باب الرحمة.. حيث يبحث الاحتلال عن موطئ قدم بالأقصى
سلسلة حديدية وقفل كانا كفيلين بتفجير الأوضاع مجددا في مكان أشبه بفوهة بركان، هو المسجد الأقصى، فبدأت نذر إشعال فتيل أزمة تعم أرجاء العالم الإسلامي تلوح في الأفق.
بدأت الأحداث الجمعة الماضي عندما أغلقت بوابة متواضعة تؤدي إلى باب الرحمة الواقع في الجدار الشرقي للمسجد الأقصى، أما الفاعل فكان شرطة الاحتلال على حين غفلة من الناس.
وصل الخبر صبيحة الأحد إلى رواد شبكات التواصل الذين كانوا على موعد مع صور البواب المغلقة بالسلاسل، فتداعوا لإقامة صلاة الظهر هناك، ثم قرروا إزالة البوابة والأقفال ونجحوا في ذلك.
وخلال دقائق، داهمت قوات كبيرة من شرطة الاحتلال المكان، وشنت حملة اعتقالات بين المصلين، كما أغلقت قوة أخرى أبواب المسجد المؤدية إلى البلدة القديمة في القدس ومنعت الدخول والخروج.
تحد وتدخل
يرى مقدسيون في إغلاق الباب تحديا واضحا لمشاعرهم، ومحاولة اقتطاع جزء من مسجدهم وتحويله إلى كنيس، في حين ترى دائرة الأوقاف التابعة للأردن في الخطوة تدخلا مباشرا في شؤون المسجد الذي تتولى إدارته نيابة عن الأردن، بما يخالف كافة ما هو متفق عليه، ومحاولة لتغيير الأمر الواقع المستمر منذ عام 1967.
لم تنته المعركة يوم الأحد، وواصل الفلسطينيون إقامة صلواتهم قبالة الباب المستهدف، رغم إعادة البوابة ووضع دائرة الأوقاف قفلا صغيرا، أما الهدف فهو التأكيد على هوية الباب ورفض إغلاقه ومحاولات تحويله إلى كنيس.
وبدأ استهداف باب الرحمة منذ احتلال القدس عام 1967، عندما طلب وزير الدفاع الإسرائيلي في حينه موشيه ديانمن الشيخ حلمي الأعرج فتح باب الرحمة، فكان رد الشيخ أن “اذهب أنت بقواتك وافتحه إن استطعت”.
وفي عام 2000، ومع انطلاق شرارة انتفاضة الأقصى اشتد الاستهداف، فحاول الاحتلال إخراج لجنة التراث منه بذرائع أمنية، ثم أغلقت شرطة الاحتلال مبنى يقع قرب الباب ويضم قاعة ومكاتب في عام 2003، ثم أيدت محكمة إسرائيلية في سبتمبر/أيلول 2017 أمر الإغلاق.
المقدسيون يُفشلون مخطط الاحتلال لإغلاق باب الرحمة (الجزيرة) |
مزاعم الهيكل
ويستخدم الاحتلال جماعات المعبد رأس حربة في إدارة هذا الصراع، للقول إن خطواته لتهويد الأقصى هي استجابة لمطلب شعبي وليست مبادرة من قبل دولة الاحتلال.
يذكر الباحث رضوان عمر في رسالة ماجستير ناقشها قبل أيام أن بابي الرحمة والتوبة أغلقا في عهد الخليفة عمر بن الخطاب حماية لأمن المسجد، لكن الصليبيين استخدموه لاحقا، ثم أغلقه صلاح الدين الأيوبي حتى اليوم.
ويزعم المستوطنون أن باب الرحمة كان يستخدم مدخلا رئيسيا للهيكل المزعوم، ويقفون في مواجهته في كل اقتحام كأنهم سيدخلون من خلاله إلى ما يسمونه “قدس الأقداس”، وتصب هذه المخططات في نوايا تقسيم المسجد وضم باب الرحمة والمساحة المهجورة حوله إلى سيطرتهم.
وظلت منطقة باب الرحمة ومحيطها لسنوات دون تنظيف أو تأهيل حتى جاءت 27 رمضان من العام الماضي، فبادر متطوعون إلى تنظيفه وتأهيله للصلاة ضمن حملة شعبية عنوانها “باب الرحمة إلنا”، لكن سارع الاحتلال إلى إجراءات لإفساد الوضع الجديد واقتلع الأشجار وخرّب الساحات التي تم ترميمها، وأقام نقطة مراقبة.
صلاة الظهر أمام باب الرحمة احتجاجا على إغلاقه (الجزيرة) |
هكذا يبدأ التهويد
وفي ورقة تقدير موقف لمؤسسة القدس الدولية صدرت في حينه، استعرض الباحث زياد بحيص مجموعة الإجراءات الإسرائيلية الهادفة إلى السيطرة على منطقة باب الرحمة، ومنها: التركيز عليها كمساحة أساسية لنشاط المقتحمين وأداء شعائرهم، ومنع إخراج الردم المتراكم، ومناقشة سابقة (عام 2013) في أوساط حزب الليكود لخريطة تشير صراحة إلى اقتطاع المساحة الموازية لباب الرحمة كصالة دائمة لليهود.
ولا يستبعد الشيخ عكرمة صبري رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس وخطيب المسجد الأقصى تصاعد التوتر واتساع رقعة المواجهة مع الاحتلال الذي يبحث عن موطئ قدم له في المنطقة الشرقية من الأقصى.
وعبر عن رفض شديد لأي إجراء يقوم به الاحتلال، مؤكدا أن “الهدف لم يعد كسر السلاسل، وقد كسرت، وإنما إعادة باب الرحمة مصلى كما كان، وإشغاله والاستفادة منه، لا أن يبقى مهجورا”.
كما قال خطيب الأقصى للجزيرة نت إن التعويل اليوم هو على الذات وعلى المصلين والفلسطينيين في القدس “وليس على البلاد العربية”.
(المصدر: الجزيرة)