مقالاتمقالات مختارة

اللّوبي الصهيوني في فزع

اللّوبي الصهيوني في فزع

بقلم محمد الحسن أكيلال

يبدو أن الكرة الأرضية زادت في سرعة دورانها حول نفسها وحول الشمس، الكوارث الطبيعية اشتدت حدتها بفعل تغير المناخ وسرعة ذوبان جليد القطب الشمالي ما يهدد فعلا السلسلة الغذائية للدببة القطبية أولا ثم يأتي دور مفترسات السافانا في منطقة خط الاستواء، وهي المحنة التي تنتظر البشرية في المستقبل، لأن تناقص الموارد الطبيعية والثروات والمواد الأولية أصبح واضحًا جدًّا في هذه الأيام ما جعل المفترسين من البشر من سكان الشمال يتحركون في كل الاتجاهات للإعلان عن بداية توثبهم للانقضاض على بني جلدتهم من الآدميين المساكين من سكان الجنوب.

أولى الإشارات الدالة على هذه المحنة ظاهرة للعيان في مؤتمر قمة العشرين لأغنياء العالم الذي انتظم في “بيونس آيرس” عاصمة الأرجنتين، بحيث جاء إلى هذا المؤتمر رؤساء وممثلو دول بلغ الصراع بينها أوجه، بل أضحت الحرب التجارية عنوانا له، والكل مقتنع وراض به.

أكبر قادة الدول الكبرى المفترسة “الولايات المتحدة الأمريكية” الرئيس “دونالد ترمب” حضر إلى المؤتمر منهكا مرتبكا متعبا    مما عانى ويعاني في بلاده ومن طرف شعبه ونخبته التي اكتشفت أنها خدعت باختياره رئيسًا للبلاد ولكونه غير مؤهل أصلا لإدراك ورؤية وتلمس الخيط الرفيع الذي تلتقي فيه ما هي استراتيجية وما هي القيم والمبادئ التي تأسست عليها الدولة الأمريكية؟ فذهنية رجل الأعمال والمال والسمسرة غلبت ذهنية الرئيس الذي من المفترض أن يكون متشبعا بأخلاق وقيم ومثل أسلافه مثل “جورج واشنطن” و “أبراهام لينكولن” و “روسفلت” و “ويلسون” و “جون كينيدي”، لكن يبدو أن المستوى الثقافي الذي حازه ووسطه الاجتماعي أبقياه حيث هو واحدًا من هؤلاء الذين اختاروه لكونه يفكر مثلهم لأنه من طينتهم وهم من العامة البعيدين كل البعد عن أصحاب الأفكار الكبرى التي أسست وبنت الولايات المتحدة الأمريكية وجعلت منها في ظرف قصير من الزمن القوة الأكبر التي تحكم العالم.

لقد جاء إلى المؤتمر حاملا معه كل أدوات التهديد والابتزاز والاحتيال ليعرضها أمام الحضور؛ فإلى جانب “محمد بن سلمان” ولي عهد المملكة العربية السعودية كنموذج لملك المستقبل كما اقترحه هو، والذي أحيط بجريمة اغتيال كاتب صحفي مرموق وجريمة أكبر تتمثل في أطفال اليمن وصور مدنها المدمرة بالأسلحة الأمريكية وتسجيلات عن تصريحاته عما أسماه بــ “صفقة القرن” التي تكرس نهائيا احتلالا لا شرعيا لفلسطين من طرف اليهود الصهاينة والرمي بشعبها إلى الشتات ظلمًا وعدوانًا.

إلى جانب هذه المعروضات عرضت صور لمظاهرات الشعبويين في أوروبا والأحزاب التي فازت في الانتخابات على أنقاض الديمقراطية وحقوق الإنسان في هذه القارة التي يبدو أن السيد “ترمب” يريدها أن تعود القهقرى وتجيش الجيوش للغزو واحتلال أراضي الشعوب الضعيفة.

بالمقابل يأتي إلى المؤتمر رئيس أكبر دولة من حيث الكثافة السكانية في العالم وهي تقترب لارتقاء أعلى درجات الثروة والغنى في العالم مزيحة لأمريكا “ترمب” أمامه، ومعه حليف قوي يشترك معه في الأسس الإيديولوجية السابقة (المعسكر الشيوعي). هذان الحليفان يحملان معهما صورة لحزام وطريق الحرير وصور الشعوب المستضعفة التي نالت حريتها واستقلالها بدعمهما ومساعداتهما لها.

المؤتمر انفض دون نتيجة تذكر إلاّ وعدا بضرورة إصلاح منظمة التجارة العالمية التي لم يترك لها السيد “ترمب” بإجراءاته الحمائية   ما يمكن لها أن تستعيد به عافيتها اللهم إلاّ إذا راجع قراراته وإجراءاته هذه.

المؤكد الآن أن القوة التي دفعت به لتبوؤ سدة الحكم في بلاده والتي يبدو أنها هي التي علمته الابتزاز هي اللّوبي الصهيوني الذي ظن أنه استطاع تحقيق الانتصار التاريخي وإتمام إنجاز الحلم الصهيوني في فلسطين وكل الوطن العربي الذي كاد فعلا أن يتحول إلى أراضٍ لمملكة سليمان التاريخية وعاصمتها القدس التي يدمر فيها الأقصى ويبني على أنقاضه الهيكل المزعوم.

لكن أخطاء هذا اللّوبي الذي منح كل ثقته لـــ “نتانياهو” الذي أملى على “محمد بن سلمان” فكرة التخلص من “جمال خاشقجي” الذي أصبح يشكل خطرًا على اللّوبي الصهيوني في أمريكا والعالم وعلى عملية التطبيع العربي مع دولته الشيء الذي سرع عملية إماطة اللثام عن الخيانة التاريخية للمملكة العربية السعودية وجاراتها الخليجية وانكشافها أمام الشعوب العربية والعالم مثلما انكشفت الجرائم التي قامت بها هذه الصهيونية في المنطقة وظهرت للعيان أنها هي التي تشكل خطرًا على السلم والأمن الدوليين.

إن أخطاء “ترمب” المتتالية منذ انتخابه سرعت بإنضاج وعي ورأي عام عالمي بدأ هجومه المضاد ضد الصهيونية ودولتها        في فلسطين وافتضاح المملكة العربية السعودية بجرائمها ضد الإنسانية في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين لم يترك له مجالا للحركة والتخفي من جديد، ولم يبق أمام هذا الأخطبوط الشرس إلاّ الرئيس “ترمب” وهو يوزع التصريحات المتناقضة المرتبكة دفاعا عنها في هذه الفترة من عمرها وهي تعاني من بداية إعادة تكوين محور المقاومة والممانعة بفضل تعاون وتظافر جهود روسيا الاتحادية المتحالفة مع إيران والصين الشعبية.

المستقبل القريب سيكون كما يذاع في القنوات الفضائية الإسرائيلية حربًا ضروسًا ستنشب بينها وبين المقاومة على جهتين، جهة شمالية يخوضها حزب اللـه اللبناني والجيش السوري، وجهة جنوبية تخوضها المقاومة الفلسطينية الرابضة في قطاع غزة، وهذه الحرب هي التي أرعبت اللّوبي الصهيوني والمستوطنين الصهاينة في فلسطين المحتلة.

(المصدر: صحيفة البصائر الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى