فقدان الهوية أبرز تحديات مسلمي باراجواي
إعداد محمد سرحان
باراجواي هي إحدى دول أمريكا الجنوبية، تحدها البرازيل من الشرق، والأرجنتين من الجنوب والغرب، وبوليفيا من الشمال، وهي دولة حبيسة لا تطل على بحار أو محيطات، لكنها تتميز بالعديد من الأنهار الداخلية، عدد سكانها يتراوح بين 6 و7 ملايين نسمة، أغلبهم يعتنق المسيحية الكاثوليكية، ولغتها هي الإسبانية، وهي دولة زراعية تنتج العديد من المحاصيل، فهي رابع أكبر منتج للصويا عالمياً، كما تزرع القمح والذرة وقصب السكر، ولديها ثروة حيوانية كبيرة.
وتتميز باراجواي باحترام حرية الاعتقاد، ويتميز شعبها بالتسامح واحترام الآخر كأغلب شعوب قارة أمريكا الجنوبية، بحسب ما قاله الشيخ إبراهيم الألفي إمام المركز الإسلامي في العاصمة أسونسيون، وممثل الجالية المسلمة في البارجواي في حوار لـ”المجتمع”.
“الألفي” تخرج من جامعة الأزهر من قسم التفسير والحديث بكلية أصول الدين، يمارس العمل الدعوي في أمريكا الجنوبية منذ عشرين عاما، ابتعثه الأزهر أول مرة إلى الأرجنتين عام 1998 بالمركز الإسلامي في العاصمة “بيونس آيرس”، وبعد 4 سنوات ابتعثته وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف بالكويت إلى كوستاريكا، ثم انتقل إلى الباراغواي في 2006 من قبل الأزهر لثلاث سنوات، وفي 2010 عاد مجددا للمركز الإسلامي في عاصمة الباراغواي كمبعوث من قبل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف السعودية، وفي 2016 انتقل إلى الأرجنتين بمركز الملك فهد الثقافي الإسلامي وهو الأكبر من نوعه في أمريكا الجنوبية، ليعود بعد عام ونصف مرة أخرى إلى الباراغواي، وخلال عمله الدعوي في أمريكا اللاتينية حضر العديد من المؤتمرات والتقى العديد من الرؤساء في القارة كممثل عن المسلمين.
خلال مسيرتكم التي امتدت نحو 20 عاماً كيف رأيت واقع الإسلام في أمريكا الجنوبية؟
– أمريكا الجنوبية بيئة خصبة للدعوة الإسلامية، فشعوبها تتميز بالتسامح وقبول الآخر، وهذا يشير إلى أن مستقبل الوجود الإسلامي هنا سيكون متميز لو لقيت الاهتمام المناسب إسلاميا وهذا يتطلب منا بذل الجهود لتعريف هذه الشعوب بالإسلام وسماحته بعيداً عن الصورة المغلوطة التي تروج لها بعض الأطراف أو الإعلام، لكن هناك قلق حقيقي لو استمر هذا التجاهل من قبل الدول والمؤسسات الإسلامية لأولويات المسلمين هنا، سينتج لنا جيل مسلم في هذه البلاد فاقد لهويته الإسلامية، فكثيرون من أبناء المسلمين من أصول عربية، أصبحت كل ثقافتهم عن الإسلام “ثقافة الفلكلور العربي والأكل العربي والفن العربي ليس أكثر”.
فيما يخص الباراجواي، متى وصلها الإسلام وكيف تطور الوجود الإسلامي فيها؟
– يعود تاريخ وصول الإسلام إلى هذه البلاد إلى الفترة التي أعقبت سقوط الأندلس حيث فر كثير من المسلمين من محاكم التفتيش في إسبانيا إلى أمريكا الجنوبية ومنها الباراغواي، ثم بدأت بعض الهجرات في القرن الـ19 من العرب والمسلمين أغلبهم من ذوي الأصول اللبنانية والسورية والفلسطينية، إلى باراغواي، وأعدادهم كانت قليلة لدرجة غياب الحاجة إلى وجود مسجد أو مركز إسلامي أو مؤسسة تجمع المسلمين، لكن للأسف نتج عن هذا ذوبان هؤلاء المسلمين آنذاك في المجتمع المحلي تماما.
وفي أواخر القرن العشرين بدأت هجرات جديدة من لبنان وغيرها وكذلك في الثمانينيات واستقروا في العديد من المدن في الباراغواي
ماذا عن أعداد المسلمين تقريبيا وخريطة توزيعهم الجغرافي والمذهبي؟
– أعداد المسلمين ليست كبيرة قد تتراوح بين 10 و15 ألف مسلم، أغلبهم يتركزون في العاصمة “أسونسيون” ومدينتي “إنكرناسيون” و”سيوداد ديل استي”، إلى جناب تواجد إسلامي في بعض المدن الأخرى، وأغلب المسلمين هنا هم من أهل السنة، بالإضافة إلى وجود شيعي في مدينتي إنكرناسيون وسيوداد ديل استي، وهؤلاء لهم مرجعياتهم الدينية في لبنان.
وتتميز الأقلية المسلمة في الباراغواي بأن أغلبها من الشباب ومثقفون يجيدون اللغة العربية إلى جانب اللغة المحلية “الإسبانية”، إلى جانب مسلمين جدد من أصول محلية وهم يشاركون بقية أبناء الأقلية المسلمة كل فعالياتهم وتجمعاتهم.
ما المؤسسات الإسلامية في الباراجواي وهل هناك جهة معينة مخول لها تمثيل المسلمين أمام مؤسسات الدولة؟
لدينا المركز الخيري الثقافي الإسلامي في العاصمة أسونسيون وهو قد تأسس في تسعينيات القرن العشرين، وهناك أيضا المركز الإسلامي في إنكرناسيون وهو تابع لنظيره في العاصمة، ويوجد أيضا والمركز الإسلامي في سيوداد ديل استي وفيها أيضا مدرسة عربية إسلامية، ومركز إسلامي للجالية الباكستانية، بجانب عدد من المصليات.
ويعد المركز الخيري الثقافي الإسلامي في العاصمة أسونسيون هو ممثل الجالية المسلمة أمام السلطات في الباراغواي ويتم دعوته لحضور المناسبات الرسمية المحلية.
وحالياً تقوم المملكة العربية السعودية على إنشاء مركز إسلامي كبير في الباراجواي لخدمة المسلمين في العاصمة أسونسيون على مساحة 12 ألف متر مربع، اشتراها أبناء الجالية المسلمة في الباراجواي وتعهدت المملكة ببنائه.
كما أن لنا علاقات طيبة مع المراكز الإسلامية في بقية دول أمريكا الجنوبية، ونتعاون معها ونحاول الاستفادة من تجارب هذه المراكز.
كيف هو تعايش المسلمين مع المجتمع غير المسلم؟ وهل هناك قبول مجتمعي بالوجود الإسلامي؟
– الشعب في باراجواي حقيقة هو مجتمع مسالم ومتسامح ولديه ترحيب وقبول بالوجود الإسلامي، وكذلك المؤسسات سواء كانت رسمية أو مؤسسات مسيحية كالكنيسة، فمؤسسات الدولة تتعامل مع الجالية المسلمة بشكل جيد حتى أنه يتم دعوة ممثل الجالية المسلمة لحضور حفل تسليم وتسلم الرئاسة في البلاد، كما أن هناك تعاون ملحوظ بيننا وبين السفارات والمؤسسات ممثلة الدول الأخرى، فنحن نتعامل بالمبدأ القرآني ادع إلى سبيل ربك، ونحترك كل الأطراف ونحترم قوانين البلد.
كيف هي صورة المسلمين في الإعلام المحلي في الباراجواي؟
لا شك أن الإعلام في معالجاته يتأثر بما يجري على الساحة الدولية، لكن هذه الظاهرة في باراجواي ضئيلة للغاية وإن كان يركز في بعض الأوقات على بعض التصرفات الفردية، إلا أن المراكز الإسلامية تعي تماما دور الإعلام وكل أعمالها أو ما يصدر عنها واضح تماما يتفق مع صحيح الإسلام، ولديها تواصلها وتعاملها مع السلطات فلا نترك مجالا للتأويل الإعلامي المغلوط.
ما موقف الدول العربية والإسلامية تجاه مسلمي الباراجواي؟
بعض الدول مثل مصر أو السعودية تمدنا في المراكز الإسلامية بالكتب، إضافة إلى بعض منح الحج من بعض الدول مثل قطر والإمارات والمملكة العربية السعودية، لكن الدعم حتى الآن لم يرقَ إلى المستوى المأمول الذي يناسب البيئة الخصبة هنا لمعرفة الإسلام وبما يمكن المسلمون هنا من القيام بدور أكبر.
هل أعداد الدعاة تكفي حاجة المسلمين؟ وهل هناك مؤسسات معنية بتأهيل الداعية؟
الداعية لكي يكون مؤثراً في مجتمعه لا بد أن يكون على دراية بطبيعة هذا المجتمع ويجيد لغته ليتمكن من التواصل وتوصيل رسالته، لكن للأسف نحن في الباراغواي مع قلة الإمكانيات، نفتقد وجود المؤسسات المعنية بتأهيل الدعاة، سواء لإجادة اللغة ومعرفة المجتمع، أو تأهيلا شرعيا مناسبا لهذه المجتمعات المختلفة تماما عن مجتمعاتنا المسلمة في بلادنا، كما أن تواجد الدعاة هنا ضعيف، لأن العمل الدعوي يحتاج مؤسسات قوية تدعم الداعية وتتكفله بالإضافة إلى منح تعليمية وتأهيلية لممارسة العمل الدعوي وتوصيل صورة الإسلام بالشكل الذي ينبغي وتقتضيه هذه الصورة السمحة
ما أبرز احتياجاتكم؟
– المراكز الإسلامية عندنا ليس لديها دخول وإنما تقوم على التبرعات، لاحتياجات ونشاطات هذه المراكز.
أغلب أبناء الأقلية المسلمة هنا من الشباب وهذا يبرز الحاجة إلى نوادي اجتماعية تجمع هذه الجالية وتعمق الترابط فيما بينها حتى لا تضيع هذه الجالية وتذوب في المجتمع غير المسلم كما ضاعت وذابت جاليات أخرى من قبل.
نحتاج النظر بعين الاهتمام لبقية دول أمريكا الجنوبية، فكل المؤتمرات ذات الصلة بمسلمي هذه القارة يتم تنظيمها إما في بلاد إسلامية أو تقتصر على البرازيل والأرجنتين دون غيرهما، في حين أن بقية دول القارة وكأنها ليست على خريطة اهتمام المؤسسات الإسلامية.
ماذا عن واقع التعليم لدى أبناء الأقلية المسلمة؟
– لا شك أن وجود المدارس الإسلامية له دور كبير في الحفاظ على الهوية الإسلامية للأجيال المسلمة، وكذلك التخفيف عن كاهل الأسرة التي قد تنشغل كثيراً عن أبنائها بسبب الانغماس في الحياة العملية والسعي وراء لقمة العيش، وهى الحقيقة التي لا نستطيع أن ننكرها.
ولعلي ذكرت في إجابة سؤال سابق أن الأقلية المسلمة في الباراجواي تتميز بأن أغلبها شباب يتحدثون اللغة العربية إلى جانب اللغة المحلية، فهذا يبرز الحاجة لوجود مدارس ومؤسسات تعليمية تخدم أبناء هذه الجالية، وللأسف عدم وجود هذه المدارس ينتج عنه فجوة كبيرة بين أبناء المسلمين والدين واللغة، وسرعان ما تذوب هذه الأجيال في المجتمع غير المسلم، إذ أن دور المسجد بمفرده لا يسد هذه الفجوة، كذلك التغير في السلوك والأخلاق والأفكار التي يكتسبها الأبناء خلال دراستهم في المدارس الرسمية أو الأجنبية.
(المصدر: مجلة المجتمع)