مقالاتمقالات مختارة

إنه العيد.. لنتوقف قليلا للتزود بالفرح!

إنه العيد.. لنتوقف قليلا للتزود بالفرح!

بقلم مجاهد أحمد

لا أزعم أن الحياة فجأة ستتوقف غداً عن كونها بائسة، قاسية ومملة للغالبية العظمى منا، العيد لن يغير ذلك، لن يغير أي شيء، بل على العكس ستستمر الحياة ببؤسها وقسوتها حتى إشعار آخر، الحروب والمآسي ستتواصل، القتل والدمار لن يتوقفا عن الحدوث، الأحباب الذين رحلوا لن يأتي بهم العيد، والأحزان على الأرجح ستستمر هي الأخرى في التناسل! الشيء الوحيد الذي يمكن أن يغيره العيد هو نظرتنا للأمور، للقليل الذي نملك، هو دعوة سماوية للانتباه، لنوجه نظرنا للتفاصيل الصغيرة، للهبات التي ألفناها، واعتدنا على وجودها، حتى حسبناها حقاً لا يمكن أن يُنتزع.

السعداء حقاً – كما قال أحدهم – هم أولئك الذين ينظرون للأشياء كأنهم يرونها للمرة الأولى أو للمرة الأخيرة، ينظرون للحياة بعيون طفل.. بفضول ودهشة، أو على الأقل بتمعن وامتنان شيخ سبعيني يدرك أن ما يراه اليوم قد يكون الأخير الذي تراه عيناه في الحياة فيطيل النظر.. يتأمل أكثر، ويدرك بحكمته أن ما بقي له من أيام سيكون من السخافة حقاً إهدارها في حزن أو قلق!

أسوأ شيء يمكن أن يحدث للإنسان أيها السادة هو أن يعتاد، أن تفقد عيناه ذلك البريق الطفولي، حس الانبهار وتلك النظرة البكر للأشياء، كآلة ميكانيكية مهترئة يحيا بلا شعور، ويعيد تدوير الأيام كجمل يدور حول ساقية في حلقة مفرغة ولا نهائية، تائه بلا أي غاية أو أي معنى للحياة! جميعنا تقريباً يعيش في هذه الدوائر، نقضي الليل في انتظار الصباح ونقضي الصباح في انتظار الليل، والسعادة دائماً تكمن فقط في المستقبل الذي نتمناه، لكن لا مكان لها في الحاضر الذي نعيشه.

ربي اجعل عيدك خير بداية لحياة مختلفة للملايين من عبيدك البؤساء على امتداد خرائط الأوطان الممزقة، اللهم بقدرتك أصلح حالهم، وبرحمتك أبدل بؤسهم سعادة

فجأة وبلا أي مقدمات يداهمنا العيد، ويربك روتيننا اليومي البائس، وتنهال علينا بطاقات التهنئة الزائفة، تلك المعلبة الجاهزة التي تُرسل لرفع العتب فقط لا أكثر، نضطر حينها لارتداء الأقنعة السعيدة، ومبادلة الابتسامات الخشبية بأخرى بلاستيكية، ننتظر الليل كما العادة لنعاتب العيد على سوء التوقيت ونغني “بأي حال عدت يا عيد”.

ثم أما بعد:

إنه العيد فلترحموا أنفسكم قليلاً من البؤس والتجهم، اعتبروا العيد مكاناً للتزود بالفرح، فاصل قصير نأخذ فيه استراحة من الحياة، زماناً خارج الزمان نعيد فيه ضبط البوصلة، نتناسى فيه الأحزان، ونرسم الابتسامة – ولو بالقوة – على وجوهنا، برغم الحياة وبرغم كل شيء نبتهج ليوم، نفرح ونتمنى.

نسامح الجميع، من غرسوا خناجرهم في ظهورنا وأولئك الذين غرسوها في قلوبنا، نسامح الجميع بلا استثناء، بما فيهم أنفسنا، نعم أيها السادة العيد فرصة لأن نغفر لأرواحنا ما ارتكبناه في حقها، أن نتسامح مع ذواتنا ونتخفف من الجميع، العيد فرصة أكثر من مناسبة لجرد الحساب، وتنظيف الذاكرة من الكراكيب الكثيرة التي بلا فائدة، وخيوط العنكبوت التي نُسجت فيها. ثم إياكم والرسائل المعلبة، لا تستخدموها، ولا تردوا عليها، فقط تجاهلوها.. هكذا رسائل لا يمكن أن تصل لقلب أحد مهما بلغت من البلاغة والجمال، صدِّقوني لن تصل لأحد لأنها منذ البداية لم تكن تعني أحداً بعينه.

ثم: ربي اجعل عيدك خير بداية لحياة مختلفة للملايين من عبيدك البؤساء على امتداد خرائط الأوطان الممزقة، اللهم بقدرتك أصلح حالهم، وبرحمتك أبدل بؤسهم سعادة. للبؤساء الذين لن يتذكرهم أحد.. لفقراء الجيوب والقلوب، لمساكين المال والبال، ولجوعى الخبز والمشاعر.. لأولئك الذين فقدوا أحبتهم، وأولئك الذين فقدوا أطرافهم.. ولمن فقدوا أوطانهم، وللبقية الذين فقدوا ذواتهم في ظل هذه المعمعة المسماة حياة.. وإليكِ.. كونوا بخير.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى