الخوارج والقرآن | بقلم د. إبراهيم السكران
الخوارج والقرآن[ 1 ]
معروف تاريخياً أنّ الخوارج قاموا على الناس يطلبون تحكيم كتاب الله في الناس، كما قال ابن تيمية: “وأصل مذهب الخوارج تعظيم القرآن وطلب اتّباعه”، وقال أيضاً: “الخوارج لم يكونوا زنادقة بل كان قصدهم اتباع القرآن”[ 2 ]. ومع ذلك سفكوا الدماء، وبقروا البطون، وكفّروا خيار المسلمين وفضلاءهم، وكان شرّهم على أهل الإسلام أعظم من خطرهم على أهل الأوثان.
فهل يمكن أن يقول الباحث الموضوعي: أنّ الخوارج هم امتداد للقرآن وتطبيق له وأثر من آثاره باعتبار أنّ كثرة الاستشهاد دليل على الامتداد؟!
وهل يمكن أن يقول شخص: كيف نتساءل عن سبب خروج الخوارج وهم يحتجون بالقرآن؟ فمؤكد أنّ القرآن هو سبب غلوهم؟!!
لا، قطعاً، فليس في من يُظهِر الإسلام من يقول بذلك، وإن كان قد يعتقده في الباطن مَن فيه نفاق يواريه، بل جميع من يُظهِر الإسلام كالمتفقين على أنّ ما يزعمه الخوارج من القيام بالقرآن وتعظيمه والعمل به والتشوّف لتحكيمه، أنّه غلط في الفهم وسوء في التصور وخطأ في الاستدلال وجهل حاد، كما قال الإمام ابن تيمية: “وصار الخوارج يتتبعون المتشابه من القرآن، فيتأولونه على غير تأويله، من غير معرفة منهم بمعناه، ولا رسوخ في العلم، ولا اتباع للسنة، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن”[ 3 ].
ولفت ابن تيمية الانتباه إلى إشارة النبي -صلى الله عليه وسلم- المسبقة إلى مسألة: “غلط الفهم” عند الخوارج فقال: “فإنّ الخوارج لم يكونوا زنادقة منافقين، بل كان قصدهم اتباع القرآن، لكن لم يكونوا يفهمونه، كما قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم)، فالمبتدع العابد الجاهل يشبههم من هذا الوجه”[ 4 ].
فإذا ثبت هذا، وهو أنّ القرآن بلغ الغاية في البيان والهدى والدلالة والإرشاد، ومع ذلك تأوّله الخوارج ووضعوه في غير موضعه بالغلط والجهل وسوء الفهم، حتى استحلّوا به دماء المسلمين، فكيف يستبعد أن يتأوّل بعض الغلاة المعاصرين بعض تراث وفتاوى أهل السنة ويضعها في غير موضعها ويسيء فهمها وتصورها وتنزيلها على الواقع؟!
ومن الجدير بالذكر: التنبيه إلى أنّ هذ الغلط في الفهم والجهل في التصوّر والاستدلال عند الخوارج لا يسلم من هوىُ ظاهر وخفي، ولذلك من حذق السلف سمّوهم “أهل الأهواء”، فالخوارج وإن كان يغلب عليهم التديّن بالباطل وقد يظهر منهم الصدق في القيام بالتكفير والقتال المنحرف، إلا أنّ من تأمّل سيرتهم استبان له دقّة السلف في تسميتهم “أهل الأهواء”، فيظهر عندهم أهواء كثيرة تمتزج بغلطهم في العلم.
ومن ذلك مثلاً: أنّ “نجدةَ بن عامر” لما وقع ابنه في مكفّر أحدث عندهم: “العذر بالجهل”[ 5 ]، وقايةً لابنه مما لم يكونوا يقبلونه سابقاً. كما أنّ فرقة الحسينية من الخوارج “يقولون بالإرجاء في موافقيهم خاصة”[ 6 ]، وهذه امتيازات حزبية باعثها هوى العصبية، وكان “قَطَري بن الفجاءة” يستخلف على جماعته رجلاً من قبيلته فشكوه وعاتبوه فكفّر من عاتبه فثارت بينهم الانشقاقات[ 7 ]، و”نافع بن الأزرق” أحدث تكفير من لم يهاجر إليه[ 8 ]، وهذا فيه طلب رياسة ظاهر، ونحو هذه الظواهر التي تؤكّد امتزاج الهوى بالغلط في الفهم عند النموذج الرئيسي للغلاة وهم الخوارج، وقد أشار الإمام ابن تيمية إلى هوى الرياسة عند بعض الخوارج[ 9 ].