مقالاتمقالات مختارة

الدعوة إلى الإسلام بين اليابانيين

الدعوة إلى الإسلام بين اليابانيين

بقلم العلامة د. يوسف القرضاوي

السؤال: نحن نعيش في اليابان من عدة سنين، ونجد في هذا البلد فضائل جمة، مثل حب العمل واتقانه والصبر عليه، واحترام النظام، وتوقير الكبير، والرحمة بالصغير، والحياء، وغيرها من الفضائل التي نعتبرها فضائل إسلامية أصيلة، ومع هذا أخفقنا في دعوتهم إلى الإسلام، ولم نجد منهم استجابة لنا، لعدة أسباب:

عوائق الدعوة إلى الإسلام في اليابان:

منها: أن أمر الدين لم يعد يهمهم كثيرا، إنما يهتمون بدنياهم ومعايشهم، فهم قوم ماديون وعمليون، وراضون بما هم عليه.

ومنها: أن دينهم لا يفرض عليهم تكاليف تقيدهم، وديننا مليء بالتكاليف من فرائض تؤدى، ومحرمات تجتنب، وهي كثيرة جدا، ولم يتعودوا مثلها.

ومنها: أنهم مولعون بشرب الخمر، فكلهم يشربون، وكلهم متعلق بها، لا يستطيع فطام نفسه عنها، وهي عندنا رجس من عمل الشيطان، وإحدى الكبائر، وأم الخبائث، وهذا عائق كبير عن الدخول في الإسلام.

ومنها: سوء حال المسلمين، وتخلفهم وضعفهم وتفرقهم، وانتشار الرذائل بينهم، وهذا الواقع يلقي بظلاله على الدعوة فينفر من قبولها، أو يضعف منه على الأقل.

وهذه الأسباب جعلت بعضا منا ييئسون من دعوة اليابانيين، ويقولون: لا أمل فيهم.

فبماذا تنصحوننا في تقديم الدعوة إلى اليابانيين الذين نحبهم، ونتمنى من كل قلوبنا أن يشرح الله صدورهم لهذا الدين، ويدخلوا فيه أفواجا، ويكونوا قوة جديدة تضاف إلى قوته. وفقكم الله

جواب فضيلة الشيخ:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. . . (أما بعد)

أنا على عكس هؤلاء الأخوة اليائسين من دخول اليابانيين في الإسلام، وكل ما ذكروه من عوائق لا يثبت في ميزان النقد العلمي الأصيل، والمفترض أن يكون اليابانيون أقرب من غيرهم إلى الإسلام.

بواعث الأمل في استجابة اليابانيين للإسلام:

وحجتنا في رفض اليأس، وتبنى الأمل، تتمثل فيما يلي:

أولا: أن الإسلام دعوة عالمية بنص القرآن والسنة، والضرورة الدينية، كما قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) (الأنبياء:107) ، (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) (الفرقان:1) ، (قل ياأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) (الأعراف:158) ، وقال صلى الله عليه وسلم: ” وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة” (1) متفق عليه عن جابر.

ثانيا: أن اليابانيين هم بشر من البشر، لا بد أن يهمهم أمر الدين، وأمر المصير، كما يهم كل إنسان، فالدين سر الوجود، وجوهر الحياة، ولا بد لكل إنسان أن يسأل نفسه هذه الأسئلة: من أين؟ وإلى أين؟ و لم؟ من أين جئت وجاء هذا العالم من حولي؟ ومن الذي أوجدني وأوجد هذا العالم؟ وإلى أين أذهب بعد حياتي هذه؟ هل الموت فناء مطلق أو هو رحلة إلى حياة أخرى؟ ولماذا أعيش في هذه الحياة؟ وهل لي فيها رسالة؟ وما هي؟

ثالثا: إنني سمعت أن اليابانيين ـ ولا سيما القادرين منهم ـ يشترون اسمًا لهم بعد الموت، يدفعون فيه نحو عشرين ألف دولار أو أكثر للكاهن، وهذا الاسم يكون من أسباب سعادتهم في الحياة القادمة. وهذا الاهتمام بهذا الأمر والبذل فيه: يدل على مدى عنايتهم بأمر الدين والمصير.

رابعا: إن الإسلام وصل إلى الصين ـ بجوار اليابان ـ منذ القرن الأول الهجري، ووصل إلى ماليزيا وإندونيسيا منذ قرون، فما الفرق بين الجنس الملاوي والجنس الإندونيسي والجنس الصيني و بين الجنس الياباني؟ وما الذي جعل هؤلاء يقبلون الإسلام، واليابانيين يرفضونه؟

خامسا: أن اليابانيين شرقيون مثلنا، تجمعنا بهم الرابطة الشرقية، ونحن العرب والمسلمين في الشرق، نعتّز بهم، ونفخر بتقدمهم، وفي أدبنا وشعرنا العربي الحديث قصائد ومقالات رائعة في مدحهم والثناء عليهم، وهذا مما يقربهم منا، ويقربنا منهم، ولا يجعل بيننا وبينهم فجوة.

سادسا: لم يحدث بيننا وبين اليابانيين صراع تاريخي، ولا صراع حديث، كما حدث بيننا وبين الأوروبيين المسيحيين، فقد اصطدم الإسلام بهم في القرون الماضية في حروب دامية مريرة طويلة استمرت قرنين من الزمان، وهي ما عرف باسم (الحروب الصليبية) أو حروب الفرنجة، واصطدم الإسلام بهم في العصور الحديثة، حين احتل الاستعمار الغربي ديار الإسلام من إندونيسيا شرقا إلى المغرب وموريتانيا غربا، واستمرت معارك التحرير والاستقلال حتى ثورة الجزائر، ولم يكتف الاستعمار الغربي بذلك، حتى زرع في قلب بلادنا هذا الجسم الدخيل الغريب (إسرائيل) وأمده بالمال والرجال والسلاح والنفوذ، ليبقى ويسيطر ويدمر ويعربد، بخلاف اليابان التي لا يوجد بيننا وبينها شئ من هذا القبيل على الإطلاق.

سابعا: أن لدى اليابانيين كثيرا من الخصال والأعراف الراسخة، التي نعتبرها من صميم الإسلام، مثل (الحياء) الذي نراه ظاهرة عامة فيهم، فلم أجد خلال زيارتي لليابان في مايو 1997م تلك المناظر السخيفة التي نشاهدها في أوروبا وأمريكا، مثل القبلات والأحضان في الطرقات والمحطات والحدائق وعلى أرصفة القطارات ونحوها، والحياء من الإيمان كما قال رسولنا الكريم.

وكذلك حرصهم على إتقان العمل، وعلى الروح التعاونية، واحترام النظام، وتوقير الكبير، ورحمة الصغير، وكل هذه أخلاق وفضائل يدعو إليها الإسلام.

كل هذه الأسباب وغيرها مما لم نذكره: تجعلنا نؤمن بأن اليابانيين ليسوا بعيدين عن الإسلام، ولا نافرين منه، ويمكننا أن نقربهم منه، ونحببه إليهم، إذا عشنا بينهم، ودرسنا نفسيتهم، وأحسنا دعوتهم إلى ديننا، وخاطبناهم بلسانهم لنبين لهم.

وصايا مهمة للدعاة في اليابان وأمثالها:

ونوصى هنا بعدة أمور:

1ـ أن ندرس الإنسان الياباني، ونعرف اهتماماته وحاجاته المادية والروحية، ونعرف المدخل النافذ إلى عقله وقلبه، لندخل منه، ونؤثر فيه، وقد قال تعالى:” وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم” (إبراهيم:4) ومخاطبة القوم بلسانهم المبين لهم تعني: أن ندخل إليهم من حيث يهتمون، ومن حيث يفهمون، ومن حيث يتأثرون.

2 – أن نهتم بالأصول فبل الفروع، وبالكليات فبل الجزئيات، وأصل الأصول هو: التوحيد والإيمان بالله، والإيمان بالجزاء العادل في الآخرة، والعمل الصالح، الذي يرضي الله تبارك وتعالى، ومنه، العمل لعمارة الأرض، وتنمية الحياة.

3ـ ألا نكثر التكاليف على الداخل في الإسلام، وانما نركز على الفرائض الأساسية دون النوافل، وعلى كبائر المحرمات قبل صغائرها، وأن نتبنى التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، وفي الحديث الصحيح”وإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين(2)  “يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” (3).

4ـ أن نأخذ الناس بمنهج التدرج الحكيم، الذي أتخذه الإسلام في أول أمره، فقد بدأ بالعقائد، ثم بعد ذلك بالأحكام، وتدرج في تشريع الأحكام، سواء في فرض الفرائض أم في تحريم المحرمات، كما في تحريم الخمر على مراحل معلومة في تاريخ التشريع.

ولو جاء الإسلام من أول يوم، وقال لهم: لا تشربوا الخمر، لشربوها وأبوا الدخول في الإسلام، فقد كانوا مولعين بها كولع اليابانيين أو أشد.

ولهذا ليس من الحكمة أن نثير مع الياباني قضية تحريم الخمر من أول الأمر، ونجعل الامتناع منها شرطا للدخول في الإسلام، بل نقبل منهم الإسلام، ونتعهد إيمانهم بالرعاية حتى يقوى ويصلب عوده، ونهيئ له بيئة إسلامية يعيش فيها، تعينه على الالتزام، وترغبه في طاعة الله، وترهبه من معصيته، إلى أن يصل إلى مرحلة يترك فيها الخمر بإرادته واختياره. ولو افترضنا أنه ضعف عن تركها، وغلبه الإدمان، فأمره إلى الله تعالى، وحسبه أن يموت مؤمنا.

إن بعض الدعاة إلى الإسلام يعرضون على المسلم الجديد تفاصيل مذهلة، بل مرعبة، بحيث يخيل إليه أن هذا الدين ليس إلا مجموعة من القيود، تثقل حركته، وتعوق سيره، وتحرمه الاستمتاع بطيبات الحياة.

إن مزيّة الإسلام أنه دين التوازن بين الدنيا والآخرة، بين الروحية والمادية، بين المثالية والواقعية، بين الربانية الإنسانية، بين الفردية والجماعية.

فلم يحرم الإسلام على الناس الطيبات ولا زينة الله التى أخرج لعبادة، وقدر أن عمارة الأرض عبادة، وأن طلب العلم فريضة، وأن الله جميل يحب الجمال، وأن خير الناس أنفعهم للناس، وأن الله كتب الإحسان على كل شئ، وأنه يحب من عبده إذا عمل أن يحسن، وأنه يد الله مع الجماعة، وأن التعاون على البر والتقوى واجب، وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وأن الناس كلهم سواسية كأسنان المشط، لا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (الحجرات:13)

منذ نحو قرن من الزمان، والكلام يتجدد عن الإسلام في اليابان، وقد أشيع في بعض الصحف العربية والهندية أن أهل اليابان يبحثون عن دين يختارونه، وأنهم يقيمون مؤتمرا للأديان من أجل ذلك، ولم يكن الخبر صحيحا، وإن شاع في بعض الأوساط، وسافر من أجله أحد علماء الأزهر على نفقته الخاصة إلى اليابان، وهو الشيخ علي الجرجاوي الذي باع عدة أفدنة من أرضه في الصعيد، ليشتري بها تذكرة ليصل إلى اليابان ويبقى هناك عدة أشهر، ويؤلف في ذلك كتابا سماه (الرحلة إلى اليابان).

ومع ذلك لم ينتشر الإسلام في اليابان، كما ينبغي، وإن دخل فيه آلاف من اليابانيين الفضلاء، أنشأوا الجمعيات والمراكز الإسلامية، ويجتهدون في نشر دينهم، أعرف عددا منهم، من خيرة المسلمين، ونسأل الله لهم التوفيق.

ورأيي أننا سننجح في دعوة اليابانيين إلى الإسلام، يوم ينشأ دعاة إليه من اليابانيين أنفسهم، فهم أولى الناس بمخاطبة قومهم. وقبل هذا يجب أن نهيئ دعاة يعيشون بين اليابانيين ويتقنون لغتهم، ويتزوجون منهم، (ممن دخل في الإسلام منهن) وقد فعل ذلك (المنصّرون) الذين وصلوا إلى اليابان، فوجدوا اللغة حائلا هائلا، واستصعبوها في أول الأمر، ثم فرغوا لها من شبابهم من أجادها كل الإجادة، وغدا يتكلمها كأهلها، وانشأوا الجامعات الكاثوليكية والبروتستانتية بالعشرات، وما يزالون ينشطون في نشر دينهم، قائلين للناس: لا نطلب منكم إلا أن تعلنوا أنكم مؤمنون بالمسيح، وتكتبوا أسماءكم معنا، ولا نكلفكم شيئا وراء ذلك.

إن أخانا الدكتور صالح مهدي السامرائي مهتم بأمر الدعوة في اليابان من قديم، منذ درس في جامعات اليابان، وحصل على درجة الدكتوراه منها، وعاش فيها مدة غير قليلة، على فترات، وهو الآن يدير المركز الإسلامي بطوكيو، وأمله واسع جدا في دخول اليابانيين في الإسلام، وهو يقدر عشرات من السنين ليصبح اليابانيون كلهم أو جلهم مسلمين، وليس ذلك على الله ببعيد، ولكن الأمور لا تدرك بالتمني، بل بالعمل والدأب والصبر، القائم على العلم والتخطيط والتنظيم، يقوم بذلك رجال فقهوا دينهم، وعرفوا عصرهم، ودرسوا بيئتهم، ونذروا أنفسهم لله تعالى ولتبليغ دعوته، من (الذين يبلغون رسالات الله، ويخشونه، ولا يخشون أحدا إلا لله، وكفى بالله حسيبا) (الاحزاب:39) . وبالله التوفيق.

………….

* من كتاب “فتاوى معاصرة” لفضيلة العلامة.

(1) اللؤلؤ المرجان/299

(2) رواه البخاري والترمذى والنسائي عن أبي هريرة.

(3) متفق عليه عن أنس.

(المصدر: موقع د. القرضاوي)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى