مقالاتمقالات مختارة

تركستان الشرقية … ضحية القدر الجغرافي

تركستان الشرقية … ضحية القدر الجغرافي

بقلم عمر الدغيم

كانت ومازالت آسيا الوسطى موطن الأتراك الأصلي ومنها بدأت هجراتهم وحملاتهم التوسعية  باتجاه الغرب خصوصا، أسسوا الكثير من الدول قبل الإسلام وفي ظل الإسلام بعد أن اعتنقوه وأصبح دينهم الرسمي وعنصرا اساسيا في تكوين هويتهم الثقافية والقومية.

وكغيرهم من الملل والأمم فإنهم خضعوا لقانون ونظرية الحتم أو القدر الجغرافي التي تحدث عنها ابن خلدون وكونهم قد استوطنوا سهول آسيا الوسطى منذ القدم فإنه كان من قدرهم مجاورة الإمبراطورية الصينية غربا والروس شمالا ولطبيعتهم العسكرية التوسعية و هذا ما ينطبق أيضا على الإمبراطورية الصينية والقيصرية الروسية (فيما بعد) ونتيجة للتماس الجغرافي المباشر كان لابد من الصدام و الصراع الذي استمر لقرون طويلة كانت كفة السيطرة والقوة تتأرجح بين الأطراف المتحاربة فتارة تكون للأتراك من جهة وتارة تميل الكفة لصالح الصينين أو الروس.

استطاع الأتراك لمدة طويلة الحفاظ على استقلاليتهم في وسط هذا المحيط الخطر إلى أن الهجوم المغولي الكبير الذي اكتسح  القارة الأسيوية في القرن الثالث عشر ومع أن المغول غزوا الصين واحتلوا أراضي الروس أيضا إلا أننا نرى أن أكثر من تضرر من هذا الغزو هم الأتراك الذين ازدادت هجراتهم إلى الغرب بعد ان فقدوا الكثير من الضحايا في مقاومة المغول والتي اختتمت بنهاية الدولة الخوارزمية التي كانت تشكل الدرع الشرقي للخلافة العباسية.

بين فكي كماشة .. الدب الروسي والتنين الصيني

أدى الفراغ والانقسام في اسيا الوسطى إلى جعلها فريسة سهلة للإمبراطوريات المجاورة التى طردت المغول وتحررت من سيطرتهم  فخضعت أغلب دول اسيا الوسطى ككازخستان واوزبكستان وتركمانستان وغيرها للقيصرية الروسية ثم ألحقت بالاتحاد السوفياتي فيما بينما غزت الجيوش الصينية تركستان الشرقية وأحكمت قبضتها على تلك البقعة من الأرض إلى يومنا هذا بعد .. لم تستقر الأمور لم تستقر الأمور في تركستان الشرقية طبعا فشعبها كان يتوق ويطمح دوما إلى الاستقلال فكانت ثورة تركستان عام 1931 والتي توجت  بتأسيس جمهورية تركستان الشرقية الأولى والتي ترأس حكومتها بطل الثورة خوجه نيازه لكن سرعان ماتم وأد هذا الجمهورية الوليدة بعد عام واحد حيث لم تستطع الصمود امام العنجهية الصينية وجحافلها.

وسرعان ما بدأت ثورة أخرى وبدعم السوفييت هذه المرة أسفرت عن قيام جمهورية تركستان الشرقية الثانية (1944-1949) الحليفة للاتحاد السوفياتي ولكن بعد سيطرة الشيوعيين – حلفاء موسكو –  على بكين واستلام ماوتسي تونغ للحكم أعلن عن قيام جمهورية الصين الشعبية في 1 اكتوبر 1949 وأتبع إليها شنغيانغ (تركستان الشرقية) بالقوة بعد أن فقد الايغور الأتراك هناك دعم حليفهم السوفيتي.

تلاها عدة ثورات هنا وهناك أخمدت بالحديد والنار واستخدت الصين فيها سياسة الأرض المحروقة انتهت باعدام وقتل عشرات الألوف من مسلمي الايغور وتدمير مدن المنطقة.

تحولت الحرب تحت حكم الحزب الشيوعي من حرب هيمنة وفرض سيطرة إلى حرب على هوية شعب تركستان الثقافية والدينية فالاختلاف لم يكن دينيا فحسب بل اثنياً أيضا فمنذ عام 1949 بدأ النظام في بكين بإجراء عملية تغيير ديموغرافي للمنطقة بالقوة حيث زادت نسبة سكان الإقليم من أقلية الهان (العرق الصيني) من 10% إلى 40% بينما تم بالمقابل تهجير جماعات من السكان الأصليين إلى الأقاليم الصينية الشرقية.

ورغم تخلي التركستانيين الايغور عن مطلب الاستقلال وقبولهم العيش ضمن الحدود الصينية  بل وانضمام بعضهم إلى الحزب الشيوعي الصيني فإن ضغط الحكومة وإجراءاتها القمعية لم تتوقف واستهدفت حريتهم الدينية فقد حرمتهم من إقامة الشعائر الإسلامية كالصلاة وأجبرتهم على الإفطار في رمضان وحظرت الحجاب وغيرها كما شهد عدد المساجد تناقصا كبيرا كما حظرت استخدام حروف اللغة العربية في الخطابات الرسمية.

مع تواصل الصمت الدولي نتيجة مكانة الصين الدولية وقوتها العالمية المعتبرة بالإضافة إلى التعتيم الاعلامي الرهيب الذي فرضته الصين على المنطقة شنت حملة اضطهاد جديدة ضد مسلمي الايغور مستغلة تزايد الاسلاموفوبيا العالمية وتحت شعار الحرب على الارهاب قامت بهذه الحملة باعتقال أكثر من مليون شخص من سكانها كما أجبرت الكثير من نساء الايغور الأتراك على الزواج من رجال صينين ضمن سياسة الحكومة الممنهجة للقضاء على الاستقلالية الثقافية والشعبية لتركستان الشرقية وتطبيق برنامج الدمج البشري والسكاني بالقوة.

ليالي تركستان .. وأندلس الشرق الضائعة

بينما أقرأ إحدى روايات نجيب الكيلاني والتي عنونها ب”ليالي تركستان” وبعد أن سرد فيها قصص معاناة شعب الايغور وكفاحه وصور التضحية والفداء التي قدمها في مقاومة الظلم الذي تعرض له وبعد أن استشهد أبطال القصة وهم أبطال تركستان الشرقية الحقيقيون  من أمثال خوجه نيازه وعثمان باتو وغيرهم , اختتم روايته بوصف تركستان الشرقية بأنها أندلس الشرق الإسلامية التي ضاعت أمام أعيننا وبأنها الأندلس الثانية المفقودة سائلا الله أن تكون أخر أندلس تؤخذ من جغرافيا الأمة وتختطف منها تاريخيا.

وهذا ما نأمله من الله تعالى أما فيما نستطيع أن نفعل فإننا لن نستطيع أن نفعل مع الأسف أكثر مما فعلنا أمام قضايا المسلمين والمظلومين في شتى بقاع الأرض كميانمار وفلسطين وسوريا والعراق وغيرها  وهو الدعاء وتقديم ما نستطيع كإشهار القضية إعلاميا وإيصال صوت المظلومين هناك فكونوا مع إخوانكم وكونوا على قدر المسؤولية.

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى