مقالاتمقالات مختارة

الفكر اليبرالي والتنويري بوابة للكفر بالله والإلحاد

الفكر اليبرالي والتنويري بوابة للكفر بالله والإلحاد

بقلم د . أبو محمد سعيد بن سالم الدرمكي

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد .

نعم الله سبحانه وتعالى على الإنسان لا تعد ولا تحصى، وقال قال الله تبارك وتعالى : “وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا” [إبراهيم:34] .

وإنّ أكبر نعمة يمتنُ الله بها على  العبدِ نعمة ُ الإسلامِ والإيمانِ واتباعِ السنة، قال تعالى : ” يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ” [الحجرات:17].

ولقد جاء هذا الإسلامُ بكل ما يحققُ المصالحَ للعبادِ ويدفعُ عنهم المفاسدَ في العاجلِ والآجل، ولذلك كان مهيمناً على جميع الشرائعِ التي سبقته، والتي حُرفت وبُدلت حتى صارت من وضع البشر، ففسدت.

فسعى أعداءُ الإسلامِ للنيل منه بشتى الطرقِ منذ بعثةِ النبي صلى الله عليه وسلم ولا يزالون، ولكنّ اللهَ حافظٌ دينه.

ومن جهودِ أعداءِ الإسلامِ للنيل منه نشرُ الأفكار المنحرفة التي تسعى لتحريفِ أحكامِ الإسلام، وحمل النصوصِ الشرعيةِ على غيرِ معانيها الصحيحة.

وهذا الأمر يتوصلون من خلالهِ إلى انسلاخِ المسلم من دينه ووقوعه في الكفر بالله بل والإلحاد، بكره الدين والتدين وإنكار وجود خالق.

ومن هذه الأفكار المدسوسة المنحرفةِ الفكرُ الليبرالي الغربي، وما يسميه بعض الغشاشين بالفكرِ التنويري، الذي يزعمون أنه يدعوهم لتحكيم العقلِ والبعدِ عن التقليد والموروث الديني.

والناظرُ في فكر الليبراليةِ وفكرِ التنوير يعلمُ أنهما بوابةٌ موصلةٌ للكفر بالله والإلحاد وهو ما يسمى بالفكر اللاديني.

فالليبراليةُ في أساساها تقومُ على فصلِ الدين عن الدولة، وعن حياة الأفراد، والتنويرُ يدعي أتباعهُ إعمالَ العقلِ وتحكيمه، وذلك بردِ النصوصِ الشرعية الثابتة لمخالفتها للعقل كما يزعمون، أو تحريفها عن معانيها الصحيحة والثابتة، الأمر الذي يؤدي بهم إلى الطعن في دين الله وفي أسسه وأحكامه، بل ويطعنون في ذات الله سبحانه وتعالى، مع التشكيكِ في ثبوت النصِ الشرعي وحفظه وتدوينه، مما يؤدي إلى الكفر بالله وبرسالاته أو إنكار وجودِ خالقٍ معبود، وكله تحت مسمى الحريةِ ونقدِ الموروث وعصرنة الإسلام ليكون متوافقاً مع قيم الحداثة الغربية ومنهج الفلسفة الأوروبية.

والغريب في أتباع هذا الفكرِ أنهم يحاربون ما يسمونه بالتقليدِ ويرفعونَ شعارَ نقد الموروث وعدم الوصاية الدينية للعلماء على الناسِ، ولكنهم في الوقت ذاتهِ ينعقون بقواعدَ وضعها فلاسفةُ اليونان  قبل الميلاد، وبشعاراتٍ موروثةٍ عن فلاسفةِ التنوير في العصور المظلمة في أوروبا، ويدّعون جهلاً واستكباراً أنها السبيل لتحرير عقولهم من هيمنة النص الشرعي، وفتاوى العلماء واجتهادات، ويردد مفتيهم : حرر عقلك .

لقد سعى أصحابُ هذا الاتجاه إلى استنساخِ واقعِ أوروبا في العصورِ الوسطى مع الكنيسة، والثورةِ الفرنسية وما آلت إليه، واسقاطِ كل ذلك على الدين الإسلامي، متناسين الفرق الشاسع بين الإسلام المحفوظ من الله، وبين النصرانية المحرفة، وواقع الكنيسة المخالف لتعاليم الإسلام وأسسه وعقيدته.

ومن خلال هذا الطرح توصل أصحابُ هذا الفكر إلى ضربِ العقيدة الإسلامية وتحريف الأحكام الشرعية،  ومن ثم مخالفة الدين في أهمِ أركانه وأسسه، مما يؤدي إلى التحلل منه والخروج عن مضامينه.

و اضرب لكم أمثلة منها :

أحد التنويريين الليبراليين يدعي علما بالتفسير – وهو لا يحسن تلاوة آياته- يدعي أنّ علم الله سبحانه وتعالى علم قائمٌ على الرياضيات والاحتمالات ، فالله – تعالى عما يقول هذا الأفاك- لا يعلمُ ما سيحدث بل يضع عدة احتمالات لفعلِ الإنسان وهو يعلم الاحتمال الصحيح.

وهذا الانحرافُ العقدي لدى هذا الأفاك مأخوذٌ من بعض الفلاسفة مثل أفلاطون وجميس جنر وغيرهم ، الذين أطلقوا على الله سبحانه وتعالى (العقل الرياضي).

ألا يتعارض هذا مع عقيدة المسلمين من أنّ الله سبحانه وتعالى علمَ ما كانَ وما يكونُ وما سيكونُ وما لم يكن لو وقع كيف سيكون، وأنه قد كتب ذلك في اللوح المحفوظ.

روى أبوداود في سننه بإسناد صحيح عَنْ أَبِى حَفْصَةَ قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لاِبْنِهِ يَا بُنَىَّ: إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ. قَالَ رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ قَالَ اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَىْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ». يَا بُنَىَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّى »

ألا يعلم هذا الطاعن في علم الله سبحانه وتعالى اجماع الأمة على أن من أنكر علم الله أنه خارج من الملة كافر بالله وبرسالاته، قال تعالى :” وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ، فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ” [فصلت:22-23].

مثال آخر :

يقول محمد أركون – وهو من أصحاب هذا الاتجاه المنحرف- في كتاب له (الفكر الإسلامي قراءة علمية ) ص 102 : ” على عكس ما تنطق المسلمة التقليدية التي تفترض وجود إله متعال ثابت لا يتغير، فإن مفهوم الله لا ينجو من ضغط التاريخية وتأثيرها، أقصد أنه خاضع للتحول والتغير بتغير العصور والأزمان”

هذه نظرةٌ وفكرةٌ تدعم الإلحاد والكفر بالله وتعالى .

مثال آخر :

يخرج لنا تنويري ليبرالي ويدعي أنّ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في بيان أركان الإسلام والإيمان من الخداع والكذب، ويدعي أنّ من يعبد الأصنام والحيوانات فهو مؤمن، ويدعي أن من قال لا إله إلا الله وباليوم آخر مؤمن ولو لم يؤمن بالرسول صلى الله عليه وسلم.

هل هذا هو الدين الذي أمر الله به ، ألم يقل الله تبارك وتعالى : ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ، أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَ‍قًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا.

إنّ في هدم أركان الإسلام والإيمان الثابتة بالنص القطعي في كتاب الله، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم دعوة لنقض أصول الإسلام والكفر بالله وبشريعته.

وللأسف يقدم صاحب هذا الفكر في الإعلام على أنه مفسر عقلاني وعصري، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

مثال آخر :

إظهار بعض الليبراليين لبعضعرف بالكفر والإلحاد في الإعلام والتغني بأشعارهم كرموز للتحرر العقلي، من أمثلة الحلاج وابن عربي ونزار قباني، مع مدح كتبهم وأشعارهم.

ففي ذلك دعوة للنظر في هذه الكتب وهذه الأفكار، مما قد يتسبب في اعتناقها، والتأثر بها، وهي أفكار مخالفة للإسلام في أصول وعقيدته وأسسه.

والأمثلة كثيرة جدا وفيها إنكارهم وتحرفيهم لكثير من مسائل العقيدة التي اجمع عليها علماء الإسلام كالإيمان بالملائكة وبالكتب وبالرسل وباليوم الآخر، وبأسماء الله وصفاته .

فلا بد أن نعلم أن الفكر الليبرالي والتنويري هدفه علمنة الإسلام والطعن في محكمات الدين وأصوله وعقيدته، وهذا يفتح الباب للكفر بالله تعالى وللإلحاد وإنكار وجود خالق معبود.

فينبغي الحذر منه ومن دعاته فإنهم دعاة فتنة، ويلتبس أمرهم على الناس، حيث يتسترون بالدعوة للوسطية ومحاربة التشدد، فيدسون السم في العسل، ويحرفون الناس عن عقيدتهم ودينهم.

قال تعالى : ” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ، رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ” [آل عمران:7-8]

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لعائشة « إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ » رواه مسلم .

والحمد لله رب العالمين.

(المصدر: موقع د. أبو محمد سعيد بن سالم الدرمكي)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى