مقالاتمقالات مختارة

الأحاديث والرسائل الموضوعة… حرب على المسلمين وإفساد لأخلاقهم

الأحاديث والرسائل الموضوعة… حرب على المسلمين وإفساد لأخلاقهم

بقلم كارم الغرابلي

أرسلها لعشرة أو أكثر وانتظر معجزة تحصل لك بعد دقائق، وإن لم تفعل فانتظر مصيبة في أبنائك، (مَن شمَّ الورد الأحمر ولم يصل عليَّ فقد جفاني)، (الجوع كافر، وقاتله من أهل الجنة)، تلك نماذج ورسائل وأحاديث يتداولها كثير من الناس في منشوراتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بدعوى أنها منقولة عن النبي عليه الصلاة والسلام دون التثبت من صحتها أو حقيقتها، والهدف تخويف وتحذير البعض من أمر خطير لا أصل له، أو الترغيب في شيء، وهو أمر لا يصح عن النبي صلى الله وعليه وسلم.

ولجهل الكثيرين بسنة النبي صلى الله وعليه وسلم والنقل دون التأكد، لاقت العديد من هذه الأحاديث والرسائل المنشورة قبولاً واستحساناً عند البعض، مما ساهم في مساعدة ومساندة الأعداء ومن يحاربون دين الله في مشارق الأرض ومغاربها، بقصد أو بغير قصد في الحرب التي تُشن على الإسلام وأهله.

فماهي مخاطر نشر مثل هذه الأحاديث والرسائل وعدم التثبت من صحتها أو حقيقتها؟ وهل هناك علامات تشير إلى صحتها أو ضعفها؟ وما موقف الإسلام ممن يعينون الناس على نشرها دون التثبت؟ وما آثار ذلك على المجتمع؟

يشار إلى أن علماء المسلمين اعتنوا عبر مراحل التّاريخ المختلفة بجمع الأحاديث النّبويّة، فكان كثير منهم يبذل جهداً كبيراً في سبيل أن يسمع من رجل يحفظ حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ولو قطع في سبيل ذلك آلاف الأميال.

وقد تمخّضت جهودهم في إخراج كتب موثوقة للحديث الشّريف اعتمدت على معايير وأسس في التّثبّت من الأحاديث الشّريفة، حيث شكّلت تلك الكتب مرجعاً قيّماً للمسلمين في جميع البلاد الإسلاميّة.

أنواع الأحاديث:

د. أحمد عودة: من ينشر ويتداول الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ولم يبذل جهداً في التحقق من صحتها، يدخل ضمناً في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ)

الدكتور “أحمد عودة” -أستاذ مشارك في كلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية- قال: “إن الأحاديث تنقسم إلى ثلاثة أقسام وفقاً لتصنيف علماء الأحاديث الشريفة فمنها أحاديث صحيحة، وأحاديث حسنة، وأخرى ضعيفة”.

وأشار الدكتور عودة في حديث لـ”بصائر”: “إلى أن الحديث الصحيح هو الذي اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله من ابتداء السند إلى منتهاه من غير شذوذ أو علّة، أما الحديث الحسن الذي يكون بمقام الحديث الصحيح، لكن اختلّ فيه شرط من شروط صحّة الحديث، لكنه يكون اختلالاً مقبولاً ليتم الأخذ بصحّة الحديث، فيقبله العلماء أكثرهم”.

ولفت إلى أن النوع الثالث من الأحاديث هو الضعيف، والذي اختلّ فيه أحد شروط الحديث الصحيح أو الحسن، وتختلف درجة ضعفه باختلاف اختلال الشروط، ويقسّم إلى نوعين أساسيين هما: حديث ضعيف لا يمنع العلماء العمل به، وحديث ضعيف ويجب تركه وعدم العمل به.

وتكمن أهمية الحديث النبوي بأنه المصدر الثاني للتشريع بعد القرآن الكريم، ومصدر أساسي من مصادر التشريع، وفق عودة.

والحديث النبوي يشرحُ القُرآن الكريم ويُبيّنهُ للناس، ويوضّح الأحكام والقوانين من حيث الحلال والحرام وغير ذلك، والعُلماء أعطوا الحديث النبويّ الشريف أقصى درجات الاهتمام والدراسة ، حيث تم تأسيس ما يعرف بعِلم الحديث، والذي من خِلاله يتم معرفة درجات الحديث من حيث الصحّة والضَعف، وغير ذلك الكثير من درجات وتصنيفات الحديث.

وحذّر عودة من الترويج أو نشر الأحاديث والرسائل الموضوعة والمكذوبة، والتي لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، مستدلاً بقوله صلى الله وعليه وسلم: (مَن حَدَّثَ عَنِّي حَدِيثًا يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الكَاذِبَيْن) (رواه أحمد وغيره)، وقوله: (مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَليَتَبَوَّأ مَقعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (رواه الشيخان).

وقال: “ولذلك من ينشر ويتداول الأحاديث الضعيفة والمكذوبة ولم يبذل جهداً في التحقق من صحتها يدخل ضمناً في هذه الأحاديث”.

شروط:

وحول إمكانية الاستدلال ببعض الأحاديث الضعيفة، أشار الدكتور “رأفت نصار” -أستاذ الحديث الشريف بالجامعة الإسلامية- إلى إمكانية الاستدلال ببعضها من باب الترغيب بالخير، والترهيب من الشر، ولكن بشروط اتفق عليها العلماء.

د. رأفت نصار: أعداء الإسلام وبعض الزنادقة وأصحاب الأهواء، وبعض علماء السوء، والقصاصون الذين أرادوا أن يفسدوا أخلاق المسلمين والمجتمع، لهم دور كبير في وضع والترويج لمثل هذه الأحاديث

وأول هذه الشروط وفق الدكتور “نصار” في حديثه لـ “بصائر”: “ألا يكون الحديث المتداول شديد الضعف، فإن اختل هذا الشرط وكان الضعف شديداً ولم يكن له أصل، فإنه لايجوز روايته أو ذكره”.
وأما الشرط الثاني قال “نصار”: “يجب أن يكون الحديث مقبولاً وله أصل ثابت، خاصة في قضايا العقيدة الإسلامية وكل ما يتعلق بالأحكام”.

وأضاف: “وأما الشرط الثالث: لا يصح الاعتقاد بأن الحديث هو من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو ضعيف؛ لأن ذلك نوعٌ من الكذب عليه، وإظهار أن النبي كان ضعيفاً”.
وحول كيفية الاستدلال بصحة الأحاديث أو ضعفها، أوضح أن هناك بعض الأمور التي تتعلق براوي الحديث، فإن كان معروفاً عنه وضع أحاديث مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيلغى حديثه مباشرة، ولا يجوز تداوله وقبوله.

وقال: “يجب ألا يكون هناك أي تعارض حقيقي بين الحديث المذكور والقرآن الكريم، أو بين حديث صحيح وآخر حقيقي -مضيفاً- يمكن للناس معرفة الأحاديث الضعيفة والموضوعة بكل سهولة بالنظر في أسانيد الرواية ومعرفة حال رجالها”.

العلماء ودورهم:

وبالعودة للدكتور “أحمد عودة”، فقد شدّد على: “أن المعرفة بالأحاديث الصحيحة أو الموضوعة فرض كفاية، ويجب على العالم معرفة الأحاديث الموضوعة حتى لا يستشهد أو يستدل بها، ومن ثم يعلّمها للناس ، ويوضّح لهم صحيح الأحاديث من سقيمها؛ لتجنب الوقوع في الشرك”.

وأشار إلى: “أن العلماء كان لهم جلسات علمية؛ لتوعية الناس حول الأحاديث الموضوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكان هناك جهابذة لتنقية العلم والدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم -لافتاً إلى- أهمية دور العلماء في توعية الناس حول خطورة هذه الأحاديث على المجتمع والإسلام، ويجب متابعة حقيقة من يروجونها”.

وربما يتساءل البعض: “من الذي أوجد الأحاديث المكذوبة والموضوعة؟ وما الهدف من وراء ذلك؟ وما تأثير ذلك على المجتمع المسلم؟

يجيب الدكتور “نصار”: “أن أعداء الإسلام وبعض الزنادقة وأصحاب الأهواء، وبعض علماء السوء، والقصاصين الذين أرادو أن يفسدوا أخلاق المسلمين والمجتمع، وأن يفسدوا على الناس دينهم، كان لهم دور كبير في وضع مثل هذه الأحاديث؛ لتحقيق بعض أهدافهم”.

وأشار إلى: “أن من بين هذه الأهداف تشويه صورة المسلمين وسنة النبي صلى الله وعليه وسلم، وبث الفرقة والخلاف بينهم، ونصرة مذاهبهم وأهوائهم الشخصية، إلى جانب الكسب والاسترزاق من خلال إرضاء بعض الملوك والحكماء بإصدار فتاوى كاذبة تحقق مآربهم وأهدافهم السياسية”.

ولفت “نصار” إلى: “خطورة تداول مثل هذه الأحاديث والرسائل التي تسيىء للإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والانشغال بترويجها ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تشويه صورة المسلمين، وايقاع الناس في الشرك، وترويج الشائعات والأكاذيب للطعن في دين الإسلام والنبي عليه الصلاة والسلام”.

وأوضح: أن مثل هذه الأحاديث والرسائل تلعب دوراً كبيراً في نشر البدع والخرافات والتفرقة بين المسلمين ، وإبعاد الناس عن العبادة والصلاة، وتحريم أشياء من المباحات، وتغيير سنة النبي صلى الله وعليه وسلم.

ودعا كل من “نصار” و”عودة” كل من يتداول الأحاديث والرسائل المكذوبة وترويجها عبر وسائل التواصل الاجتماعي بالتوبة والرجوع إلى الله، وإرشاد الناس الذين دلّهم على بعضها بتبيان درجتها وحقيقتها، والمواظبة على القراءة في الكتب التي تحتوي على الأحاديث الصحيحة كـ”رياض الصالحين”، وتجنب القراءة في الكتب ذات الأحاديث غير الموثوق بها، والتي تكثر فيها الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى