المشايخ إذا ألحدوا
بقلم محمد الخضر حسين
الزائغون عن الرَشَد في أوطاننا صنفان:
صنف نشأوا في بيئات شأنها الطعن في الدين، ولا عمل لها إلا إيراد الشُبه مجردة من الحجج التي تدفعها وتقر الحقائق في مواضعها.
وصف نشاؤا في معاهد إسلامية، ولكنهم لم يدرسوا الدين دراسة جد وتحقيق تجهلهم في حصانة من أن تأخذهم الشُبه وتخدعهم زخارف الحياة، ولم يملكوا من خشية الله تعالى ما يمنعهم أن يقولوا على الله سبحانه غير الحق.
وتقويم الصنف الأول من الملاحدة أيسر من تقويم الصنف الثاني، إذ الصنف الأول قد يجلس إليك بصفتك داعياً إلى الإصلاح فيصغي إليك عندما تتصدَّى لدفع شبهة وإقامة حجة، فاذا بَصُر بالشبهة ذهبت وبالحجة أضاءت، لم يلبث أن يجيب دعوتك متأسفاً مما سبق له من الغواية، مغتبطاً بما وفقه الله تعالى إليه من هداية.
أما الصنف الثاني – وهم الذين يُلحدون بعد قطع مراحل من التعليم الديني – في دعوتهم من ظلمات الزيغ إلى نور الرَشَد عسر، إذ يخيل إليهم أنهم عرفوا ما يعرفه الدعاة ولم يجدوه موصلاً إلى حق، وهذا التخيل يبعدهم عن الاصغاء إلى الدعوة، وإذا أصغوا إليها فإنما يقصدون في غالب أمرهم استكشاف موضع ضعف يهاجمونها منه.
وهذا الصنف أشد ضرراً على الأمة من الصنف الأول، إذ الصنف الأول قد يكون إلحاده مقصوراً عليه، وإن قام بالدعاية إلى الإلحاد فإن الناس لا يستمعون إليه، إذ هو محمول على الجهل بحقائق الدين وأصوله، أما ذاك الذي خرج لهم في زي رجال الدين، أو يذكر أنه درس الدين حتى انتهى إلى غاية بعيدة، فكثيراً ما يغرُّ الغافلين من الشباب أو العامة، إذ سبق إلى أذهانهم أنه تكلم على بيِّنة، ولا ينتبهون لما يحمل في صدره من زيغ، ولا لما يضمر في نفسه من أغراض دنيئة.
أقول هذا أيها الشباب الناهضون لأذكركم بأنك ستلاقون شباناً سرى إليهم وباء الإلحاد والإباحية من اتصالهم بنفر أو عرَف بطرق المكر أو أبرع في صناعة البيان، فخذوهم بالحكمة والرفق وسعة الصدر عند المناقشة، فإنكم تدعون إلى الحق، وللحق ضياء ينكشف إزاءه كل باطل وإن خرج في ثوب مستعار من الحق.
وأنكم ستلاقون فئة ممن يدَّعون أنهم درسوا الدين وهم زائغون عن سبيله، وقد يجنحون بكم إلى طريقة (التأويل) الفاسد، فازدروا أقوالهم، وارموا في وجوههم بالحجة ولا تهابوهم ولو لبسوا العمائم، فإنها قد تنصب على رؤوس لا تفكر إلا في وسائل المكر بالدين الحنيف، وهذه الخيانة تكسبهم ضعفاً، وتجعل مسالك القول أضيق عليهم من سَمِّ الخياط، فلا يقفون لجدالكم إلا بمقدار ما يعرفون قوة إيمانكم وثبات أقدامكم.
وإنكم ستلاقون فئة باض اليأس من الإصلاح في قلوبهم وفرَّخ، ويصارحون بأن الدعوة إلى الحق، في هذا العصر، من قبيل النقش في الماء، أو الضرب في حديد بارد، فإن تعذر عليك اقتلاع هذا اليأس من نفوسهم، فاعلموا أن خلف يأسهم جبناً، ولا خير لك في محادثة الجبناء.
وإنك ستمرون بأشخاص مردوا على التهكم والاستهزاء، فيهمسون في الآذان، ويتغامزون بالأعين، وكذا كان أمثالهم يستهزئون بالدعاة إلى الخير، فيجدون من الدعاة إخلاصاً وثباتاً يذهب كل استهزاء من حولها لاغياً، فدعوا المتهكمين والمستهزئين في هزلهم، وامضوا في سبيل دعوتكم إلى الحق والفضيلة؛ فستجنون بتأييد الله تعالى ثمرتها، وتحمدون عاقبتها، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
(المصدر: مجلة الفتح / رابطة العلماء السوريين)