مقالاتمقالات مختارة

الحرية والفساد.. هل الخوف من الفتنة والضلال يجعلنا ننكر الحرية؟

الحرية والفساد.. هل الخوف من الفتنة والضلال يجعلنا ننكر الحرية؟

بقلم ولاء أمين

قلت فيما سبق، بمجرد أن تقرع كلمة الحرية سمعي أقول “أهلا بالفساد”، ولا شك أنها أصبحت غطاء للفساد وحجته الداحضة. ولكن السؤال.. كيف تحولت الحرية من مطلب إنساني وحق قانوني، إذا سُلبت.. الكرامة الوجودية للإنسان تُسلب معها؛ إلى غطاء للفساد؟! ظل هذا السؤال ينهش عقلي لأكثر من عام، ولأن حلقة الأسئلة مفرغة بالتأكيد لن تقف عند سؤال واحد.. ستدخل في دوامة سؤال يتبعه سؤال آخر.

إن كنا نرفض الاستبداد والقمع ونطالب بحرية الرأي، كيف نناقض أنفسنا ونرفض الحرية عندما تأتي على هذا النحو؟!.. في نهاية الأمر الكل يعبر عن رأيه وهو حر. هل يسيطر علينا خوفنا من الفتنة والضلال لدرجة تجعلنا ننكر الحرية ونعتبرها غطاء للفساد؟!.. هل نترك حقوقنا لينتهي الفساد ونعتبر أنفسنا الغرباء، الذين يضحون بحقوقهم لأجل الدين؟!.. ولكن من العدل مع أنفسنا أن ندافع عن كل حق لها، وقبل إطلاق حملات التضحية هذه يجب أن نفكر ملياً، ما الآثار المستقبلية لتلك التضحية؟!.. بلا شك سيستغلها مستبد ويعبث بنا كما يشاء.

مشكلتنا مع الحرية، كإسلاميين تحديداً، أننا نرى الجزء الفوضوي والعابث منها ونجعل منه المفهوم الوحيد لها.. لذلك بسبب هذا المفهوم ارتبطت الحرية بعقولنا بالإلحاد، بالشذوذ وغيره. برأيي أن حل هذا الإشكال يكمن في توضيح بعض المفاهيم عن الحرية، الحق والمطلب الإنساني والتي بموجبها يتكرم الإنسان ويصبح الإنسان المسؤول.

المفهوم الأول:
حدود الحرية، إذ أن لكل شيء حد، كل شيء في العالم لابد من حد له، كل شيء لا حد له يؤدي إلى الفوضى، الأكل كأبسط مثال حين لا نضع له حد.. تتبعثر أجسادنا وتسودها الفوضى، وكذلك الحرية الغير محدودة، المطلقة ستؤدي إلى الفوضى، أهم حد هو أن حريتك تنتهي عند حريات الآخرين، إذا وجد الوعي الكافي لهذا الحد عند دعاة الحرية على الأقل.. أجزم أن الكلمة ستتحول إلى أمل ومطلب يسعى إليه الجميع.

المفهوم الثاني:

أن الحرية سلاح ذو حدين، ترفعه في وجه الظلم فتستعيد حقك، تدافع به عن معتقداتك دون الخوف من سوط الجلاد الذي يسعى لإسكاتك.. أما الحد الآخر فالحرية مظلة واسعة لأهل الفتن، أهل الهوى وأهل الضلال.. لأنهم يدركون من أين تؤكل الكتف، يدركون أن الحرية كفيلة بجعل دعواهم تتوسع وتحصد إعجاب كبير.

ما الحل؟!

لا تسلم عقلك لما يُقال وتأخذه كما هو، ولا تجعله سطحي يبتعد عن كل هذه المعارك خوفاً من الفتنة وتكتفي بالدعاء، وسع مداركه، جاور العقلاء، أقرأ لهم، والأهم أقرأ في قلم الله الأسمى، في وحي الله الأوفى.. أؤكد لك لن تضل الطريق. تذكر دائماً أن من قال “لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ” وجعل الحرية حق وخيار لك في أهم معتقد في الحياة، لا يمكن أن يجعل منها غطاء للفساد.. وضع هذا في عقلك دائماً الحرية حق ومطلب إنساني، حتى لو ساءت الأوضاع وظللنا الطريق.. واسأل نفسك كيف للحق أن يكون حق دون أن يكون الباطل موجوداً؟!

حرية عقل أم حرية شهوات؟!

هذا السؤال وضعه الشيخ محمد الغزالي في كتابه ظلام من الغرب.. ولكنه سؤال جوهري إذا أردنا الفصل في مسألة الحرية والبت فيها. بين قيّم الثقافة الإسلامية وقيّم الثقافية الغربية، وبين الخوف الإسلامي من ضياع الدين تحت مبرر الحرية والدعوة الغربية للحرية.. تشوه وضاع المعنى الحقيقي للحرية وانحرف انحرافا كبيراً. ولكن منظومة الإسلام الشاملة لم تترك المسألة لأهواء البشر، بل وضعت الحدود الفاصلة التي تفصل بين الحرية كدافع والحرية كقيد. الحرية كدافع تقول “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ“.

الحرية كقيد، هي حرية الشهوات.. وبالتأكيد هي ليست حرية بل فوضى، ولمَّ أصفها بالقيّد لأنها تحول الإنسان من هيئته المكرمة التي خلقه الله بها إلى هيئة بهيمية.. فتكون بذلك سجن وقيد ومانع من الحراك البشري والتدافع الحضاري

ولايزالون مختلفين.. ولذلك خلقهم، هنا الحديث عن الاختلاف كأحد السنن الكونية الذي بدوره يؤدي إلى تحفيز العقل واستنهاض الفكر لمدافعة الأفكار المسمومة ومواجهة الأعطاب الفكرية ومجادلة الحجج المغلوطة، وبالتأكيد لن تختلف ولن يكون لك رأي إن كنت غير حُر ومسلوب الإرادة.. فالحرية هنا حرية عقل، حرية في ساحة الأفكار وهي مطلوبة بالتأكيد للمضي قدماً ولتحقيق غايات الخلق ومقاصده.

أما الحرية كقيد، فهي حرية الشهوات.. وبالتأكيد هي ليست حرية بل فوضى، ولمَّ أصفها بالقيّد لأنها تحول الإنسان من هيئته المكرمة التي خلقه الله بها إلى هيئة بهيمية.. فتكون بذلك سجن وقيد ومانع من الحراك البشري والتدافع الحضاري. هنا السؤال.. حرية الشهوات إذا صح القول بأنها حرية؛ الإسلام كيف تعامل مع هذه القضية ومنعها من التحول إلى فوضى، علماً بأن الغريزة الجنسية أحد الدوافع التي يندفع لها الإنسان بلا تردد إذا أطلق لها العنان؟!

تعامل معها بطريقة “وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا“، أي تكريماً للنفس عن المكانة البهيمية ورفع قدرها لمكانتها الإنسانية ولكنه في الوقت لم ينكر وجودها ولم يتحول الأمر إلى رهبنة بل تم ضبطها بضوابط شرعية؛ هذه الضوابط تعيد توزان الإنسان وتحقق له سكينة النفس المطلوبة لنضوج وتطور العقل، بحيث ينصرف الإنسان إلى عقله وفكره ولا ينشغل بنفسه وشهوات نفسه. وهذا يوصلنا لنتيجة أن العفة.. عفة العقل قبل عفة الغريزة، فالعقل المتعفف عن سفاسف الأمور؛ العقل الحُر.. قادر على كبح جماح نفسه وغرائزها.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى