مقالاتمقالات مختارة

حين تتسع المعرفة بالواقع

حين تتسع المعرفة بالواقع

 

بقلم د. سعد الكبيسي

 

مشكلة كبرى حين لا ينظر إلى أبعد من قدميه من وضع نفسه موضع قيادة الناس في السياسة والفتوى والتربية

وتزداد المشكلة في عالم معقد نعيشه اليوم فقرارات ما وراء البحار وأقاصي الدنيا تؤثر فينا وقراراتنا تؤثر فيهم وغياب المعرفة والإدراك لموازين القوى السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية في الواقع المحلي والاقليمي والدولي يفضي الى توريط الجموع وتعجل القرار وكارثية النتائج.

حين تطالع السنة والسيرة النبوية فإنها تصيبك بالدهشة والذهول وانت تكتشف مقدار معرفة النبي صلى الله عليه وسلم للواقع المحلي (مكة والمدينة) والواقع الاقليمي (الجزيرة العربية وما حولها ) والواقع الدولي (امبراطوريات الفرس والروم ومصر والحبشة)

فأنت لا تشاهد نبيا أميا صلوات ربي وسلامه عليه يعلم الناس الخير ويسقيهم الفضائل والأخلاق ورسوم التعبد ويركز على العقائد فحسب بل تشاهده بملكاته الفطرية وبنبوته ورسالته المعصومة وبمشورته الدائبة على وعي كامل وتام بما يجري حوله محليا واقليميا وعالميا فيخطط ويتعامل ويناور ويبني ويحمي ويكافئ ويعاقب وينتصر ويهزم ويستدرك

فمحليا:

لم يسل سيفه في مكة نظرًا لضعفه وقداسة المكان وسلمية الدعوة.

وفي المدينة يبني المسجد ليكون مرجعية المجتمع الجديد.

ويآخي بين المهاجرين والأنصار ليحقق التضامن الاجتماعي.

ويكتب بالعهد والذمة لاهل الكتاب ليحقق استقرار الدولة والسلم الاهلي

ويبني السوق ليوزع مراكز الثروة المحتكرة من يهود.

واقليميا:

يكسر شوكة قريش المعتدية ليوقع معها اتفاق الهدنة.

ويتحالف مع قبائل الجزيرة مسلمهم وكافرهم.

ويستقبل الوفود المبايعة

ويجلي البؤر المتآمرة.

ويقبل من الاعراب ظاهر الاسلام وأبسط الفرائض.

ويتألف ضعيف الايمان منهم.

ودوليا:

فانه يرسل رسله ورسائله للملوك ويتلطف معهم ويدعوهم ويعدهم بالخير ويهاديهم ويقبل هديتهم

وينقش على خاتمه رعاية لعاداتهم

يرسل نعيم مسعود لتقصي الأخبار

ويسأل في بدر عن عدد المشركين ليعد العدة

ويرسل الهدي قبل مقدم قبيلة تجل الشعائر ليروها

ويعتبر الروم اقرب من المجوس اليه لانهم اهل كتاب ويحزن لهزيمتهم ويفرح لنصرهم

ويأمر زيد بن ثابت بتعلم لغة كتب يهود وبتعلم السريانية ليترجم له

ويحجم عن عقاب المنافقين خوف اتهامه بقتل من آواه في المدينة اذ البعيد لا يفرق

وينفتح على تجارب الاخرين كما في الخندق

ويعرف طبائع الحبشة حكومة وشعبا فيرسل صحبه لاجئين هناك

ويأمر بالغناء في اعراس المدينة لان الانصار يعجبهم اللهو

ويؤسس مجلس وبرلمان شورى للسلم والحرب

لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا كم يا ترى سيؤسس مراكز للدراسات لمعرفة الواقع وتقصي الحقائق؟

وكم مجلسا شوريا سيعقد؟ وكم كفاءة سيدعم؟

وكم طاقة نوعية سيوجه؟

“لقد جاءكم رسول من أنفسكم”

“ربنا وابعث فيهم رسولا منهم”

فهو بشر من أنفسهم وفيهم ومنهم

نبي مرسل لا يحمل بين جنبيه قلب يدرك ويعي وحي السماء فحسب بل قلب يدرك ويعيش واقع الأرض ليقود واقع الارض بوحي السماء

(المصدر: رابطة العلماء السوريين)

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى