مقالاتمقالات مختارة

العظمة والجمال في المدارس السلجوقية

العظمة والجمال في المدارس السلجوقية

بقلم محمود صقر

دولة السلاجقة امتدت من الصين إلى الشام والأناضول ، بدأت على يد “طغرل بك” عام (1037 م) ثم توسعت على يد “ألب أرسلان” و “ملكشاه” ثم تحوَّلت إلى دويلات سلجوقية.

سيكون مقالنا فقط عن آثار دولة الروم السلاجقة الذين تركز سلطانهم في آسيا الوسطى ، وسيكون في مكان واحد هو عاصمتهم “قونية” – وسط تركيا حاليا-، وسيكون حول المدارس فقط.

في وسط قونية يوجد ثلاث مدارس كبرى كلٌ منها بناءٌ مستقلٌ له خصائصه ، ويجمع بينها عظمة البناء الذي صمد على عوادي الزمان حيث تم بناؤها بين أعوام (1242-1264 م) يعني ما يقرب من ثمانمائة عام ، كما يجمع بينها جمال النقش على الحجر للواجهات بما يثير الذهول من جماله وروعته ودقته ، حيث تجد آيات القرآن بخط الثلث بتشكيلات بديعة متداخلة مع تشكيلات زخرفية نباتية وهندسية تحيطها أعمدة دقيقة مزخرفة الأسطح ومنتهية بتيجان مزخرفة .

وداخل المدارس الأسقف والجدران مزينة بالفسيفساء (القيشاني) الملون والمزخرف والمزين بآيات القرآن بخط الثلث والكوفي .

والتصميم المعماري يوفر بيئة تعليمية مثالية من حيث الإضاءة والتهوية التي توفرها القباب الموزعة بين قبة رئيسية فوق الفناء الداخلي وقبب فرعية فوق الفصول ، فضلا عن الشبابيك الجانبية ، وفي وسط الحوش نافورة مياه لتلطيف الجو وتجميل المنظر وتشنيف الآذان بسماع خريرها .

ووراء انتشار هذا النموذج من المدارس شخصية فذة هي الوزير “نظام الملك” -الذي تولى الوزارة في حكم ألب أرسلان ثم ابنه ملكشاه- ، وهذا الوزير جعل المدارس مؤسسات تعليمية قائمة بذاتها وعين لها معلمين متخصصين متفرغين ، وألحق بالمدارس سكناً للطلاب والمدرسين ، وأضاف منشآت تجارية موقوفة للإنفاق على المدارس ، وكان لهذه المدارس دور كبير في نشر العلم وتخريج العلماء والقضاة والمسؤولين في الدولة ، وارتبط هذا النموذج باسم نظام الملك فسميت بالمدارس النظامية وهي منتشرة في كافة بلاد الشام والأناضول والعراق.

وبمنظور أوسع نستطيع أن نقول : إن حاجة المجتمع المسلم للمدرسة نبعت من ضرورة دينية حيث إن الدين هو تعاليم مكتوبة في كتاب واجب الحفظ والدرس والتفسير ، ومعرفة ما يتعلق به من إتقان القراءة والكتابة وتعلم علوم اللغة والأدب والتاريخ والفقه ، وحتى علم الحساب لزوم المواريث وعلم الفلك لزوم تحديد القبلة ورحلات الحج والانفتاح على العالم عبر البحار.

كل ذلك كان واجباً دينيا لعامة الشعب وليس لطائفة محددة من الرهبان والقساوسة.

فكانت المدرسة الأولى هي المسجد ، ثم كان هذا النموذج السلجوقي تطوراً نحو بناء المدرسة كمبنى مستقل ، ثم كان أكثر النماذج انتشاراً فيما بعد هو نموذج البناء الواحد الذي يجمع بين المسجد والمدرسة ، ومن نماذجه مسجد ومدرسة السلطان حسن ونماذج مشابهة لا حصر لها في كل ربوع العالم الإسلامي .

هذا جزء من تاريخ أمة لا تدرس في كتب تاريخها ، ولا تقدم في أعمالها الفنية المصورة سوى صفحات من القتل والتخريب ودسائس القصور ورقصات الجواري .

وتظل معالم تلك المدارس القائمة شاهدة وناطقة على حضارة أمة جمعت بين : العلم وقدسية رسالته ، والعمارة وعظمة بنيانها ، والفن بدقته ورقته وجماله.

[ملحوظة:

أسماء المدارس لمن يريد التوسع في البحث:

‏(Ince Minareli Madrasah – Sircali Madrasah – Karatay Madrasah )]

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى