بين صفقة القرن وشيخ الأزهر
إعداد موقع البوصلة
تزامنت في نهاية شهر يناير عدة أحداث من أبرزها إعلان الإدارة الأمريكية عن صفقة القرن، وانتقاد شيخ الأزهر لرئيس جامعة القاهرة خلال مؤتمر نظمه شيخ الأزهر عن التجديد الديني، والذي يدندن حوله السيسي كثيرا في خطاباته وكلماته.
فبخصوص صفقة القرن نشرت إدارة ترامب دراسة بعنوان (صفقة القرن: السلام من أجل الازدهار) تتكون من 180 ورقة، وتمثل رؤية الإدارة الأمريكية الحالية لحل القضية الفلسطينية أو بمعنى أدق تصفية القضية الفلسطينية.
وتتضمن الدراسة المذكورة محو لكافة الحقوق الفلسطينية والعربية والإسلامية، حيث أقرت بالقدس الموحدة كعاصمة للكيان الصهيوني، ورفضت مبدأ عودة اللاجئين لتقترح تعويضهم بدلا من ذلك أو توطينهم في بعض بلاد المهجر، كما دعت إلى نزع سلاح فصائل المقاومة الفلسطينية وبالأخص في قطاع غزة بالتوازي مع اشتراط سلطة أوسلو أو أي هيئة دولية على قطاع غزة مع الوعد بتدشين جسور وأنفاق تصل بين غزة والضفة الغربية دون السماح لهذا الكيان الفلسطيني المقترح بأن يمتلك سلاحا أو يكون له جيشه الخاص بل ستتولى إسرائيل المسؤولية عن أمن الكيان الفلسطيني المقترح، كما سينفرد الكيان الصهيوني بالسيادة على المياه الإقليمية للكيان المقترح.
وفي المقابل لا تقدم المقترحات الأمريكية سوى وعدا بضخ استثمارات أجنبية تتجاوز 50 مليار دولار في الكيان الفلسطيني المقترح من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للفلسطينيين (وغالبا ستكون تلك الاستثمارات خليجية) فضلا عن إنشاء منطقة تجارية حرة للكيان المقترح مع الأردن .
دوافع إعلان صفقة القرن حاليا
تلك الخطة الأمريكية الفجة تأتي في سياق انتعاش وتنامي نفوذ محور الثورات المضادة الذي تقوده أبوظبي والرياض، ويتبعهما فيه نظام السيسي. حيث يظن هذا المحور أنه نجح في قتل أي حراك تغييري في قلب العالمين العربي والإسلامي، ويرى أنه نجح في نقل مصر ذات الثقل السكاني والموقع الاستراتيجي لتصبح ركيزة من ركائز المشروع الصهيوني في المنطقة تحت قيادة السيسي الذي لا يكف عن إبداء استعداده لبيع أي شيء مقابل المال.
وكذلك من دوافع إعلان صفقة القرن حاليا حدوث تغييرات في التحالفات الإقليمية، فلأول مرة في تاريخ العالم العربي تدخل أنظمة عربية في تحالف شبه معلن مع الكيان الصهيوني ضد الخصوم المشتركين، وتمتد قائمة هؤلاء الخصوم المشتركين بداية من الحركات الإسلامية والوطنية الساعية والداعمة للتغيير، وصولا إلى بعض الخصوم الإقليميين مثل إيران وتركيا.
أما الدافع الثالث لإعلان الصفقة حاليا، فهو وجود ترامب نفسه على رأس الإدارة الأمريكية. فترامب شخص متعجرف وبلطجي يحبذ سياسة فرض الأمر الواقع دون تجمل، كما أنه يسعى لتعزيز مكاسبه السياسية قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فالرجل ضم لقائمة منجزاته خلال الشهور الأخيرة تصفية أبوبكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة، وقاسم سليماني قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، ومهندس مشاريع التوسع الإيرانية في المنطقة خلال السنوات الأخيرة. وفي هذا السياق يريد ترامب كسب دعم الشخصيات والجهات النافذة الداعمة للمشروع الصهيوني عبر تبني حلولا تصفي القضية الفلسطينية وتسعى لفرض أمر واقع، وهو ما يحاول ترامب استثماره في التغلب على المشاكل والأزمات التي يواجهها داخل الولايات المتحدة الأمريكية كما في قضية ابتزازه لرئيس أوكرانيا مقابل فتح تحقيقات ضد نجل منافسه السياسي جو بايدن، والتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة.
في الحقيقة إن أي صراع بين طرفين لا يمكن إنهاؤه من طرف واحد طالما أصر الطرف الآخر على مواصلة الصراع وانتزاع حقوقه. والرهان في الوقت الحالي هو على الشعب الفلسطيني وجماهير الأمة المسلمة التي لا تجتمع على ضلالة ولا تزال طائفة منها تقاتل على الحق حتى يقاتل آخرها الدجال. فالأمة هي التي تصدت سابقا للاجتياح المغولي، وهي التي صدت وواجهت الحملات الصليبية المتتالية، وهي التي مازالت تجاهد وتقاوم في فلسطين وغيرها مشاريع الاحتلال المباشرة والاحتلال بالوكالة. ولذا لن تمر صفقة القرن طالما واصلت الأمة مدافعتها لخصومها.
صفقة القرن وشيخ الأزهر
كان من الملفت للنظر في تعقيب شيخ الأزهر أحمد الطيب على رئيس جامعة القاهرة محمد الخشت خلال مؤتمر تجديد الخطاب الديني الذي عقده الأزهر، أن التعقيب لم يقتصر على قضايا فقهية أو فكرية أو شرعية إنما تطرق إلى إبداء مواقف ورسائل سياسية مناوئة للمشروع الصهيوأميركي ولخطاب السيسي نفسه، كما في حديث الطيب عن شعوره بالخزي والعار لانفراد ترامب ونتنياهو بتقرير مصير المنطقة، والتأكيد على تأخرنا التقني والصناعي، وسعى الساسة لاختطاف الدين وتطويعه لخدمة أغراضهم السياسية، والحديث عن غياب حاكمية الشريعة منذ عهد الحملة الفرنسية. وهي كلها رسائل ذات دلالة لافتة تتجاوز أبعاد مؤتمر تجديد الخطاب الديني أو حتى نقد أطروحات رئيس جامعة القاهرة، وتصطدم مع خطاب زعيم الانقلاب ورأس النظام المصري الحالي عبدالفتاح السيسي في قضايا شديدة الأهمية والخطورة. وهو ما يشير إلى انزعاج مؤسسة الأزهر من الأوضاع الحالية، ووجود حد أدنى من الانتماء والولاء للدين والأمة يمنع مسايرة مشاريع فرض الأمر الواقع ويرفض شرعنة الاحتلال الصهيوني. وهو موقف إيجابي يستحق الدعم والثناء.
(المصدر: موقع البوصلة)