“ثغور المرابطة”.. أحوال الأمة من زاوية نظر فيلسوف (2-2)
ثغور المرابطة: مقاربة ائتمانية لصراعات الأمة الحالية
المؤلف: طه عبد الرحمن
مكتبة نوميديا
منشورات مركز مغارب للدراسات في الاجتماع الإنساني
الطبعة الأولى 2018 سلا ـ المغرب
254 صفحة
يواصل الكاتب والباحث المغربي بلال التليدي في الجزاء الثاني من عرضه لكتاب الفيلسوف المغربي طه عبد الرحمن “ثغور المرابطة”، متابعة ما جاء في هذا الكتاب، وانتقال الفيلسوف المغربي من عالم الفكر التنظيري إلى عالم السياسة.
وبعد إعادة عرضه للقضية الفلسطينية باعتبارها جوهرا للصراع “الإسلامي-الإسرائيلي”، يبحث طه عبد الرحمن، في القسمين الثاني والثالث ما يسميه “الائتمانية ومداخل حل صراع النفوذ بين النظامين السعودي والإيراني”.
التشيّع في مقابلة الوهابية
ينطلق الدكتور طه عبد الرحمن من تقرير واقع الصراع في النفوذ بين النظامين السعودي والإيراني، وارتهان الأمة لعداء القوتين، ويستعرض وسائل نفوذ النظام السعودي، ويلخصها في القوة الدينية والمذهبية التي تمثلها الوهابية، والثروة النفطية، ويرى أن موالاة النظام السعودي للعدو المغتصب لقبلة القدس يعرض الأمة الإسلامية لنقصان في قوة توجهها، ثم يعرض بعد ذلك لوسائل النظام الإيراني، معتبرا أن الاجتهاد السياسي والعقدي الذي قدمه الإمام الخميني (ولاية الفقيه) حل العديد من العقبات العقدية أمام الفكر الشيعي، ومنها على وجه أخص: الوصية، والعصمة، والغيبة، وضيق الفقه.
موالاة النظام السعودي للعدو المغتصب لقبلة القدس يعرض الأمة الإسلامية لنقصان في قوة توجهها
ويذهب الكاتب إلى أن العقيدة الخمينية الجديدة تحدت المذهبية الوهابية، بتوسيع الفقه، وتوسيع مجال الامتداد، ففي الوقت الذي فصلت فيه الوهابية بين الديني والسياسي، مقتصرة فقط على مسائل الدين، تاركة للنظام السياسي تدبير قضايا السياسة والحكم، جمعت العقيدة الخمينية بين السياسي والديني، ولم تجعل نشر الثورة قضية مخصوصة بقطر أو حدود، وإنما أراد لها الخميني أن تكون عالمية.
وينتقد طه عبد الرحمن هذه العقيدة ونزوعها التوسعي، ويرى أن ذلك يناقض هدف وحدة الأمة، إذ لو كانت إيران تريد تحقيق هدف توحيد الأمة لما توسلت بنشر عقيدة التشيع، حتى ولو اتجهت نحو تثويرها والاجتهاد في فك بعض عقباتها ومآزقها.
ويرى طه عبد الرحمن أن تأسيس الوحدة الفكرانية والسلطانية في العالم الإسلامي يقتضي من النظام السياسي الساعي إليه أن يتولى تدبير هذا الاختلاف بشتى مظاهره، بما يبرز وجوه الاتفاق ولا يركز على وجوه الافتراق، وبما يمهد لتبادل التأثر والتأثير بين شعوب ودول هذا العالم عن طواعية وثقة بالآخر، بحيث يقوم بعضها فكر بعض، ويصحح بعضها سلطان بعض.
ويعتبر طه عبد الرحمن أن رهان النظام الإيراني على المركزية العقدية الشيعية كأداة لبسط السلطان، يعرض الأمة الإسلامية لنقصان في قوتها، إذ لا يمكن لمجتمعاتها أن ترى في وجود هذه المركزية إلا تدخلا في معتقداتها سعيا إلى تبديلها أو تدخلا في سلطانها ومحاولة تغييرها.
ويخلص المؤلف بعد استعراض وسائل النظام السعودي والإيراني إلى أن تصارعهما على بسط نفوذهما على العالم الإسلامي يضر بالمسلمين قبلة ووحدة وإيمانا وسلطانا.
ويغوص طه عبد الرحمن في بحث الجذور التاريخية لصراع النفوذ بين القوتين الإسلاميتين، متلمسا منطلقاتها في العصر الأموي، ومتتبعا أطوارها في العصر العباسي الفاطمي، والصراع السلجوقي البويهي، ثم الصراع العثماني العلوي متوقفا في كل مرحلة من مراحل الصراع على الخصائص السياسية والتبريرية التي استند إليها، مستنتجا أن النظامين معا، يمارسان التسيد بمظاهره الثلاثة (الاحتيازية والانحيازية والاختيانية)، ثم يعرض بعد ذلك لأشكال تعامل الفقهاء والسياسيين مع هذين النظامين ومع مظاهرهما التسيدية التي باتت تهدد الأمة بالزوال.
وفي هذا الاتجاه، يرى طه عبد الرحمان أن النظام السياسي السعودي ارتبط بالفقهاء غير السياسيين، وذلك على أساس اقتسام شؤون الناس معهم، فأوكل إليهم التعليم الديني، واستقل هو بالتدبير السياسي، غير أنه لم يبق على سابق التزامه، إذ سرعان ما ألغى هذا التوزيع، وتسلط على وظائف الفقهاء بالتدريج، ولاحظ طه عبد الرحمان أنه مع اشتداد الصراع مع النظام الإيراني، توسع تدخل النظام في وظائف الفقهاء، وعمل على إسقاط معتقد الولاء والبراء، ومعتقد أخوة المؤمنين، ثم عمد إلى تثبيت معتقد القومية العربية.
أما النظام الإيراني، فقد تميز بالارتباط بالفقهاء السياسيين، إذ أسس وجوده على مبدأ تولي الفقهاء بأنفسهم تدبير شؤون المجتمع بأسرها، ويرى طه عبد الرحمن أن النظام الإيراني، بهذا التأسيس صارت له خصيصة ليست لغيره من الأنظمة السياسية، وذلك من وجوه ثلاثة، كون التعليم الفقهي يتلازم مع التدبير السياسي، وكون التدبير السياسي يتقدم على غيره من التصرفات الشرعية، وأن ولي هذا التدبير السياسي يتصرف بسلطة مطلقة.
ويرى طه عبد الرحمن، أنه لهذه الاعتبارات الثلاثة، صار التسيد ملازما للنظام الإيراني، وأن أكبر ما يمكن أن يتعرض له هو أن تنقلب الوسائل وتنقلب بذلك المقاصد، إذ لا توجد ضمانات تمنع الولي الفقيه من أن تستبد به هذه الأسباب، خاصة إذا كان قد مارس العمل السياسي قبل توليه هذا المنصب العظيم، إذ أن سابق الأنس بهذا العمل، يجعله يستهين بتأثير الأسباب الاحتيازية في نفسه، فتنفذ إلى وجدانه من حيث لا يشعر، بل من حيث يظن أنها لا تنفذ فيه لما في النظام الإيراني من القابلية لانقلاب وسائله.
فقهاء جدد لإصلاح النظام السعودي وسياسيون جدد لإصلاح النظام الإيراني
بعد استعراض الأسس التي يقوم عليها النظام السعودي والإيراني، والوسائل التي يعتمدان عليهما لبناء نفوذهما، وشكل ارتباطهما بالفقهاء والسياسيين، والآفات الناتجة عن ظاهرة تسيدهما، وأثر ذلك على وحدة الأمة، يخلص طه عبد الرحمن إلى الحاجة إلى ثورة أخلاقية في النظامين معا، وذلك بقصد إعادة ترتيب العلاقة بين “المستودعية” بالمسؤولية وعلاقة السياسة بالدين، واعتبر أن هذه الثورة لا يمكن أن يقوم بها إلا فقهاء جدد وسياسيون جدد بحيث يتولى الفقهاء الجدد مهمة إصلاح النظام السعودي، ويتولى السياسيون الجدد مهمة إصلاح النظام الإيراني.
القابلية للفتنة والحاجة لنوع جديد من المثقفين المرابطين
يستعرض طه عبد الرحمن في الفصل الخامس والأخير، قضية أخرى تمثل التحدي الثالث للأمة العربية الإسلامية، وهي قضية (اقتتال العرب فيما بينهم)، والتي أطلق عليها المصطلح القرآني “الفتنة القابيلية” نسبة إلى ابن آدم قابيل، إذ بعد استعراض بعض مظاهرها، ومواقف المثقفين المتخاذلة إزاءها، أطلق على هذه الفتنة، بـ”فتنة ما بعد الأمانة”.
وبعد أن دعا لمواجهة آفات النظام السعودي بالفقهاء الجدد، وبالسياسيين الجدد لمواجهة أعطاب النظام الإيراني، دعا في الفصل الأخير إلى نوع جديد من المثقفين، الذين سماهم بالمثقفين المرابطين الذين يأخذون على عاتقهم مهمة الإحياء الائتماني، والتي يرى طه عبد الرحمان أنها تتأسس على ست مبادئ أساسية، هي ترك مبدأ الإيذاء، وتبني مبدأ اعتبار قتل الأخ الواحد قتلا للإخوة جميعا، ومبدأ تقديم الإحسان على العدل، ومبدأ الخروج من السياسية الاحتيازية، ومبدأ الاستباق إلى رد الأمانة، ثم مبدأ الإشفاق على حمل الأمانة.
إقرأ أيضا: “ثغور المرابطة”.. أحوال الأمة من زاوية نظر فيلسوف (1من2)
(المصدر: عربي21)