مقالاتمقالات مختارة

غزة سنغافورة .. رؤية استشرافية تضع المقاومة في قبضة “إسرائيل”

غزة سنغافورة .. رؤية استشرافية تضع المقاومة في قبضة “إسرائيل”

بقلم أحمد عزام

تُعتبر غزة حصن المقاومة الأخير الذي استعصى على “إسرائيل” كسره، في ظل غياب أي دور عربي، هذه البقعة الصغيرة من الأرض التي تحمل أهلها حروب مدمرة، وحصارا دام لسنوات طويلة وما زال، أرسلت رسالة “لإسرائيل”: بأن قطاع غزة لن يستسلم، ولن تترك المقاومة سلاحها. وقد وصلت “إسرائيل” إلى قناعة بأن حركات المقاومة في قطاع غزة لن تتخلى عن سلاحها أبدا، وأن القضاء عليها أمرا مستحيلا، وأن “إسرائيل” لا تزال مهددة، وهي تدرك أيضا أن السلطة الفلسطينية التي تقودها حركة فتح “محمود عباس” لن تستطيع السيطرة على الساحة الفلسطينية في قطاع غزة وفق رؤيتها السياسية وعلاقاتها مع “إسرائيل”.

لذلك لم تجد “إسرائيل” أمامها إلا طريق واحد توقف به سلاح المقاومة من توجيهه نحوها ربما لزمن طويل لا نعلم مداه، تكون فيه قد كسبت الوقت في التخطيط والتدبير والتغيير على أرض الواقع لصالحها كما تشاء، وذلك من خلال محاولات الالتفاف على من يقود السياسة والمقاومة العسكرية في قطاع غزة عبر تثبيت تهدئة طويلة المدى “برعاية مصرية” تنتج عنها مساعدات إنسانية لسكان القطاع مستغلة الانقسام الفلسطيني، وفشل جميع محاولات المصالحة بين الطرفين، والخلافات الداخلية التي أدت إلى زيادة ضغط الحصار على قطاع غزة جراء الإجراءات العقابية التي فرضتها السلطة الفلسطينية برئاسة “محمود عباس” على سكانه، وشعور قيادة غزة بأنها أمام خيارين إما الرضوخ لسياسة عباس المرفوضة من قِبل القيادة في غزة، أو تتحمل قيادة غزة المسؤولية وتحاول أن تجد مخرجاً لأزمة الحصار على القطاع وهو ما تسعى نحوه قيادة غزة الآن.

لذلك تلقفت “إسرائيل” هذه الهدية لاستدراج غزة نحو أهدافها وهي بداية تطبيق ما تُسمى “صفقة القرن” وتصفية القضية الفلسطينية، يكون ذلك من خلال هدنة طويلة الأمد تنتج عنها مساعدات لسكان قطاع غزة وإنعاش اقتصاده بافتتاح مشاريع متعددة ربما تشرف على إنشائها الأمم المتحدة، وخلق فرص عمل، وجعل سكان القطاع يلمسون هذا التغير حتى يصلوا إلى درجة الخوف من العودة إلى الأزمة مرة أخرى، وجعل المقاومة العسكرية تفكر ألف مرة قبل استخدام سلاحها ضد “إسرائيل”.

وربما تفكر “إسرائيل” بجدية بجعل قطاع غزة كسنغافورة ليُشعروا المواطن في غزة بالتغير من صفر إلى مئة، وجعل السكان يستميتون لعدم الرجوع للصفر مرة أخرى مهما كان الثمن، وهذا إن حدث سيكون عبئا كبيرا على مشروع المقاومة الفلسطينية إذا ما أرادت استخدام المقاومة العسكرية ضد أي تجاوزات إسرائيلية، أو لتحقيق أي تقدم لأهدافها الكبرى بتحرير الوطن والعودة إلى الأرض تستلزم استخدام القوة العسكرية.

وهذا سيؤدي إلى تثبيت الأمر الواقع وقتها بعدم التقدم بالقضية الفلسطينية إلى الأمام لصالح مشروع المقاومة وأهدافها، إضافة إلى أن هذه التهدئة مرتبطة بقطاع غزة فقط وأن أي إجراءات استيطانية وتهويدية في الضفة الغربية لن يكون لمقاومة قطاع غزة فيه أي دور عسكري يمنع أو يهدد به إجراءات “إسرائيل” في ظل غياب المقاومة المسلحة في الضفة الغربية. ونتيجة ذلك كله يصب في مصلحة “إسرائيل” بفصل قطاع غزة تماماً عن الضفة الغربية وضمان عدم استخدام غزة سلاحها في وجه “إسرائيل”، وهو ما تسعى له “إسرائيل” لتحقيق صفقتها مع الولايات المتحدة.

إن ما سبق ذكره سيوصل قطاع غزة إلى الخيار ما بين أمرين أحلاهما مر:

إما التمتع بسنغافورة غزة، وهذا يتطلب عدم استخدام السلاح في وجه “إسرائيل” مهما كانت الأسباب وإلا سيرجع القطاع إلى نقطة الصفر، وأيضا سيمنع المقاومة من استخدام سلاحها في انتزاع الحقوق بالقوة وهو مبدأ أساسي عند المقاومة ضد المحتل، وبالتالي عدم القدرة على انتزاعها سياسياً لفقدان السياسة غطاءها العسكري.

أما الخيار الثاني، فهو تدمير ما تسعى القيادة في قطاع غزة إلى تحقيقه عبر الهدنة المرتبطة بالانفراجة الإنسانية من خلال استخدام السلاح ضد “إسرائيل” بسبب تجاوزات معينة للأخيرة تُبقي وضع الحصار على ما هو عليه أو أشد. في نهاية الأمر هذه الرؤية ليست ضد أي محاولة لإنهاء الحصار عن الشعب الفلسطيني وخاصة سكان قطاع غزة على العكس من ذلك، لكن يجب علينا الحذر فالعدو يفكر دائماً بالقضاء على حلم الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه واسترداد حقوقه.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى