مقالاتمقالات مختارة

نشر ثقافة الجهاد .. واجب العصر

نشر ثقافة الجهاد .. واجب العصر

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد

بفعل الغارة الصليبية الغربية والشرقية على الإسلام عقيدةً وشريعةً وحضارةً، وبسببٍ من إعلان الحرب على ما يسمونه (الإرهاب) في المشارق والمغارب، أصبح كثير من العلماء والحركات الإسلامية يخشى من استخدام كلمة (جهاد)، بل يتوارى ويتهرب من الحديث عنه؛ حتى لا تصيبه نفحة من عذاب الغرب الصهيوأمريكي الذي يحارب المسلمين تحت راية (الإرهاب)، وحتى لا يصنف من الإرهابيين ولا يوضع شخصه أو هيئته على قوائم (الإرهاب).

وهذا التراجع أو الاستخذاء أو التبري من الجهاد في الإسلام شكلا ومضمونا أدى إلى إيجاد فراغ كبير تمددت فيه فئتان من الناس:

الأولى: هي فئة معادية للإسلام وللجهاد فيه، تريد أن تقتلعه من جذوره، وتلغي فريضته من الدين، وتفرغه من مضمونه الحقيقي، وتجعل الجهاد فقط هو جهاد النفس، وجهاد الشهوات، وجهاد الدنيا، ولا علاقة للجهاد بالدفاع عن شرف الأمة، والذود عن حياضها، والذب عن شرفها، وحماية مقدساتها، وتحرير الناس من المستبدين، ومنحهم الحرية التي ولد الإنسان بها.

والثانية: هي فئة فهمت الجهاد في الإسلام فهما مخطئًا من حيث الأصل، ونزَّلتْه تنزيلا منحرفًا من حيث التطبيق، فغالت في فهمه وتنزيله، وأفسدت مضمونه، وشوهت حقيقته باسم الخلافة تارة، وباسم قتال العالم تارة أخرى.

وغاب عُدُول هذه الأمة – إلا من رحم الله!- الذين ينفون عن الإسلام تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتخريف المخرِّفين، وإجرام المجرمين .. نعم، تراجع كثير من علماء الأمة ومؤسساتها الدعوية عن استخدام لفظ الجهاد وبيان مفهومه، وإعلاء كلمته بشرف ورجولة واعتزاز، فتمددت في فراغها هذه التيارات، فأساءت للإسلام من حيث تريد أو لا تريد.

ونحن – باعتبارنا مسلمين – بحمد الله ليس عندنا ما نتوارى منه، ولا ما نستنكف عنه؛ فديننا جاء لإسعاد البشرية، وإنقاذها من براثن القهر والظلم والبغي والاستبداد إلى آفاق الحرية والكرامة والعزة والعدالة .. جاء الإسلام لخير البشرية كلها في الدنيا والآخرة.

وفي الوقت الذي ينعي فيه الغرب الصليبي والصهيوأمريكي على تصرفات بعض المسلمين هنا أو هناك يتعامى الغرب ويتناسى جرائمه التي فعلها بالمسلمين على مر العصور، ويخفي مجازره التي قتل فيها مئأت الآلاف بل الملايين من المسلمين ودعاتهم وعلمائهم .. ويسدل الستار على جرائمه المعاصرة وضحاياه في عالمنا العربي والإسلامي في كل مكان من الأطفال والشيوخ والنساء الذين لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا!.

في ظل هذه الغارة العاتية والريح الهوج التي تريد استئصال شأفة الإسلام وتوقف مده الآتي وزحفه القادم، وفي ظل التخويف من الجهاد الإسلامي الحقيقي .. يجب على الأمة المسلمة، والعلماءُ منهم في الصدارة، ألا يتخلوا عن الجهاد، وألا يتواروا عنه، أو يستنكفوا منه، فعلينا استحضاره في الساحة، وذكره في الميدان، وبيان شرفه وعظمته ورقيه، ومقارنة هذا بما يفعله الغرب من أفعال لا أخلاقية، ومن كيل بألف كيل .. أجل، إننا بحاجة إلى إعادة الاعتبار لذروة سنام الإسلام لأسباب كثيرة.

منها: أن مصطلح الجهاد ران عليه غبش كثير، وشَوَّهت صورتَه أفهامٌ وأفعالٌ لدى جماهير الأمة المسلمة في المشارق والمغارب، بفعل بعض الذين ينتمون إلى جلدتنا، وينتسبون إلى ديننا، ويستخدمون لتأصيل ذلك كلاما لعلماء قضوا نحبهم رافعي رؤوسهم، ولا علاقة لكلامهم بواقعنا، ولا صلة لاهتماماتهم وسياقاتهم باهتماماتنا وسياقاتنا، ومن هنا نحتاج إلى مَن يُجلِّي فريضة الجهاد في الإسلام، ويجدد حقيقته، بمفهومه الشامل، ومضامينه الإنسانية المشرفة والمشرقة، وضوابطه الشرعية، والجهادُ القتالي في القلب منه.

ومنها أن هناك تخويفًا للأمة من الجهاد: مضمونا وممارسة، ووضع كل من يتحدث عنه على قوائم الإرهاب، وهذا يحتاج إلى ردة فعل من الأمة المسلمة بعلمائها ودعاتها؛ لإقامة الميزان، وحفظا لفريضة من أشرف الفرائض، بل هي ذروة سنام الإسلام كما صح في السنة، وما تركها قوم إلا ذلوا.

ومنها: أن هناك محاولاتٍ دائبةً من الغرب من خلال مراكزه البحثية الاستشرافية لإحلال مفاهيم ومضامين أخرى للإسلام محل الإسلام الحقيقي، يريدون دعم تيار الدعاة الجدد الذي أسقطته الثورات العربية، ويريدون دعم التيار الصوفي الدخيل على التصوف الحقيقي، والذي يريد إسلاما مستسلما، وجهادا مستأنسا، وسلاما بلا عزة، وحياة بلا شرف، وخضوعًا بلا مقاومة .. وهذا كله يحتاج مقاومة من علماء الأمة الربانيين ودعاتها الصادقين المخلصين، بالإلحاح على استحضار الجهاد الحقيقي، وبيان معالم العقيدة ومعاقد الشريعة وحقائق الحضارة ومقاصد الدين: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ). [سورة الروم: 30].

ومنها: أن الأمة العربية والإسلامية تمر بظروف مفصلية، ومرحلة تاريخية، لا تمر بها كثيرا في تاريخها .. مرحلة التحول من الاستبداد إلى الحرية، ومن الظلمات إلى العدالة، ومن الامتهان إلى الكرامة

(المصدر: قناة د. وصفي أبو زيد على التليجرام)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى