هوية الأقلية المسلمة في الهند مهددة بالخطر
بقلم نثار أحمد حصىر القاسمي(*)
المسلمون في الهند متضايقون منذ سنوات، ومتضجرون من أنواع المؤامرات والفوارق العنصرية التي تمارس ضدهم في كافة المجالات والأصعدة من الدين والسياسة والمعيشة وسواها، وإبان هذا الوضع المؤلم القاتم وردت أنباء مرعبة من ولاية أترابراديش بالهند صعدت مخاوفهم وعرضت هويتهم للخطر والانطماس، وقد تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي هذه الأخبار، وردود الفعل عليها، تفيد الأنباء بأن منطقة ذات أغلبية السكان المسلمين بمحافظة – غور كبور – يتم اختطاف البنات والفتيات المسلمات فيها واغتصابهن بالطرق المخططة الممنهجة منذ تولي حزب «بي جى بي» (B.J.P) زمام الحكم في الهند.
وقد بعثت منظمة «المجلس الاستشاري للمسلمين لعموم الهند» وفدًا للتأكد من هذه الأنباء إلى المنطقة، وأكد الوفد في بيان أدلاه بالأمس أن هذه الجريمة تستمر منذ فترة من قبل المنظمات الهندوسية المتطرفة وعناصرها المتشددة، ولم تسلم من اعتدائهم حتى المراهقات اللاتي يقل عمرهن من 12 سنة، وقد تم إدخال هذه الفتيات بعد اغتصابهن في الديانة الهندوسية قهرًا، ومن ثم تزويجهن بالشباب الهندوس من المنبوذين، حيث يعشن الآن كزوجات لهم، وعدد لا بأس به منهن، مفقودات لم يعثر عليهن بعد، ومنهن من نجحن في الهروب من براثنهم واللحوق بآبائهن، ووفق بيان الوفد يتورط في هذه العملية الإجرامية منظمة «هندو يووا واهني» (كتيبة الشباب الهندوسية) التي يتزعمها «يوغى أدتيه ناتهـ» أحد النواب من حزب «بي جى بي»، وتحت رعايته وتحريض منه، ووفق بيان الوفد المنشور في الصحف الهندية تحول هذه المختطفات من أماكن الاختطاف إلى مقر محافظة «غور كبور» حيث يتم إدخالهن في الديانة الهندوسية في المعابد (المنادر) قسرًا ثم تزويجهن بالشباب الهندوس من المنبوذين الأراذل.
علمًا بأن هذا الزعيم الهندوسي هو الذي أدلى ببيان قبل أسابيع ناشد فيه الشباب الهندوس وعناصر منظمة يرأسها وطالبهم باغتصاب المسلمات حتى المتوفيات، ومن جانب آخر يقول التقرير: إن إدارة المحافظة والشرطة وأجهزة الأمن تتدخل في شؤون المسلمين الدينية، وتحول دون إعمار مسجد أو ترميم القديم منه وتوسيعه، وتهددهم باستخدام القوة إن اجترؤا على الإقدام عليه، وهذا ما شجع عناصر المنظمات الهندوسية المتعصبة لاقتراف مثل هذه الجريمة النكراء.
وهذه هي المنطقة التي تعرضت لأعنف الاضطرابات الطائفية الدينية قبل عامين، قتل فيها مئات المسلمين، ودمرت منازلهم، وأجبروا على النزوح والتشرد، وكل هذه الأعمال الإجرامية تمارس على مسمع الحكومة الإقليمية والمركزية ومرآهما، ولم تحرك ويلات المسلمين ساكنهما.
ومما لا ينطح فيه عنزان أن هذا الوضع الحالك يدعو المسلمين وقادتهم للتفكير في مستقبلهم في ظل الحكومة الراهنة التي أطلقت عنان المتطرفين المشاغبين لإرهابهم وإيقاعهم في العقد النفسية والشعور بالدونية، فإن لم يتم اتخاذ الخطوات السريعة الجادة لردع مثل هذه الظاهرة ومكافحتها في عنفوانها تعرضت هويتهم الدينية للخطر ويستحيل الحفاظ عليها.
وقد أعرب الكثير من حملة الضمائر الحية من الهندوس عن ردود فعلهم فور انتشار هذه الأنباء على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا متذمرين: إنها جريمة نكراء تعارض الإنسانية، ولا بد من الحد منها، وكبح جماح من تسول له نفسه، وطالبوا بمعاقبتهم، وفرض الحظر على مثل هذه المنظمات المنحرفة المعادية للأمن والاستقرار والأخوة والوئام، وإلجام عناصرها.
فلو بذلت المساعي المخططة في عنفوانها الآن لمكافحة هذه الظاهرة المهددة لمستقبل المسلمين وإخماد نيرانها وإفشال مشروع من يريد إثارة البلبلة بين الأقليات؛ فإن مساعيهم تتلقى الترحيب من غالب الطوائف الهندوسية غير المتعصبة.
وهنا يجدر بالذكر أن زعيم منظمة «وي ايتش بي» (VHP) – الجناح العسكري لمنظمة «آر ايس ايس» (RSS) التي ينتمي إليها حزب بي جى بي (BJP) الحاكم كجناح سياسي- قد أعلن مخاطبًا المؤتمر السنوي للمنظمة ومقدمًا التقرير السنوي وإنجازاتها، أن المنظمات التابعة لـ«آر إيس إيس» قد قامت بإدخال سبع مئة وخمسين ألف شخص من المسلمين والمسيحيين في الديانة الهندوسية منذ عشر سنوات ماضية، وأضاف قائلا: «إن المنظمات الأخرى المماثلة تقوم بإدخال أربعين ألف شخص سنويًا في الهندوسية وتخطط لتصعيد مناوراتها في ظل الحكومة الراهنة التي تؤيدها وتتعاطف معها».
على القادة المسلمين والمنظمات والمؤسسات الإسلامية أن تأخذ هذا الإعلان بعين الاعتبار وتتخذ الإجراءات اللازمة السلمية للحيلولة دون مثل هذه المخططات لإنقاذ المسلمين من وقوعهم عرضة لأطماع الديانة الباطلة التي ما أنزل الله بها من سلطان والحفاظ على أعراضهم، ولابد لنجاح المساعي من التضامن مع المسيحيين الذين هم المستهدفون الآخرون من قبلهم، وكسب ثقتهم ومن ثم التحرك السريع في ظل القانون والدستور لإعداد العدة الناجعة، كما عليهم أن يكسبوا الهندوس المعتدلين المتعاطفين إلى صفوفهم كي تتكلل مساعيهم بالنجاح ونتمكن من إنقاذ حياتنا الدينية.
ألا يكفي مثل هذه الوقائع الإجرامية لهز الضمير العالمي والحقوق الإنسانية ووسائل الإعلام العالمية التي تقيم القيامة عند ما تحدث فرديًا ما يشابهها ضد غير المسلمين في بقعة من بقاع العالم؟
* * *
حتى لا تفقد الجمهورية مصداقيتها
في السادس والعشرين من شهر يناير عام 2016م قد احتفلت الهند بعيدها الجمهوري الوطني في ظل المخاطر والتحديات الإرهابية التي تشهدها الدولة ويواجهها الشعب الهندي، فقد حذرت الأجهزة الأمنية المواطنين من إمكان حدوث التفجيرات وتنفيذ عمليات إرهابية في طول الهند وعرضها، وفي السنوات الماضية كانت تهول مخاوف الهجوم من قبل المنظمات الإرهابية المترعرعة في الدول المجاورة الحاضة لها، ولكن اليوم قد تحولت المخاوف والتأهب منها إلى الدولة الإسلامية (داعش) وقد ادعت الأجهزة الأمنية باعتقال ثمانية عشر شابًّا بتهمة الإرهاب كانوا يشكلون خطرًا على الأمن القومي حسب ادعائها.
المخابرات الهندية التي تسربت إليها المعلومات عن وجود عناصر «داعش» و«جيش محمد» في «الهند» والتعشش في أراضيها اتخذت التدابير اللازمة لتفادي أي تفجير وهجوم محتمل والتصدي للتحديات والتهدىدات الأمينة، وبفضل هذه المخابرات والأجهزة ظلت «الهند» تخطو حثيثًا نحو التقدم والازدهار حتى انتعشت معيشتها، وتطورت قدراتها، وناهزت الصين في كافة المجالات، وفاقت الدول النامية الأسيوية، وهذا ما يفتخر عليه، ولكن اعتقال الشباب الأبرياء بذريعة الدواعش وباسم تطهير أرض الوطن من الإرهاب عملية مزرية و سيئة للغاية تفقد بها الدولة مصداقية الجمهورية التي ينشدها الشعب، وتحيد عن جادّة الحق وهدفها السامي، والأمن القومي إن أصبحت تابعًا لنظرية الحزب الحاكم وأداة لتحقيق مشروعه الطبقي والطائفي، فلابد وأن يتعمق الشعور بالإحباط والقنوط والاغتراب وتتراكم المشاكل والقضايا وتتأزم الأوضاع فضلًا عن أن تذوب وتنحل.
والحكومة التي تندفع إلى الانتقام من طبقة أو طائفة أو شريحة من المجتمعات تحاول دومًا إبراز وجه جديد للإرهاب وتقوم بذر الرمال في أعين المواطنين وتعميتهم وتضليلهم، ويعرف الجمىع أن حكومة حزب المؤتمر الوطني (National Congress Party) السابقة قد بذلت قصارى جهدها في تهيئة نفسية وتكوين عقلية لدى الشعب تجاه التهديدات الأمنية بأنها قادمة من قبل مخابرات الدولة المجاورة ISI بما ينصرف الذهن تلقائيًا إليها عقب كل عملية إرهابية وإن تورط فيها أحد أو جهة سواها.
لا شك أن العملية الإرهابية تهديد كبير وخطر جسيم وتحد سافر للدولة ولابد من مكافحتها وعدم التقصير فيها، ولكن نسبتها إلى ديانة أو طائفة بعينها وإثارة موجة النقاش والانتقاد من زاوية خاصة وإدراجها ضمن الطوائف والمنظمات الإرهابية دون التحقق والتثبت إنما هي بمثابة السعي لتصعيد النفور والكراهية بين شعوب الدولة وبوجه خاص ضد الأقليات التي لا تدين بدينها، وهذا يورث ما لا يحمد عقباه، من مشاعر الإحباط واليأس والاضطهاد والمضايقة التي تعيشها جرّاء التمييز العنصري.
والحكومة القائمة التي تجعل الشباب المسلمين الأبرياء ضحية للتستر على تقصيراتها وسوء إدارتها ىشكل تعاملها مع الشعب في هذا الاتجاه أبشع أنموذج للإدارة الانتقامية، وبمناسبة الاحتفال بعيد الجمهورية الوطني يحق للشعب أن يحاسبوا الحكومة المنتخبة منهم على ممارساتها وإنجازاتها، والأحزاب المعارضة التي يمكن أن تحقق صوتًا للجماهير تفضل الاهتمام بمصالحها السياسية دون مصالح الشعب وحقوقهم، وهذا ما جعل الحكومة لاتهتم بمكافحة العمليات الإرهابىة الحقىقىة و الحوادث التي ترهب المجتمعات، ولا تتعامل معها بجدية للسيطرة عليها، وتصرف جل اهتمامها نحو إساءة طبقة وتشويه صورة ديانة، وهذا الاحتقال بالعيد الجمهوري يستوجب العمل بمقتضيات الجمهورية، وحينما يتم اتخاذ الخطوات التعسفية في المؤسسات التعليمية لإغلاق الطرق على وجه مستقبل الطلبة من المنبوذين والأقليات ويسيء الوزراء استخدام صلاحياتهم بطردهم من حرم الجامعة وإلغاء تسجيلهم كيلا يجدوا سبيلًا لحياتهم إلا الانتحار، فإن الجمهورية تفقد معنويتها وتذهب دعاوي الانتعاش والازدهار والتطور أدراج الرياح، والعناصر التي كانت تعزز قوتها الطائفية العنصرية بذريعة الإرهاب هي التي تنخر اليوم في كيان الجمهورية وتغير على حياة الشعب وحقوقهم التي منحها الدستور الجمهوري.
وهنا يتحتم على الشعب الهندي أن ينهضوا ويهبوا لإحياء العمل الدمقراطي والحفاظ على هيكلها وإفشال كل محاولة تهدف نسفها وتدميرها، على الشعب الهندي أن يقوموا بإبراز جوانب الحكومة السلبية وإحباط المؤامرات المعادية المنسوجة ضدالجمهورىة و القومية قبل استفحالها، وعلى المسلمين والطبقة المنكوبة المتعرضة للاضطهاد والتمييز العنصري أن لا يتورطوا في مشاعر الإحباط واليأس، والعمل بجدية لتعزيز الجمهورية التي تكفل الحرية والكرامة للجميع.
* * *
(المصدر: مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند)