الإعجاب بشيء من شُؤون الظالم نوع من الركون إلى الظالمين
بقلم عبد المجيد البيانوني
إنّ إعجاب أكثر الناس بشيء من شؤون الظالم يجعلهم يغفلون أو يستهينون بما عليه من ظلم كبير ، وجرائم لا يعدّ ما يعجبون به أمامها شيئاً مذكوراً ، وتراهم من افتتانهم بحاله يتحدّثون عن تلك التوافه ، وينسون الظلم والعدوان ، وأكل أموال النّاس بالباطل ، والجرائم الكبرى ، والمآثم العظمى التي يرتكبها بحقّ النّاس صباح مساء ، وكأنّها توافه المعاصي الخاصّة ، وصغائرها التي يكفرّها الاستغفار وصالح الأعمال ..
وتأمّلوا قول الله تعالى عن المشركين : {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ}[التوبة:19] .
وقوله سبحانه عن المنافقين : {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ المُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي القَوْمَ الظَّالِمِينَ * لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[التوبة:107 ــ110] ، والآيات تحتاج إلى نظر دقيق ، وتدبّر عميق ، أحيل فيه إلى كتب التفسير ..
وأذكر ثلاثة أمثلة واقعيّة من افتتان الناس بأعمال الظالمين ، ونسيانهم لظلمهم وجرائمهم :
* أعرف بعض الأغنياء الكبار ، يحافظ في ظاهر الأمر على صلاة الجماعة ، وفي الصف الأوّل وراء الإمام ، ويتعامل بالربا ، ويظلم الناس ، ويأكل أموالهم ، ويدفع الأموال الطائلة من الرشوة ، ليأكل أموال الأمّة ، ويعتدي على حقوقها .. وينسى الناس ذلك كلّه ، ويتحدّثون عن صلاته وراء الإمام ، وبنائه للمساجد ..!!؟؟
* وزرت في بعض بلاد المسلمين مسجداً أنفق عليه عشرات الملايين ، وزخارفه ومظهره ومرافقه تبهر الناظرين ، ورأيت في أعين بعض المرافقين الافتتان الشديد بهذا العمل ، وسمعت الإطراء والثناء من بعض الحاضرين ؛ فسألتهم : مِن أموال مَن بُني هذا المسجد .؟ قالوا : من أموال الأمّة .. قلت : فهل يجيز الإسلام أن تنفق هذه الأموال على بناء هذا المسجد ، والأمّة في جهل وجوع ، وعُري ومرض .؟! وهل يحلّ للحاكم في الإسلام أن يعبث بأموال الأمّة كما يشاء .؟!
* وحدّثني بعض الشباب عن زيارتهم لبعض البلاد ، التي تعجّ بالظلم والإفساد في الأرض ، ولكنّهم لم يتحدّثوا إلاّ عن بناء الجسور ، وإصلاحات الطرق ، والتفنّن في إقامة مدن الملاهي والترفيه ..
فقلت لهم : وما خبر أبواب الإفساد المشرعة ، والتي تزداد يوماً بعد يوم .؟! وما أخبار السجون الملأى بالمظلومين ، والذين لا يعرف حالهم ولا مصيرهم .؟! إن لم تنكروا ، وتذكّروا الناس بما يجري من الظلم فلا تكونوا أبواقاً مجّانيّة رخيصة لتلميع الظالمين ، وتسويق أعمالهم .. « فإنّ الله تعالى طيّب لا يقبل إلاّ طيّباً .. » .
(المصدر: رابطة العلماء السوريين)