مقالاتمقالات مختارة

اذكروا الله كثيرا

اذكروا الله كثيرا

بقلم د. محمد علي يوسف

هذه الأيام والشعيرة المرتبطة بها – الحج – لها صلة وثيقة بإقامة ذكر الله

لو استقرأنا آيات سورتي البقرة والحج المتعلقة بهذه الأيام وبعبادة الحج = لوجدنا ذلك الارتباط بذكر الله ظاهرا جليا

إن الأمر بالذكر يتكرر في سائر تلك الآيات تصريحا ومعنى بشكل ملفت للنظر

بلفظ الذكر الصريح في قوله تعالى

“فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ (فَاذْكُرُوا) اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ

(وَاذْكُرُوهُ) كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ

” فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ (فَاذْكُرُوا) اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ (ذِكْرًا)

” (وَاذْكُرُوا) اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ۚ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ لِمَنِ اتَّقَىٰ”

“ليَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ (وَيَذْكُرُوا) اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ”

” وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا (لِيَذْكُرُوا) اسْمَ اللَّهِ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ”

” وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا (ذُكِرَ) اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ”

” وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ ۖ (فَاذْكُرُوا) اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ”

أما الذكر معنى فقد ورد في آيات متعددة منها على سبيل المثال
” ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”
ولا يخفى عليكم أن الاستغفار = نوع من الذكر

وفي قوله
” كَذَٰلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”
والشكر يكون باللسان حمدا وبالجوارح عملا
وأيصا في قوله
” كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ”
والتكبير ذكر له شأن عظيم
الله أكبر
هذه الجملة القصيرة ذات المفضول المحذوف هي من أبلغ ما قالته العرب فى التعظيم
هذا المفضول المحذوف تقديره = كل شيء
أكبر من ماذا؟
الجواب : من كل شىء
ومن أي شىء
أكبر من كل مخاوفك و مرهوباتك
من كل مرجواتك و محبوباتك
من همومك و انشغالاتك
من كل ما يمنعك عنه أو يعطلك عن سبيله

كذلك في السنة النبوية سنجد الذكر حاضرا بقوة هذه الأيام

ففي عموم العشر وردت روايات حسنها البعض بالأمر بالإكثار من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير

وفي يوم عرفة اختار النبي أن يكون الذكر بالتوحيد هو الموصى به مع مطلق الدعاء
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير )

وفي يوم النحر ذكر عند الأضحية وأذكار مطلقة ومقيدة تمتد لأيام التشريق التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم : ” إنها أيام أكلٍ وشرب وذكرٍ لله عز وجل “
هكذا نجد الذكر حاضرا بوضوح في هذه الأيام والعبادات المتعلقة بها

لكن هل المطلوب هو مجرد ترديد لكلمات لا نفقهها؟
لا تصل لقلوبنا

الذكر في حقيقة الأمر معنى أشمل كثيرا من تمتمات غامضة وهمسات غير مفهومة يحرك بها البعض شفاههم أثناء مرور أصابعهم على حبات المسبحة أو يضغطون رز عداد التسبيح الإلكتروني بشكل روتيني لا يحمل باطنه كثيرا مما يبدو على ظاهره!

الذكر حياة!

سلوك ومنهاج ومعاملة

حالة متكاملة يتلبس بها الذاكر في سائر أموره وأحواله
فدعوته ذكر وصدعه بالحق ذكر وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ذكر وسلوكه وأخلاقه ومعاملاته يحدوها الذكر ويحركها الذكر ويضبطها الذكر
لذلك شرع الله الذكر في أحلك المواقف “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون”

ولذلك أيضا جعل الذكر مقترنا بأهم العبادات..

فالصلاة إنما شرعت لذكر الله وهو أكبر ما فيها “وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر”
والصيام جعل التكبير من علله ومقاصده “ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم”
والحج كله يتخلله الذكر والنسك كذلك “ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام”
وعلى هذا جل المواضع القرآنية الكثيرة التي وردت فيها تلك القيمة العظمى والمقصد الأسمى..
حتى عند ارتكاب المعصية بل الفاحشة مطلوب بعدها ألا يتمادى المؤمن في نسيانه وغفلته بل يسارع إلى التوبة والاستغفار وبداية ذلك أيضا تكون بالذكر
“وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ”

أوبعد ذلك كله يتصور البعض أن الذكر قاصر على بعض حركات الشفاة التي لا تجاوز الحناجر ولا تمس القلوب أو ينعكس صداها على الجوارح والسلوكيات والمعاملات؟!
هيهات هيهات
الذكر قضية أعظم من ذلك كثيرا وأشمل

الذكر حياة كاملة

حين تدرك هذا ويستقر في ذهنك أن الذكر مهمة حياتك وزاد قلبك وغذاء روحك الحقيقي

حين تفهم معاني الأذكار والقيم الروحية والتربوية والإيمانية والعقدية التي تبثها تلك الكلمات في نفسك وترسخها في وجدانك

حين تعرف حقيقة الذكر وتستشعر قيمته بأن تعرف من تذكره وتثني عليه وتناجيه وتطرح حوائجك وهمومك بين يديه مستحضرا عظمته ومتذكرا جليل أسمائه وجميل صفاته

حين تدرك ببساطة أن جوهر الذكر ببساطة وعامية مباشرة = إنك تفضل فاكره ولا تنساه أبدا

حينئذ فقط ستفهم قول نبيك صلى الله عليه وسلم: “مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي والميت”
وعندها سيكون مقصدك الأسمى الذي تسعى بكل ما أوتيت لتحقيقه وشعارك الأعظم في تلك الحياة هو ذلك الشعار الذي رفعه موسى عليه السلام والمقصد الذي طبقه عمليا بكل حذافيره
كي نسبحك كثيرا
ونذكرك كثيرا

فلا تفتروا عباد الله عن ذكره في أحب أيامه إليه سواء كنتم حجاجا أو مقيمين
أحيوا ذكر الله
واحيوا به

(المصدر: صحيفة الأمة الالكترونية)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى