علماء من عصرنا

العالم الموسوعي أمير رصرص.. مسيرة حياة

العالم الموسوعي أمير رصرص.. مسيرة حياة

 

في مكتبته العامرة  والزاخرة بالموسوعات والمراجع والمصادر داخل بيته المتواضع في مدينة الخليل، جلس البروفسور الثمانيني يقلب صفحات مطبوعة يراجعها ليدفع بها للمطبعة وإصدارها كتابا جديدا لتكون ضمن عشرات المؤلفات والموسوعات الزاخرة التي ألفها.

إنه البروفسور أمير عبد العزيز رصرص “أبو أنس” أحد أبرز أعلام الحركة الإسلامية في فلسطين، وابن قائد مجاهد من قادة ثورة عام 1936م، قاتل في فلسطين إبان الثورة وإبان النكبة عام 1948.

الأستاذ الدكتور أمير عبد العزيز جمع بين العلم والدعوة؛ فكان مربيا ناجحا وأكاديميا بارعا، ورمزا من رموز الحركة الإسلامية، وكان داعما ومؤازرا لحركة “حماس” منذ انطلاقتها، وأحد أعلام الفقه والشريعة.

المولد والنشأة

ولد رصرص في بلدة الفالوجة عام 1934، وهي إحدى القرى التي دمرها الاحتلال إبان النكبة عام 1948، وهو نجل القائد المناضل عبد العزيز أحمد صالح رصرص الملقب والشهير بـ”العجام”.

 هاجر البروفسور رصرص مع والديه إبان النكبة مرغما إلى مدينة الخليل، التي سكنها وتزوج فيها، وباتت حاضنة له ولذريته، حيث تلقى فيها تعليمه الأساسي.

 وخلال رحلة الهجرة والنكبة، شاهد رصرص المجازر الدموية التي ارتكبتها عصابات الصهاينة ضد الفلسطينيين.

مذبحة الدوايمة

يروي العالم رصرص شهادة حية عن مذبحة الدوايمة، إحدى قرى محافظة الخليل الغربية، والتي وثقها في كتابه النفيس “الوجيز في تاريخ الإسلام والمسلمين”.

 فيقول في حديث خاص لمراسلنا: “عام 1948 أُجبرنا قسرا على مغادرة بلدتنا الفالوجة جراء قصف الطائرات لها وسقوط شهداء وجرحى، وخوفا من المذابح التي كانت تقوم بها عصابات الصهاينة، لكن أصعب مشهد في حياتي لم أنسه، ولا يمكنني أن أنساه، هو مذبحة الدوايمة التي جرت يوم رحلينا وهجرتنا من الفالوجة”.

   ويضيف البرفسور رصرص: “مكثنا في سيرنا على الأقدام متوجهين نحو الخليل، وجلسنا لأخذ استراحة في مسجد بلدة بين الفالوجة والخليل تسمى الدوايمة، وذلك يوم الجمعة.. أذن المؤذن للصلاة واصطف الرجال، وخلال الصلاة، اقتحمت العصابات الصهيونية المسجد، وأطلقت الرصاص الحي من رشاشاتها والقنابل المتفجرة على المصلين، فاستشهد من استشهد ونجا من نجا”.

يقول رصرص: “كنت شاهدا على قتل المئات من أبناء شعبنا في الدوايمة.. رأيت بأم عيني الجثث تكسوها الدماء.. حاولت النساء الاختباء بأطفالهن في إحدى المغارات، لكن الجنود لاحقوهن فقتلوا العشرات منهن.

ويؤكد رصرص: “كنا ننتظر الموت في أي لحظة، ونجحت أنا وبعض الشباب من أقاربي بالاختباء، واستغلال حلول الظلام، حدثت المذبحة الأولى ظهرا، والثانية قبل غياب الشمس بقليل، وكنا في طريقنا نحو مدينة الخليل، وشاهدت بعيني مقتل المئات من الرجال والنساء والأطفال، لقد ملأت الدماء المكان”.

رحلته العلمية

يصف نجله الأكبر الأستاذ أنس رصرص أحد قادة ورموز حماس في الضفة الغربية، رحلة والده نحو العلم فيقول: “كان والدي مثابرا يحب العلم، ومتفوقا في كل مراحله العلمية، مشيرا إلى أنه التحق بجامعة دمشق عام 1964، ودخل كلية الشريعة، وتلقى علومه على يد خيرة من العلماء الأفذاذ من أمثال الدكتور محمد المبارك، والدكتور فتحي الدريني، والدكتور مصطفى السباعي، وغيرهم كثيرون، ليتخرج منها عام 1968”.

ويضيف نجله أنس في حديث خاص لمراسلنا: “بعد تخرجه عمل مدرسا لمادة التربية الإسلامية في المدارس الحكومية، ومن ثم التحق بكلية الشريعة في جامعة الأزهر الشريف وليتخرج منها بتفوق، ويحصل على درجة الماجستير عام 1975، ويكمل دراسته مباشرة، ويحصل على شهادة الدكتوراه في الفقه المقارن منها عام 1977، فيما حصل على درجة الأستاذية من جامعة النجاح عام 1990.

رحلة العمل الشاقة

خدم العالم أمير رصرص في سلك التربية والتعليم نحو 22 عاما متواصلة، وكان خلال وظائفه المتعددة يتنقل ما بين الخليل ورام الله ونابلس.

 وبعد تخرجه من الأزهر التحق بجامعة النجاح ليعمل محاضرا فيها أكثر من خمسة وثلاثين عاما، فيما كان فيها محاضرا، ومن ثم أستاذا جامعيا وعميدا لكلية الشريعة، ورئيسا لقسم الدراسات الإسلامية، ومناقشا ومشرفا بارعا للعشرات من رسائل الماجستير في الجامعات الفلسطينية، وكان عضوا في لجان منح الألقاب العلمية في الجامعات الفلسطينية.

يقول الدكتور عزيز الدويك رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني في حديث خاص لمراسلنا: “لقد سعدت بمرافقة البروفسور أمير رصرص خلال رحلة عملنا الطويلة معا طيلة أربعين عاما في جامعة النجاح الوطنية، فكان نموذجا للداعية المخلص، والعالم الفذ، والباحث المتأصل، والموسوعي المثابر”.

 ويتابع قائلاً: “البروفسور رصرص كان نموذجا للعطاء العلمي، وفقيها وازنا، وداعية ناجحا.. كان خلال صراعات الطلبة والمدرسين ورحلة الأفكار وتحدياتها مؤازرا وداعما للحركة الإسلامية بكل ضراوة وانتماء؛ حيث أصدر العلمانيون عدة بيانات ضده داخل الجامعة لمؤازرته ودفاعه عن الإسلاميين، إلا أنه بقي صابرا ومثابرا وداعما لكل العاملين للإسلام”.

العالم الموسوعي

أبدع البروفسور رصرص في تأليف العشرات من المؤلفات والموسوعات التي كانت مصدرا ومرجعا لطلبة العلم في الفقه والفكر والثقافة الإسلامية، وكان أولى إبداعاته كتابه النفيس “دراسات في الثقافة الإسلامية”، والذي درس في غالبية الجامعات الفلسطينية.

 يقول نجله المربي أنس: “والدي لديه جلد على الكتابة.. يمضي الساعات الطوال وهو حامل للقلم .. كتب ملايين الكلمات دون كلل أو ملل، نشرت كتبه وموسوعاته في العالم العربي، وطبعت في القاهرة وبيروت ودمشق وعمان وفلسطين، ووزعت عالميا، ولا يزال يعشق الكتابة رغم دخوله في الثمانينيات من العمر”.

ومن الموسوعات التي ألفها ونشرت في الأسواق والمكتبات والجامعات العربية والإسلامية موسوعة التفسير الشامل للقرآن الكريم، ستة مجلدات، طبعت في القاهرة، موسوعة فقه الكتاب والسنة، خمسة مجلدات، نشرت في القاهرة، موسوعة أصول الفقه الإسلامي، مجلدان، نشرت في القاهرة، موسوعة الوجيز في تاريخ الإسلام والمسلمين، ثلاثة مجلدات، نشرت في بيروت وترجمت إلى الإنجليزية والفرنسية.

الجانب الاجتماعي

تزوج البروفسور أمير رصرص من المرحومة المربية الحاجة ميسر سعيد رمزي قطينة، التي شاركته رحلته الطويلة، وكانت خير سند له على مدى الأيام، إلى أن جاء أجلها عن عمر يناهز 72 عاما.

وقد أنجبت له نجله البكر أنس، وهو قيادي في حركة حماس، وأمضى في سجون الاحتلال نحو خمسة عشر عاما، وحمزة الحاصل على ماجستير في الاقتصاد، وكريماته المهندسات إيمان وباهرة وأماني.

(المصدر: مجلة المجتمع)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى