مقالاتمقالات مختارة

ثلاثية الفقر والجهل والفساد… كيف نفهمها ونقاومها؟

ثلاثية الفقر والجهل والفساد… كيف نفهمها ونقاومها؟

 

بقلم معاذ العامودي

 

تقودنا الطريقة التي نتصور بها الجهل -تقليدياً- أنه “نتاج غياب المعرفة” للتفكير في التعليم على أنه الترياق الطبيعي لحل إشكالية الجهل التي تقع وسط المعادلة الثلاثية بين الفقر والفساد، ولكن التعليم -حتى وإن تم بمهارة- يمكن أن يولّد ثقة وهمية!

لست مع تعريف اليونيسكو، أن الجاهل هو الذي لا يستطيع القراءة والكتابة، من خلال معايشتي لكثير من التجارب على الجبال، وفي القرى، وفي المدن الكبرى التي نقضت هذه الفرضية، فكثير من غير المتعلمين كانت لديهم تجارب واضحة بالحياة أكثر أهمية بالنسبة لي من المتعلمين، وإن كنت أعتقد أن مضارب الجهل تنشأ في المناطق النائية غير المتعلمة -خصوصاً- أو التي لم يصلها التحديث القائم لكسر المقدس، أو الخرافات التي جهّلت هذه المناطق.

الجهل هو عدم قدرتنا على الإدراك ببساطة، إدراك العالم من حولنا كيف يتحرك ، فلقد عانت المنطقة العربية مثلها مثل باقي المناطق في إفريقيا وآسيا الشرقية من الاستعمار، لكن ما بعد فترة الاستعمار أو التحرر ظلت مصاحبة لحالة الإفقار والتجهيل، فقد ولّد “التحرر المنقوص” استبداداً من شكل آخر، التبعية للمحتل الذي عاد أدراجه، وترك مسؤولين ورؤساء أولياء، ووضعوا منطقة عازلة بين المجتمعات التي يقودونها وبين آلية تحرك العالم في الخارج، فظهر جهلاء جدد أشد خطراً من سابقيهم الذين يستقون من وحل الخرافات، الجهلاء الجدد ظهروا نتيجة إعطاء الناس معلومات خاطئة يسيرون عليها، أو تضليلهم بعدم كشف البيانات الحكومية الحقيقة أمامهم لمعرفة الفجوة.

نادراً ما نثق في الإحصائيات التي تقدمها الدول العربية ثقة كاملة، الصحة أو التعليم أو التنمية، أو أية معلومات حقيقة ثابتة يستطيع الجمهور أن يكتشف من خلالها الخلل، ويصاحب الغموض في البيانات الحكومية، أو عدم الكشف عنها بالشكل الصحيح، تضليل في الخطاب الرسمي المقدم للجماهير، في تعريف مصطلحات كثيرة كالفقر والشفافية.

ولا يؤثر الجهل على الفقر فحسب، بل يؤثر أيضاً على السبب في الفقر وعلى عواقبه وعلى طرق مقاومته، فقد كافحت المنظمات الدولية الداعمة للحد من نسبة الوفيات بسبب الملاريا في إفريقيا، وقدّمت معونات كبيرة وفق حاجة الحكومات أو خطتهم لها -وإن كانت حاجة الحكومات غير حقيقية للقضاء أو الحد من الفقر- فهم يطمعون بالمبلغ المنهوب، وما يصل الفقراء الفتات.

لا يؤثر الجهل على الفقر فحسب، بل يؤثر أيضاً على السبب في الفقر وعلى عواقبه وعلى طرق مقاومته

لمقاومة الملاريا، أقرّت المنظمات الدولية الداعمة لدول الوسط الإفريقي مد الفقراء في القرى والجبال بشباك صغيرة توضع على النوافذ في البيوت، أو توضع على الأسرّة حتى لا يصل البعوض إليهم، لكنهم استخدموا هذا الشباك في الصيد، وألقوا بالأكياس الفارغة التي وصلت بها في مياه الأنهار والترع والبرك، لتتحول من جديد إلى محاضن للبعوض دون معرفتهم، فارتفع عدد الوفيات بدل الحد من الفقر والمرض.

وقد لعب العالم الجديد بمنظماته دوراً هاماً في إفقار الشعوب الإسلامية والعربية بشكل متعمد؛ لتظل في معادلة الجهل والفقر والفساد؛ خوفاً من نهضتهم من جديد، عبر توكيل مسؤولين عليهم، أو فرض الإصلاحات والمساعدات المشروطة التي تعني بالتمام أن تبقى الدولة مرهونة لصندوق النقد الدولي عشرات السنين لتسد ديونها.

لعب العالم الجديد بمنظماته دوراً هاماً في إفقار الشعوب الإسلامية والعربية بشكل متعمد؛ لتظل في معادلة الجهل والفقر والفساد؛ خوفاً من نهضتهم من جديد

إن الحالات الثلاث السابقة هي متداخلة فيما بينها، فالفقر يولّد الجهل، والجهل يولد الفساد، وتعود الدائرة بأن الفساد يولد الفقر، والفقر يولد الجهل، وأسوق هنا مثالاً واضحاً لعشرات المشاريع التي تطرحها الحكومات العربية بأسعار خيالية، وترسي مناقصتها على شخصيات سياسية معروفة، تمتلك شركات نافذة في المجتمعات، لكن هؤلاء جميعاً يطلبون من شركات صغيرة تنفيذ مشاريعهم بربع الميزانية دون رقابة، ما يعني تماماً إنهاء المشاريع بحالة سيئة، وجودة منخفضة تؤثر على حالة التنمية في البلد، خصوصاً إذا كانت مشاريع بنية تحتية، كالكهرباء، والطرقات، والمياه، فيحدث الإفقار، عبر التنمية غير الشاملة، وتتطور مناطق على حساب مناطق ثانية تبقى في الفقر، إذاً فالعملية متداخلة، ويمكن هنا أن نضع حلولاً جوهرية للشبح الثلاثي السابق: (الفقر والجهل والفساد):

• البدء من الوسيط في تفكيك المعادلة الثلاثية وهو الجهل، ونحتاج هنا لتطوير المناهج التعليمية بما يجعلها قادرة على مواكبة العلم الحديث، اللغة والتكنولوجيا والفلسفة الاجتماعية والأخلاقية .

• يعتبر الاستبداد السياسي أهم مظاهر التجهيل والفساد، وعليه فكلما زادت الحرية السياسية قل الجهل، وكلما قل الجهل قل الفقر والفساد، فمعرفة الناس بحقوقهم وواجباتهم، وما على المسؤولين من حقوق وواجبات، النقطة الأساسية في محاربة الشبح الثلاثي.

كلما زادت الحرية السياسية قل الجهل، وكلما قل الجهل قل الفقر والفساد، فمعرفة الناس بحقوقهم وواجباتهم، وما على المسؤولين من حقوق وواجبات، النقطة الأساسية في محاربة الشبح الثلاثي

• حرية الوصول للبيانات الحكومية ودقتها تعني أن الجيل سيكون قادراً على معرفة الإشكاليات التي تواجه مجتمعه، فيرتفع معها حالة الوعي بالمسؤولية تجاهها، ولا يمكن حل هذه الإشكاليات إلا من خلال العلم والبحث العلمي، فكلما زاد حجم البحوث العلمية التي تقدمها الجامعات الوطنية قلت الإشكاليات المجتمعية ، كذلك كلما زادت الشفافية والحرية في الوصول للبيانات الحكومية، زاد حجم الاستثمار الأجنبي؛ نتيجة زيادة ثقة المستثمرين بالبيانات الحكومية وحساب المخاطرة الحقيقية على رأس مالهم، والاستثمار يقلل البطالة ويزيد العمالة ما ينعكس على الفقر مباشرة.

• إعادة تشكيل الإعلام وتوجيهه؛ لرفع حالة الوعي عند المجتمعات الفقيرة بالمشاكل التي يواجهونها، والتي تواجهها الدولة، والحلول الجمعية المشتركة.

معادلة بسيطة للناظر إلى الحالة التنموية التي حصلت في دول حديثة كتركيا مثلاً أو ماليزيا، لقد حدثت التنمية حين قلّ الفساد، وحين قلّ الفساد قل الفقر وارتفع المستوى العلمي كماً وكيفاً، وزاد الإنفاق على البحوث الأكاديمية العلمية فقل الجهل أيضاً.

 

(المصدر: موقع بصائر)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى