مقالاتمقالات مختارة

العلماء أمناء الله على خلقه

العلماء أمناء الله على خلقه

بقلم أ. آمنة فداني المقرية

إن البناء الحقيقي للفرد في أي مجتمع لا يمكن أن يكون سليما معافى إلا إذا سلمت أساساته من الداخل، وعندها يسلك السلوك القويم في الحياة.

إن المكلفين بهذا الدور المهم هم العلماء والمصلحون، فهم ورثة الأنبياء، وفضلهم على العابد كما بين السماء والأرض، فهم بذلك أمناء الله على خلقه، لقوله تعالى في سورة العنكبوت/43:{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}.

إن من واجب العلماء والصلحاء القيام بدورهم في تحقيق مشيئة الله، فهم دائما يقدمون القدوة الحسنة للبشرية، فحياة الإنسان إذا تشبعت بالإيمان والإخلاص تصبح ذات قصد ومعنى.

من الهيئات التي كانت وما زالت رائدة في هذا المجال التربوي التعليمي الإصلاحي رجالات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين فهم أقدم مدارس كفئا ورسخا في العلم والدين بمنهج وسطي معتدل، فحيثما اتجهت وتأملت في أفكارهم وجدتها كلها تحث على هذا الجانب، فهذه المدرسة العريقة التي كانت ولا زالت تعتبر الأمية مرض خطير إن بقيت سعت لإزاحة غيوم الجهل عنها، فتطوير البلاد وإنقاذها لا يكون إلا بالعلم والمعرفة.

وصدق مؤسس هذه المدرسة الأم عبد الحميد بن باديس عليه رحمه الله حين قال:”لن يصلح المسلمون حتى يصلح علماؤهم، فإنما العلماء من الأمة بمثابة القلب إذا صلح صلح الجسد كله…”.

لقد كان لهذا الرجل المصلح الدور الكبير في تنوير عقول الناس، فقد كان يقضي بياض نهاره وسواد ليله في خدمة أمته ووطنه.

قال الدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في مجلة الوحدة العدد 615 لشهر أفريل 1993 في قراءة فلسفية لمنهج ابن باديس “فنحن عندما نكون منصفين بين إرث الرجال فمنهج ابن باديس يفرض نفسه علينا لأنه قاعدة انطلاقتنا الأولى نحو بناء الدولة الجزائرية الحديثة بثوابتها…”.

إن العلماء دائما يلتقون مهما تباعد الزمان وتباين المكان لأنهم يقتبسون من مشكاة واحدة، لأن أجواء الأفكار الأصيلة كأجواء النبتة الأصيلة فهي جوهر كل حضارة أقامها الإنسان على هذه المعمورة.

غيب الموت في مثل هذا الشهر 08 فبراير 2015 أبرز الشخصيات من مسرح العلماء عالم من أعلام الإصلاح والوطنية في الجزائر وعمود من أعمدة جمعية العلماء الشيخ محمد لكحل شرفاء عليه رحمة الله، هذا الرجل الصالح الذي كانت إقامته في هذه الدار الفانية من يوم 18فبراير 1925 وغادرها إلى الدار الباقية يوم 08 فبراير2015، رئيسا شرفيا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين نقف وقفة تأمر قصيرة في حياة الرجل، حيث تخرج من مدرسة ابن باديس التي تعتمد على المنهج العقلي الإصلاحي، اعتمد التربية والتوجيه مسلكا، حاملا لكتاب الله عز وجل، مدافعا عن ثوابت الأمة الجزائرية، كثير الحضور في ملتقيات الفكر الإسلامي داخليا وخارجيا، وكان من أبرز خطباء نادي الترقي بالعاصمة نصح الشيخ محمد مبارك الميلي العلماء البارزين أن يعنوا بتحرير المقالات الراقية في صحفهم قائلا:”على شباب العلماء أن يتقدموا إلى ميدان الكتابة” وهذا ما اقتدى به الشيخ محمد الأكحل شرفاء حين اختص بركن جريدة البصائر (في رحاب القرآن) ولم يكتف الرجل بالكتابة بل اختص في تقديم دروس توعوية تربوية في عدة مساجد بالعاصمة، ونخص بالذكر مسجد أبي حنيفة النعمان بالمقرية، حيث يكنون له كل الحب والاحترام والتقدير نظير ما قدمه من توجيهات ونشرا للوعي وصدق اللهجة.

ترك فراغا وحزنا عميقا بين سكانها فهم بذلك لم ينسوا مقولته المشهورة (مقرية الخير) فرد عليه أهلها (المقرية كلها شرفاء).

لذا فعلى شباب الأمة أن يوقروا علماءهم وينزلوهم المنزلة التي أمر بها الله سبحانه وتعالى مع الحرص على الاستفادة من تراثهم وأفكارهم نسأل من الله عز وجل أن يوفقنا لبذل جهود للاقتفاء بأثرهم خدمة لهذا الوطن المعطاء.

عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:”فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم” ثم قال الله صلى الله عليه وسلم:”إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير” رواه الترمذي حسن.

تغمدهم الله برحمته الواسعة وأسكنهم فسيح جناته وجمعنا الله وإياهم في جنة النعيم إنه سميع مجيب.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى