مقالاتمقالات مختارة

من وعد بلفور إلى وعد العرب

من وعد بلفور إلى وعد العرب

بقلم د. عصام الفليج 

«إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتحقيق هذه الغاية»، يرجى إحاطة الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح. (آرثر جيمس بلفور، وزير خارجية بريطانيا، 2 نوفمبر 1917م).

ستحل علينا بعد أيام ذكرى “وعد بلفور” سيئ الذكر، الذي ينبغي علينا تداوله حتى يعرف أجيال المسلمين كيف يدار العالم، بعيداً عن الدين، لأنها صهيونية مالية.

لاحظوا أن الخطاب موجه لليهود والصهيونية معاً، لأنهما وجهان لعملة واحدة.

لقد وجد اليهود الأمن والأمان في بلاد المسلمين، فقد عوملوا بالظلم والاضطهاد طوال حياتهم في أوروبا، فكانت بلاد المسلمين ملاذاً لهم، وبالأخص في الأندلس والدولة العثمانية، وشعروا بالفرق في محاكم التفتيش المسيحية بعد سقوط الأندلس، التي تعذب وتعدم كل يهودي ومسلم، إلا أنهم واجهوا الإحسان بالجحود.

ولطبيعة اليهود المتدينين (أو المتطرفين) بعدم قدرتهم على الاندماج مع المجتمعات الأخرى، بحجة أنهم من طبقة أعلى (السامية) -وهذه ليست لها علاقة بالدين- فقد وقع عليهم في الشتات قسراً.

وكل من ينتقد اليهود يعتبرونه معادياً للسامية، مع أن المسلمين واليهود كلهم ساميون، فإن كانت السامية نسباً، فلا يكون سامياً إلا من نسل سام بن نوح (عليه السلام)، ويدخل في ذلك عدد كبير من البشر، ومنهم المسلمون والنصارى، وإن كانت ديناً، فلا يوجد دين اسمه «سام»، وإن اعتبرناه مجازاً دين موسى (عليه السلام) كونه من نسل سام، فلم لا يعتبرون الأفارقة والروس وغيرهم ساميين؟ وما داموا يعتبرون اليهود العرب ساميين، فكذا مسلمو العرب ومسيحيوهم ساميون!

إن النقد إنما هو للممارسات الإجرامية لا الدينية، وهناك العديد من طوائف اليهود ترفض احتلال فلسطين، وترى أن مصيرهم هو الشتات كما جاء في كتابهم المقدس.

كما أنهم استعدوا عموم المجتمعات لتعاملهم بالربا، والاتجار بالبشر، ولست مبالغاً إذا قلت: إن المقصود من قصة «أوليفر تويست» هم اليهود، وليس ببعيد عنا ما فعلوه مع الألمان، واشتهر عن هتلر قوله: «لقد اكتشفت مع الأيام أنه ما من فعل مغاير للأخلاق وما من جريمة بحق المجتمع إلا ولليهود يد فيها».

ولتكامل العمل السياسي والاقتصادي، فقد تم تأسيس الصهيونية اليهودية على يد الصحفي النمساوي ثيودور هرتزل، (هناك صهيونية مسيحية تؤيدهم)، ورغم عدم نجاحهم بإقناع السلطان عبدالحميد ببيع فلسطين ولا إرضاخه لمطامعهم، فقد استمرت المحاولات تلو المحاولات حتى تحقق حلمهم، (يمكن العودة إلى مسلسل السلطان عبدالحميد).

وتمهيداً لذلك الوعد (وعد من لا يملك لمن لا يستحق)، تم تقسيم البلاد العربية التي خرجت من الخلافة العثمانية بين فرنسا وبريطانيا وفق اتفاقية «سايكس – بيكو» عام 1916م (الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا بيكو، والبريطاني مارك سايكس).

واستمرت الوعود تلو الوعود من زعماء الغرب لضمان نجاحهم في الانتخابات، فكان التدخل العسكري الصريح مع الاحتلال الإسرائيلي ضد العرب في حروب 1948، و1956، و1967، ثم اتفاقية كامب ديفيد، ووادي عربة، وأوسلو، وأخيراً نقل السفارة الأمريكية إلى القدس لاعتبارها عاصمة “إسرائيل”، والحبل على الجرار.

وبدأت وعود أخرى من بعض دول جزيرة العرب، آخر من كان يظن أنهم سيطبعون مع “إسرائيل”، حتى إذا انفرط المسباح، فلن تقوم للعرب قائمة، وعلينا انتظار قائد رباني «أعجمي» ليعيد للمسلمين شأنهم، كما حصل مع صلاح الدين الأيوبي، وسيف الدين قطز.

نعم.. وصلنا إلى مرحلة انتقال وعود دعم اليهود من “وعد بلفور” إلى وعد العرب، ونسأل الله السلامة.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى