وتبقى الشعوب رافضة للتطبيع مع المحتل الصهيوني
بقلم عبد الحميد عبدوس
مازالت فضائح الحكام العرب وتصرفاتهم المخزية في حق أمتهم وكرامة شعوبهم تتابع، وقائمة العار المفتوحة تتوسع، فبعد الحضور الذليل لسفراء دول عربية ( الإمارات وسلطنة عمان والبحرين) في حفل الاغتصاب الأمريكي الإسرائيلي للحقوق الفلسطينية أثناء إعلان الرئيس الأمريكي عن منح القدس كاملة موحدة لدولة الاحتلال الصهيوني، وقبل أن تخف مرارة الإعلان عن صفقة القرن التي كانت يوم الثلاثاء 28 جانفي 2020، كشف يوم الاثنين 3 فيفري الجاري، رئيس حكومة تسيير الأعمال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو عن لقاء جمعه بأوغندا برئيس مجلس السيادة السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان، وقال مكتب رئاسة الوزراء الإسرائيلية، إن نتنياهو والبرهان، اتفقا على بدء تعاون يقود نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان.
بعد هذا الخبر الصادم بيوم واحد، ذكر موقع (أكسيوس) الإخباري الأمريكي نقلا عن مصادر إسرائيلية وأمريكية يوم الثلاثاء 4 فيفري أن إسرائيل تجري محادثات مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اتفاق من شأنه أن يجعل الولايات المتحدة تعترف بسيادة المغرب على منطقة الصحراء الغربية، مقابل أن تتخذ الرباط خطوات نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
ولأن المصائب لا تأتي فرادى، كما يقال، فبعد ثلاثة أيام من الكشف عن هذه المقايضة الثلاثية القذرة ـ إن صح الخبرـ بين أمريكا وإسرائيل والمغرب القائمة على انتهاك القانون الدولي والخروج على مقررات الشرعية الدولية، ومصادرة حقوق الشعوب المحتلة من خلال اعتراف أمريكي بسيادة المغرب على أراضي دولة محتلة هي الصحراء الغربية، مقابل اعتراف مغربي بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية التونسية يوم الجمعة 7 فيفري قرار إعفاء المندوب الدائم للبلاد لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، المنصف البعتي، لاعتبارات مهنية بحتة، فيما قالت مصادر في الأمم المتحدة أنه قدم دعما كبيرا للفلسطينيين يهدد بإفساد العلاقة بين تونس والولايات المتحدة. وكان السفير التونسي المنصف البعتي، دبلوماسيا محنكا من ذوي الخبرة ويحظى بتقدير نظرائه، وتم انتخاب تونس في الفاتح جانفي 2020 عضوا غير دائم في مجلس الأمن.
وقالت مجلة (فورين بوليسي) الأمريكية استنادا إلى دبلوماسيين في الأمم المتحدة أن قرار الرئيس التونسي كان محاولة منه لتفادي ضربة كبيرة في علاقة بلاده مع الولايات المتحدة في بداية فترته الرئاسية، والغريب في الأمر أن الرئيس التونسي أكد دعمه المطلق للقضية الفلسطينية في كل المناسبات، وقد وصف خطة صفقة القرن المعلنة من طرف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بحضور شريكه في الجريمة نتنياهو الإدارة الأميركية “بمظلمة القرن”، مؤكدا أنها “خيانة عظمى”.
وإذا كانت الجزائر بلد المليون ونصف مليون شهيد ما زالت قلعة صامدة في وجه التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، وواقفة كعادتها مع فلسطين ومدافعة عن حقوق الشعب الفلسطيني كاملة غير منقوصة وغير قابلة للتنازل والتقادم في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، فإن أغلب دول منطقة المغرب العربي بدأت تتهاوى تباعا وتستسهل طعن القضية المركزية للعرب والمسلمين وخيانة الميثاق القومي.
وقبل هذا تحولت منطقة الخليج العربي بصفة علنية ورسمية إلى مركز للتطبيع، ففي أقل من أسبوع (من 26 إلى 29 أكتوبر 2018) احتضنت كل من قطر، وسلطنة عمان، ودولة الإمارات العربية، وفودا سياسية ورياضية رسمية إسرائيلية، وعزف النشيد الإسرائيلي، ورفع العلم الإسرائيلي في سماء إمارة أبو ظبي.
وفي اكتوبر 2018 حظي رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستقبال ملوكي من طرف حاكم سلطنة عمان الراحل السلطان قابوس بن سعيد، حتى أن الإسرائيليين اندهشوا من حجم الحفاوة في الاستقبال الذي تلقاه نتنياهو والوفد الكبير الذي رافقه في زيارته لسلطنة عمان، رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية سابقة بين إسرائيل وسلطنة عمان.
وفي اليوم التالي لزيارة نتنياهو للسلطنة، دعا وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي أعضاء مجلس التعاون الخليجي إلى الاعتراف بـ(إسرائيل)، وهذا ما جعل زعيم حزب البيت اليهودي يقول:” إن زيارة نتنياهو إلى عمان تعتبر اختراقا سياسيا جوهريا في المنطقة، وجزءا من الاستراتيجية الإقليمية لدولة إسرائيل، ودليلا على أنه يمكن بناء علاقات واتصالات دون تقديم تنازلات عن أراضي إسرائيلية…”.
حقيقة لم تعد إسرائيل في زمن الانبطاح الرسمي العربي، معنية بمعادلة الأرض مقابل السلام، ولم تعد مبادرة السلام العربية التي صادق عليها كل العرب في بيروت سنة 2002 والتي تقوم على استرجاع الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية والعربية باعتراف إسرائيل بدولة فلسطينية مستقلة في حدود 1967 مقابل تطبيع عربي شامل مع إسرائيل قابلة للحياة.
وفي المملكة العربية السعودية ارتفع بدرجة ملحوظة ترمومتر دفء العلاقة مع إسرائيل، وأصبحت العلاقة ذات بعد استراتيجي بين حكام السعودية وإسرائيل، وفي أفريل 2019 قال الرجل القوي في السعودية الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي في اجتماع مع قادة الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة “يحتاج الفلسطينيون إما إلى قبول اقتراح ترامب (صفقة القرن) أو التوقف عن الشكوى”، وبعد ذلك بفترة وجيزة، قال في مقابلة مع مجلة (ذا أتلانتيك)، إنه يعترف بحق الشعب اليهودي في وطنه وأرضه.
وهكذا، فبعد حوالي 40 سنة على انطلاق قطار التطبيع مع الكيان الصهيوني من القاهرة بعد توقيع اتفاقية سلام بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيغن، صارت العديد من الحكومات العربية ترى المقاطعة مجرد كلام فارغ وشعارات جوفاء وتتعامل في العلن ـ بحجج مختلفة ـ مع الكيان الصهيوني رغم الرفض الشعبي العربي لخطوات التطبيع، ومازالت قائمة المطبعين والمهرولين العرب للارتماء تحت الهيمنة الإسرائيلية والنفوذ الصهيوني مفتوحة وتتوسع مع مرور الأيام.
ولكن ما يقلق المحتلون الإسرائيليون وحماتهم الإمبرياليون الأمريكيون هو أن الحكام غير خالدين فهم يأتون ويذهبون ويتساقطون وتبقى الشعوب رافضة للتطبيع ومتمسكة بقيم أمنها وثوابت دينها التي تُحَرِّم موالاة الأعداء والركون إلى الظلمة.
(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)