السياحة الحلال.. ثقافة ودين واقتصاد
إعداد نور الدين قلالة
السياحة المناسبة لعائلات المسلمين المعروفة أيضًا باسم “السياحة الحلال” أو “السياحة الإسلامية”، هي اليوم مفهوم راسخ في مجال السياحة، لتقديم خدمات السفر والسياحة وفقا للتعاليم والممارسات الإسلامية أي وفقا لمتطلبات المسلمين المحافظين. بل إن هذا النوع من السياحة يشهد نموا مطردا في العالم خلال السنوات الأخيرة. فما هي السياحة الحلال؟ وكيف نمت وتطورت؟ وأين تنتشر؟ وهل تتركز في البلدان العربية والإسلامية فقط أم إنها امتدت إلى بلدان أخرى؟
السياحة الحلال متاحة فوق ما يمكن تخيله، ومن خلال مرافق عدة تكون مؤهلة لذوي الالتزام الديني، وتحديدا ما يتعلق بالمرافق التي لا تسمح ببيع الخمور أو تقديمها، وكذلك التي تخصّص المسابح الخاصة بالعائلات وما إلى ذلك من أمور.
وهي تنتشر في عدد من البلاد العربية والإسلامية، ولكن بوسع السائح أن يجد شقا منها في الدول الغربية أيضا.
ما السياحة الحلال؟
السياحة الحلال هي تلك التي تناسب الملتزمين دينيا، من حيث عدم تقديم المشروبات الكحولية وعدم ارتياد الملاهي الليلية أو غيرها من مرافق قد تخالف المعتقد الديني، بالإضافة لبند المسابح الذي كثيرا ما يصير اللبس فيه، من حيث المسابح التي لا يحدث فيها اختلاط.
أكثر ما ينتشر هذا النوع من السياحة في الدول الإسلامية هو في دولة ماليزيا التي توفر كثير من المنتجعات والمرافق السياحية التي تناسب الملتزمين دينيا، والتي لا تتيح الاختلاط و تناول المشروبات الكحولية وغيرها من ممارسات قد لا يجيزها الشرع. المبدأ ذاته يتوافر في إسطنبول بتركيا، التي تزخر بالأماكن السياحية التي تناسب الذوق المتدين، فضلا عن دول عربية وإسلامية أخرى كتونس ومصر وقطر وإيران والمغرب وغيرها.. تتوافر فنادق ومسابح وشواطئ ورحلات بحرية وأثرية تندرج كلها تحت بند السياحة الحلال، وتتيح الترفيه بأكثر الأشكال التزاما دينيا وأخلاقيا.
سياحة إسلامية حتى في أوروبا
وعادة ما تتوافر هذه السياحة أيضا في البلاد الغربية تحت بنود وتعريفات أخرى إما من قبيل الصحة العامة أو من قبيل مبررات أخرى، خاصة من حيث عدم تقديم أماكن بعينها المشروبات الكحولية أو تلك التي تكون في الأرياف والتي ينشد منشئوها الجانب الهادئ الروحاني بعيداً عن صخب الحفلات والحانات.
وبحكم أن السفر والسياحة “الحلال” أصبح قطاعا سريع النمو في مجال السياحة، فقد قررت العديد من المؤسسات الغربية المختصة في السياحة والفندقة، الاستثمار في هذا الجانب بغرض الربح وجلب فئات أخرى من السياح.
وفي هذا الصدد، أصبحت الكثير من مواقع الإنترنت الشهيرة، تعنى بالحجوزات السياحية تركز جزءا من جهودها نحو توفير أجواء تجلب أكثر السياح العرب والمسلمين، ذلك لأن المزيد من المسلمين في جميع أنحاء العالم الآن يعلمون جيدًا المميزات والتسهيلات التي يوفرها هذا القطاع، كما أن سلاسل الفنادق تقوم بإنشاء وتطوير المزيد من العقارات في هذا القطاع.
كثير من هذه المواقع أصبحت تعلن صراحة وتقول “إن المنتجعات والفنادق المدرجة بموقعنا الإلكتروني تقدم الأطعمة الحلال وتتبع سياسة منع المشروبات الكحولية إما في المنتجع أو الفندق بأكمله أو على الأقل في بعض المناطق به”، وتضيف “جميع المُنتجعات (وبعض الفنادق) لها مسابح خاصة مُنفصلة للسيدات، وكذلك النوادي الصحية (السبا) ومرافق الاستجمام والصحة المُنفصلة للسيدات. كما أن بعضها يتضمن مناطق شاطئية خاصة للسيدات فقط، والبعض به مناطق شاطئية مُختلطة للعائلات مع مراعاة السباحة بالزي المحتشم. كما أن هناك أيضًا مرافق للصلاة. وتحتوي الكثير من المنتجعات على مرافق وبرامج ترفيه مناسبة للعائلات”.
وتؤكد هذه المواقع قائلة “يحتوي موقعنا أيضا على “فلاتر صديقة للحلال”، مثل فلتر “الطعام الحلال” وفلتر “سياسة منع الكحوليات” وفلتر “مرافق الاستجمام والصحة للسيدات”، لتمكين عملائنا من اختيار أكثر الفنادق المناسبة التي تلبي متطلباتهم على أكمل وجه ممكن”.
وتقول آنا ماريا عائشة تيوزو، رئيسة المركز العالمي لإصدار شهادات الحلال في إيطاليا، “إن شهادة الحلال لا تتعلق بالمنتج فحسب، بل عن العملية أيضا، على سبيل المثال، يجب على الفنادق أن تكون حذرة ليس فقط في كيفية إعداد الطعام كما هو منصوص عليه في الشريعة الإسلامية، ولكن أيضا في مصدر اللحوم أو غير ذلك من المكونات”.
صناعة جديدة ومربحة
في 25 مايو 2013 أشارت مقالة لمجلة “الإيكونوميست” حول الأعمال الحلال إلى أن ما يشهد تزايدا في النمو “ليس مجرد منتجات حلال مصنعة، بل أن خدمات مثل العطلات الحلال تزدهر أيضا، حيث تقوم كريسنت تورز، وهي شركة متخصصة في السفر عبر الإنترنت مقرها لندن، بإرسال زبائن إلى فنادق في تركيا لديها حمامات سباحة منفصلة للرجال والنساء، وسياسات لا كحول، ومطاعم حلال، وتأجير فيلات عطلة خاصة مع جدران عالية”.
ويساعد هذا النوع من السياحة أيضا على خلق المزيد من الفرص كالعمالة، زيادة وتكثيف الرحلات الجوية إلى الوجهة، النمو الاقتصادي والعلاقات الاجتماعية والثنائية بين مختلف الناس والبلدان. يضاف إلى أن هذا لا يعني بالضرورة أن السياحة الإسلامية للمسلمين فقط، وبالتالي فهي فرصة للآخرين من خلفية عقدية مختلفة للمشاركة والتعلم ومعرفة ما يترتب على هذه السياحة.
إن الاهتمام بـ “السياحة الحلال” ما زال يزداد يوما بعد يوم، وخصوصا بعد انتشار الوعي عما تفقده شركات السفر التقليدية من استهداف مختلف الفرص الاستثمارية المتاحة – وذلك لتجاهلها هذا النمط السياحي المميز لتزايد سكان الطبقة الوسطى المسلمين مع دخل متاح وإمكانية الوصول إلى معلومات السفر. وكما يقدّر معيار التصنيف العالمي الإسلامي للسفر الإسلامي لعام 2016, فإن 117 مليون مسلم سافروا دوليا في عام 2015. ومن المتوقع أن ينمو هذا العدد إلى 168 مليوناً بحلول عام 2020، مع تجاوز نفقات السفر 200 مليون دولار، أي ما يمثل 11٪ من قطاع السفر.
أفريقيا تستغل الموقف
كان المسافرون المسلمون دائماً ما يستكشفون وجهات أكثر ترحيباً لهم، ومن هنا يأتي دور أفريقيا للاستفادة، وعلى الرغم من أن معظم المسلمين يفضلون أساسا زيارة بلدان في شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس ومصر، حيث توجد ثقافة سياحية و تقاليد إسلامية ومؤسسات وتحف ثقافية وتاريخية، إلى دولا إفريقية ذات أقلية مسلمة مثل كينيا وغانا وتنزانيا وجنوب إفريقيا تسعى بالمعايير والقدرات لتقديم نفسها كأماكن للسياحة الحلال.
ففي كينيا مثلا تلعب السياحة دورا مهما في توليد فرص العمل والحصول على النقد الأجنبي، مما جعل مسؤولو السياحة يخططون لوضع معايير بحلول عام 2019 للتصديق على الفنادق والمطاعم التي تلبي معايير الحلال لتلبية احتياجات السياح المسلمين. ووفقا لتقارير، فقد اقترح سكرتير مجلس الوزراء للسياحة “نجيب بلال، تعيينَ سفراء للعلامات التجارية للسياحة الإسلامية، وأن تنضمّ كينيا إلى منظمة المؤتمر الإسلامي كدولة “مراقب” لتسويق نفسها بشكل أفضل للمسلمين.
من جهتها، وضعت جنوب أفريقيا نفسها كمركز إقليمي للاستثمار الإسلامي والسفر، على الرغم من أن أقل من 2٪ من سكانها مسلمون. وتعد البلاد واحدة من أكبر خمس دول غير أعضاء في “منظمة المؤتمر الإسلامي” يزورها المسافرون المسلمون. وتوفر العديد من المنصات المحلية أماكن إقامة للمسافرين وأنشطة مشاهدة المعالم وخيارات الطعام. فضلا عن كون منافذ محلية من الامتيازات الدولية الكبرى مثل “ماكدونالدز” و “برغر كينغ” تملك في كثير من الحالات اعتماد الحلال. ويعمل فرع جمعية الضيافة الجنوب أفريقية في كيب تاون مع مؤسسة “كريسنت راتينغ”، لتدقيق مرافق المدينة وتنظيم ورش عمل لمساعدة الشركات على جذب المسافرين المسلمين.
الأسرع نمواً في العالم
ونظرا لتزايد الاهتمام بالسياحة الحلال، يشهد هذا النوع من السياحة في العالم نموا مطردا في السنوات الأخيرة. ووفق تقرير المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية لعام 2017، حلت دول من الشرق الأوسط وأفريقيا ضمن المراكز العشر الأولى، وهو تقرير يصدر بشكل سنوي عن شركة “ماستركارد” و“كريسنت ريتنغ”، ويرتب دول العالم من حيث معايير السياحة الإسلامية.
وتستخدم هذه الشركات أساليب في فهم واستكشاف أنماط الحياة والسلوك واحتياجات المسافر المسلم، وذلك من أجل تقديم إرشادات بخصوص السفر الحلال لجميع الشركات حول العالم. وتشمل الخدمات التي تقدمها كريسنت ريتنغ: التصنيف والاعتماد، والبحوث والاستشارات، وورش العمل والتدريب، والترتيب والمؤشرات، وتقديم الدعم أو الشراكة للفعاليات والمناسبات، إلى جانب توفير المحتوى.
لذلك تعد السياحة الإسلامية أحد أسرع القطاعات السياحية نموا في العالم، إذ تشكل 10% من إجمالي قطاع السفر العالمي، ويساعد هذا المؤشر كلا من الوجهات السياحية وشركات الخدمات السياحية والمستثمرين على مراقبة نمو قطاع السفر وأدائه، في حين يمكن لكل منها تقييم التقدم الذي تحققه للوصول إلى السوق المتنامية بشكل منفصل.
قطر ومؤشر السياحة الإسلامية
وقد احتلت ماليزيا المرتبة الأولى في المؤشر العالمي للسياحة الإسلامية للعام الماضي، متفوقة على إندونيسيا وتركيا والمغرب، فيما تأتي قطر في المرتبة السادسة، ضمن كوكبة الدول العشر الأولى، فيما جاءت تونس في المرتبة 19 دولياً في القائمة التي تشمل 130 وجهة سياحة في العالم.
وتمكّن المغرب للعام الثاني على التوالي من دخول قائمة الوجهات العشر الأولى الأكثر استقطابا للمسافرين في سوق السفر الإسلامي العالمي، متقدّما على كل من تونس التي حلت في المركز 19 بـ 61.1 نقطة ومصر التي حلت في المرتبة 13 سجلت 64.1 نقطة ثم الجزائر التي جاءت في المركز 22 بـ 59.4 نقطة واحتلت لبنان المرتبة 28 بـ 54.1 نقطة.
ويعتمد المؤشر العالمي في تصنيفه للدول على معايير أساسية، مثل مدى ملاءمتها كوجهة سياحية عائلية مناسبة لقضاء العطلات ومستوى الخدمات والمرافق المتوفرة، وخيارات الإقامة و المبادرات التسويقية إلى جانب استقبال الزوار والوافدين.
يؤكد هذا الترتيب أن حكومات كثيرة تشجّع على هذا النمط السياحي لما له من مردودية اقتصادية توصف في غالب الأحيان بالعالية من بينها الحكومة المغربية والتركية التي أقرت تشريعات تساعد المستثمرين على إنشاء فنادق خاصة ومطاعم ومسابح تستجيب كلها للشروط الإسلامية المحافظة.
علامة “حلال” الحاضرة بقوة
وانتشرت خلال السنوات الأخيرة في أوروبا، تجارة المواد الغذائية المصنعة وفقا للمعايير الإسلامية تلبية لحاجة الجاليات المسلمة المقيمة فيها، فأصبحت سوق المأكولات الحلال وفق مراقبين، مجالاً لجني المليارات وتحقيق أرباح كبيرة.
ويتزايد في كل سنة الاهتمام بين الشركات التي تريد توفير منتجات للسوق الإسلامية. حيث أشارت الدراسة التي أجراها مركز “بيو” الأمريكي إلى أنه بحلول عام 2050، سيرتفع عدد المسلمين حول العالم من 1,6 مليار شخص إلى 2,7 مليار. وتوجد أوسع أسواق الحلال في ماليزيا وإندونيسيا والشرق الأوسط، أما في أوروبا فإن أوسعها يقع في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.
يشكّل المسلمون في ألمانيا والقارة الأوروبية قوة شرائية كبيرة، ما دفع المتاجر الكبرى إلى توفير منتجات تحمل علامة “حلال”، حيث توفر نحو 400 شركة في ألمانيا هذه المنتجات، كما يوجد أكثر من 4 آلاف منتج منها في السوق الأوروبية، بحسب هيئة الرقابة والترخيص لمنتجات الحلال في أوروبا ومقرها روزيلزهايم الألمانية.
في سياق متصل، استضافت أوكرانيا سنة 2015 أول مؤتمر عالمي بشأن السياحة الحلال، في محاولة منها لاستقطاب المزيد من السياح المسلمين من ناحية، ومنافسة الدول العربية بقوة في هذا النوع من السياحة.
وفي فرنسا، بدأ العمل بمشروع سياحي موجه بالدرجة الأولى للسياح المسلمين. الفندق أقيم بأكمله لخدمة المسلمين، سواء للأوروبيين من أصول عربية وإسلامية، أو المقيمين بأوروبا ممن يواجهون أزمة كبري كل عام في إيجاد أماكن يقضون بها عطلتهم الصيفية تنسجم مع خصوصيتهم الدينية.
(المصدر: إسلام أونلاين / مجلة المجتمع)