أخطاء في سجل التضامن مع الشعب الفلسطيني
بقلم أواب المصري
قبل يومين تناقلت وسائل الإعلام ومعها وسائل التواصل الاجتماعي خبر استشهاد شاب فلسطيني في منطقة الخليل بالضفة الغربية “بزعم” محاولته طعن جندي إسرائيلي. يُفهم من الخبر أن التهمة الإسرائيلية الموجهة للشهيد هي مجرد ذريعة كاذبة لتبرير قتله، في حين أن الشاب لم يكن يعتزم طعن أحد. محاولات طعن جنود الاحتلال شاعت في الآونة الأخيرة بعدما انعدمت وسائل المقاومة الأخرى، ولم يتبقَ أمام الفلسطينيين مساحة للتعبير عن رفضهم للاحتلال سوى محاولات الطعن والدهس التي تحصل بين حين وآخر. لكن المتضامنين مع الشعب الفلسطيني مصرّون على سلب بطولة المقاوم الذي وضع كفنه على يده، واستلّ سكيناً محاولاً قتل جندي إسرائيلي يحتلّ أرضه وينتهك كرامته، ليعلن أمام العالم أن المقاومة مستمرة وأن الشعب الفلسطيني لن يعدم وسيلة للتعبير عن رفضه للاحتلال، فيسرقون بطولة الشاب ويحوّلونه من منفذ عملية بطولية استشهادية إلى شاب مسالم كان “يمشي حد الحيط”، لكن الاحتلال مارس عليه إجرامه فقتله.
في مؤشر على همجية الاحتلال وإجرامه، يردد المتضامنون مع الشعب الفلسطيني مقولة أن الاحتلال يقتل الأطفال ويعتقل المئات في سجونه. لكن التدقيق في هذه المقولة يكشف جانباً آخر وأكثر إشراقاً، فالأطفال الذين يتحسر البعض على طفولتهم المعذبة هم في الواقع رجال سبقوا الزمن ليكونوا إلى جانب المقاومين يدافعون عن أرضهم. وما تشهده المنطقة الحدودية بين الأراضي المحتلة وقطاع غزة من مواجهات كل يوم جمعة تكشف أن شريحة واسعة من الذين يرشقون الحجارة ويحرقون الإطارات المشتعلة ويطلقون الطائرات الورقية باتجاه المستوطنات هم من الفتية الأطفال. لذلك، من الطبيعي أن يسقط من بينهم شهداء وجرحى.
إلى جانب الرجال والأطفال، يعتقل الاحتلال الإسرائيلي في سجونه عشرات النساء. وكما في السقطات السابقة، ينظر كثيرون إلى اعتقال النساء كمؤشر على همجية الاحتلال، دون أن يلتفتوا إلى حقيقة أن المرأة الفلسطينية باتت تقف إلى جانب الرجل في مواجهة الاحتلال، وهي لم تتركه يحظ بهذا الشرف منفرداً. فما زلنا نذكر ريم الرياشي التي نفذت عملية استشهادية وهي أم لطفلين، وأحلام التميمي التي شاركت في التخطيط لعمليات أخرى وغيرهما كثيرات، ساهمن في المقاومة والنضال، لكن البعض لا ينظر إلى هذا الجهد، فيسلب المقاومات بطولتهن وشجاعتهن، ويكتفي بالنظر إليهن ضحايا ومعتقلات مكلومات ومظلومات.
الأمر نفسه يسري على أطفال المعتقلات اللواتي تقوم أمهاتهم برعايتهم في السجون. فكثيرون وجدوا ذلك إمعاناً من الاحتلال في ظلمه وإجرامه، في حين أن الوجه المشرق يتلخص بأن المعتقلات في السجون لم يتخلين عن واجبهن في رعاية أبنائهن ولو كنّ معتقلات في السجون. وربما لو قام الاحتلال بإخراج الأطفال من السجون لسمعنا من يتهم الاحتلال بسلخ الأم عن أطفالها.
سقطة أخرى يقع فيها كثيرون، وهي التغافل عن الإنجازات والنجاحات الكثيرة التي حققها ويحققها الأسرى والمعتقلون في السجون، ويقصرون نظرتهم على التعذيب والظلم الواقع بالأسرى. وما زلت أذكر أن معظم المبعدين الفلسطينيين الذين أبعدهم الاحتلال عام 1992 إلى قرية مرج الزهور بلبنان، كانوا من حملة الماجستير والدكتوراه. وأخبرونا حين كنا نجالسهم أن حصولهم على شهاداتهم العليا تمّ في السجون، وبعضهم كان يُسمح له بالانتقال إلى الجامعة لتقديم الامتحان فيها، بل إن بعضهم حصل على شهادته من جامعات عبرية. أفهم أن يحرص البعض من باب التضامن مع الشعب الفلسطيني على إبراز ما يتعرضون له من قتل وظلم واعتقال، لكن هذا الحرص لا يجب أن يحجب جوانب مبدعة ومشرقة تعطي أبعاداً أخرى للنضال الفلسطيني.
(المصدر: مدونات الجزيرة)