مقالاتمقالات مختارة

رابعة.. جرح لم يبرأ.. وأمل لن ينتهي

رابعة.. جرح لم يبرأ.. وأمل لن ينتهي

بقلم أحمد حمدان

في مثل هذا الوقت من يوم الرابع عشر من أغسطس لعام ألفين وثلاثة عشر ومع بدايات بزوغ اليوم الجديد، كانت مرحلة فاصلة في حياة كل إنسان، لا أقول مسلم أو غير مسلم، بل كانت نقطة تحول في حياة الكثير من الشرفاء في كل بقاع هذه الأرض. استيقظ العالم على خبر ليس بالهين ولا بالقليل، حدث قل أن تجد له عدلاً في هذه الدنيا، إلا ما كان مع أصحاب الأخدود، لم تر البشرية قتلاً بهذه الوحشية أو تلك البربرية أو السادية التي رأتها بقاع مصر منذ ذلك اليوم.

إن كل شبر في رابعة يحمل ذكرى، فمن دخلها عرف ذلك، كيف لك أن تتخيل مجتمعاً بلا ضغينة أو شحناء أو فحش بالقول أو الفعل، نعم لقد كانت رابعة ذلك المكان الذي عندما تدخل إليه تشعر أنك سافرت عبر الزمن، لتعيش في جوار أناس لا يحملون بداخلهم إلا الحب والود والرحمة، تجد من يفضلك على نفسه فتتذكر قول الله تعالي” وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” سورة الحشر. ولو تقدمت إلى أي مكان فيها لوجدت سعة في القلوب لتستقبل من جاء بعد أن ضاقت أخلاق الناس في كل بقاع الدنيا. كانت رابعة مدرسة إيمانية عملية، لا تهتم بالموعظة قدر اهتمامها بالعمل، فقد كانت لياليها مزينة بالقيام والقرآن ونهارها كان بالصيام والتسبيح، ومع ذلك لم تجد من داخلها من كان له معصية إلا كانت رابعة سبباً في تركه لله، ويبدو لي والعلم عند الله أن كل من وصل إلى هذا المكان كان له رسالة ستصل إليه من خلال ذلك المكان المبارك.

فمن الناس من كانت رسالته توبة في هذا المكان لما رآه على أرض الواقع من معاملة الإسلام التي ينبغي أن نتعامل بها في كل أوقاتنا، ومنهم من كانت رسالته في فقد عزيز عليه كان يحبه ويعلم دينه وإخلاصه ويعلم استقامته وقد كانت نهايته رصاصة غدر من قناص في رابعة، ومنهم من تغير إلى الأفضل الذي ليس أفضل منه فنال الشهادة. لم تكن رابعة نهاية الألم كما يعتقد بعض الناس لكنها كانت بداية حقيقية لكثير ممن أرادوا التغيير نحو الأفضل، فمن أراد الحقيقة بحث عنها لن يجلس مكتوف الأيدي أعمى البصيرة عن رؤية الحق واتباعه، إن رابعة كانت بداية حقيقية نحو الأفضل. يعتقد الكثير منا أن ما حدث كان هزيمة وانتكاسة للحركة الإسلامية في كل الأرض، ولكني أنظر من جهة أخرى فأرى أن الخير الآجل خير من العاجل الذي نحبه، وانظر أخي القارئ إلى قوله تعالى” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَىٰ تُحِبُّونَهَا ۖ نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ ۗ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ” سورة الصف.وانظر إلى قوله في الآية الأخيرة وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين، وكأن هذه هدية فوق ما ذكر أولا.

إن القضية الكبرى هي قضية الإسلام والكفر وليست قضية الإخوان المسلمين في مصر أو غيرها، وفي كل يوم تتأكد تلك الشكوك ويخطُ العدو خطوات نحو هدفه.

من كان يظن أن الإسلام سينتشر فبقاع الأرض لولا هؤلاء المشردين الذين هجروا الأوطان فراراً من طغيان الحكام إلى أرض لم يكونوا يوماً يتصورون أن يمروا منها لولا إرادة الله، لبقي الدين في مكة ولم يخرج إلى المدينة. ثلاثة عشر عاماً هي عمر الدعوة في مكة ولم يذعن لها إلا القليل، مع التعذيب والتنكيل والضعف الذي عاشه المسلمون في مكة، حتى يصل بهم الحال لحصار النبي ولم ينكشف الحصار بعد عام أو عامين بل ظل إلى ثلاثة أعوام وبينهم خير خلق الله على الإطلاق. إن من يذكر السيرة جيداً يعلم أننا لازلنا في سعة من الأمر طالما أننا لا نزال نأمن بعض الشيء على أنفسنا. فهذا النبي في غزوة الأحزاب وقد خرجت العرب عن بكرة أبيها تريد اقتلاع شأفة المسلمين، ومن ينظر للأمور بميزان الدنيا يرى أن قريش ستقضي على الإسلام من جذوره. لكن الثقة في أن الله ينصر عباده المؤمنين كانت راسخة في قلب كل رجل من المسلمين يومها، يمسك النبي بالمعول فيُكَبِّر ويبشر بفتح أعظم الممالك التي رأتها الدنيا قبل الإسلام، والصحابي يقول وكان الرجل لا يأمن على بولته.

لم نصل لتلك الدرجة التي نستحق أن يكون النصر بعدها، لازلنا في مرحلة الإعداد والتمحيص “وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا” حتى تكون المعركة الفاصلة بين الإيمان والكفر. إن القضية الكبرى هي قضية الإسلام والكفر وليست قضية الإخوان المسلمين في مصر أو غيرها، وفي كل يوم تتأكد تلك الشكوك ويخطُ العدو خطوات نحو هدفه، يتجمعون على قطر لأنها تنصر المظلومين، ويكيدون لها ليل نهار، ثم يحاربون تركيا في كل ساعة لأنها تؤوي المشردين من كل بقاع الظلم. ألم تظهر لكم الحقيقة؟ ألم ترو كيف يخططون وينفذون ويستخدمون غيرتكم في حرب قضيتكم ببث اليأس في قلوبكم والشك وعدم الثقة في قياداتكم فتنشغلوا بحربكم عن هدفكم الأكبر، لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم عاجزاً أن يرد الاعتداء الذي وقع عليه في مكة، لكنه كان لديه هدف أكبر من ذلك وهو أن يخرجهم من ذلك الضلال.

إن من يمنون على أهل مصر بأنهم كانوا يطعمونهم ويسعون في مصالحهم ثم انقلبوا في صف عدوهم وأنكروا ما كان من فضل، فرسالتي إليهم أنكم لستم بأقل من أبي بكر الذي عفا عن صاحب حادثة الافتراء والكذب على ابنته الطاهرة النقية زوجة نبينا السيدة عائشة رضي الله عنها، قال تعالى “وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” سورة النور. أقول إن رابعة هي بداية مخاض للعالم كله يغير الله وجه هذه الدنيا بكم “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم” إن ما تركناه في رابعة كان شيئاً عظيماً وليس بأمر سهل أن يتخلص الإنسان من حب دنيا وأن يبيع نفسه لله. ما أجمل أن ترى ثقة في قلب إنسان يرى أجله خلف هذا الليل فيقول والله إني سأكون شهيداً صبيحة هذا اليوم ولذلك سأكون غداً صائماً. يصبح الرجل فيقرأ ورده ثم يذكر الله ثم تبدأ المجزرة فيلقى الله شهيداً رافعاً سبابته لتعلن أن الله أكبر من كل هذه الدنيا وأن ما عند الله خير وأبقى.

(المصدر: مدونات الجزيرة)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى