بعد مجزرة المسجدين في نيوزيلندا: مسلمو بريطانيا يطالبون بحماية مساجدهم ومدارسهم
إعداد وجدان الربيعي
مجزرة جديدة ترتكب بحق المسلمين بدم بارد، حيث قام الإرهابي برنتن تارنت خلال صلاة الجمعة بفتح النار في مسجدين في مدينة كرايس تشرتش في نيوزيلندا في 15 آذار/مارس متذرعا بالانتقام لضحايا هجمات ارتكبها مسلمون ومهاجرون في دول أوروبية. هذا الاعتداء الإرهابي الذي ينم عن الكراهية للآخر ويهدف إلى طرد المسلمين من الدول الغربية، رآه محللون عملية ممنهجة تقوم بها حركة تسمى باليمين الأبيض بدأت تتصاعد بشكل ملفت للنظر خصوصا بعد وصول ترامب إلى الحكم. وعادة ما تكون غاية هذه الحركات المتطرفة استهداف المسلمين بشكل خاص.
وتكمن خطورة الحدث الإرهابي في نيوزيلندا في أن ما يسمى بالإسلاموفوبيا لم تتم السيطرة عليه كما صرحت حكومات غربية عديدة، وواضح ان الانتقام من المسلمين تعدى حدود أوروبا، فالسفاح الاسترالي اختار نيوزيلندا ليقول إن السبب هو أنه أراد ان يوصل رسالة للمهاجرين انه يمكن استهدافهم حتى وان كانوا في أبعد بقعة في العالم، والأفظع من ذلك أن هذا الإرهابي قام بإهداء عمليته لإرهابيين سابقين تبنوا الأفكار نفسها وقاموا بعمليات بشعة للغاية ومنهم السفاح أندرس بيرفك صاحب مجزرة النرويج عام2011 حيث قتل 77 شخصا وألكسندر بيسونت، الذي قام بالهجوم الدموي على مسجد في كندا عام 2017. ويشير محللون إلى أن هذا الإهداء يدل على أن مثل هذه الجرائم يمكن أن تكون ملهمة لأشخاص يتبنون أفكارا متطرفة في أماكن أخرى من العالم، والذين أخذ عددهم يتزايد بشكل كبير خاصة في السنوات الأخيرة. ليس هذا فحسب بل أن أحزابا سياسية أوروبية تتبنى أفكارا معادية بشدة للإسلام وللمهاجرين شجعت هذا التطرف وقد وصلت إلى سدة الحكم في دول كالنمسا والمجر والدنمارك وغيرها.
سفاح المسجدين برنتن تارنت أشار إلى إعجابه بالرئيس الأمريكي ترامب كممثل للهوية البيضاء المتجددة وهذا يدل على تأثر عميق بمواقفه المعادية للمسلمين والمهاجرين إلى الحد الذي بات فيه مصدرا يشجع المتطرفين على ارتكاب جرائم إرهابية.
والغريب في الأمر أن معاداة الإسلام بدأت تأخذ أشكالا جديدة في عصر التكنولوجيا السريعة من خلال البث المباشر عبر السوشيال ميديا ومنها “فيسبوك” الذي في إمكانه ان يحجب أي تسجيل مباشر يتم نشره عبر الموقع بما في ذلك الفيديوهات، إذ يمكن استشعار أي محتوى من مشاهد عنف من هذه المواد. والسؤال المطروح كيف لم تتمكن فيسبوك من استشعار الجريمة وحجب المحتوى الذي بثه السفاح خلال عمليته التي أثارت الغضب والسخط لدى المتابعين وتحديدا المسلمين الذين عانوا من الإسلاموفوبيا التي زادت في السنوات العشر الأخيرة؟ وفي الوقت الذي تعاطف فيه الناس في الغرب مع ضحايا المجزرة من المسلمين، بدأنا نسمع بأصوات تنادي بقتل أطفال المسلمين بطريقة مستفزة وبشعة تنم عن عنصرية ومنهم من اعتبر ان السفاح قام بعمل بطولي ما يشير إلى أن الكراهية ليس سهلا محوها.
اعتداءات تطال مسلمي بريطانيا
وشهدت بريطانيا في الأيام القليلة الماضية سلسلة من الهجمات والاعتداءات بعد هجوم نيوزيلندا. ففي بلدة ستانول في مقاطعة سري جنوب شرقي انكلترا اعتقل شخص يبلغ من العمر 50 عاما بتهمة تتعلق بـ “الإرهاب” بعد أن طعن شابا يبلغ من العمر 19 عاما مطلقا عبارات وصفت بالعنصرية، وقالت شرطة مكافحة الإرهاب إن الهجوم كان يستلهم الأفكار اليمينية المتطرفة، كما تعرض سائق سيارة أجرة إلى اعتداء لفظي باستخدام عبارات عنصرية ما دفع الشرطة إلى اعتقال شخصين، رجل وامرأة يبلغان من العمر 33 و34 عاما بتهمة ارتكاب اعتداءات ذات دوافع عنصرية قيل إنها تتعلق بهجمات نيوزيلندا الإرهابية.
وألقت الشرطة القبض على امرأة في روشديل القريبة من مانشستر بالتهمة نفسها بعد أن نشرت تعليقات عبر الانترنت حول مجزرة المسجدين.
وفي أكسفورد وسط إنكلترا، قالت الشرطة إن عبارات وشعارات مرتبطة باليمين المتطرف صبغت جدران قرب مدرسة قد تكون لها علاقة بالحادثة. أما في لندن فقد صرحت الشرطة انها ما زالت تبحث عن ثلاثة رجال أطلقوا عبارات معادية للإسلام قبل أن يعتدوا على رجل آسيوي في منطقة وايتشابل شرق، ما تسبب في جروح في رأسه.
وحث وزير الداخلية ساجد جاويد المواطنين على رفض الإرهابيين المتطرفين الذين يسعون إلى إحداث شرخ في المجتمع البريطاني، وقال إن من الضروري أن يتكاتف الجميع في أعقاب الحوادث التي شهدتها لندن وروشديل وساري وأكسفورد في الأيام القليلة الماضية. وأضاف هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه علينا جميعا تحدي الأحقاد والجهل والعنف وعلينا الدفاع عن البلد الذي نطمح أن يكون متسامحا ومتنوعا ويستمد قوته من هذا التنوع.
“القدس العربي” قامت بجمع بعض الآراء حول التخوفات من حدوث اعتداءات إرهابية في بريطانيا وكيفية مواجهة الفكر المتطرف والكراهية وخلق حوار مبني على التعايش والمساواة وقبول الآخر.
كارثة على اليمين المتطرف
وقال د. حافظ الكرمي مدير “مركز ماي فير الإسلامي”: “لا شك أن هناك تيارا موجودا في الغرب هو التيار اليميني الصهيوني، فالصهاينة يدخلون على هذا التيار ويغذونه من أجل فصل المسلمين عن مجتمعاتهم، يعني هم لا يريدون للمسلمين ان يندمجوا في هذه المجتمعات وبالتالي لابد من التحريض عليهم. هذه التيارات موجودة بشكل كبير جدا في وسائل الإعلام وعند السياسيين الذين يتبوأ بعضهم مواقع عالية جدا وعلى رأسهم ترامب المعروف بعنصريته سواء في أمريكا أو في العالم، ومجرم مجزرة المسجدين لم يخف الاعجاب بترامب”.
وأضاف: “ينبغي على الجاليات المسلمة في الغرب وعددهم لا يقل عن 50 مليون في أوروبا أن يكونوا جزءا من المجتمع وذلك بالدخول في تفاصيله سواء الإعلامية والسياسية وفي البلديات والبرلمان والأجهزة الشرطية والأمنية والمدنية وغير ذلك، وبذلك يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم من خلال النظام الموجود.
على المسلمين أيضا ان يعرضوا إسلامهم الصحيح القائم على الحب والتسامح واحترام الآخر ويبتعدوا عن أصحاب الأصوات النشاز وهم بعض الأفراد في الجاليات المسلمة ممن يدعون لكره الآخر والعنف والتطرف. باختصار أن يعيشوا إسلامهم الحقيقي وليس الإسلام المزيف الذي يطالب به أصحاب الفكر المتطرف والغلو الفكري”.
وتابع: “نحن في بلاد مليئة بمؤسسات المجتمع المدني وهي تقوم بدور كبير جدا في حماية المجتمع وصيانة الحقوق وينبغي أن يتحالف المسلمون معها من أجل الوقوف أمام هذا التيار الذي ما زال يمثل أقلية. واعتقد ان الجريمة التي حصلت في مسجدي نيوزيلندا ستكون كارثة على هذا التيار وليست على المسلمين لذلك ينبغي على المسلمين ان لا يخافوا ويعيشوا حياتهم بشكل طبيعي لأن هذا العمل أثبت أمرين أولا، أن المسلمين ضحايا وليسوا فقط معتدين وأن هناك في هذه المجتمعات مجموعة من التيارات التي تحمل فكر الكراهية والعداء للمسلمين. فهناك تعاطف في الغرب الآن بشكل كبير جدا مع المسلمين ما يخفف لهجة كثير من وسائل الإعلام والكتاب والسياسيين. الحدث مؤلم لكن آثاره البعيدة ستكون لصالح الجاليات المسلمة والحكومات المعتدلة في العالم الغربي”.
وأنهى بالقول: “نحن في حاجة إلى حماية المسلمين عبر المؤسسات الرسمية وسن القوانين اللازمة، وكمؤسسات إسلامية نطالب بتجريم الإسلاموفوبيا. ومطلوب من الحكومة البريطانية أن تقوم بحماية المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية بالطريقة التي تحمي فيها الأقليات الأخرى. صحيح هناك دوريات شرطة تقوم بحماية المراكز الإسلامية الآن لكننا نأمل ان لا يكون ذلك وقتيا ومرتبطا بحدث نيوزيلندا، بل أن تكون الحماية بشكل مستمر ومكثف خاصة في مواسم الأعياد والمناسبات الدينية”.
ظاهرة الكراهية في تزايد
ويقول الشيخ أحمد نشاش إمام مسجد في مدينة لوتن: “ظاهرة اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا موجودة منذ زمن بعيد، والأحزاب القومية والمتطرفة في بريطانيا مثلا بدأت من الأربعينيات. عندما نرجع إلى التاريخ نجد هذه الحركات تظهر وتندثر في كل فترة زمنية يأتيها مناخ ينميها أكثر وثم تأتي التشريعات فتنتهي. فمثلا إحدى الظواهر في بريطانيا هي “بريتيش ناشيونال فرونت” كانوا يقومون باعتداءات على المسلمين والآسيويين لكن بدأت الحركة تتآكل. ثم نشأت في مدينة لوتن البريطانية حركة تزعمها في ذلك الوقت تومي روبنسون كانوا يتظاهرون في المدن التي تسكنها أغلبية مسلمة ويطالبون بإخراج المسلمين من البلاد”.
ويشير إلى أن ظاهرة الكراهية في تزايد، وأحد الأسباب أن هناك حركات متطرفة أخرى في البلاد الأوروبية مثل ألمانيا وهولندا والنمسا وايطاليا وغيرها وبسبب بعض النجاحات السياسية لهذه الأحزاب تغذى الفكر المتطرف.
تومي روبنسون كانت عنده علاقات جيدة مع الجماعة المتطرفة في ألمانيا واعتقل وحديثا تم إيقاف حسابه في فيسبوك وتويتر وانستغرام لأن خطابه عدائي وألف كتابا عن القرآن وقال إن الإسلام دين يدعو للعنف.
ولا نستطيع ان نغفل تأثير انتخاب ترامب على ازدياد نفوذ الجماعات المتطرفة، ففي حملته الانتخابية كان يركز كثيرا على مسألة المسلمين ويقول انه سيمنعهم من دخول بلاده كما يتحدث باستمرار عن الإرهاب الإسلامي.
ويرى نشاش أن الإعلام البريطاني ولأول مرة يعتبر الهجوم إرهابيا، رغم أنه كان يعطي منصة كبيرة للمتطرفين لنشر أفكارهم.
وفيما يخص الأفكار التي يتبناها المتطرفون يقول: “هم يعتبرون أن هناك مشكلة في أوروبا تتمثل في انخفاض معدل المواليد وان المسلمين يقومون بتطهير عرقي لأن ولاداتهم كثيرة.
وتم إنتاج تقرير مصور يشير إلى أن أوروبا في عام 2050 سيكون 25 في المئة من سكانها من المسلمين.
وهم يعتبرون أن هناك خطرين، الأول ان هذا غزو إسلامي وقد فندت ذلك في خطبة الجمعة وقلت إن المسلمين عندما جاءوا إلى أوروبا بسبب حاجتها لهم وهم يساهمون في الاقتصاد الوطني وليسوا غزاة. هم مواطنون يتمتعون بكافة حقوق المواطنة ويساهمون في مساعدة الناس. ولا نريد ان ننسى فئة من المسلمين تأثرت بخطاب الكراهية لكن كل ما حدث في أوروبا من اعتداءات الكراهية هي وقائع فردية لكن حجم التطبيل الإعلامي كان رهيبا لدرجة تجعل الناس تكره المسلمين.
يجب نشر ثقافة الحب والتفاهم ومواجهة الكراهية، والمطلوب من المسلمين أن يكونوا على وعي، فقد تحدث اعتداءات ضدهم لكن يجب ان لا تجعلهم يعيشون حالا من الذعر”.
نريد أن ننشر أفكار العدالة والمساواة
وقال د. داوود عبد الله، مدير مركز “مرصد الشرق الأوسط”: “عدد الاعتداءات الأخيرة على المسلمين في بريطانيا قد يكون أكبر بكثير من ما تعلن عنه الشرطة، بسبب عدم الإبلاغ عنها من قبل الضحايا خوفا على أمنهم وأسرهم. نحن نرحب بمبادرة عمدة لندن ووزير الداخلية بحماية المسلمين لأنهم يتوقعون أن تتكرر الاعتداءات حسب التجربة مع اليمين المتطرف. ومن الجدير أن أذكر هنا النائبة البريطانية جو كوكس، التي تم اغتيالها أمام مكتبها في دائرتها، والشخص الذي طعنها من حركة يمينية متطرفة، وما حدث أمام مسجد فنزبري قبل عامين، فكلها أحداث تشير إلى أن المتطرفين لديهم الاستعداد بأن ينفذوا عمليات إرهابية ضد مسلمين، وبعضهم أدينوا في المحاكم البريطانية وبعض القضايا ما زالت معلقة”.
ويذكر أن المتطرفين اليمينيين لديهم أفكار تقول إن الرجل الأبيض له الأفضلية على الأعراق الأخرى في السياسة وفي الإعلام وكل شيء.
وهو يرى أن المشكلة تكمن في ان هؤلاء كانوا في الماضي يعيشون على هامش المجتمع فكريا وسياسيا وإعلاميا ولكن الجديد ان خطابهم اليوم أصبح علنيا ومقبولا. وان هناك اعتقادا بأن المسلمين يغزون أوروبا وأن العرب يهربون من أوطانهم ليأتوا إلى هنا ويأخذون أموالهم وثرواتهم. وفي الوقت الذي اتفقت فيه كل الحكومات الأوروبية على استيعاب لاجئين إلا ان بريطانيا انسحبت وقالت انها لا تلتزم بهذه الاتفاقية، وهذا يعطي الانطباع بأن بريطانيا لا ترحب بالمهاجرين واللاجئين الجدد. إذن الخطاب الرسمي يسهل الأمر على المتطرفين ليقوموا بالمزيد من الاعتداءات.
وعن التطرف والغلو الذي جعل بعض الشباب المسلم ينخرط في صفوف “داعش” ما أدى إلى تزايد العداء والرهاب من الإسلام قال د. داوود عبد الله:
“آلاف الشباب ذهبوا إلى سوريا وكانوا ضحايا للأفكار التي ليست لها علاقة بالإسلام. نحن نريد أن ننشر أفكار العدالة الاجتماعية والمساواة بين الشعوب، وأعتقد أن هذه الأزمة لابد ان تكون فرصة لأن نفتح المساجد للجميع ليتعرفوا علينا وعلى ديننا ولابد من الإشارة إلى أن الحادث الإرهابي في نيوزيلندا جعل عددا من الناس يدخلون الإسلام وهذه فرصة لنا أن نعلم الناس سماحة ديننا”.
(المصدر: صحيفة القدس العربي)