الاختلافات الجوهرية بين المصارف الإسلامية والبنوك التقليدية
بقلم أحمد الظرافي
يعتبر ظهور المصاريف الإسلامية، من أهم التطورات المصرفية العالمية المعاصرة، التي حدثت في عقد السبعينيات من القرن العشرين، وذلك نتيجة لجهاد طويل، قام به العلماء، والمفكرون الاقتصاديون المسلمون، منذ العقد الأول من ذلك القرن، وذلك باعتبارها منقذا من الأزمة الحالية للبنوك التقليدية (الربوية)، ومن حالة الانفصام التي تعيشها المجتمعات الإسلامية بالنسبة للنظام المصرفي القائم على أساس الفوائد الربوية. ومنذ ظهور المصارف الإسلامية عام 1975، راحت أعدادها تزداد باستمرار، وتنتشر لتشمل مختلف الدول الإسلامية، بل لتشمل دولا غير إسلامية، فقد قفز عدد المصارف الإسلامية، من مصرفين اثنين عام 1975، إلى ستين مصرفا، عام 1988، إلى أكثر من مائة مصرف عام 1995. والمصارف الإسلامية، لا تخرج عن كونها مؤسسات مالية، لتجميع الأموال، وتوظيفها، وهذا هو القاسم المشترك، بينها وبين البنوك التقليدية، مع الفارق، والذي يتمثل في كون تجميع الأموال وتوظيفها، من قبل المصارف الإسلامية، يكون في نطاق أحكام الشريعة الإسلامية، وليس وفقا للأسس المصرفية التقليدية.
وقبل أن نشرح أهم الاختلافات الأساسية، بين المصارف الإسلامية، والبنوك التقليدية، نود التنويه، إلى أن هذه الاختلافات، هي من الناحية النظرية، نظرا للواقع الشائك والمعقد، الذي تعمل فيه المصارف الإسلامية، حاليا، وخضوعها الإجباري للقوانين والأنظمة الوضعية، والتي تتعارض غالبا مع أحكام الشريعة الإسلامية، ذلك أن الإسلام كعقيدة، وكشريعة، وكنظام للحياة، مستبعد من الشأن العام، في الوقت الحاضر، وفيما يلي أهم تلك الاختلافات:
أولا: اختلاف عقائدي وأخلاقي
تعتبر العقيدة الإسلامية، هي الإطار الفكري للمصرف الإسلامي، فهو يستند إليها، ويعمل في ظل أحكامها وقواعدها، ولذلك، فهو لا يتعامل بالربا (الفائدة) لا أخذ ولا أعطاء، كما أنه يرفض تمويل المشروعات المحرمة، أو التي من شأنها الإضرار بالمجتمع الإسلامي، كشركات التبغ على سبيل المثال، وهو علاوة على ذلك، يجسد مبادئ الأخلاق الإسلامية في علاقاته بعملائه، كالصدق، والإخلاص، والوفاء، والأمانة، والقناعة، فالمصرف الإسلامي، لا يزود عملاءه، سوى بالبيانات الصحيحة، وهو يتفانى في خدمتهم، وانجاز أعمالهم، دون تمييز بين عميل وعميل، كما أنه لا يبالغ، في احتساب عمولاته، ومصاريفه، نظير ما يقدمه من خدمات للعملاء، كما أن المصرف الإسلامي، في حالة إعسار المدين الثقة، والذي ليست عليه سوابق، يلتزم بقوله تعالى: (وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ)[ البقرة: 280].
أما المصارف التقليدية، فتقوم على أسس علمانية مادية صرفه، لذلك فمعظم معاملاتها تتعارض مع مبادئ العقيدة الإسلامية، ومن ذلك أنها تتعامل بالربا (الفائدة)، أخذا وعطاء، فهي تأكله وتؤكله، وتتضمن الكثير من معاملاتها غررا، ومقامرة وجهالة، كما أنها لا تتورع عن تمويل المشروعات المحرمة، مثل دور اللهو، ومصانع الكحول والبيرة، وإنتاج الأفلام الخليعة، والصحافة الصفراء، وشركات التبغ وغيرها. والبنوك التقليدية، تجسد نزعتها المادية، وغير الأخلاقية، في تعاملها مع عملائها، حيث تقوم تلك المعاملات على أساس المجاملات، كما أنها تبالغ في احتساب عمولاتها ومصاريفها نظير خدماتها المقدمة للعملاء. وهذه البنوك، ليس في عرفها الأنظار، لحين ميسرة، فهي تتعسف في تحصيل قروضها، ولا تعطي أي مهلة إضافية للسداد، إلا بشروط مجحفة بالمدين، وفيما عدا ذلك، فهي تسارع إلى مقاضاة المتأخرين عن السداد، ولو أدى ذلك إلى إشهار إفلاسهم، والاستيلاء على أموالهم، وممتلكاتهم، في مقابل الديون التي عليهم، وفوائدها.
ثانيا: اختلاف في الهدف
فالمصارف الإسلامية، تهدف إلى تحقيق عدالة التوزيع، والمساهمة في بناء مجتمع التكافل الإسلامي، وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ثم يأتي بعد ذلك الربح، وهو يعتبر حافزا لها للاستمرار في نشاطها، لذلك فإن المصارف الإسلامية، تقوم بإحياء فريضة الزكاة، وتنظيم وظيفتها، لأن الزكاة فريضة إسلامية، وأحد أركان الإسلام، مع كونها من أهم مقومات التكافل الاجتماعي، في الإسلام، كما أن المصارف الإسلامية، تقوم بتقديم القروض الحسنة للمحتاجين، وتقوم بتمويل ودعم المشروعات الاجتماعية، مثل المساجد، ودور العلم، والجمعيات الخيرية والتعاونية.
أما البنوك التقليدية، فهي تهدف أساسا إلى تحقيق أقصى ربحية ممكنة، بغض النظر عن المثل والقيم الإسلامية، لذلك فهي لا تقوم بمنح أي قرض حسن، ولا تقدم أي دعم للمشروعات الخيرية والجمعيات التعاونية، ولا تقوم بتنظيم وظيفة الزكاة، بل إنها تتهرب من دفع الزكاة. والبنوك التقليدية، وإن قامت بتقديم قروض للمحتاجين في المجالات التي تعمل فيها، كالمجال التجاري، أو الصناعي، أو الزراعي، أو العقاري، فإن هذه القروض لا تخلو من الفائدة، مع التعسف في تحصيل قيمة هذه القروض وفوائدها في ميعاد الاستحقاق، وفي حالة تأخر المقترض عن السداد يقوم البنك بمصادرة الضمانات التي لديها، أو بيعها بالمزاد العلني وبأقل من سعرها الحقيقي.
ثالثا: اختلاف في سياسات توظيف الأموال
فالمصرف الإسلامي، يقوم باستثمار الأموال المتاحة لديه بتطبيق عدة سياسات استثمارية إسلامية، من أهمها سياسة المضاربة، وسياسة المشاركة، وسياسة المرابحة، وسياسة الإجارة، وسياسة الاستصناع، وغيرها، وجميع هذه السياسات الاستثمارية يتظافر من خلالها عنصر رأس المال مع عنصر العمل، ويكون الدور الأساسي فيها لعنصر العمل، وهي ترتكز على أساس القاعدة الإسلامية العادلة “الغنم بالغرم”، الأمر الذي من شأنه المساهمة في تحقيق التنمية الاجتماعية، والاقتصادية، من خلال تحريك رأس المال، ودفعه للتدفق في المشروعات الإنتاجية المختلفة، تلك المشرعات التي يترتب عليها توفير فرص العمل للعاطلين، وتحقق للمجتمع ككل، فرصة الاستفادة من هذه الأموال، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
أما المصارف التقليدية، فإن أهم سياساتها في توظيف أموالها هي سياسة الإقراض بفائدة. وهذا النشاط يمثل ما يقارب 75% من أنشطة هذه المصارف، حاليا، رغم أن هناك مضار رهيبة للفائدة، اقتصادية واجتماعية، والمجتمع، هو الذي يدفع ثمنها، كما أن هذه البنوك، لا تتورع عن تمويل أنشطة تؤدي إلى احتكار سلع، ولا عن قصر تمويلها على طائفة الأغنياء الكبار، ومعنى ذلك، أن البنوك التقليدية من شأنها الإضرار بالمجتمع، بدلا من نفعه، والسبب الرئيسي في ذلك هو أنها بنوك ربوية، والربا لا يأتي من وراءه خير أبدا، بل هو مصدر للشرور والآثام، في كل عصر وفي كل مصر.
رابعا: اختلاف في نطاق العلاقة مع العميل
فالمصرف الإسلامي، يتخذ موقفا إيجابيا من عملائه، فهو يبحث عنهم، ويذهب إليهم، ويشاركهم في الفرص الاستثمارية المتاحة، ويرتبط معهم بعلاقة يغلب عليها طابع المشاركة القائمة على مبدأ تحمل المخاطرة والمشاركة في النتائج، ربحا أو كانت أو خسارة، والمصرف الإسلامي، يزود عملائه بالدراسات اللازمة، التي تساعدهم على تقييم الفرص الاستثمارية المتاحة، وبالتالي، اختيار البديل الاستثماري الأمثل، ومن هذه الدراسات، دراسات الجدوى، ودراسات التدفقات النقدية الداخلة والتدفقات النقدية الخارجة، ودراسات التكاليف والإيرادات المتوقعة، وغير ذلك. وفي هذا الصدد، فإن المصارف الإسلامية، تركز على أصحاب الحرف، وأصحاب المهن، وحديثي التخرج، وصغار التجار، حيث تفتح أمامهم الآفاق الاستثمارية، وتجعلهم يستفيدون من خبراتهم، وتخصصاتهم، وبما يؤدي إلى تحقيق المنفعة العادلة، والمشروعة للطرفين، على حد سواء، فضلا عن المجتمع.
وأما البنوك التقليدية، فإن العلاقة التي تربطها بعملائها هي علاقة المداينة، والمصلحة المادية المتبادلة، وبالتالي، فإنها لا تأخذ أي موقف إيجابي مع هذا العميل، أو ذاك، إلا إذا كان في ذلك مصلحة مادية مباشرة لها، في المقام الأول، وإلا إذا كان ذلك من باب التزلف والنفاق، وبخاصة للمتنفذين في السلطات الحاكمة، وهذا هو السائد في الواقع، في الوقت الحاضر.
خامسا: اختلاف في مجالات النشاط
فالمصارف الإسلامية، تخرج عن دائرة التخصص التي تتميز بها البنوك التقليدية، بمعنى أن المصرف الإسلامي، يجمع بين الأنشطة الاجتماعية، والمالية، والاقتصادية، والمصرفية، ولذلك فإن المصرف الإسلامي، بطبيعة تكوينه، يتصدى لعملية التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، في البيئة التي ينشأ فيها، ولذلك فإن من السمات الأساسية للمصرف الإسلامي، أنه بنك متعدد الوظائف والأنشطة، ويمارس التمويل طويل الأجل، والتمويل متوسط الأجل، والتمويل قصير الأجل، أي أنه يؤدي دور البنوك التجارية، وبنوك الاستثمار، وبنوك التنمية. والمصرف الإسلامي لذلك، أوسع نشاطا، وأكثر إسهاما، في خدمة المجتمع، من المصارف التقليدية بمختلف أنواعها.
أما البنوك التقليدية، فهي بنوك متخصصة، فمنها البنوك التجارية، ومنها البنوك الصناعية، ومنها البنوك الزراعية، ومنها البنوك العقارية، أي أن كل بنك من البنوك التقليدية، يعمل في مجال محدد لا يخرج عنه، ومع ذلك لم تحقق أي نجاح يذكر، على أرض الواقع، حيث أن قيامها على أساس الفوائد الربوية، قد أفسد عليها تحقيق أي هدف من الأهداف التي نشأت من أجلها، اللهم، إلا الأرباح الفاحشة، التي تحققها البنوك التجارية، والذي يأتي أغلبها من عمليات الاتجار في الديون، أي من الفوائد الربوية، ومع ذلك، فهي من انتكاسة إلى انتكاسة، نظرا لوباء الإفلاس الذي يجتاحها بشكل مستمر، مصداقا لقوله تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) [البقرة:276].
(المصدر: مجلة البيان)