مقالاتمقالات مختارة

صفقة الاحتلال

صفقة الاحتلال

بقلم د. جمال عبد الستار

في استهانةٍ بالغةٍ بالشعوب العربية والإسلامية، وفي اطمئنانٍ خادعٍ لخطرها وأثرها، واعتداءٍ سافرٍ على معتقدها ودينها وهويتها، وفي حالة انفصامٍ نَكِدٍ بين الأنظمة العربية وشعوبها – حيث أصبحت تمثل إرادة الاستبداد العالمي وليس إرادة الشعوب – أصدر ترمب خطته لإعلان الاحتلال العالمي للقدس وفلسطين.

أعلن خطته بعد أن تآمر مع مندوبيه من الأنظمة الحاكمة في المنطقة، بعد أن أهدروا كرامة الشعوب، وصادروا إرادتهم، وأغلقوا الأفواه، وكسروا الأقلام، وأشاعوا الرعب والإرهاب في كل مكان.

ما كان لترمب:

وما كان لترمب أن يتجرأ على تلك الجريمة لولا أن أعانه النظام السعودي بمليارات الدولارات، وعشرات الفتاوى، ودعم التطبيع، ونشر الفساد والانحلال.

ما كان لترمب أن يُعلن عن جريمته لولا أن أكثر علماء الأمة ما بين أسير وقتيل ومطارد ومحاصر!!

ما كان لترمب أن يتبجح بجريمته إلا بعد أن قام وكلاؤه في المنطقة بقتل مئات الآلاف من شباب الأمة المجاهد في مصر واليمن وسوريا والعراق وغيرهم، واعتقال من تبقى منهم خلف أسوار الطغيان والاستبداد.

ما كان لترمب أن يفعل ذلك إلا بعد أن تسلّط إعلام الوكلاء على ثوابت الأمة، وقيمها ومفاهيمها بالتحريف والتخريب والتغريب،

حتى صار المحتل حليفا والمقاومة عدوانا! وأضحى الاغتصاب اعتدالا والمقاومة إرهابا!

ولكن هل يمكن للأمة أن تقاوم الاغتصاب العلني والتآمر الدولي في ظل التفرق والتشتت وغياب القيادة الملهمة والرؤية العلمية الملزمة؟

أقول إن قرار فلسطين ليس في يد ترمب ونتنياهو وعصابة العملاء والوكلاء، ولكن القرار الفاعل جعله الله في يد الشعوب الإسلامية التي يبلغ عددها ما يزيد على مليار ونصف.

نعم القرار لها بأن تصحح انتماءها لراية الإسلام والمسلمين القدس المباركة، قال تعالى: “الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” سورة الأنبياء، الآية (71).

أن تثق في وعد الله تعالى بأن القدس عائدة، وأن طائفة بيت المقدس وأكناف بيت المقدس لا محالة منتصرة، وأنها مقبرة المعتدين وسيف الله على الطغاة المجرمين، وأن بركتها ممتدة إلى يوم الدين.

قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس”.

القرار بأن يعلم كل مسلم أن الجهاد الشرعي قد أوجبه الله عليه حسب قدرته وإمكاناته، وعليه أن يقرر الوسيلة التي سيجاهد بها نصرة لدين الله تعالى وقبلة المسلمين الأولى.

المقاومة الشاملة:

القرار أن تتوقف قيادة المقاومة عن خطاب الشعب الفلسطيني منفردا بل عليها أن تتوجه بخطابها وتشكيلاتها وخططها لكل المسلمين في العالم، وأن تصبح المقاومة شاملة كشمول العداء ومتنوعة كتنوع العداء وواسعة كاتساع العداء.

قال تعالى: “وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ” سورة التوبة الآية (36).

 القرار بأن تبدأ الدعوة لإضراب عام ليوم محدد في سائر أقطار المسلمين وشتى البلدان، وربما يكون هذا الإضراب حال نجاحه وسيلة ناجعة للتخلص أيضا من العملاء والأذناب.

القرار أن نقوم بدعم المقاومة دعما سخيا شاملا لا يتوقف على جانب دون الآخر، خاصة الجانب المادي والإعلامي حتى نقطع الطريق على سحرة الفراعنة الذين يبثون سمومهم وألاعيبهم على الشاشات ليل نهار.

القرار أن نصنع حالة غضب عامة داخل الشعوب ونتحرك معا للتعبير عن هذا الغضب في كل قطر بما يناسبه.

القرار أن نتعالى على خلافاتنا الداخلية ونزاعاتنا الأيدلوجية، وأن نرتقي لمستوى الحدث ونستشعر حقيقة الخطر وعظيم الخطب.

القرار أن نكتب مستنكرين لتلك الجريمة الشنعاء بكل اللغات وعلى كل وسائل التواصل، وبشتى وسائل التعبير، وألا نمل من الكتابة والنشر لتصل أصواتنا لكل البشر والحجر والشجر.

القرار أن يقوم كل أصحاب مهنة أو تخصص بالاجتماع واتخاذ الإجراءات والوسائل التي يمكن أن يقاوموا بها الاعتداء الغاشم والتآمر الوقح.

القرار أن نعلم أن لله سننا لا تتغير ولا تتبدل، فإما أن نأخذ بها وإما ستلحق بنا تداعيات تقصيرنا وخزي تقاعسنا وتقاعدنا، قال تعالى: “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ” سورة محمد، الآية (38).

(المصدر: الجزيرة مباشر)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى