مكتبة التضامن، 1987م)، (ص91-98).
[10] أبو الفتوح (مصدر سابق)، (ص28-29).
[11] السابق، (ص33).
[12] الجماعة الإسلامية هي اسم للحركة الإسلامية الطلابية في جامعة القاهرة، وليست هي الجماعة الإسلامية المعروفة الآن بمصر.
[13] علاء بكر (أحد المنظرين للدعوة السلفية بالإسكندرية وأحد من شهدوا نشأة الجماعة)، الصحوة الإسلامية في مصر في السبعينيات، ط1 (الإسكندرية، دار الخلفاء الراشدين، 2013م)، (ص18-19).
[14] أحمد فريد، حديث الذكريات، ط1، (القاهرة، دار ابن الجوزي، 2012)، (ص204).
[15] علي عبدالعال، السلفيون في مصر ما بعد الثورة، كتاب إلكتروني، مركز الدين والسياسة للدراسات، فصل: الدعوة السلفية بالإسكندرية النشأة التاريخية وأهم الملامح.
[16] المصدر السابق.
[17] ينظر: المصدر السابق، فصل: الدعوة السلفية بالإسكندرية النشأة التاريخية وأهم الملامح، وشهادة ياسر برهامي على نشأة الدعوة السلفية.
[18] “مدلول السلفية أصبح اصطلاحاً جامعاً يطلق على طريقة السلف في تلقي الإسلام وفهمه وتطبيقه”. د/ مصطفى حلمي، قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي، ط١ (بيروت، دار الكتب العلمية، ٢٠٠٥م)، ص١٧٦.
[19] ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، (٣/٩).
[20] المائدة، آية ٩٥.
[21] من كلام النبي ﷺ لحكيم بن حزام، البخاري (١٤٣٦)، مسلم (١٢٣).
[22] محمد بن أحمد السفاريني، لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية، ط1 (دمشق: مؤسسة الخافقين، 1982م)، ص(1/20).
[23] هنري لاووست، نظريات شيخ الإسلام في السياسة والاجتماع، تعليق: د. مصطفى حلمي، ص٣٢. نقل بواسطة: د. محمد يسري إبراهيم، طريق الهداية مبادئ ومقدمات علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة، ط3، (القاهرة، ط: دار اليسر)، ص٥٦.
[24] وقد جمع كلامه المتناثر عن الوهابية في كتاب مستقل بعنوان الوهابيون والحجاز، ط1 (القاهرة، مطبعة المنار، ١٣٤٤هـ).
[25] فعلى سبيل المثال، اعترض رشيد رضا على أخبار ظهور المهدي ولم يقبل فكرة ظهوره آخر الزمان، ورأى أن أحاديث الآحاد لا تثبت بها مسائل العقيدة، وهذا يُخرج القائل به من عباءة “السلفية” عند كثير من السلفيين المعاصرين.
[26] رسائل الإمام الشهيد حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، رسالة المؤتمر الخامس، موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين.
[27] فقد خرجت “الجمعية الشرعية” مثلاً من عباءة السلفية ولم يعتبرها أغلب السلفيين “سلفية” مع كونها قد نصت على ذلك في بيانات تأسيسها وعلى لسان مؤسسها، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات التصوف السني، وجماعة التبليغ والدعوة وغيرها، رغم أن كل هذه الجماعات تتبنى منذ نشأتها الفكرة السلفية بمعناها العام.
[28] أحمد فريد، السلفية قواعد وأصول، ط1 (الإسكندرية: دار العقيدة، 2002م)، ص(18).
[29] علاء بكر، ملامح رئيسية للمنهج السلفي: محاضرات في السلفية، ط1 (الإسكندرية: دار العقيدة، 2001م)، ص(159).
[30] السلفية قواعد وأصول، (ص22).
[31] ملامح رئيسية، (ص188).
[32] السابق، (ص28).
[33] ياسر برهامي، المنة شرح اعتقاد أهل السنة، (الإسكندرية: دار الخلفاء الراشدين ودار الفتح الإسلامي، 2008)، ص(1/23).
[34] المنة شرح اعتقاد أهل السنة، (1/85).
[35] السابق، (1/103-108).
[36] السلفية قواعد وأصول، (ص30، وص32).
[37] السابق، (ص37، وص38).
[38] ياسر برهامي، قراءة نقدية لبعض ما ورد في كتاب ظاهرة الإرجاء، ط1 (الإسكندرية: الدار السلفية للنشر والتوزيع، 2004م).
[39] للمزيد حول هذه القضية ينظر: ياسر برهامي، مقال العمل الجماعي بين الإفراط والتفريط، موقع أنا السلفي.
[40] موقع صوت السلف، حوار مع فضيلة الشيخ ياسر برهامي الجزء الثاني، 28-07-2006م.
[41] للمزيد حول هذا الأمر ينظر: أحمد فريد، العذر بالجهل والرد على بدعة التكفير، ط4 (الجيزة: مكتبة التوعية الإسلامية، 2002م). ياسر برهامي، فضل الغني الحميد: تعليقات هامة على كتاب التوحيد، (الإسكندرية: دار العقيدة، 2001م)، ص(146-156).
[42] للمزيد ينظر: ياسر برهامي، شرح فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (الإسكندرية، دار الخلفاء الراشدين، 2015م)،
[43] للمزيد: ياسر برهامي، فقه الجهاد (كتاب إلكتروني)، موقع صيد الفوائد.
[44] عادل السيد، الحاكمية والسياسة الشرعية: عند شيوخ أنصار السنة المحمدية، ط1 (القاهرة: دار الإبانة، 2009م).
[45] للمزيد عن جماعة الدعوة السلفية، ينظر: معتز زاهر، من المسجد إلى البرلمان: دراسة حول الدعوة السلفية وحزب النور (لندن: مركز تكوين، 2014م).
[46] فتوى بعنوان: حكم المشاركة في ثورة 25 يناير اقتداء بتونس، موقع أنا السلفي، 21 يناير 2011.
[47] موقع يوتيوب، الشيخ محمد عبد المقصود يُكفر مبارك، 1-1-2012م.
[48] ينظر: محاضرات العمل الجماعي التنظيمي، محمد سعيد رسلان، رابط إلكتروني.
[49] للاستزادة: أحمد مولانا، الحالة الجهادية في مصر قبل ثورة يناير (إسطنبول: المعهد المصري للدراسات، 2018م).
[50] أجرى ناجح حواراً ودياً مع برهامي عام 2008، ونشره على موقعه، وكذلك فعل برهامي، ينظر موقع صوت السلف.
[51] عبد المنعم الشحات، الحكمة الغائبة عن بيان الحكايمة، 28 يونيو 2010م، موقع أنا السلفي.
[52] يقول الشحات في المقال السابق موجهاً حديث لخليل الحكايمة الجهادي المصري: “لا يمكن أن تجبر دولة استعمارية ذهبت لتحاصر الحركات الإسلامية وتسرق البترول وتسيطر على المنافذ الاستراتيجية على التراجع عن سياستها الاستعمارية، فكل هذا لا يمكن تركه لمجرد حادث مهما بلغ عدد ضحاياه؛ بل سوف يستخدم هذا في استمرار الصد عن سبيل الله ونعت الإسلام بكل النعوت المعروفة عند القوم، فضلًا عن ضرورة مخالفة الشرع غالباً لإتمام مثل هذه العمليات، مثل نقض عهد الأمان للدخول إلى هذه البلاد بتأشيرة الدخول، فضلاً عن المفاسد والمضار على العمل الإسلامي ككل داخل هذه البلاد، بل وفى بلاد العالم الإسلامي بأسر،. وننكر عليهم أكثر حينما يتعلق الأمر بضرب المصالح الأمريكية واليهودية في بلاد المسلمين لأن المصالح الأمريكية في بلاد المسلمين لا توجد في جزر منعزلة، ولكن لا بد فيها من مسلمين ومصالح للمسلمين”.
[53] ياسر برهامي، حول موقف “الدعوة السلفية” من الشيخ أسامة بن لادن، موقع صوت السلفي، 5 مايو 2011.
[54] اللقاء المفتوح مع الشيخ أيمن الظواهري، الجزء الأول من الأسئلة، موقع منبر التوحيد والجهاد.
[55] شريف الهواري، تأملات ونظرات في وثيقة ترشيد العمل الجهادي، 22-8-2009، موقع صوت السلف.
[56] يوتيوب: جماعة الدعوة والتبليغ للشيخ أبي إسحاق الحويني، 21-7-2010م.
[57] يوتيوب: جماعة التبليغ من الفرق المبتدعة الشيخ محمد سعيد رسلان، 19-5-2008م.
[58] ترك القوصي لاحقاً حقل الدعوة الإسلامية برمته، وغيّر الكثير من أفكاره، وتستضيفه القنوات الفضائية بصفته تنويرياً.
[59] ينظر مقال عامر بعنوان: “لين في غير ضعف وشدة في غير عنف“، موقع محمود لطفي عامر، 17-4-2010م.
[60] على سبيل المثال خلاف جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية مع محمد حسان وقناته قناة الرحمة، والتي عرضها عبد المنعم الشحات القيادي بجماعة الدعوة السلفية في مقاله: قناة الرحمة بين بياني تأسيس، موقع صوت السلف، 27-5-2010م.
[61] محمد سعيد رسلان، الإخوان المسلمون من الفرق المبتدعة، موقع يوتيوب، 20-5-2008م.
[62] ينظر: ياسر الزعاترة، حرب القاعدة على الحزب الإسلامي وتجربة الصحوات، الجزيرة نت، 25-09-2008م.
[63] سمع الكاتب هذه الرواية من ياسر برهامي بالإسكندرية في جلسة خاصة.
[64] يوتيوب أخبار اليوم، حزب النور يعلن دعمه لأبو الفتوح في انتخابات الرئاسة، 4-5-2012م.
[65] أصوات مصرية، حزب النور يدعم مرسي رسمياً في جولة الإعادة، 28-5-2012م.
[66] د. أحمد النقيب، السلفية والسلفيون وانتخابات الرئاسة، موقع البصيرة.
[67] ينظر لبعض تفاصيل الخلاف: جريدة الجمهورية، حزب النور على صفيح ساخن، 15-10-2012م.
[68] يوتيوب: عماد عبدالغفور يعلن رسمياً استقالته من حزب النور، 1-1-2013م.
[69] يوتيوب، لقاء ياسر برهامي ومحمد عبد المقصود، 27-6-2011م.
[70] يوتيوب: ينظر إلى أول تعليق للشيخ محمد عبد المقصود حول هذا الأمر، 26-3-2011م.
[71] جريدة المصري اليوم، قيادي سلفي عن «أبو الفتوح»: مشروعه «الهلاك»، 11-5-2012م.
[72] البيان الأول لمجلس الشورى العلماء، ٢-٣-٢٠١١م، موقع المجلس الرسمي shora-alolamaa.com.
[73] أبو المنذر الشنقيطي، نصرهم الله فانتكسوا، موقع طريق العلم، كتاب إلكتروني.
[74] جريدة اليوم السابع، رئيس حزب الفضيلة ينشق ويؤسس حزب الأصالة، 11-7-2011م.
[75] جريدة الراي، إعلان تحالف النور الإسلامي، 20-10-2011م.
[76] مقطع مرئي، موقع (يوتيوب): طارق الزمر يثنى على حزب النور ويدافع عنه ويغلط عاصم عبد الماجد.
[77] يوتيوب، الشيخ محمد حسان في ميدان التحرير، 4-2-2011م.
[78] مصطفى بوكرن، الإعلام المصري وتوظيف خطاب قناة الناس، موقع هسبريس، 10-2-2011م.
[79] حسبما سمع الكاتب مقطعاً صوتياً منتشراً للشيخ أسامة عبد العظيم حينها.
[80] صفحة مجلس شورى العلماء الرسمية، موقع فيس بوك.
[81] البيان الأول لمجلس الشورى العلماء، ٢-٣-٢٠١١م، موقع المجلس الرسمي shora-alolamaa.com.
[82] موقع نافذة مصر، أسماء أعضاء الهيئة الشرعية…، 25-4-2012
[83] فقد كان الشيخ يعقوب على سبيل المثال قبل الثورة ينهى الشباب عن الانشغال بقراءة الجرائد والسياسة، والاستعاضة عن ذلك بقراءة القرآن والانشغال بما يفيد، وفق ما سمع الكاتب للشيخ يعقوب في أحد أشرطته القديمة.
[84] مثل: المؤتمر السلفي الحاشد بالإسكندرية، 8 فبراير 2011م.
[85] بيان من الدعوة السلفية بشأن الاستفتاء على التعديلات الدستورية، موقع أنا السلفي، بتاريخ 6 مارس 2011م.
[86] للتوسع حول مراحل نشأة حزب النور، ينظر: معتز زاهر، من المسجد إلى البرلمان دراسة حول الدعوة السلفية وحزب النور، مصدر سابق، ص81 وما بعدها.
[87] وفق ما سمع الكاتب منه.
[88] موقع رسلان الرسمي، ٢٥-٥-٢٠١٢م.
[89] محمود عبد الرزاق الرضواني، الإخوان المسلمون والخلافة الباطنة، موقع يوتيوب، 31-5-2012م.
[90] جريدة اليوم السابع، ننشر استقالة مدير الدعوة والإعلام بـ”أنصار السنة” اعتراضاً على دعم الإخوان، 2-4-2016م.
[91] موقع يوتيوب، كلمة الشيخ محمد عبدالمقصود في ميدان التحرير، 5-2-2011م.
[92] موقع يوتيوب، كلمة للشيخ محمد عبد المقصود عن الإخوان المسلمين، 15-6-2011م.
[93] موقع يوتيوب، الشيخ محمد عبد المقصود يقول أنا مع الإخوان قلباً وقالباً، 24-10-2011م.
[94] موقع يوتيوب، تعليق الشيخ محمد عبدالمقصود على إقصاء المجلس العسكري، 22-5-2011م.
[95] بعض المصادر المطلعة على أحد لقاءات المجلس العسكري نقلت لكاتب هذه السطور أن قيادات العسكر كانوا شديدي المدح للمشايخ السلفيين، وأنهم أكدوا للمشايخ أن شعبيتهم أكثر على الأرض من أي جماعات أخرى بما فيهم “الإخوان المسلمون”.
[96] ينظر: موقع يوتيوب، حزب الفضيلة م. محمود فتحي وم. خالد منصور حزب الإصلاح، 9-9-2011م.
[97] موقع أرشيف، فيديو ملحمة الفرقان.
[98] البيان التأسيسي لمؤسسة الفاروق للإنتاج الإعلامي، 31-12-2011م، رابط إلكتروني.
[99] جريدة الأهرام، النور يعترض على التشكيل الوزاري ويقول: التواصل مع الرئاسة انقطع عقب خطاب تنصيب مرسي، 3-8-2012م.
[100]جريدة اليوم السابع، الزرقا: ضم قيادات النور للرئاسة ليست صفقة بين الإخوان والسلفيين، 28-8-2012م.
[101]كان كاتب هذا السطور حاضراً لهذا الموقف.
[102]موقع يوتيوب، إعلان تأسيس حزب الوطن، 1-3-2013م.
[103] جريدة اليوم السابع، الإنقاذ تتوافق مع مبادرة النور لتشكيل حكومة إنقاذ.. 30-1-2013م
[104] ينظر تفاصيل أزمة القرض: جريدة اليوم السابع، بتاريخ 11-2- 2003.
[105] الجزيرة نت، أزمة بين رئاسة مصر وحزب النور، 18-2-2013م.
[106] موقع يوتيوب، د مخيون يهدد بالانسحاب من الحوار الوطني.
[107] جريدة الفتح، عدد 70، بتاريخ: 22 مارس 2013م.
[108] عدة مؤتمرات منها مسجل على موقع يوتيوب وغيره.
[109] من بيان الدعوة السلفية، بشان مظاهرات تطهير القضاء، موقع أنا السلفي، 18-4-2013.
[110] وفد من “النور” يشارك في وقفة الضباط الملتحين أمام الاتحادية، بوابة فيتو، 1 يونيو 2013م.
[111] حوار رويترز مع يونس مخيون، بعنوان: (حزب النور الإسلامي يطالب مرسي بتقديم تنازلات)، بتاريخ: 30-6-2013.
[112] يوتيوب، قناة النهار: كلمة جلال مرة أمين حزب النور بعد بيان السيسي.
[113] محمد عبد المقصود: المعارضة مستعدة للتحالف مع الشيطان ضد المشروع الإسلامي، المصري اليوم، 21-6-2013.
[114] القيادي السلفي محمد عبد المقصود: النور أصبح في حضن جبهة الإنقاذ وليس له وزن، المصري اليوم، 20-6-2013.
[115] بيان الهيئة الشرعية بشأن الدعوة إلى مليونية الثلاثاء 27-11-2012 لتأييد قرارات الرئيس محمد مرسي، 26-11-2012، موقع طريق الإسلام.
[116] الهيئة الشرعية تطالب بعدم الحوار مع من يوفر غطاءً للبلطجية، 29-1-2013، موقع طريق الإسلام.
[117] المصدر السابق.
[118] البيان الرابع والعشرين لمجلس شورى العلماء، موقع طريق الإسلام، 29-6-2012م.
[119] ينظر بيان مجلس شورى العلماء، موقع اليوم السابع، 28-3-2013م.
[120] ينظر اليوم السابع: أبو إسحاق الحويني: السياحة الإيرانية خطر على مصر،15 أبريل 2013م.
[121] يوتيوب: الشيخ محمد حسان للرئيس مرسي لن ينصرك الله إذا فتحت الباب للشيعة، 4-4-2013م.
[122] المصري اليوم، حسان بعد لقائه بجبهة الإنقاذ نتائج لم الشمل ستظهر قريباً، 17-1-2013م.
[123] ينظر على سبيل المثال لقاء مجلس شورى العلماء، يوتيوب: بتاريخ16-10-2011م.
[124] يوتيوب: لماذا استقال الشيخ محمد حسان من مجلس شورى العلماء، قناة الرحمة، 6-3-2013م.
[125] يوتيوب: محمد عبد المقصود لمحمد حسان كف أذاك عنا، 26-6-2013م.
[126] يوتيوب: كلمة الشيخ محمد حسان أمام الرئيس مرسي، 15-6-2013م.
[127] محمد سعيد رسلان، براءة وتكذيب، موقع رسلان، 29-1-2013م.
[128] موقع جريدة الوطن، رسلان: تيار الإسلام السياسي «خونة وخوارج» ومصيرهم «مزبلة التاريخ»، 4-4-2013م.
[129] الشيخ رسلان: هل يعد الخروج على د. مرسي محاربة بدعته هو وجماعته، يوتيوب، 7-5-2013م.
[130] تحريم الخروج في مظاهرات 30 يونيو والتوقيع على استمارة تمرد الشيخ رسلان والشيخ هشام البيبلي، يوتيوب، 9-6-2013م.
[131] أحمد مولانا، الحالة الجهادية بعد ثورة يناير 2011 ج1، المعهد المصري للدراسات، 23-11-2018م.
[132] ينظر: بيان الدعوة السلفية بشأن الأحداث الراهنة 6، موقع أنا السلفي، بتاريخ 4 -7- 2013.
[133] يوتيوب: (يونس مخيون يعلن انسحاب حزب النور من خارطة الطريق)، بتاريخ 8-7-2013.
[134] نادر بكار، في ذكرى الثلاثين، جريدة الشروق، بتاريخ: 1-7-2014م.
[135] يوتيوب: (30 يونيو ثورة أم انقلاب نادر بكار)، بتاريخ: 30-9-2013م.
[136] نشرت هذه الإحصائية في تقرير (مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين بمصر)، الذي أعدته المنظمة ونشرتها على موقعها: www.hrw.org
[137] نادر بكار: أكدنا للوفد الأفريقي دور الجيش في حماية مصر من الأخطار، جريدة اليوم السابع، 9-4-2014.
[138] من حوار جريدة اليوم السابع مع القيادي بجماعة الدعوة السلفية محمود عبدالحميد، بتاريخ 13-5-2014م.
[139] للمزيد عن تفاصيل مشاركة حزب النور في وضع دستور 2014: من المسجد إلى البرلمان (مصدر سابق)، ص143 وما بعدها.
[140] المصدر السابق، ص144.
[141] موقع مصراوي، حزب النور الدستور الحالي جامد ونتحفظ على مادة بالتعديلات المقترحة، 13-2-2019م.
[142]استخدم هذا التعبير الشيخ جمال المراكبي، موقع يوتيوب، الشيخ محمد حسان شهادة لله ثم شهادة للتاريخ، 18-8-2016م.
[143] البيان الثالث والثلاثون لمجلس الشورى العلماء، ٧-٧-٢٠١٣م، موقع المجلس الرسمي shora-alolamaa.com.
[144] يوتيوب: يُذاع لأول مرة موقف الشيخ محمد حسين يعقوب من الانقلاب والإخوان وإعلام الضلال، منشور بتاريخ 10-11-2014م.
[145] جريدة الأهرام، أبو إسحاق الحويني يروي تفاصيل لقاءه بالسيسي، ٢٦-٧-٢٠١٣م، نقلًا عن الصفحة الرسمية للحويني.
[146]يوتيوب: الشيخ محمد حسان يوم فض رابعة دمى ليس أغلى من دمكم، منشور بتاريخ 15-8-2016م.
[147]موقع يوتيوب: بعد تحريضه ضد الجيش والشرطة إصابة الشيخ محمد حسان بالأغماء على منصة مصطفى محمود، 16-8-2013م.
[148]جريدة القدس العربي عن وكالة الأناضول، الداعية المصري محمد حسان: رفع الشعارات السياسية في الحج يفسد العبادة، 8-10-2013م.
[149]موقع يوتيوب، محمود حسان: محمد حسان لم يخطئ في الجيش وكان بيدعيلهم على عرفات، 14-8-2016م.
[150]موقع يوتيوب، الشيخ محمد حسان شهادة لله ثم شهادة للتاريخ، (مصدر سابق).
[151]لتفاصيل البيان كاملة، جريدة المصريون، المراكبي وحسان وشاكر يكشفون تفاصيل الوساطة بين الإخوان والسيسي، ١٧-٨-٢٠١٦م.
[152] نموذج لظهور قياديين بتيار السلفية الحركية الشيخ فوزي السعيد والشيخ محمد عبد المقصود، يوتيوب: الشيخ فوزى السعيد من منصة رابعة العدوية اللهم اخذل السيسي وأعوانه، 5-7-2013م.
[153] يلاحظ منحنى التعليقات السياسية لعبد المقصود وهبوطه تدريجياً منذ وقوع الانقلاب، قناة الشيخ محمد عبدالمقصود الرسمية على موقع يوتيوب.
[154] موقع يوتيوب، محمد سعيد رسلان السيسي هو ولي الأمر الذي تعتبر منافسته في الانتخابات حرام شرعًا، 27-12-2017م.
[155] يوتيوب: مقارنة بين سد ذو القرنين وقناة السويس للشيخ عبد العظيم بدوي، 10-8-2015م.
[156] للمزيد عن أنصار بيت المقدس، ينظر: أحمد مولانا، الحالة الجهادية بعد الثورة ج1 (مصدر سابق).
[157] يوتيوب، حازم صلاح أبو إسماعيل: أفيقوا أيها الناس لا تُسرق الثورة من أيديكم، 10 مارس 2011م.
[158] ينظر: موقع يوتيوب، د. حسام أبو البخاري من داخل الجامع الأزهر “يسقط يسقط حكم العسكر”، 23-12-2011م.
[159] الآراء الواردة تعبر عن أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن المعهد المصري للدراسات.