مقالاتمقالات مختارة

استثمار أمثل للتقنية في أعمال المؤسسات الدعوية

استثمار أمثل للتقنية في أعمال المؤسسات الدعوية

بقلم شوقي عبدالله عبّاد

بالرغم من عِظَم الدور المنوط بالمؤسسات الدعوية على اختلاف أنشطتها، إلا أن الناظر يرى عدم استغلال هذه المؤسسات للتقنية الاستغلال الأمثل؛ إما بسبب جهل إدارات هذه المؤسسات بأهمية التقنية، أو عجزها مادياً؛ خصوصاً إذا كانت المؤسسة لا تتبع للقطاع الخاص.

هذا المقال يلقي الضوء على هذا الجانب مع بعض الأمثلة الواقعية من أنشطة تلك المؤسسات.

إن الأخذ الجاد بهذه التقنية في العمل الدعوي يعدُّ استثماراً لنِعَم الله تعالى علينا، وأخذاً بالقوة التي أُمر المسلمون بالأخذ بها سبباً للنجاح في العمل، ناهيك عن حثِّ النبي صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل بقوله: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه»[1]؛ فالإتقان يكون في أمورنا الدينية والدنيوية لعموم اللفظ.

استخدام التقنية داخل المؤسسة:

نستطيع أن نوجز هذا الأمر في ما يسمى بـ (التحول الرقمي) ويعني أتمتة جميع أعمال المؤسسة بحيث يتم الاستغناء عن استعمال الورق. من خلال هذا التحول يتم ربط جميع فروع المؤسسة بنظام إلكتروني واحد عبر الشبكة، وتتكامل أقسام المؤسسة من خلال هذا النظام وهو ما يسهِّل العمل بين الأقسام والفروع، وبهذا يمكن لقسم النشاط الاجتماعي – مثلاً – أن يحوِّل معاملة إلى قسم الإدارة المالية، ويمكن كذلك لمسؤول الدورات الصيفية طلب الإذن من رئيسه في تغيير مسميات بعض الدورات والندوات، وممكن أيضاً أن تتم عملية نقل بعض منسوبي المؤسسة بشكل آلي إلى فرع آخر لسبب مَّا (موسم الحج مثلاً) وهكذا دواليك. مثل هذا النظام يُعرَف بنظام تخطيط مـوارد الشركة (ERP) الأمر الذي يمكِّن المعني بالأمر في الأمثلة السابقة من متابعة موضوعه إلكترونيّاً دون الحاجة إلى الذهاب والإياب الفعلي. وهذا النوع من الأنظمة غالباً ما يشترى جاهزاً من قبل شركات التقنية؛ ولذا يمكن للمؤسسة أن تشتري أجزاء منه بما يتلائم مع طبيعة عملها.

ومما يدخل في التحول الرقمي: الانتقال من استخدام الوسائل التقليدية في دخول وخروج العاملين بالمؤسسة وفتح وغلق المكاتب إلى استخدام البطاقات الممغنطة أو الباركود أو بصمة الأصبع في ذلك، وكذلك أرشفة كل وثائق المؤسسة ومستنداتها إلكترونيّاً.

إن التحول الرقمي إن لم يكن إلزاميّاً اليوم فسيكون كذلك غـداً، سواء جاء هذا الإلزام عن طريق النظام العام في البلد أو اضطرار المؤسسة لهكذا تحول نظراً لعدم تعامل الجهات ذات العلاقة بالطرق التقليدية، ولذا ينبغي أن تقود المؤسسات بنفسها هذا التغيير لا أن تُقاد إليه، وهي أهلٌ لذلك ولسان حالها ما قاله الشاعر:

نقود ونأبى أن نقاد ولا نرى

لقوم علينا في مكارمهم فضلاً[2]

استخدام التقنية خارج المؤسسة:

تسهِّل التقنية عملية التواصل مع أي طرف خارجي، وهو ما يوفر الكثير من الأوقات والتكاليف على المؤسسة. فعلى سبيل المثال: يمكن لدار التحفيظ القرآنية أن تقوم بإدارة الحلقات إلكترونياً وهو ما يسهِّل العملية برمَّتها؛ حيث سيكون التسجيل إلكترونياً عبر تطبيق الجوال أو صفحة الويب، وبعد التسجيل تتم متابعة الطالب وإسناد مقدار الحفظ المطلوب منه أو التفسير المطلوب منه الإلمام به، وأخيراً تقويم المعلم لمستوى الطالب وتزويده وولي أمره بالملاحظات إن وجدت، ويتخلل ما سبق، التواصل عبر رسائل الجوال مع الطلاب ومع أولياء الأمور في ما يخص الحلقات سواء موعد البدء أو موعد الإجازة أو موعد الاختبار أو موعد الحفل النهائي ونحو ذلك.

وينسحب المثال السابق على باقي الأنشطة مثل البرامج الموسمية في رمضان والإجازات وبرامج توزيع الزكوات أو الأضاحي؛ فجميع هذه المهام والأنشطة تتم أتمتتها تقنيّاً إما كليّاً – وهو المأمول – أو جزئياً وبهذا يتم توفير أوقات كثيرة يمكن للمؤسسة أن تستثمرها في مشاريع جديدة.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي:

من أهم التقنيات الواعدة التي يمكن للمؤسسات الدعوية الاستفادة منها مثلها في ذلك مثل سائر الجهات الأخرى، الأنظمة الخبيرة التي تعتبر إحدى تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ إذ تقوم هـذه الأنظمة بمحاكاة خبرة الإنسان في مجال معيَّن. وقد أثبتت هذه الأنظمة نجاحها إلى حد كبير في عدد من المجالات الحيوية كالطب والتصنيع من خلال الإنسان الآلي (الروبوت).

إذا كانت محاكاة أفضل لاعبي الشطرنج قد نجحت وتم تخزين خبرات اللاعبين التراكمية عبر السنين في نظام خبير، فإنه بالإمكان تخزين خبرة داعية مثل أحمد ديدات رحمه الله في طريقة مناظرته للقساوسة والرهبان، فبدلاً من أن يناظر داعية أو عالم مسلم أهل الأديان الأخرى دون خبرة كافية، فإن النظام الخبير الذي بنيناه في هذا الخصوص سوف يساعده، أي أن النظام سيحل مكان الداعية أحمد ديدات. ومما يدخل في تطبيقات الذكاء الاصطناعي برامـج معالجة اللغات الطبيعية التي تجعل الآلة تتمكن من مخاطبة الإنسان بلغته الأم عبر نمط الصوت ونمط الكلام والترجمة وغيرها. وبهذا يتضح أن مكاتب الدعوة التـي تُعنى بالتواصل مع غير الناطقين باللغة العربية، تحتاج لمثل هذه التطبيقات.

مواقع التواصل الاجتماعي:

جميع أطياف المجتمع لا تكتفي بمجرد متابعة هذه المواقع بل انتقلـوا إلى التفاعل معها، ونظراً إلى أن هذه المواقع مستمرة في تطوير خدماتها اضطرت بعض شركات الإعلام الكبرى إلى بيع إرثها المتراكم إلى مستثمرين جدد[3]. وبناءً عليه يُنصح أن تتبنى كل المؤسسات الدعوية إنشاء صفحات أو حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما الشهير منها مثل الفيسبوك وتويتر واليوتيوب وأن تتخلى عن تبني موقع إلكتروني على النت أو إنشاء قناة فضائية؛ خصوصاً إذا كان الموقع يتطلب متابعة وصيانة دورية وكانت القناة من النوع المشفر الذي يتطلب دفع رسوم من المشاهدين.

ولا يكون دخول المؤسسات الدعوية لهذه المواقع مجرد تسجيل ثم لا تفاعل ولا تميُّز، بل المطلوب هو الريادة والحضور الفاعل في هذه المواقع بحيث تجذب أكبر عدد من المتابعين، وأن تكون الإعلانات الخاصة بأي نشاط دعوي تتم عبر هذه المواقع لسرعة انتشار الخبر على أن يرافق هذه الإعلانات أساليب جذب وتشويق، وهذا أيضاً مما تساعد على عمله التقنية الحديثة عبر برامج الوسائط المتعددة وأكثرها مجاني على الإنترنت. وهنا لا بد من التنبيه إلى أمرين مهمَّين:

الأول: ضرورة توثيق حساب المؤسسة أو صفحتها بشكل رسمي لدى الشركة الأم، تحسُّباً لأي مساءلات قضائية لاحقاً.

والثاني: الاهتمام باستخدام اللغة العربية الصحيحة[4].

ما للتقنية وما عليها:

إن الاستخدام الأمثل للتقنية ليس بالأمر السهل إذا لم تتوفر البيئة المناسبة من حيث المواردُ المادية والبشرية، وإن تحقيق التحول الرقمي في داخل المؤسسة الذي أشرنا إليه في بداية حديثنا سيؤدي إلى الضبط الإداري الذي يعتبر الحد الأدنى من احتياجات أي مؤسسة تريد أن تنجح في مجالها. كما أن التوفير وتسريع الإجراءات الإدارية هو الفائدة الأخرى المرجوة من توظيف التقنية عموماً ومن التحول الرقمي خصوصاً؛ إذ إن المؤسسة التي كانت تعمل في الأمس بفريق من 50 شخصاً يمكنها أن تعمل اليوم بنصف هذا العدد. وفي مثالنا السابق المتعلق بدار التحفيظ، لن تكون المؤسسة بحاجة لفتح مكتب يدير أنشطة الجمعية لأن ما سيقوم به المكتب سيقوم بأدائه تطبيق الجوال أو موقعٌ على النت، وما المقارئ الإلكترونية عنا ببعيدة وأشهرها مقرأة الحرمين؛ فقد استطاعت هذه المقارئ عبر التقنية أن تتجاوز حدود الزمان والمكان وتصل لملايين المسلمين من العرب والعجم الراغبين في تصحيح تلاوتهم للقرآن الكريم.

كما يمكن الاستغناء عن توزيع نسخة ورقية من الكتاب المزمع شرحه أو المتن المراد حفظه للحاضرين في إحدى الدورات الشرعية وذلك باستخدام النسخة الإلكترونية من الكتاب أو المتن؛ إذ إن النسخة الورقية مكلفة بالنسبة للمؤسسة، كما يمكن بث الدورة أو المحاضرة عبر النت والراديو الرقمـي الذي يمثـل الجيل المستقبلي للبث الإذاعي؛ وهو ما يؤهل المؤسسة للوصول ليس فقط إلى جميع سكان المدينة بل إلى المسافرين بين المدن والبلدان المجاورة، بل لا نبالغ إن قلنا: إن الدعوة  باستخدام الراديو الرقمي تفتح آفاقاً كبيرةً للهيئات العلمية لنشر العلوم الشرعية والفتاوى وكذلك بث التـلاوات القرآنية ونشر الكتب الصوتية على نطاق واسع وبتكاليف لا تكاد تذكر؛ ففي أمريكا وحدها – مثلاً – الآلاف من إذاعات الـ (FM)، تختلف هذه الإذاعات في تخصصاتها ما بين إذاعات إخباربة وتجارية وتعليمية… وهكذا[5].

إن الناس قد تنصرف عن أي مؤسسة تعتمد على الطرق التقليدية في أعمالها؛ إذ من الصعوبة بمكان أن ينتظر شخص في طابور طويل من أجل تسليم زكاة مال أو كفالة يتيم؛ خصوصاً إذا كان هذا الانتظار في مواسم العبادات كرمضان أو الحج، كما أنه من غير المناسب سفر داعية  من أجل أن يقدِّم درساً أو محاضرةً يحضرها نزر يسير من الناس، لأن كلّاً من المتبرع بالمال والداعية في هذين المثالين يمكنه إنجاز مهمته عبر التقنية بيسر وسهولة؛ فالمتبرع يمكنه استخدام تطبيق معيَّن ينهي له دعمه لمشروع ما سواء زكاة مال أو كفالة يتيم مع تزويده بكافة الوثائق التي يحتاجها (إيصال أو غيره) خلال ثوانٍ معدودة، ويمكن للداعية عمل الدرس أو الدورة وهو موجود لا أقول في مدينته بل في بيته الذي يسكن، وسيتابعه آلاف المشاهدين والمستمعين ناهيك أن تكاليف السفر غالباً ما تتكفل بها المؤسسة، وهذا يدل على أن ما كانت تقوم به المؤسسات قبل عدة سنوات، يمكن للأفراد أن يقوموا به.

خاتمة

ينبغي عدم التخلي عن أنشطة اجتماعية أخرى مثل الرحلات الترفيهية والمسابقات الثقافية والبرامج الرياضية ولوحة الإعلانات في المساجد وأشباهها لأن التقنية الحديثة قد لا تحل مكانها وإن كانت تسهِّل عملية الإعداد لها وترتيبها ومن ثَمَّ تقويمها، ولأن مؤسسة الدرر السنية – مثلاً – اعتمدت في إجراء مسابقتها الشهرية عبر موقعها الإلكتروني فقد استطاعت الوصول إلى أقاصي الدنيا؛ فمعدل المشاركات الشهرية في هذه المسابقة وصل إلى 20.000 مشاركة من أكثر من 90 دولة في العالم[6]، كذلك لوحة إعلانات المساجد التي عادة ما تعلق بمؤخرة المسجد، ممكن الإبقاء عليها مع تطويرها لتصبح شاشة إلكترونية تستقى المعلومات المعروضة أو البنرات المفيدة من مصادر خارجية وبشكل آلي وآني.

إن ما سبق أو جزءاً منه قد يكون تم تبنيه فعليّاً من قبل بعض المؤسسات الدعوية في دول الخليج أو الغرب نظراً للمستوى المتقدم في مجال التقنية والمأمول هو نقل التجربة إلى المؤسسات الأخرى، علماً أن التقنية تلعب دوراً مهمّاً مرةً أخرى في نقل التجربة، فأكثر متطلبات هذا النقل يمكن إتمامها عن طريق النت سواء عقد وُرَش العمل أو توريد بعض التقنيات.

 

[1] أخرجه الطبراني من حديث عائشة رضي الله عنها، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1113).

[2] ديوان الأفوه الأودي، تحقيق د. محمد التونجي، دار صادر – بيروت، 1998م.

[3] أحاديث في التقنية، يوسف الحضيف، 2012، صفحة 63

[4] اللغة العربية ومواقع التواصل الاجتماعي: الفرص والتحديات، البيان (375)، ذو القعدة 1439 هـd

[5] أحاديث في التقنية، يوسف الحضيف، 2012م، ص134.

[6] تقرير الأداء السنوي، مؤسسة الدرر السنية، 1439هـ.

(المصدر: مجلة البيان)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى