مقالاتمقالات مختارة

لماذا تحولت مساجدنا إلى مؤسسات دعاية للدكتاتوريات؟

لماذا تحولت مساجدنا إلى مؤسسات دعاية للدكتاتوريات؟

بقلم يوسف بكاكرية

يقول آباءنا وأجدادنا أن مجتمعاتنا في الماضي القريب كانت أفضل مما عليه اليوم، فهم عادة ما يتحججون من قلة الإمكانيات التي تحدوها ونجحوا في حياتهم، بالرغم أن قضية النجاح في حد ذاتها قضية نسبية وحتى علماء الاجتماع يجمعون على أن الفشل نفسه هو نوع من النجاح أو فيه نسبة من النجاح، وبرغم أن نظرتهم لماضيهم تتسم بنوع من الشوفينية والمثالية إلا أنهم على قدر كبير من الصحة يصل حتى السبعين بالمئة، ليس في الجانب المادي أو العلمي الحياتي، بل الأكثر في الجانب الأخلاقي، فإذا استثنينا بعض التصرفات الشاذة، نجد أن الأجيال التي سبقتنا على قدر كبير من الأخلاق وحسن التربية، لأسباب عدة أهمها أن مغريات عصرهم تختلف عن مغريات عصرنا، وأن الانغلاق التخلف النوعي الذي عاشوه انعكس إيجابا على تكوينهم الأخلاقي، حتى أن أي خروج عن السائد والمألوف ولو كان إيجابيا كان يقابل بالاستهجان في فترات سابقة.

السبب الثاني هو الدور الجبار الذي كانت تبذله مؤسسات هامة كان يتوقف عليها بناء الأجيال أولا الأسرة التي كانت أكثر اهتماما وحرصا على أبناءها من اليوم، وثاني هذه المؤسسات هي المدرسة أو المؤسسات التعليمية الرسمية، وثالثها وأهمها المساجد، لماذا أقول أهمها لأنها الوحيد من بين بقيه المؤسسات التي تضحى بقدسيتين الأولى قدسية الحياتية المادية والتعليمية والثانية قدسية روحانية دينية، سأعطيكم مثال بسيط فالولد أو الطفل قد يتمرد على الأسرة مثلا في أبسط مثال فلا يخلع حذائه عند دخوله لبيته أحيانا لكنه من المستحيل أن لا يخلع حذاءه عند دخول للمسجد لما تحظى به الصروح من رهبة وهيبة، وسئل أغلب من درسوا في الكتاتيب والمساجد والمدارس القرآنية الملحقة بها سيقول الكثيرون انهم كانوا يخافون شيوخ الكتاتيب أكثر من خوفهم من أوليائهم، فإلى أي مدى لا زالت مساجدنا تؤدي هذا الدور الريادي والمهم في تكوين النشء أخلاقيا قبل تكوينه علميا؟ وليس النشء فقط بل حتى الكبار الذين لطالما كانت لهم المساجد منابر لرفع الوعي وتنوير العقول علميا وأكثرها أخلاقيا لأن العلم قد تجده في الكتب لكن من المستحيل أن تتعلم الأخلاق وأنت تقلب صفحاتها، فالأخلاق ممارسات وليست تنظيرات وما لم تلاحظها من هم أكثر منك مكانة لن تتعلمها وتكتسبها.

صباح كل يوم جمعة تتسابق الناس في مختلف العالم العربي والإسلامي إلى المساجد. مرتدين أفضل ما يملكون متعطرين بأبهى العطور، حتى أن المساجد لا تتسع لهذا العدد الهائل وأكثرهم يصلي في الشوارع المحاذية للمساجد. شيء جميل أن ترى هذا المنظر الرهيب في شكله وانتظامه، لكن الأهم كم نسبة المصلين الذين لم يفقدوا تركيزهم وظلوا يتابعون الإمام في كل من يقول؟ وكم نسبة من وعى جيدا ما قاله الإمام واقتنع به؟ وهل لا يزال أئمتنا يؤدون واجبهم كما يجب ولا زالت خطبهم مقنعة وإذا كان كذلك لماذا لا تتغير طبيعة مجتمعاتنا إلا نحو الأسوأ؟ أم أن هناك خلل في استغلال هذه المنبر القدسي الذي كان قديما المعلم الأول والموجه الأول للمجتمعات في غياب تعليم مدني عصري؟

إن البحث عن إجابات لكل هذه التساؤلات، ليس بالأمر الهين كما يعتقد البعض، خاصة في ظل مجتمعات تتخبط في سوء الأخلاق والتخلف الاجتماعي منذ عقود من الزمن، فمحاولة إلقاء اللوم على طرف دون آخر هو نوع من التطرف وتعميق للإشكال الحقيقي، فمساجدنا التي أصبحت اليوم تتنافس في معمارها ويسخر لهذا نخبة من المهندسين والبنائين لتظهر في حلة تليق بمقامها، أصبحت اليوم تفقد أهم خصوصيتها وهي روحها وروحانيتها والطمأنينة والراحة النفسية التي تثلج صدر الإنسان لحظة دخولها إلا في بعض المناسبات كشهر رمضان والأعياد.

هذا كله شيء وضعف تكوين الأئمة والمشايخ شيء آخر، مشايخ تركوا لب الدين وأصبحوا لا يحدثوننا إلا في الفروع والقشور، أئمة مناسبات والخطب الجاهزة، هم هكذا يريدون أن يفقدوا المساجد حياديتها حين يرونها لتصبح منابر دعاية لأشياء لا تهم الفرد وليست من أولوياته، خربوا مدارسنا بمناهج ساذجة وسطحية وهاهم اليوم يريدون أن يخربوا مساجدنا بخطب ودروس يملونها على الأئمة، ليصبح الإمام كالإعلام والصحافة، هو الآخر مندوب دعاية وتبرير لمشاريعهم الفاشلة والتي لا تخدم مجتمعاتنا لا حاضرا ولا مستقبلا.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى