العالم المحقق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله
1346-1425هـ = 1927-2004م
في فجر يوم الجمعة 13/شوال (بالتقويم العربي) و 12/شوال 1425هـ بالتقويم الهندي الموافق 26/ نوفمبر 2004م انتقل بمدينة دمشق إلى رحمة الله تعالى العالم الصالح المحقق خادم السنة النبوية الشريفة المحدث الفقيه الشيخ عبد القادر الأرناؤوط الصربي ثم الدمشقي . رحمه الله وأدخله جنة الفردوس . وكان اسمه في الأوراق الثبوتية : قدري بن صوقل بن عيدول بن سنان . وقد وُلِدَ رحمه الله بقرية «فريلا» من إقليم «كوسوفا» من بلاد الأرناؤوط بـ«يوغسلافيا» عام 1346هـ / 1927م.
هاجر بصحبة والده بلاده «يوغسلافيا» وهو في 3 من عمره إلى دمشق ، تخلّصًا من اضطهاد المسحيين الصرب . وأقامت عائلته بحي «الديوانيّة» بمدينة دمشق ؛ حيث كانت مجموعة من العائلات الألبانية التي نسب هو إليها . وقد ربّاه أبوه في بيئة دينية صالحة تتمسك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وكلّفه الجلوس إلى علماء دمشق الذين كانوا يعقدون المجالس العلمية والحلقات التدريسية بمساجدها ولاسيما العلماء الأرناؤوطيين الذين هاجروا إلى الشام في ذاك العهد نجاة بدينهم وعقيدتهم ، أمثال الشيخ ملاّ باختياري المعروف بـ«حمدي الأرناؤوط» والشيخ نوح تجاني الألباني والد الشيخ ناصرين الألباني والشيخ سليمان غاوجي الألباني ، كما أخذ القرآن بالتجويد عن الشيخ صبحي العطار والشيخ محمود فايز الدير عطاني ، كما صحب رحمه الله طيلة خمس سنوات الشيخ سعيد الأحمر الأزهري الساعاتي الذي لم يتلقّ منه علوم الشريعة واللغة العربية وحدهما ؛ ولكنه أخذ عنه مهنة تصليح الساعات . كما صحب طوال عشر سنوات الشيخ محمد صالح الفرفوم ، الذي قرأ عليه علوم العربية والتفسير ، كما قرأ عليه نور الإيضاح ومتن الإمام الطحاوي في العقيدة ومراقي الفلاح وحاشية ابن عابدين وما إلى ذلك من الكتب . وكان الشيخ سعيد الأحمر رجلاً صالحًا زاهدًا في الدنيا راغبًا في الآخرة ، فخلّق تلميذه عبد القادر بأخلاقه ، وأورثه التقوى ومخافة الله في السر والعلن .
إلى جانب هؤلاء تلقى من علماء الشام الكبار، مثل العلاّمة محمد بهجت البيطار ، كما استفاد من أعلام العلماء المعاصرين أمثال العلاّمة ابن باز والشيخ الفقيه الأديب علي الطنطاوي والشيخ محمد أمين المصري والشيخ ناصر الدين الألباني ، والشيخ ابن مانع ، والشيخ عبد الرحمن الألباني ، والشيخ محمد بن لطفي الصبّاغ وقد ساعده على التوسّع في علوم الشريعة والعربية حافظته القوية وذاكرته الّلافطة .
وبعد ما فرغ من التلقي النظامي للعلم ، تفرغ للتدريس والدعوة في شتى جوامع دمشق ومدارسها، ولم يتجاوز عمره آنذاك عشرين سنة . وظهر نبوغه عندما خاض غمار البحث والتحقيق ، حيث انتقل عام 1377هـ / 1957م إلى «المكتب الإسلامي» لصاحبه الشيخ زهير الشاويش ، الذي كسب سمعة طيبة واسعة في العالم كله فيما يتعلق بنشر كتب التراث الإسلامي من علوم القرآن وعلوم الحديث والفقه وما إلى ذلك . وقد عكف الشيخ الأرناؤوط فيه على نشر آثار السلف الكرام مع مجموعة صالحة من أهل العلم والدين من بينهم الشيخ ناصر الدين الألباني ، والشيخ شعيب الأرناؤوط ، والشيخ زهير الشاويش ، والدكتور محمد الصباغ ، والشيخ عبد القادر الحتاوي ، وآخرون جزاهم الله خيرًا . كما عمل بالمكتب الإسلامي لأكثر من عشر سنوات مديرًا له متفرغًا ، ثم مديرًا متعاونًا .
وشارك في تحقيق عدد من الكتب التي أصدرها المكتب الإسلامي متعاونًا مع الشيخ زهير الشاويش ومن إليه من العلماء المذكورة أسماؤهم من قبل . أمثال «الكلم الطيب» و «جامع الأصول» و«مشكاة المصابيح» . وساعد الشيخ الألباني في إعداده لمؤلفاته مثل «صحيح وضعيف الجامع الصغير زيادته الفتح الكبير» و «شرح العقيدة الطحاوية» و «سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة» و«شرح ثلاثيات الإمام أحمد» . وما إلى ذلك .
وكان رحمه الله متمسكاً بالمنهج السلفي الذي تأثر به في سوريا لدى تلقيه من العلماء الكبار فأصبح من أكبر دعاته في سوريا ، وكانت سلفيتة تظهر في جميع دروسه ومواعظه وخطاباته ومحاضراته وتحقيقاته للمخطوطات وكتب التراث . وكان زملاؤه الآخرون أيضًا ذوي المنهج السلفي – ولايزالون – ممن ينتمون إلى المكتب الإسلامي .
وقد منع رحمه الله في أواخر عمره عن الخطابة والتدريس والوعظ ، حتى حضور الاجتماعات . وقد كان رحمه الله فصيح اللسان عذب اللغة سهل العبارة مثل أغلب علماء سوريا الكبار . تغمده الله بواسع رحمته وأدخله فسيح جنّاته وألهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان .
(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)