مقالاتمقالات مختارة

هل تكون الضفة ومخيمات لبنان مفاجأة “حماس” في عامها الثاني والثلاثين؟

هل تكون الضفة ومخيمات لبنان مفاجأة “حماس” في عامها الثاني والثلاثين؟

بقلم أحمد التلاوي

شُغِلَت الدوائر الإعلامية والأكاديمية في الآونة الأخيرة بالحديث عن حركة المقاومة الإسلامية #حماس، وجردة حساب لما حققته على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية خلال العام المنصرم، والفترة الماضية بشكل عام، بمناسبة الذكرى الحادية والثلاثين لانطلاقة الحركة.

لكن – وهي مشكلة قائمة في الحقل الأكاديمي والإعلامي في عالمنا العربي بشكل عام – غابت أو تراجعت إلى خلفية الاهتمامات النواحي المتعلقة باستشراف المستقبل، بالرغم من الأهمية الكبيرة للدراسات الاستشرافية، والتي هي في جانب منها، تعتمد على رفع دقيق للواقع، والنظر إلى الماضي لإمكان توقُّع المستقبل.

في هذا الإطار، فإن لدينا عديد مؤشرات على أن الفترة المقبلة سوف تشهد تحولات مهمة من جانب الحركة في أكثر من مجال جيوسياسي على أكبر قدر من الأهمية بالنسبة للقضية الفلسطينية.

المجال الأول، هو الضفة الغربية المحتلة، والثاني، هو مجال #اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصًا في لبنان؛ حيث أكبر كتلة للاجئين الفلسطينيين خارج الأراضي المحتلة عام 1967م؛ حيث يقدَّر عددهم بحوالي 450 ألف لاجئ فلسطيني.

في هذا الإطار رصد مراقبون تحرُّكًا مهمًّا قامت به الحركة في العاشر من ديسمبر 2018م، على جبهة لاجئي لبنان؛ حيث قام وفدٌ قيادي رفيع المستوى من الحركة، ضم أعضاء من المكتب السياسي لـ”حماس”، وقادة كبار منها، هم الدكتور محمود الزهار، والدكتور مروان أبو راس، والدكتور صلاح البردويل، والوزير السابق فرج الغول، ومشير المصري، وأبو أحمد زكريا.

هذه الزيارة وفق مراقبين، كانت مختلفة عن مثيلاتها السابقة؛ حيث شهدت أحداثًا نوعية، هي الأولى من نوعها، مثل زيارة مخيم “المية ومية” المنكوب، ولقاء الوفد مع الرئاسات اللبنانية الثلاثة؛ رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس مجلس والنواب نبيه بري، ورئيس الحكومة سعد الحريري، بجانب شخصيات سياسية وعامة لبنانية أخرى، ربما كان أهمها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، ومسؤولين أمنيين لبنانيين، منهم مدير الأمن العام ذاته.

الفقرتان السابقتان ليستا من قبيل السرد الصحفي للحدث، وإنما للدلالة على أمر شديد الأهمية، وهو تحوُّل “حماس” إلى ممثل حقيقي للشعب الفلسطيني؛ حيث يتم استقبال وفودها من جانب أكبر المستويات السياسية والأمنية والنيابية في هذا البلد، وتقوم بجولات تفقدية ترفع واقع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء، والحديث عن مشكلاتهم مع الدوائر المعنية في السلطات التنفيذية والتشريعية المختلفة في لبنان، ومعالجتها.

تحوُّلت “حماس” إلى ممثل حقيقي للشعب الفلسطيني؛ حيث يتم استقبال وفودها من جانب أكبر المستويات السياسية والأمنية والنيابية في لبنان، وتقوم بجولات تفقدية ترفع واقع الفلسطينيين في مخيمات اللجوء والحديث عن مشكلاتهم مع الدوائر المعنية في السلطات التنفيذية والتشريعية المختلفة

وهو وضع استطاعت “حماس” تطويره من خلال منظومة من العمل السياسي والرعائي واسع النطاق مع الفلسطينيين هناك، بالإضافة إلى مصداقيتها في تبني خيار المقاومة المسلحة كسبيل وحيد لاستعادة الحقوق الفلسطينية المسلوبة، وهو خيار يلخص أماني كل الشعب الفلسطيني، في كل مكان في العالم.

ولقد كان للصمود الكبير الذي أثبتته “حماس” في مواضع شتى من حروب وحصار، مع ثبات على المبدأ، وعدم تقديم تنازلات في الثوابت، مهما كانت المغريات السياسية، دورٌ كبير في ذلك.

ويمس هذا الأمر ملفًّا شديد الأهمية، وهو ملف تمثيلية منظمة التحرير الفلسطينية للشعب الفلسطيني، كطرف وحيد يتمتع بهذه الصفة؛ حيث تطالب “حماس” بإصلاح المنظمة في اتجاهات عديدة، سياسية وتنظيمية، بحيث تكون جديرة بأن تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

وهذا المطلب الذي تتفق فيه فصائل مقاوِمة عديدة، منهم حتى شركاء تقليديون لحركة “فتح” منذ قديم، مثل الجبهتَيْن الشعبية والوطنية لتحرير فلسطين، بجانب “حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين”، يتباين بطبيعة الحال مع مفردات عملية “أوسلو” وما أنتجته من أجنَّة مشوهة تكبِّل أيدي الفلسطينيين في سبيل استعادتهم لحقوقهم.

كما ساند “حماس” في ذلك، سلوك السلطة الفلسطينية، والتي قوَّضت دور مؤسسات منظمة التحرير التي تعنى باللاجئين، وأهملت كثيرًا في التعامل مع مشكلات اللاجئين الفلسطينيين.

وكانت الحرب السورية كاشفةً في هذا الاتجاه؛ حيث حققت المنظمة والسلطة الفلسطينية فشلاً ذريعًا في مسألة حماية اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم، التي تحولت إلى ساحات قتال بين مختلف أطراف الصراع في سوريا، مما ترتب عليه فرار مئات الآلاف من اللاجئين، واستشهاد الكثيرين منهم، سواء نتيجة الحرب، أو أثناء فرارهم في طريقهم إلى تركيا أو أوروبا.

وفي هذا الإطار، فإن العام 2019م، من المرجح أن يشهد تحقيق “حماس” اختراقٍ كبير في هذا الاتجاه الذي يُعتبر على أكبر جانب من الأهمية بالنسبة لملايين الفلسطينيين؛ حيث هو في الأصل أحد فرعَيْن رئيسيَن للقضية الفلسطينية، وهما: الأرض واللاجئون، وبالتالي؛ فإن أي نجاح لـ”حماس” فيه يعني نجاح سياسي كبير لها، ولأجندتها المقاوِمة.

حققت المنظمة والسلطة الفلسطينية فشلاً ذريعًا في مسألة حماية اللاجئين الفلسطينيين ومخيماتهم، التي تحولت إلى ساحات قتال بين مختلف أطراف الصراع في سوريا، مما ترتب عليه فرار مئات الآلاف من اللاجئين، واستشهاد الكثيرين منهم

الضفة وتنامي أنشطة المقاومة

المجال الجيوسياسي الثاني الذي هو على أكبر قدر من الأهمية، ويبدو أن الحركة في طريقها إلى تحقيق اختراق كبير فيه، هو الضفة الغربية التي ظلت بفعل وجود السلطة الفلسطينية والتعاون الأمني الكبير بينها وبين سلطات الاحتلال الصهيوني؛ ظلت مغلقة أمام العمل المقاوِم الذي يحدِث أثرًا على الصهاينة على النحو الذي جعلهم ينسحبون من قطاع غزة من جانب واحد، في العام 2005م.

قد لا يمكن الحديث عن صورة مشابهة في الضفة لما تم في غزة بالضبط، لاختلاف الظروف السياسية والاجتماعية والأمنية في الضفة عنها في غزة، واختلاف أهمية بعض المناطق التي يحتلها الكيان الصهيوني في الضفة، سواء دينيًّا، أو على مستوى الترتيبات الأمنية الإستراتيجية للكيان.

لكن بكل تأكيد؛ فإن الأوضاع تتغير في الضفة الغربية في الوقت الراهن، كما قال حسام بدران، المتحدث باسم “حماس” تعقيبًا على الأحداث التي جرت بين العاشر والثالث عشر من ديسمبر 2018م؛ حيث أشار إلى أن “الضفة تغلي ويتعاظم العمل فيها يومًا بعد يوم رغم التحديات والتعقيدات والملاحقات “.

بدران كان يعقب على عمليات الطعن وإطلاق النار المتتالية التي تبنتها كتائب الشهيد عز الدين القسَّام، الذراع المسلح لحركة “حماس”، في القدس ورام الله، مع نجاح المنفذين في الانسحاب بسلام من مواقع هذه العمليات، بالرغم من أنه قد تم تنفيذها من المسافة صفر.

وهو أمر يقول بأن حركة “حماس” قد نجحت في تطوير وجودها في الضفة بشكل كبير، سواء في مجال التخطيط والتنسيق للعمليات قبلها، أو في حماية العناصر التي تقوم بتنفيذ هذه العمليات (الشهيد أشرف نعالوة، منفذ عملية مستوطنة “بركان”، ظل مختفيًا لمدة خمسة وستين يوماً قبل استشهاده في الثالث عشر من ديسمبر 2018م).

وبالرغم من أن منفذي العمليات الأخيرة قد تم التوصل إليهم من جانب سلطات الاحتلال؛ فإن ذلك لم يحدث إلا من خلال تعاون السلطة الأمني مع الاحتلال، كما أنه شهد ردودًا فورية من جانب المقاومة، تقول بأنها باتت – كما أشار بدران في ثنايا حديثه – أكثر قدرة على تنسيق عمليات في مختلف الظروف.

حركة “حماس” قد نجحت في تطوير وجودها في الضفة بشكل كبير، سواء في مجال التخطيط والتنسيق للعمليات قبلها، أو في حماية العناصر التي تقوم بتنفيذ هذه العمليات

يشير الموقف الأمني المُستَجد في الضفة إلى أن هناك قرارًا سياسيًّا من جانب “حماس” بتفعيل جبهة الضفة ، وهو ما يتصل بملف سياسي على أكبر جانب من الحساسية في المرحلة الراهنة، وهو ملف توحيد الكيان الفلسطيني على أراضي الـ67.

ولا نقصد في هذا المُقام ملف المصالحة الفلسطينية العقيم، ولكن الغاية الأهم التي كانت تفرض على السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” التحرُّك في ملف المصالحة لأجله، وهو توحيد الكيان الفلسطيني على الأراضي المحتلة عام 1967م، توحيدًا سياسيًّا وجغرافيًّا، من أجل تمتين الجبهة الداخلية الفلسطينية من أجل استكمال مسيرة تحرير فلسطين.

هنا، وبشكل موضوعي؛ نجد تطابقًا كبيرًا بين موقف ومصالح السلطة الفلسطينية وأجنحة في “فتح” مع الموقف والمصالح الصهيونية؛ حيث كلا الطرفَيْن من مصلحته استمرار الانقسام الحالي .

في مقابل ذلك؛ فإن “حماس” أعلنت في أكثر من موضع، وبصورة تأكدت منها أطراف إقليمية ودولية، ومنها مصر، الراعي الرئيس لمحادثات المصالحة الفلسطينية، من حسن نوايا “حماس” منها، أنها – أي “حماس” – على استعداد كامل للمصالحة وإجراء انتخابات جديدة.

وهذا تتنصل منه السلطة الفلسطينية وحركة “فتح” في كل مرَّة، وقوفًا على نقطة من المستحيل موافقة “حماس”، أو غيرها من المجموع الفلسطيني، عليها، وهي تسليم سلاح المقاومة أو تقييده بقيود عملية “أوسلو” واتفاقياتها، وإلا انهارت “حماس” من أساسه أمام شريحة جمهورها التي منحتها ثقتها لأجل برنامجها، وليس لأي اعتبار سياسي أو أيديولوجي.

في هذا الإطار، ربما يشهد العام 2019م، والعام 2020م، تطورات كبيرة في هذَيْن الاتجاهَيْن، وفق معطيات حقيقية على أرض الواقع الآن.

ولئن كان هناك أية دلالات مهمة لذلك كله؛ فإن أهم هذه الدلالات هو أنه تبقى أن للحركة رؤيتها الشاملة، وأنها لا تتبنى أية سياسة إلا بناء على تخطيط سليم ، حتى لو كان طويل المدى، وهو من أشق ألوان التخطيط، بالإضافة إلى أنها لم تدع للتحديات الكثيرة التي تُستَجد في كل لحظة، بتعطيلها، مع تركيزها في برامجها وخططها على المديَيْن المتوسط والطويل.

فتكون الحركة بذلك، نموذجًا مفيدًا ويتحذى أمام الحركة الإسلامية للعمل تحت ضغط – وأي ضغط؛ حيث وصل الموقف إلى حروب شاملة، وبمختلف الأدوات، الأمنية والسياسية والعسكرية والإعلامية، وبمختلف الصور، من حصار وقصف واغتيالات!!

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى