تركت الإسلام لعجزي عن التوفيق بين العقل ونصوص القرآن!!
بقلم خالد خطاب
هذه لافتة رفعتها مسلمة سابقة ألحدت، ما دفعني لمشاهدة مقطع تحكي فيه “قصة” تركها للإسلام.
تُحدد الفترة التي بدأت فيها رحلة الشك، بتلك التي (بدأتُ فيها أعتقد آراءً “تقدمية” عن المرأة)، ومن ثم بدأَت الفتاة تسائل أحكام المرأة في الإسلام. دارت بها عجلة التردي حتى أعلنت إلحادها في النهاية، لأنها أصبحت عاجزة عن التوفيق بين (العقل ونصوص الوحي).
العجيب أن عقلها نفسه كان لا يجد أي نفور بينه وبين الدين منذ أعوام، بل إنها كانت تستخدمه في دعوة غير المسلمين، كما حكت! فما الذي تغير؟ الدين أم العقل؟
العقل هنا هو (مجموعة القواعد والمعايير التي بها يحدد الإنسان الصواب من الخطأ). وكما هو واضح، فهذا يختلف من ثقافة لثقافة، ومن مجتمع لمجتمع ومن فرد لفرد، بل يتغير عقل الفرد نفسه إن اعتقد في معايير جديدة للحكم على الأشياء.
لنضرب مثالا بالثقافة الغربية، التي يخالطها المرء بالكامل إن هاجر إلى الغرب، ويخالطها بدرجة أقل حتى في موطنه، لفرط هيمنتها على تطبيقات الحياة.
سنجد لهذه الثقافة عناوين في ظاهرها حسن، لكن تطبيقاتها تصادم أحكام دينك بل ربما أصوله.
فكرة “الحرية” حسنة جميلة. تطبيقاتها الغربية تنخر في أساس العبودية لله. فكرة “حقوق الإنسان” رائعة، لكن تطبيقاتها الغربية تقلّص مساحة الواجب تجاه الخالق، بل تهمّش مفهوم الإله أصلا، فضلا عن إله يأمر فيُطاع. فكرة “المساواة بين الجنسين” لها أصل عندنا (النساء شقائق الرجال)، لكن تطبيقاتها الغربية تقوّض أغلب أحكام الأسرة في الإسلام، وهكذا.
تجد “روحا” مغايرة تماما لروح الدين تتسلل في عروقك.
ما الذي يحدث إن تركت نفسك للتيار ولم تقاوم هذا التسلل؟
الذي يحدث أن “عقلك يتغير”! القواعد التي سيحاكم عقلك لها كل شيء ستتبدل.
تتشكل بداخلك منظومة جديدة تماما لفهم الدنيا والحكم على الصواب والخطأ واتخاذ القرارات، بل والهدف من الحياة.
انقلاب لا يحدث فجأة، بل يترسّخ تدريجيا، ,وعن طريق التقليد لا عن طريق النظر والاستدلال والاقتناع. روح تعظيمية للغرب لا تستطيع دفعها، وقناعات تُشبه أن تكون “غيبية”. هذه الروح الجديدة لا تتصالح مع روح الدين، وبالتالي يبدأ العقل الجديد في استنكار أحكام الدين ويدعي تناقضها معه.
تتسع الدائرة تدريجيا حتى تُطرح الأسئلة النهائية: إذا كانت كل هذه الأحكام تخالف “عقلي”، فهل القرآن إذن كلام الله ؟ وهل يصلح محمد صلى الله عليه وسلم كقدوة؟
هنا سيكون الجواب بلا شك بالنفي، وسيكون القرار “الشجاع” “الأخلاقي” “المتسق مع النفس” هو الردة، والكفر بدين “نصوصه لا توافق العقل”!
العقل ليس صفحة بيضاء، ولا هو العدالة العمياء التي تقارن بين الحجة وضدها لتختار الحق بحيادية. العقل منحاز لطرف ما ولابد، معتقد في أمور دون نظر واستدلال ولابد، غاية ما حدث أنه غيّر تحيّزه دون أن يشعر، ثم نظر من الموقع الجديد، فاختار الكفر بالله العظيم!
ما سبق لن تجد له وصفا أدق من قول ربنا: (ولكنكم فتنتم أنفسكم)!
نفهم من ذلك أن كل مخالط للثقافة الغربية سيلحد ولابد؟
بالقطع لا، ولكن الاستسلام لتتطبيقاتها والغفلة عن آثارها يمهد الأرضية للانسلاخ من الدين بلا شك.
المسلم في المقابل يجاهد ليُبقي الصورة معاكسة: أن يظل الوحي حاكما يُحاكم إليه كل مستجد من ثقافة أو حضارة أو فلسفة.
يتشرب مفاهيم القرآن والسنة ويعلمها لأولاده، ويتلذذ بتدبر حكمتها ويستعلي بتطبيقها ولا يخجل من الجهر بها، يوسعها ويعمقها ويدعو إليها، لكي تتجذّر في عقله هو أولا قبل غيره، وتبقى هي معياره الحاكم، ثابتة الأركان غير قابلة للانقلاب عليها.
هو يعاني أثر تراجع ثقافته حضاريا نعم، لكنه بلسان حاله يصرخ معلنا: أن الأيام دول! وتفوقكم الحضاري أقابله بتفوقي المعاييري، حتى يأذن الله أمرا آخر. عقلي يظل أرقى من عقولكم وإن أنتجت من منتجات الحضارة ما أنتجت، وهزيمتنا في معركة الحضارة المادية نقابله بجهادكم بشرف في معركة المعايير والقِيَم، نوصد أبوابها أمامكم، ونعمل فيها الأسباب ما استطعنا لذلك سبيلا.
ستظل عزتك بدينك وانتسابك للوحي عاصمة لك من التردي لدركات الإلحاد (فلا يكن في صدرك حرج منه). ووالله، ما أن تفتح باب “الحرج” إلا ويبدأ التسلل، ثم يبدأ الخجل من أحكام دينك، ثم النفور منه، ثم الانقلاب عليه، ثم الدعوة إلى ضده!
إياك أن يخدعوك بدعوى “الحيادية” و”إعمال العقل” لتشك في دينك، فهم “متحيزون” لمبادئهم “معتقدون” في صحتها، نظرياتهم كلها “دين” و”غيبيات” وإن ادعوا أنها “علم” و”عقل”.
إياك أن تفارق الدنيا ولم تشعر بلذة اليقين في دينك وشرف الدفاع عنه. اعتز بشرعك واقبض عليه واحفظ القواعد التي يعمل في إطارها عقلك.
هذا هو القبض على الجمر في أعمق مستوياته، مستوى العقل والمعايير ، وهو آخر الحصون، وليس بعد خسارته من شيء يُبكى عليه!
(المصدر: هوية بريس)