مقالاتمقالات مختارة

السباعي والصواف والسيسي

السباعي والصواف والسيسي

بقلم عبده مصطفى دسوقي

إن تناول حياة الرجال العظماء الذين رسخوا قواعد دعوة الإسلام المعاصرة ليست مادة تطرح من أجل الاطلاع أو التسلية؛ بل إن مراجعة تلك الحيوات والأحداث والتصرفات هي مادة للتأمل، والتعلم، والاعتزاز بوجود مثل هؤلاء الرعيل الأول الذين آلوا على أنفسهم إلا أن يحملوا أمانة الدعوة إلى الله في وقت ترزح فيه البلاد تحت نير الاستعمار.

في شهر أكتوبر، رحل عظماء كُثر سطروا بمواقفهم تاريخ أمم، وأثروا في أجيال حملت مشعل هذا الدين؛ فأناروا به جنبات الكون،  ومن هؤلاء الذين رحلوا في شهر أكتوبر: 

الشيخ مصطفى السباعي: 

هو مصطفى بن حسني السباعي، من مواليد مدينة حمص في سورية عام 1334هـ/ 1915م، نشأ في أسرة علمية عريقة معروفة بالعلم والعلماء منذ مئات السنين، وكان والده وأجداده يتولون الخطابة في الجامع الكبير بحمص جيلاً بعد جيل، وقد تأثر بأبيه العالم الشيخ حسني السباعي الذي كانت له مواقف مشرّفة ضد الأعداء المستعمرين.

أنهى السباعي دراسته الأوَّلية والشَّرعية في مدارس حمص عام 1930م، وكان الأول على زملائه، وفي عام 1932م سافر إلى مصر والتحق بالأزهر، وانتسب إلى قسم الفقه، ونال الإجازة من كلية أصول الدين بتفوق.

جهاد ودعوة

شارك السباعي في مقاومة الاحتلال الفرنسي لسورية، وكان يوزع المنشورات ويلقي الخطب ويقود المظاهرات في حمص وهو في السادسة عشرة من عمره، حتى قبض عليه الفرنسيون واعتقلوه أول مرة عام 1931م، كما اعتقل مرة ثانية من قبل الفرنسيين أيضاً، بسبب الخطب الحماسية التي كان يلقيها ضد السياسة الفرنسية والاحتلال الفرنسي.

وفي عام 1933م التقى د. مصطفى السباعي مع الشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، حيث أعجب به، وبدعوته، ووجد فيه بغيته وضالته، ووجد في دعوته وطريقته ما كان يبحث عنه في سورية، حيث عاد ونشر الدعوة مع لفيف من العلماء، حتى كان عام 1945م حينما اجتمعت جميع الجمعيات الإسلامية تحت لواء واحد واختاروا د. السباعي مراقباً عاماً للإخوان في سورية.

شارك في حرب فلسطين، حيث قاد كتائب الإخوان في سورية، ودافع عن القدس ضد ضربات اليهود وغدر الحكام العرب.

وفي عام 1949م، اختارت دمشق د. مصطفى السباعي نائباً في الجمعية التأسيسية، كما اختير عضواً في لجنة الدستور وأحد الأعضاء التسعة الذين وضعوا مسودة الدستور في سورية.

تعتبر سورية من أوائل الدول العربية التي عرفت الانقلابات العسكرية، ففي عام 1952م أراد السباعي وإخوانه الحرب على أرض قناة السويس، فما كان من رئيس الحكومة أديب الشيشكلي إلا أن أمر بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال السباعي وإخوانه وإلقائهم بالسجن، ثم أصدر أمره بفصل السباعي من الجامعة السورية وأبعده خارج سورية إلى لبنان.

وبعد محنة الإخوان في مصر عام 1954م، شكل الإخوان المسلمون في البلاد العربية مكتباً تنفيذياً تولى د. مصطفى السباعي رئاسته، وأصدر مجلتي “الشهاب”، و”المسلمون”.

مواقف ورحيل

ترك الشيخ السباعي مواقف تربوية كثيرة لا يختلف عليها أحد، كما أثرى المكتبة الإسلامية بالكتب المتعددة، رغم تعرضه للاضطهاد من النظام العسكري، وذلك قبل أن يهاجمه المرض عام 1957م، فيتفرغ لتأليف الكتب والتربية العملية حتى رحل يوم السبت 27 جمادى الأولى 1384هـ، الموافق 3 أكتوبر 1964م.

قال عنه الشيخ محمد الحسن الندوي: “إن د. مصطفي السباعي كان بلا نزاع من أساتذة الحركة الإسلامية العالمية، ومن صفوة الدعاة والمرشدين والعلماء من الطراز الأول”. 

محمد محمود الصواف: 

ممن رحلوا عنا في أكتوبر الشيخ محمد محمود الصواف الذي أسس دعوة الإخوان في العراق.

وُلد الشيخ محمد محمود الصوّاف في مدينة الموصل أول شوال 1333هـ، الموافق 12 أغسطس 1914م، ونشأ على حب العلم والجهاد، واعتنى به والده منذ الصغر، فعلَّمه القرآن حتى حفظه وهو صغير، ودرس بالمدرسة الفيصلية ونال شهادتها وعين معلماً بها، غير أنه استقال قبل أن ينتقل إلى الأزهر الشريف عام 1358هـ، وقد عُرف بذكائه العجيب وتفوُّقه في مراحل دراسته.

التحق الشيخ الصوّاف بعد قدومه إلى القاهرة عام 1363هـ/ 1943م بالجامع الأزهر طالباً بكلية الشريعة، ودفعته همته العالية إلى أن يختصر سنوات الدراسة الست في ثلاث، فنجح في الحصول على عالمية الأزهر في سنتين بدلاً من أربع، وعلى شهادة التخصص في سنة واحدة بدلاً من سنتين، وكان نظام الأزهر يسمح بذلك، حتى قال له شيخ الأزهر الشيخ المراغي: «لقد فعلت يا بني ما يشبه المعجزة، وسننت سنة في الأزهر لم تكن».

رغم صغر سنه فإنه تعرف على العديد من علماء الأزهر بمصر، وذلك قبل أن يلتقي بالشيخ حسن البنا، ويشارك في تأسيس قسم التعاون بالعالم الإسلامي، بالتعاون مع عبدالحفيظ الصيفي من مصر، والفضيل الورتلاني من الجزائر وغيرهما.

الدعوة في العراق

عاد الصواف إلى العراق، وأسس مع الشيخ أمجد الزهاوي جمعية الأخوَّة الإسلامية التي كانت قاعدة ارتكاز للدعوة وجذب الشباب.

كان هذا الشباب النواة الحقيقية التي انطلق بها الشيخ للدفاع عن فلسطين في حربها ضد الصهاينة عام 1948م إلا أن غدر الحكام أضاع فلسطين وأضاع المجاهدين.

وقد تعرض لبعض المحن، فحينما قامت ثورة 1958م في العراق بقيادة عبدالكريم قاسم، وسيطر الشيوعيون على مقاليد الأمور في البلاد، بدؤوا يضيّقون الخناق على دعوة الشيخ الصواف، ويقاومون حركته، وانتهى بهم الحال إلى تلفيق التهم له، ونشر الشائعات ضده، ثم قاموا بإغلاق المجلة التي كان يصدرها باسم “لواء الأخوة الإسلامية” والقبض عليه، وسجنه مع عدد من رجالات العراق الكرام مثل اللواء الركن محمود شيت خطاب.

بعدها خرج إلى سورية ثم استقر به المقام في مكة عام 1962م، وكانت انطلاقة للدفاع عن الإسلام وقضايا الأمة وخاصة فلسطين، وظل كذلك حتى توفاه الله يوم الجمعة الموافق 13 ربيع الآخر 1413هـ، الموافق 11 أكتوبر 1992م في مطار إسطنبول؛ حيث كان ينتظر الطائرة التي تقله إلى مكة المكرمة، وقد نُقِلَ جثمانه ودفن في مقابر المعلاة بمكة، بجوار قبر الصحابي الجليل عبدالله بن الزبير، بعد أن أثرى المكتبة الإسلامية بالكثير من الكتب، وأثرى الدعوة بالكثير من المواقف التربوية والحركية.

عباس السيسي: 

صاحب البسمة وخفة الدم، الذي ترك في نفوس شباب الحركة الإسلامية بصمات كثيرة، إنه عباس حسن السيسي الذي ولد يوم 28 نوفمبر 1918م بمدينة رشيد بالبحيرة.

حصل على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية، وتطوَّع بمدرسة الصناعات الحربية، بتوجيه من المرشد العام لجماعة الإخوان حسن البنا، والتحق بورش سلاح الصيانة بعد التخرج، وكان قد تعرَّف على دعوة الإخوان المسلمين سنة 1936م، والتحق بالنظام الخاص لدى الجماعة.

اعتقل في محنة عام 1948م، كما اعتقل في عام 1954م، وظل في السجن لمدة عامين، ثم فصل من الخدمة عام 1956م، فاتجه للعمل في صناعة الألبان، وذلك قبل أن يتم اعتقاله مرة أخرى عام 1965م، ويظل في السجن حتى عام 1974م، حيث شاركته زوجته الحاجة نعناعة السيسي محنة الاعتقال أيضاً لفترة وجيزة.

كان الأستاذ السيسي من دعاة الإخوان الأفذاذ؛ فقد كان يصل إلى قلوب الناس بحسن خلقه، وبشاشة وجهه، وجمال أسلوبه الدعوي، والترفق بالناس، وإدخال السرور إلى قلوبهم، ومشاركتهم في مشكلاتهم، وتعميق العلاقة بهم، وإقامة أواصر الحب معهم، والتلطف بالصغير، والصبر على الجاهل، وتمتين الصلات الاجتماعية معهم، عن طريق التزاور، ومشاركة الناس في أفراحهم وأتراحهم.

ويُعد أحد من أسهموا في إحياء جماعة الإخوان وبعثها من جديد بعد خروجه من المعتقل في السبعينيات، قبل أن يتم اختياره عضواً بمكتب الإرشاد.

مرض في آخر حياته، ثم توفاه الله عقب صلاة التراويح يوم الجمعة الثامن من رمضان 1425هـ، الموافق 22 أكتوبر 2004م.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى