بعد 1440 عاماً على الهجرة النبوية.. نحن خارج الغار
بقلم حمزة تكين
احتفلت الأمة الإسلامية، أمس الثلاثاء، بالذكرى الـ 1440 للهجرة النبوية الشريفة، ذاك الحدث التاريخي العظيم الذي غيّر وجه البشرية وقلب موازين الكون من مكة المكرمة إلى المدينة التي استنارت بحضرة النبي عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والسلام.
طبعاً لابد وأن يكون لمثل هذا الحدث العظيم الكثير الكثير من الدروس والعبر التي من المفترض أن يأخذ بها المسلمون في كل مكان وزمان، ولكن الحال بعد 1440 عاماً على الهجرة لا يقول ذلك.
كلنا نعلم أن حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وصاحبه الصادق الصدوق سيدنا أبا بكر الصّدّيق رضي الله عنه، احتميا من أنظار قريش خلال رحلة الهجرة في غار ثور، وهو غار يقع على بعد نحو 4 كيلومترات في الجهة الجنوبية من المسجد الحرام في مكة المكرمة.
وفي ذاك الغار حدث ما حدث من عظمة النبوة وقوة الإيمان ونور اليقين وصدق العشق والحب والأخذ بالأسباب، فأثناء وجود النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وصاحبه أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه في الغار، جاءت قريش تبحث عنهما، حتى وقفت على فم الغار، وهنا قال أبو بكر رضي الله عنه لحضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: «لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا»، فقال له النبي: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما».
وقد ذكر الله تعالى هذه الحادثة في القرآن الكريم: «إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
إذن، عند الغار كان هناك فريقان، الأول داخل الغار والثاني خارجه… الفريق الأول كان فريق الإسلام بتعاليمه ومبادئه لا بالشعارات، فريق الإيمان بأركانه وقوته لا بالشعارات، فريق اليقين والحب والصدق حقاً لا الشعارات، أما الفريق الثاني فكان فريق الكفر والباطل والفساد والتفرقة والمصالح الخبيثة والتباغض والحسد وأكل المال الحرام والنفاق وحب المال والشهوات والغيبة والنميمة والسرقة والظلم والتكبر وكل شر.
ونحن اليوم وبعد 1440 عاماً على الهجرة النبوية العظيمة وهذه الحادثة المبهرة، إما أن نكون مع الفريق الأول بكل ما فيه من خير، وإما أن نكون مع الفريق الثاني بكل ما فيه من شر… وبعيداً عن الحجج والتبريرات التي نسوقها لنبرر لأنفسنا، فإن الخيار بأي الفريقين نكون هو بيدنا وليس بيد أحد سوانا.
ليس من هباء أن أقول إننا اليوم في صفوف الفريق الذي كان خارج الغار، ولست أبرئ نفسي عن الوقوع في الخطأ، ولكن حالنا اليوم هو الذي يقول ذلك ويؤكد أننا لسنا في صفوف الفريق الذي كان في الغار.
فعندما لا نفهم حقيقة ديننا الحنيف وما يريده منا، بل لا نريد أن نفهم عن سبق إصرار وتعمد، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما يقتل المسلمون بعضهم البعض تحت حجج واهية وأسباب سخيفة، وعندما لا يدري القاتل لمَ يقتل ولا المقتول فيمَ قتل، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما يحاصر المسلم أخاه المسلم، بل يعاديه معاداة لا يظهرها أصلاً تجاه جهات حاقدة ومعادية للإسلام والمسلمين، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما يتكلم المؤمن كلمة حق فيسجنوه ويقتلوه ويعزروه، وإن سكت استباحوه، وعندما يُصدّق الكاذب ويكذب الصادق، يؤتمن الخائن ويخوّن الأمين، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما يصبح المال همّنا الأكبر ومعبودنا الأعظم، فيكثر المال الحرام ويقل المال الحلال، وتنتشر أساليب الغش والخداع بين المسلمين دون مراعة حق الله أو الالتفات لنواهي الله وأوامره، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما تكون هجرتنا في سبيل الشيطان لا في سبيل الله تعالى، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما نرفض الحق وأهله بل ونتآمر عليهم، وننضم للباطل وأهله بل ونزيّن انحرافهم، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما تكون كل طاقات المسلمين وثرواتهم وقدراتهم وخبراتهم في غير خدمة بلاد الإسلام بل في خدمة بلاد أعداء الإسلام وخدمة حكام السوء والباطل والعدوان، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما نبيع أراضينا ونتخلى عن مقدساتنا، بل ونطبل للمحتل ونحسّن صورته تحت حجج وذرائع خبيثة، ونرفض أهل المقاومة والرباط والجهاد الحق، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما لا ينصر المسلم أخاه المسلم ضد سلطان جائر ظالم، بل يتآمر على المظلوم ويبرر للظالم أفعاله، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما لا نأخذ بالأسباب من أجل تحقيق الأهداف والتطور والنصر، بل نجلس متقاعسين متذرّعين بذرائع الكسالى الفاشلين، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما نخون أماناتنا ونأكل أموال غيرنا ولا نحفظ أعراضنا ولا يخاف المسلم على أخيه المسلم ولا يهتم لأمره، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما لا نعرف اختيار الصحبة الصالحة لنا ولأولادنا، ولا نهجر أهل الباطل والضلال امتثالاً لقول الله تعالى في القرآن الكريم: «وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً»، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما لا نهجر المعاصي امتثالاً لأمر الله تعالى في القرآن الكريم: «وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ»، بل نستمرئها ونستصغرها، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما لا تهاجر قلوبنا إلى الله تعالى هجرة صادقة، بل تهاجر لمسؤول ما أو حاكم ما أو صاحب نفوذ ما أو ظالم ما أو متغطرس ما، فإننا نكون في فريق من هم خارج الغار لا داخله.
عندما وعندما… والحال أننا خارج الغار مع الأسف الشديد، وطالما أننا خارج الغار فإن النصر بعيد عنا والعزة بعيدة عن متناولنا وما نرجوه من الله ليل نهار لن يتحقق حتى ننقل حالنا إلى ما طلبه منا من هو داخل الغار.
الفرق بين أن نكون ضمن فريق خارج الغار وفريق داخل الغار، فرق ليس بكبير، وليس بصعب أن نؤمّن أسباب تحقّقه، فهو مجرد حمامة ترفرف بجناحي الإيمان والصدق، حمامة لو سمحنا لها بأن تطير بهذين الجناحين فوق رؤوسنا لدخلنا حقاً إلى الغار ولكان حالنا أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.
وما يفصلنا عن أن نكون ضمن فريق داخل الغار لا فريق خارج الغار، مجرد خيوط رفيعة دقيقة شفافة، خيوط لو أدركنا كيف ننسجها بتعاليم ديننا الحنيف وأخلاق التعامل وآداب الإنسانية، لحملتنا بكل دقتها وشفافيتها ونقلتنا من ظلام خارج الغار إلى نور داخله.
لسنا في موقع التنظير وسوق كلام معسول بغية إشادة من هنا أو هناك، ولكننا يجب أن نكون جميعاً في موقع من يحاسب نفسه قبل أن يحاسب الآخرين لننتقل بعد ذلك إلى تحقيق الغاية الأكبر التي جاء من أجلها الإسلام، والتي من أجلها كانت الهجرة، ويجب أن ندخل إلى نور الغار من جديد فإننا بعد 1440 عاماً على الهجرة النبوية.. نحن خارج الغار.
(المصدر: صحيفة العرب الالكترونية)