دعاة الفضائيات.. فكر دعوي جديد أم تحطيم لثوابت الأمة؟!
بقلم وليد حاجي
طفت أسماء ووجوه كثيرة خلال السنوات الأخيرة في الساحة الإعلامية العربية، شباب، كهول، وشيوخ، لبسوا عباءة الداعية.. برامج تلفزيونية يُخَصص لها أصحاب القنوات الفضائية مئات الساعات من برامج البث وميزانيات ضخمة كل سنة.. دُعاة احتلوا المشهد الإعلامي وكسبوا شهرة واسعة كسرت الحدود الموجودة بين الدول العربية. أما شهر رمضان الفضيل يُعتبر موسماً خصباً لرواج مثل هذه البرامج، فهل يدفع أصحاب المؤسسات الإعلامية مالاً لخدمة الدين وللمساهمة في صلاح المجتمع ووضع الفرد على الصراط المستقيم؟ أو أن خلف هذه البرامج أجندة ونية مبطنة؟
استخدمت الأنظمة السياسية الدين عبر التاريخ كوسيلة للتحكم في الشعوب والأفراد ولكبت جموحهم، وطالما استعملت رجال الدين لضمان بقائها ولتغليط الرأي العام وللترويج لفكرة قدسية الحاكم، ولأن الإعلام سُلطة رابعة فهو أيضاً يخضع للمعايير نفسها التي تخضع لها السُلطة السياسية. فالمؤسسة الإعلامية تُشبه إلى حد بعيد القصر الرئاسي لا يمكن أن يدخلها مُعارض لخطها التحريري أو لفكر مُلاكِها. وفي حديثنا عن دعاة الفضائيات فهؤلاء أشخاص يقعون كغيرهم من الإعلاميين تحت سُلطة الإعداد وبرامج المونتاج ومقصلة نسب المشاهدة.
فالبرامج الدينية رغم خصوصيتها تحولت في ثوبها الجديد إلى برامج تهدف إلى الإثارة وجلب المشاهد بمواضيع كثيراً ما تصل لدرجة الطابوهات، دُعاة بألبسة عصرية لماركات عالمية، ولا يحفظ السواد الأعظم منهم كتاب الله. ألغوا الصورة النمطية لرجل الدين في الإسلام، وحولوا الشاشة الصغيرة إلى مِنبر للدعوة والفتوى، يناقشون قضايا الدين وتاريخه، يخضون في مسائل مثيرة للجدل، يتنافسون حول عدد المعجبين في وسائل التواصل الاجتماعي، ثم يجلسون مع من شرعوا لهم أبواب القنوات الفضائية يتفاوضون حول القِيم المالية لعقودهم.
قديماً كان المُسلم يأخذ دينه من خُطب المساجد ومن كتب الدين ومن دروس الشيوخ والعلماء والأئمة، ومن جهده الشخصي في البحث والتنقيب في أسرار الدين الحنيف. كما كانت رسالة الداعية في الإسلام مجانية وغنية عن كل مال أو جاه أو منصب، أما اليوم فتحول الدين إلى بضاعة رائجة في المشهد الإعلامي العربي، قد تُخصص له قناة كاملة كاستثمار إعلامي يدر الأموال على أصحابه. الغريب هنا أن المُشاهد يرسم عادةً صورة مثالية لدعاة الفضائيات، فيتتبع خطاهم ويُحوّل آراءهم إلى عقائد ومسلمات لا تقبل النقاش، وهنا تبرز خطورة الإعلام في تشكيل الرأي العام وبناء الأفكار والتوجهات.
ونظراً لحساسية الدين فقد تتحول هذه البرامج إلى مصدر لبث السموم وزرع الشكوك والشوائب في عقيدة أمة بأكملها، فصاحب الوسيلة الإعلامية لا يضع البرامج الدينية ومقدميها في ميزان خدمة الدين كنية خالصة، بل يعتبر نِسب المشاهدة وما يمكن أن تُقدمه من شهرة للقناة ومن عائدات مالية المقياس الوحيد للمراهنة على برنامج ديني في شبكة البرمجة. دُعاة الفضائيات ظاهرة تستحق دراسة نفسية واجتماعية، لأنهم أنتجوا فِكراً دعوياً جديداً لا يستند للعلم والدلائل الشرعية، بل كل زادهم معلومات بسيطة في الدين معظمها من الإنترنت وديكورات وأستديو هات وكاميرات..
فتاوى غريبة وتأليف على الدين الإسلامي، تضليل وتدليس وتحطيم لثوابت الأمة كلها طُرق سهلة للشهرة وللوصول إلى لقب داعية إعلامي. ويُرجع العديد من المختصين والباحثين ضياع الهوية الدينية للشباب المسلم وانتشار الإلحاد لهؤلاء، الذين صدموا الكثيرين في دينهم. دُعاة معظمهم برتبة خريجي سجون يدخلون بيوت الناس من بوابة الإعلام وقد ألفوا الصعود فوق سلم الشبهات، ينتقون المواضيع بهدف زعزعة ثوابت الدين لدى المُشاهد، مسخ ثقافي وضرب للهوية الدينية وخطة شيطانية مأجورة تستدرج أجيالاً من أبنائنا في صمت. وإذا كان من يطلقون على أنفسهم لقب دعاة يؤكدون على ضرورة تجديد الخطاب الديني، فيجب أن يعرف هؤلاء أن الدين ليس فَناً أو قانوناً بشرياً يجب أن يُجدَد مع كل فترة زمنية، فالدين له ثوابت لا تتغير لا بالزمان ولا بالمكان، ومن يخوض فيه لابد أن يكون صاحب علم ومعرفة وليس من صُنع الإعلام والبروباغندا.
(المصدر: مدونات الجزيرة)