مقالاتمقالات مختارة

القوة في السياسة الشرعية (3)

القوة في السياسة الشرعية (3)

بقلم د. وصفي عاشور أبو زيد

المبحث الخامس: ضوابط القوة في السياسة الشرعية
إذا استخدمت القوة في السياسة الشرعية من قبل الحكام والولاة دون أن تكون مضبوطة بضوابطها فإنها تصاب بالنزق، وتسيء من حيث أرادت الإحسان، وتفسد من حيث أرادت الإصلاح، وتهدم من حيث أرادت البناء، وتحطم حياة الناس من حيث أرادت الخير لهم في المعاش والمعاد.
وإذا استخدمت من غير الحكام والولاة فهي صادرة من غير أهلها، وغالبا ما تكون في غير محلها، وفي هذا من الخطر على المجتمع وأمنه ما لا يخفى، والحديث هنا على المجتمعات ذات الحكم الرشيد، التي لا يحاربها حُكامها ولا يعملون ضدها لصالح أعدائها ولا يذيقونها الويلات والمذابح تلو المذابح، وإلا فإذا استخدمت فئة مظلومة القوة للدفاع عن نفسها ودفع الصائل المعتدي على العرض والدين والمال والنفس بما يراعي المصالح والمفاسد ومقاصد الشرع، فلا تكون ملامة شرعاً ولا عقلاً.
ولهذا لابد من وضع ضوابط لاستخدام القوة في حالة المجتمعات الرشيدة، حتى تثمر ثمرتها، وتؤتي أكلها، وتفعل فعلها، وتحقق مقاصدها وأهدافها.
ومن أهم هذه الضوابط:
أولا: أن يكون استخدام القوة صادرًا من جهته المشروعة:
من الضوابط المهمة التي يجب أن تنضبط بها القوة واستخدامها أن تكون صادرة من جهتها المنوطة بها، لا من أي جهة أخرى؛ إذ صدور القوة من غير جهتها المشروعة يهدد أمن المجتمع ويعرضه للفتن.
وأعني بالجهة المشروعة هنا السلطة التي اختارتها الأمة، أو رضيت بها وبايعتها، ووكَّلتْها في حماية المجتمع من الأخطار، وفي حماية حدوده، وتوفير الأمن والأمان لأفراده وجماعاته.
ولا يرضى الإسلام أن تقوم قوى أو جهات غير السلطة الشرعية المختارة بتشكيل عصابات إجرامية لزعزعة الاستقرار وتقويض أمن المجتمع، والقيام بالافتئات على الحاكم المختار الذي يسعى في أمته وفق العقد المبرم بينه وبينها بما يحقق مقاصد الشرع، ويراعي مصالح الخلق.
ويأتي الخلل هنا من أمرين:
الأول: ألا يقوم الحاكم بواجباته، أو أن يخل بالعقد الذي بينه وبين الأمة، فيظلم ويتجبر ويطغى، ويخالف محكمات الشرع، فيهدر مقاصد الخالق، ويقوض مصالح المخلوقين، ومن هنا تنشأ في المجتمعات الجماعات المسلحة، وجماعات السلاح التي ترى وجوب إزالة هذا الظلم فتستخدم القوة، وتستعمل السلاح، فتحدث الفتن والقتل والجراح.
والثاني: عدم الفهم الصحيح للإسلام، وعدم تقدير الأمور حق قدرها، واعتناق الفكر المتشدد الذي لا ينقصه الإخلاص بقدر ما ينقصه حسن الفهم وعمق التجربة، وهؤلاء يحتاجون إلى الرحمة والشفقة، والحوار الفاعل والتواصل البناء.

ثانيا: أن يكون استخدام القوة بحق:
استخدام القوة بغير الحق مذموم ومنكور، ذمه القرآن الكريم وأنكره، وجعل على فاعليه السبيل، قال تعالى: “إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ”. سورة الشورى: 42.
يقول الإمام الطبري: يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّمَا الطَّرِيقُ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ عَلَى الَّذِينَ يَتَعَدَّوْنَ عَلَى النَّاسِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، بِأَنْ [ص:529] يُعَاقِبُوهُمْ بِظُلْمِهِمْ لَا عَلَى مِنِ انْتَصَرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ، فَأَخَذَ مِنْهُ حَقَّهُ. وَقَوْلُهُ: {وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الشورى: 42] يَقُولُ: وَيَتَجَاوَزُونَ فِي أَرْضِ اللَّهِ الْحَدَّ الَّذِي أَبَاحَ لَهُمْ رَبُّهُمْ إِلَى مَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِيهِ، فَيُفْسِدُونَ فِيهَا بِغَيْرِ الْحَقِّ {أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 91] يَقُولُ: فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ، وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، لَهُمْ عَذَابٌ مِنَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي جَهَنَّمَ مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ”([1]).
واستخدام القوة من مصدرها المشروع يجب أن يكون بحق، لا ظلم فيه ولا بغي ، وإنما بالحق والقسط والعدل، وضابط هذا الحق الذي يضبطه ويحكمه هو المقصد من قيام الحكام والولاة، قال العلامة عبد الرحمن بن خلدون: “ومقصود الشارع بالناس صلاح آخرتهم فوجب بمقتضى الشرائع حمل الكافة على الأحكام الشرعية في أحوال دنياهم وآخرتهم … والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به. فافهم ذلك واعتبره فيما نورده عليك، من بعد. والله الحكيم العليم”([2]).
فهذا المقصد الكبير هو الضامن الحقيقي لكي يكون استخدام القوة بالحق، وكل استخدام للقوة لا يحقق هذا المقصد العظيم فهو استخدام بغير حق يجب أن يمتنع عنه الحاكم، ويجب على الأمة أن تأخذ على يد الحاكم لترده فيه إلى الحق.

ثالثا: ألا يكون استخدام القوة متجاوزا لحده:
لا ينفصل هذا الضابط عن الضابط قبله، فاستخدام القوة بحق والامتناع عن استخدامها بغير الحق، يؤدي بنا إلى عدم التجاوز في استخدام القوة، فهناك استخدام القوة بضوابطه، وهناك التعسف في استعمال الحق في استعمال القوة.
ولهذا ضبطت الشريعة استخدام القوة حتى لا يكون مُفْرطًا، وكي لا يأتي بنتائج عكسية، وربما يستجلب غضب الله تعالى وغضب الناس. ومن هنا كان تطبيق الحاكم للحدود مثلا له ضوابطه المعروفة والمدونة في مطولات كتب الفقه حتى لا يتجاوز في استخدام القوة، ولا يتعسف فيها.
وما أكثر ما أفرط الحكام والمحكومون في استخدام القوة باسم الإسلام، وباسم توفير الأمن، وباسم حفظ المجتمع، وباسم تحقيق مقاصد الشريعة، وهذا أدى ويؤدي دائما إلى زعزعة الأمن، واضطراب نظام الحكم، واستعداء الناس، وإلجاء الأمة إلى العنف واستخدام السلاح، بما يفضي في النهاية إلى عكس المقصود تماما.
ومن هنا نؤكد على أن يكون استخدام الحكام والولاة ومن يقوم مقامهم للقوة في حدوده، ومضبوطا بضوابطه، حتى يؤدي دوره، ويحقق مقاصده.

رابعا: ألا يترتب على استخدامها ضرر أكبر:
ومن الضوابط المهمة هنا – وفي غير هنا – ألا يترتب على استخدام القوة ضرر أكبر، وهي قاعدة كبيرة في الإسلام، حاكمة على استخدام القوة وضابطة له، كما أنها حاكمة في أعظم فريضة في الإسلام وأوسعها في باب السياسة الشرعية، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد اتفق الفقهاء أنه إذا كانت إزالة المنكر ترتِّب عليه منكرا أكبر منه حرم الأمر والنهي، قال العلامة ابن القيم: “فإنكار المنكر أربع درجات؛ الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه؛ فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة”([3]).
ومما ذكره الإمام المحقق ابن قيم الجوزية عن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قال: مررت أنا وبعض أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرت عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال فدعهم([4]).
وهذا يدخل أيضا ضمن فقه الموازنات وفقه الأولويات وفقه المقاصد، فهي منظومة مترابطة ومتكاملة يشد بعضها بعضا، ويرتبط بعضها ببعض.
وتَرَتُّبُ المفاسد الكبرى على استخدام القوة أمر يختلف باختلاف الزمان والمكان والحال، ويدخل ضمن تقدير الحاكم للأمور؛ إذ تصرف الحاكم على الرعية منوط بالمصلحة، كما قرره الفقهاء.

المبحث السادس
مقاصد القوة في السياسة الشرعية
إيجاد القوة بعناصرها وأنواعها، وضبط هذه القوة بضوابطها التي أسلفناها يثمر ثمراته ، ويؤدي نتائجه، ويحقق مقاصده، ومن هذه المقاصد:

أولا: حماية الدين وحفظ نظام الأمة:
حفظ نظام الأمة من مقاصد الشريعة الكبرى التي تسعى لتحقيقها عبر أحكامها المختلفة في أبوابها المتنوعة، يقول العلامة محمد الطاهر ابن عاشور: إذا نحن استقرينا موارد الشريعة استبان لنا من كليات دلائلها ومن جزئياتها المستقراة أن المقصد العام من التشريع فيه، هو حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه، وهو نوع الإنسان([5]).
ويقول في موضع آخر: إن مقصد الشريعة من نظام الأمة أن تكون قوية مرهوبة الجانب مطمئنة البال([6]).
ولن تتم حماية الدين وحراسته إلا بسياسة قوية تستجمع لديها كل أسباب القوة وأنواعها، كما قال تعالى: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (60) } الأنفال.
فالمسلمون إذن مكلفون أن يكونوا أقوياء، وأن يحشدوا ما يستطيعون من أسباب القوة ليكونوا مرهوبين في الأرض، ولتكون كلمة الله هي العليا، لأن إظهار القوة يلقي الرعب والرهبة في قلوب أعداء الله الذين هم أعداء العصبة المسلمة في الأرض، الظاهرين منهم الذين يعلمهم المسلمون؛ وآخرين ممن لا يعرفونهم ، ولم يجهروا لهم بالعداوة ، وهؤلاء ترهبهم قوة الإسلام ، ولو لم تمتد بالفعل إليهم([7]).
والأمة مطالبة بإعداد القوة الحربية للدفاع عن الدين وعن الوطن ، وعن كل ما يجب الدفاع عنه ، لأن أعداء الإِسلام إذا ما علموا أن أتباعه أقوياء هابوهم ، وخافوا بأسهم ، ولم يجرؤوا على مهاجمتهم… فيعيش أتباع هذا الدين آمنين مطمئنين في ديارهم ، ويستطيعون أن يبلغوا رسالة الله إلى خلقه من الناس دون أن يخشوا أحدًا إلا الله عز وجل “([8]).
وبهذه القوة تتحقق حماية الدين، ويحفظ نظام الأمة، فتعيش بعيدة عن الاضطرابات والانقسامات والتعصبات، وتعيش آمنة مطمئنة.

ثانيا: تحقيق الريادة والقيادة للأمة:
من المقاصد المهمة التي تحققها القوة بأنواعها وضوابطها أن تتحقق الريادة للأمة، فيمكّن الله لها دينها، ويبدلها من بعد الخوف أمنًا.
يقول العلامة الشيخ السيد سابق: وقد كانت هذه القوى – يعني بأنواعها المختلفة التي أوردناها عنه سلفا – هي العامل الأساسي في نجاح الأمة في أول دور من أدوار حياتها التاريخية؛ فما كادت تجتمع لها هذه العناصر حتى آل إليها ميراث الأرض، ووضع في يدها قيادة الأمم، ووكل إليها إخراج الناس من عبادة الأوثان إلى عبادة الله وحده، ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، وباجتماع هذه العناصر أصبحت الأمة رفيعة البنيان، عظيمة السلطان، ثابتة الأركان، باذخة الذرى، وتم لها وعد الله الذي لا يتخلف: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”. سورة النور: 55([9]).
وهل تتحقق الريادة فضلا عن القيادة لأي أمة من الأمم إلا إذا امتلكت مقومات القوة جميعا؟ لَكَمْ ذاقت أمتنا مراراتٍ وإهاناتٍ وذلةً جراء عيشها تابعة منكسرة؛ حيث إنها لا تملك أيا من مقومات القوة التي تضمن لها الاستقلال والندية والكرامة والعزة، وإذا امتلكتها فهي لا تملك القرار والإرادة التي تصل بها إلى هذه المكانة؛ ولهذا كانت القوة من شعار الإسلام الذي يرفعه ويؤمن به ويدعو إليه.
وأسباب القوة ليست في فوضى الأخلاق، ولا في التحلل من الآداب، ولا في التشكيك في المثل والقيم وثوابت الأمة، ولا في تقليد الشرق والغرب، ولا في استيراد المبادئ من هنا وهناك ، وإنما هي في الأصول الخالدة، والمبادئ الكريمة السائدة، التي جاء بها الإسلام([10]).

ومن هنا وجب على أمتنا اليوم أن تستعيد عافيتها، وتسعى لامتلاك كل أسباب القوة الممكنة، فالعالم المعاصر أضحى لا يعرف إلا منطق القوة لا قوة المنطق، وبات لا يعترف بغير الأقوياء.

ثالثا: تحقيق الرحمة بالمؤمنين والغلظة على المعتدين:
ومن مقاصد وجود القوة بعناصرها وأنواعها وضوابطها أن يتحقق للأمة الرحمةُ بالمؤمنين؛ فترحمهم وتكفلهم وتنصرهم في أي مكان كانوا، ولا تُسْلمهم لعدو ولا معتدٍ، والغلظةُ على المعتدين الظالمين الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق؛ فتردعهم، وتلجمهم، وتلزمهم غرزهم، بما توفر لها من مقومات شاملة للقوة، والله تعالى يقول: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ”. سورة الفتح: 29.
قال الألوسي: “إن المؤمنين فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين، ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين، وفي وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالشدة تكميل واحتراس، فمع كونهم أشداء على الأعداء، فهم رحماء على الإخوان، ونحوه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ..” المائدة: 54. ومعنى كونهم أعزة على الكافرين، أنهم أشداء متغلبون عليهم([11]).
وقال ابن كثير : “هذه صفات المؤمنين الكمَّل؛ أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه، متعززا على خصمه وعدوه” ([12]) . قال عطاء رضي الله عنه: “للمؤمنين كالوالد لولده، وعلى الكافرين كالسبع على فريسته ([13]).

*****

خاتمة توصيات
هكذا تتضح لنا ضرورة توفير القوة للأمة المسلمة، بأنواعها وعناصرها ومجالاتها المختلفة، ويجب أن تضبط الأمةُ ممثلةً في حكامها وولاتها هذه القوة بضوابطها الشرعية التي وضحناها في هذا البحث، حتى تحقق مقاصدها، فتحمي الدين، وتحفظ الأمة، وتحقق لها القيادة والريادة، وتحقق الرحمة بالمؤمنين وتنصرتهم، والتصدي للمعتدين وتردعهم.
وإذا كان هناك من توصيات فإن البحث يوصي بأن تحرص الأمة المسلمة عبر حكامها وقادة الرأي فيها على امتلاك كل أنواع القوة، ومن ذلك:
1. القوة في الإيمان الذي يحرر الضمير والوجدان من كل عبودية لغير الله .
2. القوة في الاستمساك بالحق ، مهما كانت قوة ضغوط الباطل .
3. القوة في العلم الصانع للشخصية المثلى للإنسان، المبني على أسس التقوى، المثمر بالعمل ، وبناء الإعلام النافذ إلى أعماق النفس .
4. القوة في بناء الاقتصاد لاستثمار الأرض وثرواتها، وحسن التصرف فيها ؛ لبناء الحاضر، وتأمين المستقبل.
5. القوة في إقامة المجتمع على أساس العدل الشامل، والتشريع السمح، والعمل الجاد.
6. القوة في الكشف عن الضعف النفسي في المجتمع، والتطهر منه؛ حتى تأخذ النفس طريقها إلى السمو الروحي، والعزة والكرامة.
7. القوة في تربية الأمة على حب الجهاد في سبيل الله ؛ حتى تتمكن من الذود عن حياض الدين والعرض والأرض والثروات .
8. القوة في إعداد الأمة ما تستطيع من قوة السلاح بمختلف أشكاله وصنوفه؛ حتى تستطيع مواجهة أعدائها بمثل ما يواجهونها به .
9. القوة في الاتحاد على أساس إيماني، وعدم التمزق مهما كانت التأويلات الداعية إلى التفرق ذات نية صادقة، والحض على طاعة أولياء الأمور في المعروف، والنصح والدعاء لهم، وتماسك المجتمع كله في السلم والأزمات.
10. القوة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفق الضوابط الشرعية، المبنية على التغيير المتدرج.

والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) جامع البيان عن تأويل آي القرآن: 20/ 528-529. طبعة هجر.
([2]) مقدمة ابن خلدون: 1/ 365. الفصل الخامس والعشرون في معنى الخلافة والإمامة. تحقيق: عبد الله محمد الدرويش. دار يعرب. دمشق. الطبعة الأولى. 1425هـ. 2004م.
([3]) إعلام الموقعين: 3/ 12. دار الكتب العلمية. 1411هـ.
([4]) إعلام الموقعين: 3/ 13.
([5]) مقاصد الشريعة الإسلامية: 60. دار السلام. القاهرة. 2006م.
([6]) السابق: 134.
([7]) في ظلال القرآن: 2/ 1544. دار الشروق. القاهرة.
([8]) التفسير الوسيط : 6/ 141. محمد سيد طنطاوي. دار نهضة مصر.
([9]) عناصر القوة في الإسلام: 4.
([10]) السابق: 6.
([11]) روح المعاني: 13/ 267، و3/ 331. دار الكتب العلمية – بيروت. الطبعة: الأولى، 1415 هـ.
([12]) تفسير القرآن العظيم: 3/ 136. دار طيبة للنشر والتوزيع. الطبعة الثانية 1420هـ – 1999 م.
([13]) مدارج السالكين لابن القيم: 2/ 311. دار الكتاب العربي – بيروت. الطبعة الثالثة، 1416 هـ – 1996م.

(المصدر: مجلة كلمة حق)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى