مقالاتمقالات مختارة

لماذا صرنا نخاف من القرآن؟

لماذا صرنا نخاف من القرآن؟

بقلم عبد اللطيف الخراز

أول ما أن تفتح المصحف وتبدأ بقراءة القرآن ستفاجأ بأول آية منه فيها قوله تعالى مخاطبا المؤمنين عموما والمتقين خصوصا بقوله “فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ” وما إن تتوسط المصحف ستجد فيه أيضا قوله تعالى “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” وأنت تشرف على ختم القرآن تجد آية أخرى أمامك تزيدك انشراحا واستبشارا بهذا القرآن، فيها أن هذا القرآن ميسر للقراءة لكل من أقبل عليه بقلبه وعقله معا، وهي قوله تعالى “وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ“، إذن فما بالنا لا نقرأه رغم ما فيه بل كله يبشرنا بأن فيه كل ما يحتاجه الإنسان في حياته، بل يتعداه إلى رسم طريق للإنسان يعبر بها من هذه الدنيا إلى ضفة أخرى حيث هناك الآخرة!

حقا جلنا لا نقرأ القرآن إلا قليلا، أو ننتظر قدوم رمضان حتى يتسنى لنا قراءته وكأن شهر رمضان هو من يقرأ فيه القرآن فقط ولا يتعداه إلى باقي الشهور والأيام، هل صارت لنا تجاهه نظرة أخرى جعلتنا لا نقبل عليه بالقراءة على الأقل؟ أما دراسته فهذا شيء صار أبعد مما نتوقع حيث صار مقتصرا إن صح القول على بعض النخب أو الدارسين له، أما باقي العوام فلا يصح لهم الاقتراب منه بهذا الغرض والارتشاف من ينبوعه حتى يكون لهم هدى وشفاء لما صدورهم.

من الأمور التي يمكن أن نفسر بها هذه الظاهرة هو أننا ربما صرنا نخاف من القرآن لذلك لا نقرأه، ربما لأنه كلام الله عز وجل جعل نظرتنا إليه نظرة تقديس أكثر من اللازم، بحيث أصبح الإنسان يتوجس من عدم قراءته ودراسته خوفا من أن تكون قراءته يصاحبها خطأ أو سوء فهم لمعناه ويكون بذلك متقولا على الله، ولتجنب ذلك كله لا نقرأه، ولكن إذا نظرنا لهذا الفهم حقا نجده خاطئا وخاصة نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: “الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران”.

ومن الأمور أيضا التي يمكن أن تكون سببا في عسوفنا عليه والخوف من قراءته ما يمكن إرجاعه إلى ابتعاد حياتنا اليومية والاجتماعية عن تعاليمه التي يدعوا إليها، سواء في أوامره بكل مستوياتها أو نواهيه بكل مستوياتها أيضا، لأننا إذا قرأنا القرآن أولا وعرضنا حياتنا عليه ثانيا سنفاجأ حقا بهذا البعد بينا وبين الذي يدعوا اليه القرآن، وحتى لا نشعر بالتأسف عن حياتنا التي صرنا اليها لا نقرأه، لأن قراءتنا له وحالنا كما قلنا حتما سيكون فيه تأنيب لضميرنا ولا نكون مرتاحين أبدا، فلتفادي ذلك نلتجئ إلى غط الطرف عن قراءته، وربما بررنا ذلك بعدم إيجاد الوقت لذلك في ظل حياة وزمان وسم بزمن السرعة.

وكذلك أيضا هناك شيء آخر وإن كان قديما، هو ربما صار في معتقداتنا شعوريا أو لا شعوريا أن هذا القرآن قديم، بمعنى كان في فترة معينة فبانقضائها انقضى معها القرآن ولم يعد صالحا لزماننا، وهذا وإن كنا لا نفهمه بهذا المعنى إلا أن واقعنا بما فيه من أشياء صرنا نجد لها حلا بفضل العلم والتقنيات والمخترعات التي هي من صميم عقل الإنسان واختراعه، أعطانا ربما هذا المفهوم لكوننا لا نجد شيئا من هذا في القرآن، حتى وإن ادعينا ذلك نحن كمسلمين نقول إن الآخر وصل إلى ما وصل إليه بعلمه الذي ساده إليه عقله وفهمه وليس القرآن.

وحتما إذا ما نظرنا في خطاب القرآن الموجه للإنسان من الله عز وجل وكذا السنة النبوية نجد فيهما حثا حثيثا على قراءة القرآن وتدبره وتفكره، من ذلك قوله تعالى: “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ” بل نجد أن الرسول صلى الله وسلم قال أمرا أكثر من مجرد التدبر والتفكر حيث قال: “كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم..” إلى آخر الحديث، والحديث وإن كنا موقوفا على علي رضي الله عنه فهو في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فكيف بهذا كله ونحن غافلون عن قراءة القرآن وتدارسه في حياتنا! فما بقي لنا عذر إلا أن نتصالح مع هذا القرآن ونقبل عليه حتى لا ندخل في شكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم لربه حيث قال الله تعالى حاكيا عنه: “وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا“.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى