مقالاتمقالات مختارة

مراد هوفمان.. مفكر ألماني وجد بالإسلام بديلاً واستشرف صعوده

مراد هوفمان.. مفكر ألماني وجد بالإسلام بديلاً واستشرف صعوده

بقلم عبد الناصر القادري

لطالما كان إسلام بعض الغربيين الأوروبيين أو الأمريكيين يحدث ضجة عالمية، لما يحمل ذلك من أهمية لعالمية الدين الإسلامي وانتشاره بين الأمم، وإمكانية الحديث عن الإسلام من قبل أبناء تلك الأمم وبلغاتهم لا من قبل شخصيات دخيلة عليهم.

وقلة قليلة من الغربيين الذين أسلموا كان لهم دور بارز في حياة شعوبهم، لما يحمل ذلك من مشقة في نقل وجهة نظرهم وأفكارهم إلى تلك الأمم التي تعتنق ديانات مختلفة، وتتبنى أو لا تخالف ما تحمله “السياسة الغربية” من أفكار سلبية تجاه الإسلام، بالإضافة لما يواجهونه من مضايقات وحملات تشويه.

هكذا كان إسلام الدبلوماسي والقانوني الألماني البارز مُراد ويلفريد هوفمان، الذي أحدثت وفاته- كما حياته- هزة في العالم الإسلامي وتناقلاً لسيرته ومؤلفاته وكلماته، حيث قضى نصف عمره تقريباً في الدفاع عن الإسلام، داعياً له ومستشرفاً مستقبلاً زاهراً له عالمياً.

من هو مُراد هوفمان؟

ولد الراحل هوفمان سنة 1931 في أشافنبورغ، وهي بلدة كبيرة في شمال غرب بافاريا، تابعة إدارياً لمنطقة فرنكونيا السفلى بألمانيا.

دبلوماسي ومؤلف ألماني مسلم بارز، كان منتمياً لشبيبة هتلر عندما كان في سن التاسعة من العمر، ولكنه إلى جانب ذلك كان منتمياً إلى عصبة محظورة مناهضة للنازية في ذات الوقت.

درس القانون بعد حصوله على شهادة البكالوريا في ميونخ، ثم درس الماجستير في جامعة هارفارد، إلى أن حصل بعدها على الدكتوراه في القانون من جامعة ميونخ أيضاً.

كان مولعاً برقص الباليه، حتى إنه أعطى دروساً فيه وتعلم العزف على طبول الجاز، ثم أسس رابطة محبي الباليه في ميونخ، وعمل سنوات طويلة ناقداً لفن الباليه في مجلات متخصصة.

عمل منذ الخمسينيات في سفارة ألمانيا الاتحادية في الجزائر، وهذا ما جعله يشاهد عن قرب الثورة الجزائرية التي يبدو أنها أثارت اهتمامه الشديد ودفعته للتأمل.

كما شغل منصب خبير في مجال الدّفاع النّووي في وزارة الخارجية الألمانية، ثم عمل كمدير لقسم المعلومات في حلف الناتو في بروكسل من عام 1983 حتى 1987، ثم سفيراً لألمانيا في الجزائر من 1987 حتى 1990، ثم سفيراً في المغرب من 1990 حتى 1994.

وعن عمر ناهز الـ 89 عاماً بعد صراع مع المرض، رحل المفكر هوفمان تاركاً إرثاً معرفياً واسعاً، حيث أعلن المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، يوم الأحد (12 يناير 2020)، وفاته، حيث كان يشغل عضويته الشرفية.

ووصف المجلس هوفمان بـ”المفكر الرائع والباحث”، وبأنه “شخصية عالمية المستوى ومصدر إلهام لكثير من الناس والأجيال”.

هوفمان

قصة إسلام مثيرة

في كتابه الطريق إلى مكة، ذكر هوفمان أنه تعرض في مقتبل عمره لحادث مرور مروِّع، فقال له الجرّاح بعد أن أنهى إسعافه: “إنّ مثل هذا الحادث لا ينجو منه في الواقع أحد، وإنّ الله يدّخر لك يا عزيزي شيئاً خاصاً جداً”.

وأشار إلى أن حدس الطبيب قد صدق قدره، إذ اعتنق الإسلام عام 1980، “بعد دراسة عميقة له، وبعد معاشرته لأخلاق المسلمين الطيّبة في المغرب والجزائر”.

وقال المفكر الإسلامي الراحل: “في اختبار القبول بوزارة الخارجية الألمانية، كان على كل متقدم أن يلقي محاضرة لا تتجاوز خمس دقائق في موضوع يحدد عشوائياً، ويكلف به قبلها بعشر دقائق، ولكم كانت دهشتي عندما تبين لي أن موضوع محاضرتي هو المسألة الجزائرية! وكان مصدر دهشتي هو مدى علمي بهذا الموضوع، وليس جهلي به”.

وأضاف أنه “بعد شهور قليلة من الاختبار، وقبل أن أتوجه إلى جنيف بوقت قصير، أخبرني رئيس التدريب، عندما التقينا مصادفة أثناء تناولنا للطعام، أن وجهتي قد تغيرت إلى الجزائر”.

وأكمل: “في أثناء عملي بالجزائر في عامي 1961 – 1962، عايشت فترة من حرب استمرت ثماني سنوات بين قوات الاحتلال الفرنسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، وانضمَّ أثناء فترة وجودي هناك طرف ثالث هو منظمة الجيش السري، وهي منظمة إرهابية فرنسية، تضمُّ مستوطنين وجنوداً متمرّدين، ولم يكن يمر يوم دون أن يسقط عدد غير قليل من القتلى في شوارع الجزائر، وغالباً ما كانوا يقتلون رمياً بالرصاص على مؤخرة الرأس من مسافة قريبة، ولم يكن لذلك من سبب إلا كونهم مسلمين، أو لأنهم مع استقلال الجزائر”.

وأكّد في كتابه أن هذه الوقائع الحزينة “شكلت خلفية أول احتكاك لي عن قُرب بالإسلام، ولقد لاحظتُ مدى تحمل الجزائريين لآلامهم، والتزامهم الشديد في شهر رمضان، ويقينهم بأنهم سينتصرون، وسلوكهم الإنساني وسط ما يعانون من آلام، وبعد 25 عاماً من عملي بالجزائر لأوّل مرّة، عُدت إليها سفيراً في عام 1987”.

لم يكن إسلام هُوفمان قصة عابرة في الأوساط الأوروبية، ولا سيما الألمانية، حيث حاربته الصحافة المحلية محاربة ضارية، وصولاً إلى مقاطعة أمه له، خصوصاً أنه كان يشغل مناصب دبلوماسية وسياسية حساسة في خارجية بلاده، بالإضافة لعمله مع “حلف الناتو” أكبر قوة عسكرية في العالم.

حيث قال في كتابه نفسه “الطريق إلى مكة”: “عندما تعرضت لحملة طعن وتجريح شرسة في وسائل الإعلام بسبب إسلامي، لم يستطع بعض أصدقائي أن يفهموا عدم اكتراثي بهذه الحملة، وكان يمكن لهم العثور على التفسير في هذه الآية: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾”.

الإسلام كدين بديل

“الإسلام هو الحياة البديلة بمشروع أبدي لا يبلى ولا تنقضي صلاحيته، وإذا رآه البعض قديماً فهو أيضاً حديث ومستقبليّ لا يحدّه زمان ولا مكان، فالإسلام ليس موجة فكرية ولا موضة، ويمكنه الانتظار”، تلك كلمات هوفمان.

ومما سبق تبدي مؤلفاته نظرة واسعة حول دخوله في الدين الإسلامي، فلم يكن تحوله مجرد لحظة عاطفية مفاجئة، أو جفاء روحاني، إنما يظهر في قلمه الرشيق وفلسفته العميقة عن قرار مدروس وموقف حاسم في حياته، جمع فيه خبراته وأفكاره وعواطفه ومشاعره وتأملاته لينتقل كلياً؛ جسداً وروحاً وكياناً، إلى الإسلام.

وبعد أن تشبع بالإسلام دخل ميدان الكتابة فألف كتباً فريدة من نوعها في الفكر الإسلامي ونظرته له، حيث ألف مجموعة من الكتب من أبرزها “الإسلام كبديل”، والذي أحدث ضجة كبيرة في ألمانيا، و”يوميات ألماني مسلم”، و”الإسلام عام 2000″، و”الإسلام في الألفية الثالثة: ديانة في صعود”، و”مستقبل الإسلام في الغرب والشرق”، بالإضافة لكتابيه “رحلة إلى مكة”، و”الطريق إلى مكة”.

هوفمان

ففي موازنته بين المادة والروح في الإسلام قال هوفمان في كتابه “الإسلام كبديل”: “ما الآخرة إلا جزاء العمل في الدنيا، ومن هنا جاء الاهتمام في الدنيا، فالقرآن يلهم المسلم الدعاء للدنيا وليس الآخرة فقط: (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً)، وحتى آداب الطعام والزيارة تجد لها نصيباً في الشرع الإسلامي”.

فيما علل أسباب ظاهرة انتشار الإسلام في العالم مع قلة الجهود المبذولة لذلك في ظل انكسار المسلمين بكتابه “يوميات مسلم ألماني” بالقول: إن “الانتشار العفوي للإسلام هو سمة من سماته على مر التاريخ، وذلك لأنه دين الفطرة المنزّل على قلب المصطفى”.

وأكّد أنه “إذا ما أراد المسلمون حواراً حقيقياً مع الغرب، فعليهم أن يثبتوا وجودهم وتأثيرهم، وأن يُحيوا فريضة الاجتهاد، وأن يكفوا عن الأسلوب الاعتذاري والتبريري عند مخاطبة الغرب، فالإسلام هو الحل الوحيد للخروج من الهاوية التي تردّى الغرب فيها، وهو الخيار الوحيد للمجتمعات الغربية في القرن الحادي والعشرين”.

ولم يكن هُوفمان مفكراً جافاً بل تتكشف عواطفه و”صوفيته” المعتدلة بشكل جلي من خلال تأثره بفن العمارة الإسلامي، الذي أبدى إعجابه الشديد فيه مبيناً: “ألهمتني أعمال معمارية، مثل قصر الحمراء في غرناطة والمسجد الكبير في قرطبة بإسبانيا، اليقين بأنها إفراز حضارة راقية رفيعة”.

وكذلك في وصفه لرحلته إلى الحج حيث قال عنها: “لقد شعرنا بأننا مثل ذرات في وحدة كونية كبيرة، حيث تختفي في مكة الفوارق بين الأجناس؛ وخلال ركوعي في الصلاة فقط، أدركت من الأقدام المختلفة الألوان أن كل الأجناس والقارات ممثلة هنا”.

(المصدر: الخليج أونلاين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى