مقالاتمقالات مختارة

بعد القدس.. مكة هدفهم القادم

بعد القدس.. مكة هدفهم القادم

بقلم علي الصاوي

“إنني أشـم رائحـة بلادي في الحجاز، وهـي وطنـي الذي عليّ أن أسـتعيده مرة أخـرى، الآن أصبـح الطريـق مفتوحًا أمامنا إلى مكة والمدينة، لقد اسـتولينا على القـدس واسترجعناها ونحـن اليـوم في طريقنـا إلى يثرب، وسـوف يـأتي اليـوم الـذى نقـف فيه كعملاق ضخـم يغسـل قدميـه في مياه البحـر الأحمر والخليج العربي”.

كلمات قالتها رئيسة الوزراء الإسرائيلية “جولـدا مائيـر” أثناء زيارتها إلى مدينـة أم الرشراش المصرية بعـد حـرب 67، تداعب حلمًا إسرائيليًا قديمًا، ولد بخيانة عربية وتغذّى عليها حتى كبر وتحول إلى وحش كاسر، يسرح ويمرح على مرأى ومسمع من الجميع في منطقة منقسمة داخليًا ومهزومة نفسيًا دون أي رد يذكر، يواجهونه بمقاومة متفرقة وبيانات شجب واستنكار لا تزيدنا إلا وهنًا على وهن، حتى صرنا أضحوكة الشرق والغرب.

بعد إعلان ترامب تفاصيل صفقة القرن بمباركة عربية، ما عاد هناك متسع لكلام بُحت الأصوات من كثرة ترديده، ولا نملك إلا أن نُجيب على سؤال قديم لنزار قباني، حين قال: متى يُعلنون وفاة العرب؟ فنجيبه: الآن حان وفاة العرب!

 لم يكـن أحـد يتوقع أن من سـيجلد الأمة بسـوط الخيانة والتآمر وهـي في أوج مراحـل ضعفها هم أبناؤهـا الذين سـاقتهم الأقدار أن يتولـوا شـؤنها، ليـس لأنهم الأفضل والأقدر على قيادتـها، ولكن لأنهم الأكثر قـدرة على تنفيـذ أجنـدات الاستعمار الخارجي نيابة عنـه، بعـد أن وجـد فيهـم الولاء والموالاة مقابـل دعـم دولي دائم يعـزز بقاءهم في السـلطة أطول فترة ممكنة، لم يعد يخفى على أحد أن أزمـات الأمة الحالية ليسـت سياسـية أو اقتصادية أو دينيـة ولكنها أزمـة زعامـة، انحـدرت إلى مسـتوى مشين مـن العمالة والانبطاح.

يظن حكام العرب أنهم بتصفية القضية الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني سيجعلون موقفهم السياسي أقوى من ذي قبل لتبدأ حقبة جديدة من السلام والتعايش، ونسوا أن إسرائيل لن تقبل بأي دولة أخرى تزاحمها في زعامة المنطقة فطموحها السياسي والجغرافي لا حدود له، وسيكونون كما قال الأديب مصطفى صادق الرافعي: “إن اليهود يخبئون فكرتين خبيثتين، أن يكون العرب أقلية، ثم بعد ذلك يكونوا خدما لليهود”.

فإن كان هؤلاء يخدمون اليهود الآن طوعًا، فغدًا سوف يخدمونهم أذلة وهم صاغرون، بعد أن تنسحب أرضهم من تحت أيديهم، ولن تكون مكة المكرمة في مأمن من الخطر أو على الأقل تكون تحت سيطرتهم وإدارتهم، والحيل كثيرة والأسباب متوفرة، وهذا ما قاله الرئيس التركي أردوغان: “إن القدس ليست مجرد مدينة، بل رمز وامتحان وقبلة، فإذا لم نستطع حماية قبلتنا الأولى فلا يمكننا النظر بثقة إلى مستقبل قبلتنا الأخيرة مكة، فمن يبيع القدس سيهون عليه بيع إخواتها، فالمقدسات لا تتجزأ والبيع سيكون سهلًا ما دامت الفكرة جاهزة ولها دعاتها”.

وفي كتابه “مكان تحت الشمس” يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو “إن حدود دولتنا ليست فلسطين فحسب، بل تمتد إلى الأردن وبعض الدول العربية، وحتى خيبر في السعودية”. وحين سُئل أحد القادة العسكريين عن حدود دولة إسرائيل قال: “إن حدود دولتنا حيث توجد دباباتنا وأقدام جنودنا”، لذلك لم يضع الكيان الصهيوني لنفسه دستورًا حتى الآن لأنه سوف يفرض عليه رسم حدود دولته المزعومة، وهذا هو مخططهم بعيد المدى.

لكن الغريب هو إعطاء ترامب للفلسطينيين مهلة أربع سنوات للقبول بالصفقة بالرغم من توفر الأرضية للبدء في تنفيذها، ما يؤكد أن هناك زعيم جديد يتم إعداده من وراء الكواليس للقبول بالصفقة بعدما تختمر تمامًا، فترامب يعلم أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لن يقبل بها مطلقًا، وبالتالي ففي خلال هذه المدة سوف يتم تجهيز العميل محمد دحلان ليكون خلفًا لأبو مازن، ثم تبدأ إسرائيل بتنفيذ خطتها بشكل كامل بعد أن تكون دول الخليج جهزت مليارات التمويل وهيأت المناخ اللازم سياسيًا وإعلاميًا لتمرير الصفقة.

إن اللغة الوحيدة التي يفهمها نظام المافيا العالمي هي القوة، فمعارك التحرير الوطني لا تنتصر من خلال رفع دعاوى قضائية أو مرافعات حنجورية على منصات الأمم المتحدة وغيرها، فكل هذه المنظمات مجرد هياكل فارغة يتحكم فيها طغاة ومجرمون، لذا ففي حال اتحدت كل الفصائل الفلسطينية ونحت خلافتها الداخلية جانبا فلن تتمكن إسرائيل من مواصلة ما تقوم به، فبعد أن فقدنا الأمل في قيادة الأمة، لم نجد ما نعول عليه سوى أن توحدوا صفوفكم تحت راية واحدة لدحر العدوان وإفشال مخططاته.

(المصدر: ترك برس)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى