إسلاميو باكستان.. تنصرهم الميادين وتخذلهم الصناديق
إعداد براء هلال
منذ استقلال
باكستان قبل سبعين عاما، لم تتلق الأحزاب الدينية خسارة كهذه التي لحقت بها في الانتخابات الأخيرة التي تصدرها حزب الإنصاف بزعامة لاعب الكريكيت السابق
عمران خان.
وقد ظلت الأحزاب الدينية لاعبا أساسيا في السياسة الباكستانية تستند في مشروعيتها إلى سلطتها الدينية في البلد الذي أنشئ على أساس الإسلام، وعلى خطابها الحماسي والمعادي للغرب.
علقت الأحزاب آمالا كبيرة على هذه الانتخابات حيث ظل أداؤها باهتا في الدورات الانتخابية السابقة، فقررت أن تحيي “مجلس العمل المتحد” الذي يضم جميع المشارب والطوائف الدينية، بزعامة مولانا فضل الرحمن رئيس جمعية علماء الإسلام المنحدرة من المدرسة الديوبندية الحنفية.
ولكن لم يحصل مجلس العمل المتحد بأحزابه كلها هذه المرة إلا على 12 مقعدا في البرلمان الفيدرالي، وهو أقل من عدد مقاعد جمعية علماء الإسلام وحدها في الانتخابات السابقة عام 2013 حيث حصلت على 13 مقعدا، فيما حصلت الجماعة الإسلامية على أربعة مقاعد حينها.
وكانت تجربة مجلس العمل المتحد الذي تأسس عام 1993 قد نجحت في عام 2002 حيث استغل مشاعر العداء المتنامية تجاه الغرب بعد الغزو الأميركي
لأفغانستان واستطاع كسب التعاطف الشعبي في تلك الدورة وحل ثالثا في البرلمان بحصوله على 64 مقعدا، لكن هذا الكيان حل في عام 2008.
مزاعم تزوير
ويُرجع الناطق باسم الجماعة الإسلامية عبد الغفار عزيز السبب في تراجع الإسلاميين إلى التزوير “الفاضح” الذي تم قبل الانتخابات وأثناءها حيث أُجبر عدد كبير من المرشحين على الانشقاق والانضمام لحزب الإنصاف من قبل “مؤسسات سيادية” لم يسمّها، في إشارة إلى العسكر.
وقال إن التزوير قد حصل إبان فرز الأصوات حيث طُرد ممثلو الأحزاب من مراكز الاقتراع “وقد أجمعت كل الأحزاب على ذلك”.
لكن المفارقة الكبيرة تتعلق بعجز زعماء هذه الأحزاب عن تأمين مقاعد في البرلمان لأول مرة في تاريخ الانتخابات حيث خسر فضل الرحمن مقعده في مسقط رأسه والذي كان يفوز منه دائما خلفا لأبيه مفتي محمود.
كما هزم أيضا زعيم الجماعة الإسلامية سراج الحق. ولم يستطع ممثلو بقية أحزاب المجلس مثل جمعية أهل الحديث السلفية وجمعية علماء باكستان الصوفية والحركة الإسلامية الشيعية تحقيق نتائج تذكر إلا من إقليم بلوشستان القبلي.
ويربط المتخصص في الجماعات الإسلامية الدكتور نور جمعة تراجع هذه جماعات بالرؤية السياسية التقليدية الضعيفة التي لم تعد ترقى إلى مستوى تطلعات الناخب الباكستاني.
وتحظى الجماعات الدينية باحترام وتأييد كبيرين لدى الشعب الباكستاني المتدين بطبعه، وتستطيع أن تحشد أعدادا غفيرة لنصرة للقضايا الإسلامية الكبيرة، لكن لم تستطع أن تجمع الناس خلفها في القضايا الداخلية.
ولذلك يرى جمعة أن أحزاب الإسلام السياسي في باكستان لم تستطع أن تستوعب أولويات المواطن الباكستاني، فهو يصوت للخطاب الذي يلامس حياته اليومية ويعالج مشاكله ولا تكفيه الخطب الدينية الرنانة.
توحيد الطوائف
وقد حاول مجلس العمل المتحد هذه المرة أن يظهر بصورة أكثر انفتاحا وتسامحا ونبذا للطائفية عبر توحيد جميع الطوائف والمذاهب في جسم واحد، لكن يبدو أن خطته لم تفلح.
ويعلل الناشط السياسي حمزة مؤمن حكيمي بأن العمق الانتخابي لهذه الأحزاب هم خريجو المدارس الدينية الذين يهمهم التوجه والمعتقد أكثر من البرنامج السياسي والاقتصادي للمرشح، فليس من المتوقع أن يصوت ناخب متدين لمرشح من طائفة أخرى حتى ولو كان مرشحا توافقيا للمجلس.
كما يؤكد حكيمي أن المجتمع الباكستاني ليس حديث عهد بالأحزاب الإسلامية، فقد جرب خطابها السياسي الذي يدغدغ العواطف الدينية للناخب على مدى العقود الماضية، ولكن خطابها كان يتعارض دائماً مع الولاءات والتحالفات التي تنشأ بعد الانتخابات.
وعرف عن الأحزاب الدينية خاصة جمعية علماء الإسلام تغيير ولاءاتها وتحالفاتها كلما تغير ميزان القوى، فوقفت الجمعية مع العسكر إبان عهد مشرف ومع اليساريين في حكومة زرداري ومؤخرا مع نواز شريف، في سعي دائم للبقاء في السلطة، دون ابتداع سياسة مستقلة تضمن لها الوصول للحكم برؤية إسلامية ذاتية.
ويبدو أن الناخب في “باكستان الجديدة” وإن كان يحترم الجماعات الدينية سيصوت للخطاب الذي يقنعه بأنه سيحسن أحواله المعيشية أيا كان توجهه الديني.
(المصدر: الجزيرة)